الدراسات المستقبلية واستشراف المستقبل: تحديد المفهوم والدلالات

الدراسات المستقبلية واستشراف المستقبل: تحديد المفهوم والدلالات

2019-07-19 7:00 ص
الكاتب :

الدراسات المستقبلية واستشراف المستقبل: تحديد المفهوم والدلالات

 

 

د. فؤاد بلمودن

 

جاء في لسان العرب: “تشرف الشيء واستشرفه: وضع يده على حاجبه كالذي يستظل من الشمس حتى يبصره ويستبينه، ومنه قول ابن مطير:

 

فيا عجبا للناس يستشرفونني كأن لم يروا بعدي محبا ولا قبلي

 

وفي حديث أبي طلحة: أنه كان حسن الرمي، فكان إذا رمى استشرفه النبي صلى الله عليه وسلم لينظر مواقع نبله، أي يحقق نظره ويطلع عليه، والاستشراف أن تضع يدك على حاجبك وتنظر، وأصله من الشرف العلو.”

 

الاستشراف يتضمن التطلع والنظر وحديث النفس والتوقع. وهو أول ما نبدأ به، والتشوف هو الاستجلاء من خلال التطلع والنظر الشامل وفيه معنى الارتفاع بغية الإحاطة بالنظر. فالتشوف إذن قرين الاستشراف، وهو خطوة تالية له في الدراسات المستقبلية، يصل الدارس من خلاله إلى الاستجلاء بعد أن يكون قد تطلع وأمعن النظر، والرؤية هي ذروة عملية الدراسة المستقبلية وهي النظر بالعين والقلب، والنظر بالعين والعقل وإدراك المرئي بطرق عدة هي … الحاسة والتخيل والتفكر والعلم.

 

“إذن فإن استشراف المستقبل هو اجتهاد علمي منظم يرمي إلى صوغ مجموعة من التنبؤات المشروطة، والتي تشمل المعالم الرئيسة لأوضاع مجتمع ما، أو مجموعة من المجتمعات، وعبر فترة مقبلة تمتد قليلا لأبعد من عشرين عاما، وتنطلق من بعض الافتراضات الخاصة حول الماضي والحاضر، ولاستكشاف أثر دخول عناصر مستقبلية على المجتمع. بهذا الشكل فإن استشراف المستقبل لا يستبعد أيضا إمكانية استكشاف نوعية وحجم التغيرات الأساسية الواجب حدوثها في مجتمع ما، حتى يتشكل مستقبله على نحو معين منشود.

 

أما المستقبل فهو ”الزمن الذي يأتي بعد الحاضر”.

 

وعلم المستقبل هو علم حديث يعتمد أحدث المعطيات الاقتصادية والعلوم المتطورة والتقنيات المتقدمة لتصور ما يكون عليه العالم بعد عقد وعقدين.

 

ويعتبر عالم الاجتماع الأمريكي جيلفيلان أول باحث استخدم تعبير علم المستقبل في أطروحة تقدم بها إلى جامعة كولومبيا لنيل درجة الدكتوراه عام 1920 وكان قد استخدم في مقال له عام 1907 مصطلح mellontology وهي كلمة لاتينية تعني أحداث المستقبل… (كما) أطلقه عام 1943 عالم السياسة الألماني أوسيب فلختايم الذي كان يدعو لتدريس المستقبليات منذ عام 1941، وكان يعني به إسقاط التاريخ على بعد زمني لاحق.. وقد انتقد العالم الهولندي فريد بولاك هذا المصطلح على أساس أن المستقبل مجهول فكيف نرسي علما للمجهول.

 

وأما المستقبلية فهي النظرية الموضوعية للدراسات المستقبلية، وأن علم المستقبليات هو التطبيق العملي في الحياة.

 

وتعرف المستقبلية بأنها علم “لم يخرج في بدايته عن كونه طريقا أو أسلوبا للتنبؤ وفق تصورات وخيالات الكتاب والعلماء غير أنه يعتمد الآن على مفهوم التحسب أو استشراف صورة ممكنة للمستقبل، وبناء نظرة تركيبية كلية جامعة تستطيع أن ترشد هذا المستقبل وتوجهه، وتستطيع أن تكون منطلقا لسياسات اجتماعية مستمدة من ضرورات ذلك المستقبل.”

 

ومن أوضح ما عرفت به المستقبلية في المجلة الأمريكية (المجتمع في عالم المستقبل) أنها “دراسات تستهدف تحديد وتحليل وتطوير كل التطورات المستقبلية في حياة البشر في العلم أجمع بطريقة عقلانية موضوعية”.

 

ومن الضروري التمييز بين مصطلح علم المستقبل futurologi والمستقبلية futurism فعلم المستقبل فيعرفه أحمد زكي بدوي بقوله: “أما علم المستقبل فهو العلم الخاص بالتنبؤ بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المستقبل. ويستند في دراستها على الاستقراء والاستنباط، بجمع الوقائع الفردية المتعددة ليستخلص منها المبادئ العامة التي تحكمها، ويخرج بعد ذلك بالصور التي سيكون عليها المجتمع في الأجيال القادمة.

 

وحول جدل التسمية عقد إدوارد كورنيش في كتابه ((المستقبلية )) فصلا بعنوان: ((حقل يبحث عن تسمية)) يقول فيه: “لا يعرف المستقبليون ماذا سيطلقون على موضوعهم، بل حتى إنهم لم يتفقوا على ماهيته، وهل هو علم أم فن أم فلسفة أم شيء يختلف عن هذه الموضوعات. فإذا كانت دراسة المستقبل علما فربما يكون المقطع النهائي – ology– مناسبا، ولكن هل دراسة المستقبل هي علم فعلا ؟ وهل يجب أن يقتصر هذا الحقل على الباحثين، أو أنه يجب أن يشمل الممارسين والمبدعين أيضا.”

 

المصدر

 

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments