رؤية مستقبلية

رؤية مستقبلية | د. عبد الباري محمد الطاهر

2021-06-04 12:07 م

رؤية مستقبلية

 

هناك بعض الأساسيات أو بعض المسلمات يجب توضيحها، وهي أن الماضي والحاضر والمستقبل ثلاث حلقات متصلة، وإن كان الحاضر هو أصغر حلقة بين الحلقتين الأخريين، وهو يمثل نقطة في بحر الزمن.

 

أما بالنسبة إلى دراسة علم المستقبل أو العلوم المستقبلية، فالغيب لا يمكن التحدث عنه، ولا الاقتراب منه؛ لأنه شأن من شئون الله فهو علام الغيوب، ولا علاقة ولا حديث لنا عنه ولكن ما نتحدث عنه هو دراسة المستقبل، أو كيف يمكن أن ننطلق إلى المستقبل استنادًا على معطيات الواقع.

 

إن أي إنسان في الدنيا له هدف أو حلم، سواء الحديث عن الإنسان أو الدولة، هذا الحلم قد يأتي بعد سنة أو عدة سنوات، ولو كان هناك فرق فالمشكلة تكون في أي الأخطاء التي اتبعناها والتي سلكناها ولم توصلنا إلى هذا الحلم، وهنا نشير إلى نقطة هامة، وهي أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنزل كتبًا سماوية إذا اتبعنا ما فيها نكون قد أدينا ما علينا، ونكون قد حققنا كل أهدافنا.

 

فلا يمكن أن يكون هناك إنسانٌ ناضجٌ وعاقلٌ ورشيد، ولا يحلم ولا يكون له هدف ولا أمل، والمستقبليات تكون علمًا عندما تختص بهذا المنهج، وليس الغيب ولا التنبؤات.

 

إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت له رؤية مستقبلية منذ بداية دعوته إلى الله عز وجل، بل منذ أن خرج إلى الوجود ومن كانوا حوله ينظرون إليه إلى أنه سيكون له شأن، فجده “عبد المطلب” قال: سموه “محمد” ليكون محمودًا في الأرض والسماء، فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رمز للرؤية المستقبلية، فقد أنزل الله عليه آيات عظيمة: “يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ”. سورة “المدثر”: الآيات (1-7).

 

فقد تحددت لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معالم الدعوة “قم فأنذر”، إنذار عام، فقد أعلن من البداية أن رسالته عالمية، منذ أول لحظة بدأت مرحلة الرسالة، وهو يعلم أنها عالمية، وأن هذا الطريق طريق شاق، ولذلك قال الله: “وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ”، فكانت الأمة الإسلامية عبر تاريخها الذي بدأ بآدم عليه السلام، إلى يومنا هذا مرتبطة بأربعة أمور أساسية:

 

الأمر الأول: هو العقيدة، فما من نبي إلا وجاء إلى قومه يأمرهم بعبادة الله عز وجل، وهناك آيات في كتاب الله عز وجل حول هذا المعنى.

 

الأمر الثاني: الشريعة، فما من نبي إلا وجاء إلى قومه بشريعة تتناسب مع هذا القوم.

 

الأمر الثالث: الأخلاق.

 

الأمر الرابع: العلم.

 

وديننا الإسلامي بدأ حياته بالعلم، بل بدأ بقول الله عز وجل: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ”.

 

سورة “العلق”: الآيات (1-3).

 

فأول صلة بين الأرض والسماء كانت العلم، كأنها دعوة إلى النظر إلى المستقبل، واستخدام الأساليب العلمية للوصول إلى الحقائق حتى من البدايات الأولى، فالعلم التجريبي كان واضحًا، فقد كانت الأمة وفق هذا المنهج ترتبط بثلاثة أمور أساسية: قيادة راشدة، ودستور واضح، وأمة واحدة، ومن خلال هذه الأمور كانت الأمة تتطور وتزداد وتزدهر وتسمو، حتى إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما انتقل إلى “المدينة” لبناء الدولة بنى مجتمعًا مكونًا من مجموعة من العناصر، كان به: يهود، ومنافقون، ومشركون، ومسلمون، ومع كل هذا جمع بين هذه العناصر ليوجد على وجه البسيطة بلدا فيها عناصر كثيرة، وتضع قانونا يستطيع أن يجمع هذه العناصر.

 

المصدر

 

قد يهمك أيضاً

1 1 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments