محنة الدراسات المستقبلية | أ. د. وليد عبد الحي

محنة الدراسات المستقبلية | أ. د. وليد عبد الحي

2022-08-02 11:09 م

محنة الدراسات المستقبلية | أ. د. وليد عبد الحي

 

 

تكمن عقدة الدراسات المستقبلية في المتغير “المفاجئ أو غير المتوقع”، واستخدمت أدبيات هذا الميدان ثلاثة مصطلحات لهذا المتغير وهي: قليل الاحتمال عظيم التأثير (Low Probability-high impact) أو البطاقة الشاردة (Wild Card) أو البجعة السوداء (Black Swan)، وتشكل دراسات بيترسون (Peterson) منذ 1997 مدخلاً مهما لهذا الموضوع، رغم أن هذا الموضوع عرف قدراً غير يسير من التطور في تحليله كما سنوضح، ولعل أبرز أمثلة ذلك في تاريخنا المعاصر، هجمات سيبتمبر، الكورونا، التغيرات المناخية المفاجئة، انقلابات عسكرية في دول غير مضطربة، وفي التاريخ القديم شكّل ظهور الأنبياء تحولاً عميقاً لكنه غير متوقع وبخاصة تحديده المكاني والزماني.

 

 

وتعاني الدراسات المستقبلية من كيفية التعامل مع هذا المتغير بخاصة إدماجه في نماذج التحليل وقياسه وتحديد وزنه، بخاصة أن أهم مشكلة في هذا المتغير أنه بلا تاريخ متصل، فكل المتغيرات لها مسار تاريخي يمكن التعويل عليه لاستنتاج مآلاته، لكن هذا المتغير ليس له نسب أو “جينيولوجي” على رأي مدرسة ما بعد الحداثة.

 

وقد حاولت رصد مناهج التعامل مع هذا المتغير، وتوصلت لخلاصات على النحو التالي:

 

 

1- إن البطاقة الشاردة أو البجعة السوداء أو قليل الاحتمال عظيم التأثير هو “حدث” (Event) وليس اتجاه (trend).

 

2- تمثل البجعة السوداء تغيراً كبيراً لا مجرد حدث عابر.

 

3- إن عدد هذا المتغير (قليل الاحتمال عظيم التأثير) يتزايد عبر التاريخ، بمعنى لو حسبنا عدد المفاجآت كل عشرين سنة، سنجد أن عددها يتزايد بين فترة وأخرى، وهو أمر قد يؤسس لإيجاد قاعدة للتعامل معه أو أنه سيزيد الأمور تعقيداً، لكن المؤكد هو أن الباحثين في هذا المجال متفقون بشكل كبير على تزايد مضطرد في عدد “البجعات السود”، ويميل التيار الأغلب إلى ربط ذلك بالمنحنى السوقي (Logistic Curve) حيث تسارع إيقاع التغير التكنولوجي بكل ما يحمله ذلك من مفاجآت وتداعيات لهذه المفاجآت.

 

4- إن التخطيط على أساس ظهور هذا المتغير قد يحدث تغيرات هي ذاتها مفاجئة، لأنها مبنية على متغير “غير نسقي”، وقد لا يحدث هذا المتغير الذي بنينا على أساس حدوثه، مما يعني أننا صنعنا نتائج وتحولات استنادا لمتغير لم يحدث.

 

5- يحدد بيترسون خطوات التعامل مع البطاقة الشاردة على أساس:

 

أ‌- هل تم التفكير فيه مسبقاً، أي هل كان من ضمن المتغيرات المطروحة حتى لو لم نتوقع حدوثه (كالطفل الذي يتوقع موت أبيه رغم أنه في صحة جيدة، أو أن يتوقع باحث حدوث انقلاب عسكري في بريطانيا، أو أن يتمكن الأطباء من إعادة ميت إلى الحياة…إلخ)

 

ب‌- مصادر المعلومات أو البيانات التي نحتاجها لمتغير غير متوقع.

 

ت‌- التمييز بين توقعات الخبراء والانطباع العام القائم على الحدس.

 

6- تزايد الانطباع الحدسي حول ظهور بجعة سوداء قد يحسن فرص ظهورها (كان الناس يعتقدون أن كل البجع لونه أبيض إلى أن اكتشفوا بجعاً اسود في استراليا).

 

7- يتم تقسيم قليل الاحتمال عظيم التاثير إلى 3 مستويات: ممكن/ غير ممكن أو محتمل / غير محتمل / أو معقول / غير معقول، ويتم إدراج كل بعد من الثلاثة أبعاد السابقة في النموذج التحليلي مع ثبات المتغيرات غير المفاجئة.

 

8- نأخذ كل بعد من الأبعاد الثلاثة في النقطة رقم 5 ونضعها على أساس: عظيم التأثير-متوسط التأثير- قليل التأثير، فيكون لدينا مصفوفة على النحو التالي:

ممكن (عظيم التأثير-متوسط-قليل) ومحتمل (عظيم-متوسط –قليل) ثم معقول (عظيم-متوسط-قليل)، والممكن يعني أن هناك مؤشرات قليلة تساند حدوثه، والمحتمل أن هناك مؤشرات أكثر قليلا لحدوثه، والمعقول يتوفر على أساس مقنع لافتراض حدوثه (ويجري التوزيع على أساس أن الممكن يتوفر على 10% من مؤشرات الحدوث، والمحتمل 20% والمعقول 30%).

 

9- يتركز الهدف من دراسة البجعة السوداء على أساس توسيع دائرة الصورة المستقبلية استنادا لقاعدة إذا-فإن (If-Then)، وترتبط هذه المسألة بتقنية سيجما (Segma) القائمة على أساس تحليل مبني على وقوع الحدث أو تحليل مبني على عدم وقوعه وبناء السيناريو على أساس كل بعد لوحده.

 

10- رصد البجعة السوداء مستقبلاً: يبدو أن الميل لدى أغلب الباحثين هو الاستعانة بتقنية دلفي (Delphi Technique) في الرصد فقط، ويمكن الاستعانة في نهاية السيناريو بتحليل التدرج السببي (CLA) بخاصة في الخطوة الأخيرة من هذه التقنية.

 

 

 

أ. د. وليد عبد الحي*

* أ. د. وليد عبد الحي أستاذ في قسم العلوم السياسية وباحث في المستقبليات والاستشراف.

 

 

02-08-2022

 

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments