سيناريوهات الحرب في غزة | أ. د. وليد عبد الحي

سيناريوهات الحرب في غزة | أ. د. وليد عبد الحي

2023-11-06 11:49 ص

سيناريوهات الحرب في غزة | أ. د. وليد عبد الحي

 

من العسير قراءة مشهد متحرك لاستشراف مآلاته المستقبلية المباشرة، وفي ظل أن المشهد التفصيلي في ميدان المعركة يحوطه الغموض رغم هدير المدافع والطائرات والصواريخ، إلا أن المتداول حول نهاية هذه المعركة التي ستكون أطول مما يعتقد البعض، لن يخرج في تقديرنا الأولي والعاجل عن الاحتمالات التالية (دون ترتيب حسب قوة الاحتمال):

 

أولاً: السيناريو الأول: إذا تمكنت إسرائيل من السيطرة على غزة ستعمل على:

1- تحويلها لسلطة التنسيق الأمني، وهناك مؤشرات على أن السلطة طرحت مسبقاً الأمر على إسرائيل.

2- العودة لاحتلال غزة على غرار ما كان من 1967 إلى 2005.

3- تسليم غزة لطرف ثالث: مصر (ضمن شروط معينة وإغراءات معينة) أو قوات دولية من الأمم المتحدة.

 

ولكل من السيناريوهات السابقة محاذيره على النحو التالي:

 

أ‌- مصر: لن تقبل لا مهاجرين ولا حكم غزة لأنها لا تريد العودة بأي شكل من الأشكال كطرف مباشر أو حتى غير مباشر في الصراع العربي الإسرائيلي في ظل حكم السيسي، ونظراً لتردي أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، فإن النظام السياسي فيها ليس مؤهلاً لا للعودة للصراع ولا لقبول التهجير.

 

ب‌- الأمم المتحدة: حتى لو تم إقرار ذلك، فإن الأمر سيكون مؤقتاً، ولن تدير الأمم المتحدة كياناً سياسياً لمدة طويلة، وهو ما يعني احتمال إعادة الأمور إلى سابق الوضع، أي تحت سلطة فلسطينية أيا كانت هذه السلطة.

 

ت‌- سلطة التنسيق الأمني: هو الاحتمال الأقوى والذي تسعى له سلطة التنسيق الأمني بلهفة تامة، بل ولديها نشاطات في هذا الاتجاه قبل اشتعال المواجهة الحالية، لكن أطرافا إسرائيلية ترى أن هناك مخاطرة لهذا الحل:

1- إن سلطة التنسيق الأمني ليس لها قاعدة شعبية في الضفة الغربية ومكروهة ،وقاعدتها في غزة أضيق كثيراً من الضفة الغربية، مما يعني أن تعود الأمر للوضع السابق بشك عام وليس تفصيلياً.

2- كشف الواقع الأمني في الضفة الغربية منذ سنتين تقريباً عن قصور شديد لسلطة التنسيق الأمني في ضبط الوضع في الضفة الغربية، وهو ما قد يتكرر في قطاع غزة وبحدة أكبر كثيراً.

3- إن هذه السلطة طبقاً لتقارير الشفافية هي من أكثر الإدارات فساداً في العالم، وهو ما يجعلها مصدراً للاضطراب بدلاً من أن تكون ضابطاً له.

ث‌- إدارة مؤقتة تجمع بين الأمم المتحدة ودول عربية والاتحاد الأوروبي وسلطة التنسيق الأمني، وبعد ضمان استقرار الأوضاع، تجري انتخابات تحت إشراف دولي ليتم تحديد الإدارة (وليس السلطة) الحاكمة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

ثانياً: السيناريو الثاني: أن لا تتمكن إسرائيل من السيطرة على القطاع وتستبدل سيناريو السيطرة بسيناريو الحصار الطويل الأمد، مع استمرار الهجمات بين فترة وأخرى، أي حصار + استنزاف متواصل لقوات المقاومة + حرب نفسية واسعة على المقاتلين والمواطنين. ويبقى ذلك قائماً إلى أن تقبل المقاومة بشروط إسرائيل بخاصة:

أ‌- إعادة الرهائن جميعاً من عسكريين ومدنيين.

ب‌- وجود قوات دولية لمراقبة الأوضاع داخل غزة بعد تسليم المقاومة لأسلحتها مع تعاون تدريجي مع سلطة التنسيق الأمني.

ت‌- إيجاد منطقة عازلة في شمال غزة بين 2 إلى 3 كيلومتر عرضاً بشكل يفصل الشمال عن الغلاف.

 

ثالثاً: السيناريو الثالث: انفجار الوضع الإقليمي من خلال:

أ‌- تدخل محور المقاومة أو بعض أطرافه ولكن بشكل أوسع كثيراً مما هو عليه الحال، وقد يكون حزب الله وأنصار الله هم الأكثر احتمالاً، يليهم الحشد الشعبي، وأخيراً إيران.

ب‌- حدوث تغير سياسي مفاجئ في دولة عربية من دول المواجهة سواء بانقلاب عسكري أو اضطرابات شعبية واسعة تدفع نحو التغير. (سيناريو البجعة السوداء).

 

وسيترتب على أي من الاحتمالين أن تصبح غزة واحدة من جبهات عدة، وهو السيناريو الأسوأ من المنظور الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي، لكنه المفضل لروسيا أولاً وللصين ولو بدرجة تفضيل أقل من روسيا بسبب أسعار البترول والغاز وحجم المصالح التجارية والاستثمارات الصينية في المنطقة. من ناحية أخرى فإن هذا السيناريو قد يتحقق بسبب خطأ في الحسابات من أحد الأطراف، فضرب أهداف مدنية في لبنان أو في مدن ومستوطنات إسرائيل قد يدفع لرد فعل يتصاعد معه الموقف إلى حد المواجهة المباشرة والشاملة.

 

رابعاً: السيناريو الرابع: ضغوط داخلية وخارجية على الحكومة الإسرائيلية لقبول وقف إطلاق نار (مع استمرار الحصار في حدود معينة تراها إسرائيل)، وقد يأتي الضغط عليها من خلال:

 

أ‌- داخلياً:

1- الضغط الشعبي الإسرائيلي بخاصة إذا تزايد عدد خسائر الجيش بشكل مؤلم في المواجهة البرية لا سيما أن أداء المقاومة العسكري حتى هذه اللحظة يدل على أداء منقطع النظير من حيث القدرة على المناورة والاستهداف والاقتصاد العسكري لا يقل عن أداء السابع من تشرين الأول، وهو ما تظهره تلكؤات الجيش الإسرائيلي في حركته.

2- إذا تزايد إعلان المقاومة عن موت أعداد من الرهائن والأسرى الإسرائيليين لديها بسبب ضرب أماكن تواجدهم من قبل القوات الإسرائيلية.

3- تنامي خلافات بين المستويات العسكرية والمدنية أو داخل كل مستوى من هذين المستويين الإسرائيليين.

4- ضغوط عشرات الآلاف من سكان المستوطنات الذين غادروها من غلاف غزة وصولا لعسقلان ومن المستوطنات المحاذية للبنان وأصبح سكانها خارج منطقة فاصلة عرضها خمسة كيلومترات، مع تخوفهم من أن القدرة التدميرية لحزب الله أعلى كثيراً من المقاومة في غزة، وهو ما يجعل المخاطرة أعلى.

5- الضغوط الاقتصادية، فإسرائيل تنفق قرابة ربع مليار دولار يومياً، ناهيك عن شل أكثر القطاعات الاقتصادية في إسرائيل بسبب الخوف الأمني وبسبب سحب نسبة عالية من الموظفين والعاملين لطوابير قوات الاحتياط، ناهيك عن تأثر القطاع المصرفي وأسعار الشيكل وأسعار الأسهم وتزايد القلق باتجاه تراجع الهجرة اليهودية القادمة وزيادة الهجرة للخارج مستقبلاً… إلخ.

 

ب‌- خارجياً: من خلال:

1- ضغط أمريكي أوروبي دولي خوفاً من انتقال الصراع لمستواه الاقليمي.

2- ضغوط من جهات اقتصادية بسبب احتمال ارتفاع أسعار الوقود وانتقال ذلك للسلع الأخرى بخاصة أن الاقتصاد العالمي يعاني من تداعيات الكورونا وبعدها الحرب الأوكرانية ومعهما التوتر حول تايوان.

3- ضغوط الرأي العام الدولي والمنظمات غير الحكومية بخاصة بعد انتشار صور آلاف المدنيين الضحايا من الفلسطينيين وضرب المساكن والمستشفيات والمدارس وتوثيق ذلك من جهات قانونية وإعلامية وسياسية دولية حكومية وغير حكومية، ناهيك عن تزايد المظاهرات وتزايد عدد النخب الفكرية الناقدة لإسرائيل.

 

ما هو الأرجح؟

1- إذا لم تتدخل قوى محور المقاومة بشكل يتجاوز “اللسع” الحالي فإن غزة ستواجه موقفاً في غاية الصعوبة والتعقيد، ولعل خطاب نصر الله المرتقب (أو ربما قبله بقليل) أن يحدد هذا الأمر, مع الأخذ في الاعتبار أن الموقف الإنساني الدولي والعربي الشعبي أصبح أكثر قابلية لقبول فكرة مناصرة الفلسطينيين من قبل محور المقاومة بخاصة بعد تجاوز العنف الإسرائيلي ضد المدنيين كل الحدود.

2- كل الدول العربية التي لها خصومة مع الأخوان المسلمين ستعمل على التنسيق الخلفي مع إسرائيل والولايات المتحدة للتخلص من المقاومة في غزة.

3- ستواصل قطر “وربما تركيا من وراء حجاب” الاقناع التدريجي للمقاومة لتبادل الأسرى بشروط أقل مما تطلبه المقاومة، مع توظيف قطري “لذهب المُعز”.

4- بعد أن تضمن إسرائيل وصولها لغاياتها -إذا تمكنت- قد يجري طرح مشروع “فلسطينستان” بإدارة سلطة التنسيق الأمني كإدارة محلية ضمن الجسد الإداري والسياسي الإسرائيلي.

 

ذلك يعني أن النتيجة المباشرة للمعركة الحالية هي بيد محور المقاومة الآن وبنسبة لا تقل عن 80%… فإما أن توقف إسرائيل هجومها أو تتسع المواجهة إقليميا، وهو احتمال تزايد قليلاً دون الوصول لنقطة القرار الحاسم حتى الآن، غير ذلك فإن شايلوك الجديد لن يقبل بأقل من لحم المقاومة.

 

 

أ. د. وليد عبد الحي*

* أ. د. وليد عبد الحي أستاذ في قسم العلوم السياسية وباحث في المستقبليات والاستشراف.

 

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments