جدل المصطلحات
تهدف الدراسة المستقبلية بصفة عامة إلى توفير إطار زمني طويل المدى لما نتخذه من قرارات اليوم، ومن ثم العمل وفق نظرة طويلة المدى وبأفق زمني طويل نسبياً، فهذا أمر تمليه سرعة التغيير وتزايد التعقيد وتنامي اللايقين في كل مايحيط بنا، فضلاً عن اعتبارات متصلة بالتنمية والخروج من التخلف، وهذا بدوره قد يدخلنا في متاهة الجدل بين المصطلحات السائدة (كالإستراتيجية، والتفكير الإستراتيجي، والتخطيط الإستراتيجي). فماهي الإستراتيجية، ومالفرق بين التفكير الإستراتيجي والتخطيط الإستراتيجي؟ وما دور كل منهما في استشراف المستقبل؟
تعرف الإستراتيجية بأنها خطة عمل طويلة الأجل ترمي إلى تحقيق الأهداف وفق الإمكانات المتاحة، وهي عبارة عن اختيار اليوم الذي سيؤثر في نتائج الغد، وتتغير وفقاً لطبيعة الأحداث والمعطيات بخلاف القوانين والتعليمات الصارمة، وفي بعض الحالات تأخذ الإستراتيجية طبيعة طارئة وملحة. لذلك يمكن اعتبارها وسيلة تنبع من تفكير خلاق وابتكار إبداعي.
أما التفكير الإستراتيجي فهو عملية إبداعية في استشراف المستقبل انطلاقاً من الماضي والحاضر، يهتم بمعالجة البصيرة، وينجم عنه منظور متكامل للمستقبل، وهو الطريقة الأكثر ثراءً وإبداعاً لكيفية التعامل مع القضايا والفرص الرئيسة التي تواجه المنظمة بحيث ينتقل هذا النوع من التفكير بأصحابه من النظر إلى المنظمة على أنها مجموعة أجزاء لا رابط بينها إلى رؤية المنظمة كوحدة متكاملة، أي أنه انتقال من فكر يعتمد على الأهداف والوسائل إلى إطار منهجي يتجه نحو المستقبل ويتسم بالارتقاء.
وأما التخطيط الإستراتيجي فهو عبارة عن عملية نظامية تهدف إلى دعم القادة ليكونوا على وعي بأهدافهم ووسائلهم وبذلك يعتبر التخطيط الاستراتيجي أداة لا تستخدم إلا لغرض واحد هو مساعدة المنظمة على أداء عمل أفضل وأكثر جودة، وتركيز نظرتها المستقبلية وأولوياتها في الاستجابة للتغيرات التي تحدث في البيئة المجاورة، وهو ما يضمن عمل جميع أفرادها باتجاه تحقيق الأهداف نفسها، وبالتالي يصبح المقصود من كلمة (استراتيجي) إضفاء صفة النظرة المستقبلية طويلة الأمد والشمول على التخطيط.
وأخيراُ لابدَّ من التنويه على أن ثقافة الدراسات المستقبلية ستظل تراوح مكانها إن لم نسعَ إلى إعادة تشكيل عقول الشباب، وخلق اتجاهات شبابية مضيئة بفكر منهجي يحلل وينقد ويستنتج بعقلانية. نحن بحاجة إلى عقول تستشرف المستقبل حتى لا تبقى قضايانا في إطار الأمنيات.