رؤية استشرافية لخمسة تغيرات سياسية عالمية متوقعة في المستقبل

رؤية استشرافية لخمسة تغيرات سياسية عالمية متوقعة في المستقبل

2024-10-20 8:19 ص

رؤية استشرافية لخمسة تغيرات سياسية عالمية متوقعة في المستقبل

ميراندا بوتشر | لارس بروزوس

 

تميز العقدان الأخيران بوقوع سلسلة من الأحداث المفاجئة التي أدت إلى تداعيات جيوسياسية كبرى في العالم مثل: اندلاع الثورات العربية في عام 2011، فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية في عام 2016، انتشار جائحة “كورونا” في عام 2019، الهجوم الروسي على أوكرانيا في عام 2022. ومع ما تفرضه تلك الأحداث على الدول من إعادة ترتيباتها الجيوسياسية، أصبح من المهم بناء رؤية استشرافية لمسارات الأحداث العالمية، مع التركيز على آثارها الاستراتيجية للحد من تبعاتها السلبية.

 

وفي هذا الصدد، طرح المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية تقريراً بعنوان التقلبات السياسية العالمية: استشراف المستقبل” في مايو عام 2024، يشتمل على رؤية استشرافية للتقلبات السياسية العالمية المُتوقعة في المستقبل القريب، خاصة تلك التي تؤثر في كل من ألمانيا وأوروبا. وعُني التقرير بتصميم خمس حالات استشرافية وهي: تحول أوروبا نحو اللا ليبرالية، فوز الصين في سباق الفضاء، إصلاح جذري لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تغيير سياسة واشنطن تجاه أوكرانيا، بروز جائحة جديدة قادمة من روسيا.

 

تحول أوروبا نحو اللاليبرالية:

يتوقع التقرير ظهور تحالف ثلاثي غير مألوف في أوروبا، في عام 2027؛ إذ سيقف الرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً، ورئيسة الوزراء الإيطالية، ورئيس الوزراء السويدي جنباً إلى جنب مُعلنين عن رؤيتهم السياسية الأوروبية المستقبلية والمتمثلة في الابتعاد عن القيم الليبرالية الأوروبية التقليدية. تلك الرؤية الجديدة ستكون منبثقة بالأساس من الخلفية السياسية اليمينية؛ إذ يمثل ذلك المشهد نتيجة لحصد أحزاب اليمين الأوروبية أغلبية الأصوات ليس فقط في دولها الأصلية، لكن أيضاً على مستوى الاتحاد الأوروبي في البرلمان، والمجلس والمفوضية.

 

يستند السيناريو الاستشرافي للتقرير على واقع تطور مكانة الأحزاب اليمينية؛ إذ يشير إلى أنه بداية من عام 2020 كانت السمة الغالبة على تلك الأحزاب التشظي إلى ثلاث كتل مختلفة، أولها، الكتلة المعتدلة التي تمثلها كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين. ثانيها، الكتلة المتطرفة التي قد يكون خير مثال عليها هو حزب البديل من أجل ألمانيا. ثالثها، أحزاب أوروبية يمينية لم تكن تنتمي لعائلة حزبية على مستوى الاتحاد الأوروبي كحزب فيدس – الاتحاد المدني المجري، والذي انضم بعد انتخابات البرلمان الأوروبي في عام 2024 إلى كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين.

 

واقتنص الاتجاه اليميني حصة انتخابية متزايدة بمرور الزمن؛ إذ كانت حصته في البرلمان الأوروبي في عام 2009 تبلغ 15%، ثم ارتفعت إلى 25% في الدورة التشريعية 2019-2024، ومن المتوقع تبعاً لهذا النموذج الاستشرافي أن تستمر الوتيرة التصاعدية لاقتناص الحصص الانتخابية بواسطة الجناح اليميني بأطيافه المختلفة؛ الأمر الذي يصل إلى فوز الحزب اليميني بمقعد الرئاسة الفرنسية في عام 2027. الجدير بالذكر أن المشهد المتشظي الخاص بالجناح اليميني يتضاءل شيئاً فشيئاً ليكسب نفوذاً جديداً داخل الاتحاد الأوروبي.

 

ومن المتوقع أن ينتهج التيار اليميني استراتيجيات عدة لتعزيز تحول أوروبا نحو اللاليبرالية؛ إذ سيعزز العلاقات الأوروبية مع روسيا، كما سيتم إنشاء وكالة الاتحاد الأوروبي للديمغرافيا والتنمية المستدامة لمساعدة الدول الأعضاء في تطوير استراتيجيات هادفة لزيادة معدل المواليد لضمان استغلال العنصر البشري الناتج في تحقيق التنافسية والرفاهية، من خلال تعميم الائتمانات الضريبية الموحدة في أوروبا على العائلات ذات العدد الكبير من الأطفال.

 

كما من المتوقع أن تفشل محاولات تقنين الهجرة وحق اللجوء إلى أوروبا، لذلك يتوقع التقرير أن يلجأ الرئيس الفرنسي إلى إقامة استفتاء وطني في عام 2027 حول وقف الهجرة، وقد يسفر ذلك عن استجابة الاتحاد الأوروبي لنتائج الاستفتاء وإغلاق الحدود رسمياً وطرد طالبي اللجوء السياسي. وعلى الرغم من أن إنشاء الوكالة الأوربية للديمغرافيا يستهدف سد الفجوة في سوق العمل؛ فإنها لن تنجح في ذلك وسيستمر نمو نسبة العمال المهاجرين غير النظاميين.

 

ريادة صينية في سباق الفضاء:

من المتوقع مستقبلاً –وفقاً للتقرير- أن تعلن الصين في عام 2028 عن بدء عصر جديد للفضاء تحت هيمنتها، وبما يمثل نهاية إحكام السيطرة الأمريكية على ذلك المجال. سيأتي ذلك بعد قيام الصين بإرسال أول بعثة فضائية مأهولة إلى القمر بالتعاون مع إيران والمجر. يستند هذا الاستشراف على التطور الصيني في مجال الفضاء بداية من عام 2021؛ إذ قامت بإطلاق مبادرة صينية روسية لإنشاء محطة أبحاث القمر الدولية.

 

وبرغم تعرض روسيا إلى عقوبات غربية بسبب حرب أوكرانيا بما جعل دورها ثانوياً؛ فإن ذلك لم يوقف الصين عن تطوير هذه المبادرة، وجعلها أشبه بتحالف متعدد الأطراف بحلول عام 2026؛ ومما يثير الدهشة هو انضمام الدول الأوروبية لذلك التحالف، بعدما أفرط ترامب في التعبير عن العدوانية ضد الصين والدول المتعاونة معها في مجال الفضاء، خلال خطاب تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة للمرة الثانية عام 2025؛ إذ يفترض التقرير في استشرافه فوزه بالانتخابات القادمة في نوفمبر 2024؛ وهو ما سيؤدي إلى تحجيم العلاقات الأوروبية الأمريكية في مجال الفضاء؛ نظراً لإدراك أوروبا بأن سياسات ترامب ترمي إلى جعل الولايات المتحدة أولاً في الفضاء.

 

ونجحت الصين في العديد من الأنشطة الفضائية؛ إذ بنت بالفعل نظام ملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، كما تقوم باختبار أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية (تشمل التشويش على الإشارات والقدرات السيبرانية)، فضلاً عن القيام بمهمات استخراجية للعديد من المعادن وغاز الهيليوم من على سطح القمر. ويرى التقرير أنه ما لم تتمكن الصين من بناء شراكات قوية في المجال الفضائي، فلن تستطيع الاحتفاظ بصدارتها أمام الولايات المتحدة لفترة طويلة.

 

اعتماد توسعات مجلس الأمن:

في استشراف آخر، يتوقع التقرير حدوث تغيرات جذرية في مجلس الأمن في عام 2028؛ إذ سيتضاعف عدد أعضائه ليصبح 27 عضواً بدلاً من 16 عضواً، وقد تم إعطاء عضوية نصف دائمة إلى 6 دول من الأعضاء؛ إذ يتشاركون حق الفيتو بجانب الخمس الكبار، وسيتم تخصيص هذه المقاعد في البداية لمدة ثماني سنوات للدول الأعضاء، مع الأخذ في الاعتبار مراعاة التوزيع الإقليمي للمقاعد، كما يمكن إقالة أولئك الأعضاء فقط من خلال أغلبية ثلثي الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويرى التقرير أن ألمانيا ستكون أبرز الدول التي قد تتمتع بالعضوية نصف الدائمة، كما يتوقع أن يوافق الأعضاء الدائمون على سقوط حق الفيتو لهم إذا كانوا طرفاً في نزاع عسكري.

 

بيد أن رياح التغيير تلك في مجلس الأمن لم تكن لتؤت ثمارها ما لم تتضافر عوامل أخرى، كفشل مجلس الأمن بشكل متكرر في حفظ السلام والأمن الدولي، فضلاً عن اتساع الفجوة بين الأعضاء الخمسة روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا من جهة أخرى؛ لدرجة أنه أصبح من النادر اتخاذ قرارات ذات صلة، خاصة مع تزايد النزاعات المسلحة في أوكرانيا والقوقاز والشرق الأوسط والقرن الإفريقي.

 

تدخل ماسك لوقف الحرب:

وفقاً لتوقعات التقرير، فقد يأتي عام 2025 مُحملاً بتصريحات لإيلون ماسك عبر منصته الاجتماعية” إكس” (تويتر سابقاً) مفادها إجبار القوات الأوكرانية على وقف إطلاق النار والتفاوض للوصول لحل سلمي، وقبول ما نتج عن استمرار الهجمات الروسية من سقوط أراضٍ أوكرانية تحت أيدي روسيا بانقضاء عام 2024.

 

وارتكز ماسك إلى نفوذه التكنولوجي، للضغط على واشنطن وكييف على حد سواء، ووسط ظروف مواتية من تراجع للشعب الأمريكي عن توفير مخصصات لتمويل أوكرانيا في الحرب، وازدياد الأصوات المنادية بأهمية التركيز على إعادة بناء ولايات متحدة أمريكية قوية. وتتنوع الأوراق الضاغطة لماسك للتأثير في صناع القرار من الطرفين؛ إذ تُعد شركته “سبيس إكس” شريكاً لا غنى عنه للحكومة الأمريكية في مجال الفضاء، فـ”ستارلينك” هي المزود الوحيد للاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، في مدار منخفض حول الأرض؛ إذ تتميز بقدرتها العالية على مقاومة الهجمات بفضل العدد الكبير من الأقمار الاصطناعية الداعمة للخدمة.

 

ولا يخفى على الأوساط السياسية دور “ستارلينك” في تسهيل عمليات التواصل للمجتمع الأوكراني وقدرات الجيش الأوكراني؛ إذ وفر ماسك مباشرة بعد الحرب الوصول إلى الإنترنت عبر شبكته الفضائية مجاناً للجيش الأوكراني. لكن مع استمرار الحرب، بدأ يتسرب لماسك الشعور بالقلق إزاء التكاليف المالية والسياسية؛ ومن ثم انبثقت فكرة إنهاء دعمه لأوكرانيا، وفقاً للنموذج الاستشرافي للتقرير.

 

وباء قادم من روسيا:

يواجه العالم عام 2027 خطراً جسيماً على صحة الإنسان وأمنه الغذائي والتنوع البيولوجي؛ إذ ينشأ مرض (نوع من الجمرة الخبيثة) بسبب ذوبان الجليد في روسيا. سرعان ما يتم تناقل هذه الجمرة عن طريق الطيور؛ ومن ثم يتفشى الوباء في مختلف أنحاء العالم. وبينما يتم تناقل الأخبار حول وجود وفيات في روسيا، لكنها تنفي الأمر. ويكشف تزايد أعداد المصابين عن طبيعة البنية الصحية العالمية الفقيرة وأهمية تفعيل الحوكمة الصحية العالمية، مع ضمان توزيع عادل للإجراءات الطبية حال حدوث جائحة، والتعاون مع المجتمع المدني لنشر الوعي حول تلك الأمراض وأساليب الوقاية.

 

وفي خضم تلك الأحداث التي يتوقعها التقرير، يجري رفع تدريجي للحظر على التعاون العلمي بين ألمانيا وأوروبا وروسيا؛ بسبب تأثر كل الدول بالجائحة الجديدة. وتُعد الدانمارك من أبرز المساهمين الأوروبيين في هذا التعاون العلمي لظهور الوباء في مملكة غرينلاند الواقعة داخل حدودها، كما ستجري اتصالات وثيقة بين الصين وروسيا لمنع تفشي الوباء بسبب التقارب الجغرافي، وذلك على غرار التعاون الذي جرى بين البلدين في جائحة “كورونا”.

 

ختاماً، لا يجزم الباحثون في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية بضرورة تحقق توقعاتهم الاستشرافية بشأن الأحداث الخمسة في السياسة العالمية، مع ذلك فمن الضروري دراسة كل الاحتمالات الممكنة كي تتمكن الدول والحكومات من الاستعداد لها عن طريق وضع السياسات الألمانية والأوروبية المناسبة للتصدي لأي مخاطر مستقبلية.

 

للاطلاع على التقرير

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments