«الإسكوا» تقدم «رؤية العالم العربي 2045»..
فرصة لمواكبة التطور التكنولوجي وتعزيز الابتكار والتجدد الثقافي
بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الجامعة العربية والأمم المتحدة التي ستحل عام 2045 تخوض لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا» – وهي لجنة اقليمية تابعة للمنظمة الدولية – تحديا إيجابيا بالتعاون مع جامعة الدول العربية، وهو التقدم برؤية عملية لتعزيز فرص التنمية المستدامة ومواكبة التقدم الحاصل على مستوى العالم بكل ما يحمله من آثار على أسواق ونظم الإدارة والعمل، لأن عدم المواكبة للتحولات من قبل الحكومات والمؤسسات العربية يعني المزيد من اتساع الهوة بين المجتمعات وتالياً تعميق اللامساواة والفقر متعدد الأبعاد وهجرة الأدمغة وكل آثارها السلبية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
ويتمثل دور«الإسكوا» في تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي و«دون الإقليمي» العربي.
ويمكن الاشارة إلى أهداف مشروع الرؤية العربية 2045 التالية:
– استعادة الأمل بمستقبل أفضل في المنطقة العربية.
– اقتراح عقد اجتماعي عربي جديد أطرافه ثلاثة هي: المواطن والدولة والحفاظ على البيئة، وذلك لتكريس مفهوم السيادة من جهة، وبناء مجتمعات المعرفة، والاقتصادات العربية الحديثة المنتجة التي تتعاون فيما بينها مع تعزيز المؤسسات الفعالة التي تحمي المجتمعات العربية من النزاعات والهشاشة.
– تحقيق الوثبة عوضا عن ردم الهوة بولوج المنطقة العربية ثورة العلوم والمعرفة والاتصالات وتطبيقات الثورتين الصناعيتين الرابعة والخامسة.
وستنطوي الرؤية على مبادرات وخطط عمل استراتيجية وتوصيات سياساتية لتحقيق الأمن والأمان، العدل والعدالة، الابتكار والإبداع خاصة جيل الشباب والمرأة، الازدهار والتنمية الاقتصادية المستدامة، والإثراء من التنوع والحيوية والانفتاح، والتجدد الثقافي والحضاري.
تشرفت باختياري للمشاركة ضمن المجموعات الاستشارية للقائمين على الرؤية، وشاركنا على مدى يومين في بيروت مع نخبة من الإعلاميين العرب البارزين والخبراء والأكاديميين في إبداء الملاحظات التي من الممكن إدخالها على أركانها الستة (الأمان والعدالة والابتكار والازدهار والتنوع، والتجدد الثقافي والحضاري).
بداية: العامل الأبرز المشجع للمشاركة في هذه الرؤية والإيمان بإمكانية وفعالية دخولها حيز التنفيذ هو واقعيتها، فهي تنطلق من فهم كامل لواقع الحال في العالم العربي، بما في ذلك التفاوت الكبير بين الدول العربية في مؤشرات التنمية ومستويات المعيشة ونوعية الخدمات، ولكنها رغم ذلك ما لم تتنبه لما تقدمه الرؤية حول التغيرات وتستعد بشكل جيد، فإن هذه الدول جميعها في دائرة التأثيرات السلبية.
جهد كبير تبذله وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا د. رولا دشتي، ومنسق الفريق القائم على الرؤية الطيب الدجاني مع قياديي وفرق «الإسكوا» المختلفة لتحقيق القيمة المضافة المرجوة من الرؤية.
أبرز النقاشات تمحور حول التقدم السريع للتكنولوجيا والأبحاث العلمية بما يغير بشكل كامل مفهوم التعليم وارتباطه بسوق العمل، ففي عالم اليوم تتقدم الحاجة الى التمرس وتحديث الخبرات التعليمية دورياً على حمل شهادة مهما علا شأنها وهو ما يفرض الحاجة لأن تكون هذه التحديثات متوافرة أمام الجميع بما في ذلك حملة الشهادات للحفاظ على لياقتهم المهنية، وفي الإطار ذاته يستعد العالم أيضا لاستقبال تقنيات جديدة ذات تداعيات هائلة على كل نواحي الحياة، بما فيها حركة الإنتاج والإدارة وأسلوب العيش والدراسة وحتى الرياضة وغيرها، مثل دمج تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي في ما يسمى بالواقع الموسع أو الممتد والذي لن تقل آثاره على حياتنا عما حملته الثورة الرابعة، وقد يكون مفيدا في هذا المجال العمل على إنشاء مركز إقليمي للابتكار والتعاون في البحث العلمي، مع التنبيه الى ما يقتضيه الاندماج في هكذا تحول من ضرورة تطوير بنية الاتصالات مع تأمين الأمن الكافي لها، والذي بدوره قد يتحقق ايضا من خلال الانتقال الى التقنيات الكموميـــــة (الكوانتم) الضامنة لحماية غير قابلة للخرق على مستوى التشفير.
النقطة الأخرى اللافتة كانت لجوء القائمين على المبادرة إلى قياس «ميل الرأي» حول مضمون الرؤية عبر ما يسمى بـ«الراصد الإلكتروني» الذي حول مضمونها الى كلمات دلالية في وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر نموذجاً) مستخدمة تقنيات الذكاء الاصطناعي والإحصاء لجمع وتحليل المعلومات الخاصة والخروج بخلاصات واستنتاجات موضوعية جماعية مبنية ومستخلصة من مجموع الآراء الشخصية الواردة في مواقع التواصل بعد فلترتها لضمان تحييد تداخلات (البوتات) وما يسمى بـ «الجيوش الإلكترونية».
وعرض فريق «الإسكوا» ما توصل إليه ببراعة على هذا الصعيد. وفي نفس الإطار قام بـ «رصد المهارات» وعروض سوق العمل مستخدما تقنيات البحث والتحليل بشكل مستمر.
وتطرقت النقاشات التي ساهم بتوجيهها وزير الخارجية اللبناني السابق د. ناصيف حتي أيضا الى ضرورة التخلي عن فكرة التعصب القومية والنظر للعروبة كقومية، فالعروبة وعاء حضاري يتسع لمختلف القوميات والأديان ولا يتناقض مع مفهوم «الدولة الإقليمية» الذي تتمتع به كل الدول العربية ويحفظ خصوصيتها وبدلا من أن يكون سببا للقلق على السيادة يمكن الاستفادة من مفهوم العروبة والعمل الجماعي العربي كعامل قوة للجميع تقتضيه ضرورات التعاون والاستفادة من العوامل الجامعة لشعوبنا وأهمها اللغة.
من أجواء الجلسات
في بداية الجلسات أعلنت د. رولا دشتي أن مشروع «رؤية 2045» سيُقدم إلى القمة العربية كوثيقة يقرؤها المواطن العربي ويكون له دور فيها.
وبدوره، أكد منسق فريق عمل المشروع الطيب الدجاني أن تنسيق السياسات العربية ضروري لبناء المؤسسات وحفظ المجتمعات من الهشاشة، بينما أشار أمين سر «الإسكوا» كريم خليل إلى أهمية وجود نمط جديد في التفكير المواكب للتطور.
ومن مداخلات الخبراء كانت كلمة للدكتور ناصيف حتي، أشار فيها إلى أن توسيع طريق بين عاصمتين عربيتين أهم من ألف بيان قومي، مجددا الدعوة إلى وجود «هيئة حكماء عربية» تكون جاهزة للدخول عند ظهور أي نذر لأزمات لحلها قبل استفحالها، كما تحدث عن أهمية بناء السلم بعد النزاعات. ودعا إلى وجود جهاز رصد للأزمات قبل وقوعها، مشيرا إلى أن التداعيات الحالية للحرب الروسية – الأوكرانية ولجائحة كورونا التي ضربت العالم واستمرار المشاكل في العالم العربي كلها وقائع تشير الى الحاجة إلى التغيير في العمل وطرق التعامل مع التطورات.
من ناحيتها، تطرقت القاضية منية عمار من تونس إلى العدالة بأنواعها: العدالة الانتقالية والاجتماعية والاقتصادية وارتباطاتها بالحقوق، ومن أهمها حق العامل بأجر عادل في عالم عربي يشهد اتساعا في الفجوة بين الأغنياء والفقراء، كما تحدثت عن الحوكمة والعدالة الضريبية وحقوق الإنسان.
بدوره، تناول د. خالد أبو إسماعيل في معرض شرحه لمفهوم الازدهار طريقة إعداد المؤشرات من قبل «فرق الاسكوا» لتكون أداة فعالة في التشخيص ثم التحليل وصولا إلى بناء السياسات والاستراتيجيات الصحية والسليمة.
الخبيرة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي د. مارييت عواد والخبير الاقتصادي د. سليم عراجي قدما كل على حدة شرحا وافيا عن اتجاهات المستقبل في عالم يزداد «أتمتة» وسبل الاستفادة من التطور التكنولوجي في جمع المعلومات وتحليلها وتحقيق الازدهار، وفي الوقت ذاته الحاجة إلى حماية البيانات ودعم ريادة الاعمال والحد من هجرة الأدمغة وتمكين الشباب العربي ليكون على قدر التحديات في مجال سيكون شريان الحياة الرئيسي للاقتصادات في العقود القادمة والرافد الأساسي لسوق العمل بالوظائف الجديدة التي تعوض ما احتلته الآلة من أعمال كانت متاحة للبشر.
الدكتور فارس أبي صعب تصدى لمحور التجدد الثقافي، معددا نقاط القوة المكانية والزمانية والثروات الطبيعية والفكرية للعالم العربي التي يمكن البناء عليها واستثمارها بشكل أكبر في مشروع حضاري متجدد، كما تحدث عن أنماط العيش الثلاثة في المدينة والقرية والضواحي.
من جانبها، شددت د. ندى العجيزي من جامعة الدول العربية في بداية الجلسات ونهايتها على الحاجة الى وطن عربي آمن وعادل ومتجدد علميا وثقافيا، وهذا ما حاولت «الإسكوا» من خلال مشروعها الهادف بعنوان «رؤية 2045» ان تساهم فيه مع الأمل بأن يبلغ غاياته لما فيها من فائدة وخير للشعوب العربية ومنطقتنا.
2022/8/3
محمد الحسيني