استشراف المستقبل (16) | انحراف المسار

استشراف المستقبل (16) | انحراف المسار

2021-01-09 12:00 ص
الكاتب :

استشراف المستقبل: (16) انحراف المسار

 

شكَّل استشراف المستقبل هاجساً كبيراً لدى المنظمات البشرية ومكوناتها دفعها إلى الدخول في سباقٍ محموم لتحقيق قصب السبق وتعزيز الريادة على منافسيها اعتماداً على السرعة في الوصول إلى المستقبل المأمول، بيد أنّ بعض هذه المنظمات وفي إطار سعيها الحثيث لتحقيق الهدف وقعت في مطب التسرع، ذلك المطب الذي أعاق كثيراً من حركتها وجعلها تتخلف عن الركب، وأضحت أهدافها مجرد شعارات براقة منفصلة عن الواقع فضاعت بين تعقيدات الماضي الموروث واضطراب الحاضر الموصول وأحلام المستقبل المنشود.

 

وبنظرةٍ فاحصة للتخطيط المستقبلي يتضح لنا أنه يتضمن قدراً كبيراً من المال والوقت والجهد، ورغم ذلك فإنّ عمليات التطوير تفشل غالباً في تحقيق ما هو متوقع منها بسبب التطبيق السيء وليس بسبب عملية تطوير الاستراتيجية نفسها، حيث أنّ بعض المنظمات تفتقد الأسلوب النظامي في تناول تطوير فهم الخيارات المستقبلية لدعم تطوير الاستراتيجية، وتستند الاستراتيجية بدل ذلك وبالدرجة الأولى إلى معلومات عن الماضي والحاضر، ومن الممكن إيجاد مواطن للتفكير حول المستقبل في تطوير الاستراتيجية من خلال إعادة صياغة المفهوم لعملية التخطيط الاستراتيجي كنموذج أوسع ذي مراحل ثلاث هي: التفكير واتخاذ القرار والتنفيذ، وبالتالي فإنّ أسلوب تناول المستقبليات يمكن أن يستخدم بطريقة روتينية في عمليتي تطوير الاستراتيجية والتخطيط التقليديتين كي تتهيأ المنظمات بطريقة أفضل للشكوك التي تعتري المستقبل.

 

ويشكلُ التحليل العمود الفقري للاستشراف التطبيقي نظراً لأهمية المخرجات التي يحصل عليها، وبكل الأحوال يعدُّ التحليل – سواء أكان فردياً يعتمد على المخزون المعرفي لإنتاج الأفكار أو كان جماعياً يتبع نماذج التحليل المعتمدة – بمثابة قاعدة للبيانات المستخرجة والمعتمدة والمستمدة من الواقع الفعلي والتطورات المصاحبة له، ومن خلال بحث مدخلات التحليل المعتمدة على العوامل المرتبطة بالبيئة الداخلية والخارجية تتشكل رؤية استشرافية دقيقة تمكنها من تحقيق التقارب في التنبؤ إلى نسب متقدمة تفوق نسب الاحتمال التي تقدر بـ50% شريطة أن يكون التحليل منهجاً منظماً يأخذ دوره في مسار الوظيفة والتخطيط والتنبؤ القريب والبعيد الذي يحقق الاستشراف الدقيق والرؤية الفاعلة.

 

يتحدث وليم هالال أستاذ الإدارة في جامعة جورج واشنطن عن التغيير المؤسساتي ويؤكد أنه مختلف عن التغيير التنظيمي، فهو يركز على أصناف كاملة من التنظيمات التي تشكل بنية المجتمع، ويلخص في دراسته آراء شخصيات معروفة لتوضيح حدود التغيير من خلال دخول الاقتصاد العالمي المستند إلى المعرفة، ويقول: إنّ النظام الاجتماعي الحالي المتألف من شبكة من المؤسسات المترابطة يمر بمرحلةٍ تاريخية من التسارع يُساء فهمها إلى أبعد الحدود، ويعوزها التخطيط الدقيق بدرجة أكبر، وإذا لم نتعلم كيفية التحكم في هذه العملية فإنها ستتحكم بنا.

 

إنّ طريق المستقبل يجب أن لا يعني التخلي عن الماضي، فهو الذي يمنح المستقبليين طريق اكتشاف المستقبل، وتشخيص الخيارات المتاحة بكفاءةٍ عالية، وإدراك مقدار التغيير الذي حدث الآن يجعل أزمات اليوم تبدو أقل ترويعاً، لكنّ كنوز اليوم قد تثقل كواهل من يخلفونا، والقراءة والتحليل الصحيح للمعطيات يساعدان على الانطلاق الصحيح نحو المستقبل، فالماضي والمستقبل يتعايشان معاً، ويقوم الناس بالتنبؤ بـالمستقبل بالطريقة نفسها التي يشيخون بها، أي بسرعاتٍ مختلفة ونحو نهاياتٍ مختلفة، وعلى المستقبليين إما أن يستخدموا الماضي ويرحبوا بالقيم المتنافسة في عالمٍ مستدام، وإما أن يروجوا لـمستقبلٍ مقفل الخطى حيث لا مكان للمنشقين.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments