إلى أين يتجه استخدام التقنيات في مستقبل الرعاية الصحية في العالم العربي؟

إلى أين يتجه استخدام التقنيات في مستقبل الرعاية الصحية في العالم العربي؟

2020-04-24 10:13 ص

إلى أين يتجه استخدام التقنيات في مستقبل الرعاية الصحية في العالم العربي؟

 

الثورة الرقمية في خدمة الصحة

 

على الرغم من تأخر الرعاية الصحية في العالم العربي، إلا أن دولًا عدة في المنطقة نفذت خلال الأعوام الأخيرة خطوات طموحة لتعزيز القطاع ومجاراة معايير الجودة العالمية للتصدي لارتفاع معدلات الأمراض المزمنة وتوفير سبل تعتمد التقنيات الحديثة للوقاية المبكرة.

 

ووفقًا لتقرير نشره موقع هارفرد بزنس ريفيو، فإن الذكاء الاصطناعي يساعدنا في تشخيص الأمراض استنادًا إلى تكامل جميع بيانات المريض والأفكار المتعلقة بوقت اتخاذ القرار، ما يساهم في تعزيز دقة الرعاية الصحية وعلميتها، والوصول إلى العلاج المناسب في الوقت المناسب، فضلًا عن خفض التكلفة، وتحليل كميات هائلة من البيانات، في فترات وجيزة.

 

نمو التقنيات الصحية عالميًا

 

وأصبح قطاع التقنيات الصحية أحد أكثر القطاعات الاقتصادية نموًا في العالم، وبلغ حجم الاستثمارات في هذا القطاع نحو 23 مليار دولار، منذ العام 2010 حتى العام 2017، وعلى الرغم من تأثر معظم قطاعات الاقتصاد، بسبب جائحة كوفيد-19، إلا أن قطاع التقنيات الصحية لم يتأثر، بل شهد نموًا، بفضل التوجه الرسمي لحكومات العالم لدعمه إلى جانب شركات كبرى وناشئة دخلت على خط المواجهة.

 

وتعددت التقنيات الحديثة المستخدمة في قطاع الرعاية الصحية؛ على غرار استثمار قواعد البيانات، وتكثيف إنتاج الأجهزة القابلة للارتداء، وتطوير تطبيقات تمنح المرضى والأطباء سيلًا من المعلومات.

 

وشهدت الأعوام الأخيرة استثمارات كبيرة في الخدمات الرقمية؛ ومنها استثمارات شركة فيتبيت الأمريكية في الأجهزة القابلة للارتداء، فضلًا عن انتعاش سوق تطبيقات تشخيص الأمراض، وشرح الطرق الكفيلة بالتعامل معها؛ ومثال ذلك شراء شركة جوجل لشركات ناشئة متخصصة بتحويل الهواتف النقالة الذكية إلى أجهزة طبية، تجمع البيانات الصحية.

 

وازدهرت أيضًا تطبيقات الرعاية الصحية عن بعد، إذ تمنحنا الثورة الرقمية فرصة لتطوير هذه التطبيقات لتقديم خدمات صحية أكثر تعقيدًا، في ظل التطور الكبير في مجال الذكاء الاصطناعي، بما يكفل إدارة كميات ضخمة من بيانات المرضى وتقليل الأخطاء البشرية.

 

الصحة في العالم العربي

 

وتوقع تقرير أصدرته شركة فيتش سلوشنز، حديثًا، نمو سوق الرعاية الصحية في العالم العربي، ليصل إلى 243.6 مليار دولار، بحلول العام 2023، بإجمالي نمو يصل إلى 11.7% سنويًا، وسط آمال بثورة رعاية صحية جذرية لم تشهدها المنطقة من قبل.

 

وواكبت دول عربية عدة أحدث التقنيات الصحية، لمواجهة تحديات تفرضها زيادة نسبة الأمراض، إذ يواجه سكان المنطقة البالغ عددهم أكثر من 411 مليون نسمة، زيادة حادة في الأمراض المزمنة؛ مثل السكري والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية، جراء التغيرات في أنماط الحياة؛ من سوء التغذية ونقص التمارين الرياضية وقلة النوم الجيد والتوتر الزائد. ووفقا لتقرير صدر حديثًا، عن وكالة كوليرز إنترناشيونال، يُتوقَّع أن ترتفع نسبة مرضى السكري في العالم العربي، لتصل إلى 110%، بعدد إجمالي يبلغ 82 مليون مريض، خلال الأعوام الستة والعشرين المقبلة، ما يؤثر بشدة على معدلات الوفاة، والناتج المحلي الإجمالي، وتكاليف الرعاية الصحية.

 

ونفذت دول مجلس التعاون الخليجي خطوات عملية، ترمي إلى رفع سوية الوعي الشعبي، ونشر عادات معيشية أكثر صحة واستدامة، وتحسين سلامة المرضى، وتقليل التكاليف إلى الحد الأدنى، وزيادة إمكانية الحصول على الرعاية الصحية. فضلًا عن ضخ استثمارات بقيمة مليارات الدولارات في القطاع الصحي.

 

التقنية في خدمة الصحة

 

ودخلت التقنيات الحديثة بقوة في مجال تطوير القطاع الصحي، وأصبح الوصول إلى مستقبل صحي أفضل، أكثر واقعية. وشهد القطاع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي، والمعزز، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وإنترنت الأشياء، والروبوتات، وتقنية النانو، وتصميم المنتجات الطبية، فضلًا عن تصميم غرف المستشفيات لتحسين رفاهية المرضى. وشجعت دول مجلس التعاون الخليجي متخصصي الرعاية الصحية على التعاون الكامل مع هذه التقنيات، لتحويل أنظمة الرعاية الصحية غير المستدامة إلى أنظمة مستدامة.

 

وساهمت الثورة الرقمية أيضًا، في تنظيم العلاقة بين العاملين في القطاع والمرضى، ووفرت علاجات أقل تكلفة وأسرع وأكثر فعالية، في التصدي العالمي لأمراض؛ مثل نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) وأيبولا، وحاليًا ضد كوفيد-19، للوصول إلى مجتمعات متعافية صحيًا.

 

وذكر تقرير صادر عن مركز ديلويت للحلول الصحية، إن معظم دول المنطقة أعطت رفع سوية الرعاية الصحية، أولوية قصوى، ما حقق قفزات نوعية من ناحية التحسين والابتكار والاعتماد على التقنية.

 

ويحتل توفير مزيد من الأدوية الدقيقة جزءًا كبيرًا من خدمات الرعاية الصحية، ولأن الطب حاليًا، يستخدم نهجًا واحدًا يناسب الجميع في التشخيص والوصفات الطبية، أي أن 90% من الأدوية التقليدية، تناسب 30 إلى 50% من المرضى فقط. يبرز دور التقنيات الحديثة القائمة على الذكاء الاصطناعي، لتسهم في اكتشاف أدوية جديدة، واتخاذ قرارات سريرية وتشخيصية رئيسة.

 

وخطت دولة الإمارات العربية المتحدة – بالفعل- خطوات مهمة، في طريقها لتعزيز دور الذكاء الاصطناعي، ودعم اقتصاد المعرفة، بما يتواءم واستراتيجيتها للذكاء الاصطناعي 2031. وبعد تعيين وزير دولة للذكاء الاصطناعي، كان أحد الأهداف الرئيسة، إدخال أدوات الذكاء الاصطناعي إلى مختلف القطاعات؛ بما فيها الرعاية الصحية. وحولت هيئة الصحة بدبي على سبيل المثال – بالفعل- جميع سجلات المرضى في الإمارة إلى نظام غير ورقي بالكامل في العام 2017، وبتفعيل برنامج سلامة أتمتت الهيئة أكثر من 1.4 مليون سجل و112 مليون معاملة. ويضم النظام 25 تطبيقًا منفصلاً في بوابة واحدة، ما يساعد الطواقم الطبية في الوصول بسهولة إلى البيانات، فضلًا عن إصدار البرنامج لتنبيهات في الوقت الحقيقي، وتحذيرات تلفت الانتباه إلى التغييرات الضرورية في دواء المريض أو حالته.

 

وتساعد التقنيات المُبتكَرة أيضًا، في تفعيل خدمات الرعاية الصحية عن بُعد؛ وأطلقت المملكة العربية السعودية، في الأعوام الأخيرة، مشروعًا للصحة الإلكترونية مدته عشرة أعوام، لرقمنة خدمات الرعاية الصحية، وربطت وزارة الصحة بين موظفي الرعاية الصحية والمرضى، من خلال منصة موحدة مركزية، باستخدام منتجات من شركة بي إم سي الأمريكية للبرمجيات.

 

القطاع الخاص يدعم التوجه الجديد

 

ودعمت شركات خاصة التوجه الجديد لرفع سوية الخدمات الصحية ورقمنتها؛ ونذكر منها شركة دبادوك المغربية الناشئة للرعاية الصحية عن بعد، التي نجحت في توصيل 3.5 مليون مريض بنحو 4 آلاف طبيب في المغرب وتونس والجزائر، منذ تأسيسها في العام 2014. وتقدم شركة فيزيتا المصرية خدمات مشابهة، وبلغ إجمالي استثماراتها 5 ملايين دولار. ولدى شركة الطبي الأردنية 1.5 مليون صفحة من المحتوى الطبي العربي، على موقعها الإلكتروني، فضلًا عن 12 ألف طبيب، يقدمون استشارات عبر شبكة الإنترنت، وبلغ إجمالي استثماراتها 6.5 ملايين دولار.

 

وفي دولة الإمارات، تقدم شركة ديموكرانس الناشئة، خدمات التأمين الصحي، من خلال تطبيقات الهواتف النقالة، لسكان العالم العربي، الذين لا يحصلون على التأمين الصحي، البالغة نسبتهم نحو 90% من سكان المنطقة. وحصلت الشركة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، على تمويل بنحو 800 ألف دولار، من خلال مجموعة من المستثمرين.

 

وتسعى شركة ميدوباد الناشئة (مقرها لندن) إلى إطلاق تطبيقات متطورة لتحليل البيانات في السعودية، لتحسين الحالة الصحية والبدنية لسكان المملكة، وتعزيز العادات الصحية.

 

ودخلت إلى العالم العربي تطبيقات عديدة، تهدف إلى تطوير سوق التقنية وتعزيز الرعاية الصحية. وابتكرت منصة هيلثيغو (مقرها دبي) طريقة تساعد المرضى على استعادة سجلات صحة عائلاتهم بدقة، والإبلاغ عن حالات الطوارئ، وتحديد المواعيد، وتلقي الأخبار الصحية الشخصية والتذكير بمواعيد الأدوية.

 

ومن شأن التقنيات الرقمية، تحسين تجربة المريض، من خلال خدمات؛ تشمل إرسال نتائج الاختبارات والفحوصات والأدوية والتذكير بالمواعيد رقميًا، من خلال بوابات الويب المعززة وتطبيقات الهاتف النقال. ويبدو أن قطاع الصحة في العالم العربي سيشهد خلال الأعوام القليلة المقبلة، توجهًا حثيثًا لمجاراة التقنيات الحديثة، وتطوير القطاع للحاق بالركب العالمي وتوفير خدمات صحية مرضية لسكانه.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments