مستقبل الاستقرار السياسي في السعودية | أ. د. وليد عبد الحي

مستقبل الاستقرار السياسي في السعودية | أ. د. وليد عبد الحي

2022-09-30 10:05 م

مستقبل الاستقرار السياسي في السعودية | أ. د. وليد عبد الحي

 

 

يمكن اعتبار الفترة الممتدة من 2015 إلى الآن واحدة من أعقد مراحل التاريخ السعودي المعاصر، ففي هذه الفترة وقعت تحولات جذرية في المملكة تمثلت في ثلاثة أبعاد هي:

 

1- وقوع شرخ عميق داخل الاسرة الحاكمة بلغ حد العزل والاعتقال والانتقادات العلنية المتبادلة وتغيير قيادات في ولاية العهد ولأكثر من مرة في فترة زمنية وجيزة (مقرن ثم محمد بن نايف ثم محمد بن سلمان) ثم في المؤسسة العسكرية بعزل وتغييب الرجل المتنفذ الأمير متعب بن عبدالله، وأخيرا الجمع بين ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء وهو خروج على تقاليد ونصوص نظام الحكم في السعودية.

 

2- وقوع شرخ عميق في بنية وصلاحيات ونفوذ الحركة الدينية التي شكلت “المرجعية لمشروعية النظام السياسي”، ورغم أن الثقافة الدينية الموغلة في نزعتها المحافظة تجذرت في المنظومة المعرفية والوجدان المجتمعي السعودي، كما أصبح لهذه الثقافة ما يشبه الجهاز الأمني الذي يراقب مدى الالتزام بقواعد السلوك الفردي والمجتمعي، لكن هذه الحركة واجهت تحد حاد من خلال اعتقال بعض رموزها، وتقليص صلاحياتها بفتح نوافذ تهب منها نسمات “الترفيه والاسترخاء”، ومنع الهيئة ذات الشأن في الأمور الدينية من التدخل في سلوكيات المجتمع بخاصة ما يتعلق منها بحركة الأمر في اللباس والغناء وقيادة السيارات…إلخ، ومن المؤكد أن مجتمعا تربى على ثقافة الحلال والحرام لن يستقبل التغيير في وجدانه، لكن السلطة السياسية تسعى لأن تبدو أقرب إلى فئة الشباب باعتبارهم الشريحة الأكبر، وهو ما سيخلق شقوقا في جدران الشرائح العمرية المختلفة وسيمتد إلى تنازعات أسرية، ناهيك عن الاستنكار الصامت للمس بالموروث الثقافي بكل قدسيته..

 

3- طرح خطة تنموية تجعل من عام 2030 أفقها الزمني، وتقوم هذه الخطة التي جاءت بعد عام من إعلان الحرب على اليمن على زيادة نصيب القطاعات غير النفطية في الاقتصاد السعودي لتصل من 16% إلى 50% من إجمالي الناتج المحلي عام 2030 من ناحية وإنشاء “مدينة ذكية” أطلق عليها نيوم كعاصمة تجارية واقتصادية عالمية تمثل روح العصر المرتبط بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب انشاء مدن ترفيهية وسياحية ومدن صناعية (أوكساجون)…إلخ.

 

لكن النظر في اتجاهات التغيير يشير إلى:

 

1- أن التنمية تحتاج في بعدها الاقتصادي إلى مواكبة من التنمية السياسية، ولكن عند النظر في الوضع السعودي طبقا للأرقام الدولية والعربية والسعودية نجد ما يلي:

 

أ‌ بلغ معدل الاستقرار السياسي في السعودية من عام 1996 إلى عام 2021 أي خلال حوالي ربع قرن ما قيمته (-0.36) أي بالسالب على مقياس كوفمان، بينما المعدل العالمي لعدم الاستقرار لنفس الفترة هو (-0.07) مما يعني أن عدم الاستقرار في السعودية يزيد عن المستوى العالمي أكثر من 5 أضعاف. والملاحظ أن الاتجاه لعدم الاستقرار السياسي يتزايد منذ بروز محمد بن سلمان كما يتضح في الرسم البياني المرفق في نهاية المقال:

 

ب‌ سجلت السعودية في مجال المؤشرات الفرعية للديمقراطية موقعا متأخرا للغاية فجاءت في الترتيب 152 بين 167 دولة، وكانت النتائج تشير إلى:

 

– الانتخابات النيابية: حصلت على قيمة صفر من 4

– التعددية السياسية: حصلت على صفر من 4

– مشاركة المجتمع المدني في القرار السياسي: صفر من 4

– الفساد وسجلت فيه 1 من 4

– حرية التعبير صفر من 4

– الحرية الاكاديمية 1 من 4

– حرية إنشاء الهيئات المدنية: صفر من 4

– استقلالية القضاء 1 من 4

 

والملاحظ أن هذه المؤشرات بقيت على حالها دون أي تغير خلال الفترة من 2015 (تعيين محمد بن سلمان وزيرا للدفاع وبدء حرب اليمن) إلى 2020، وخلال 2021 ارتفع المعدل العام 0.15 نقطة ليصل إلى 2.08 من عشرة.

 

2- مؤشر عدالة توزيع الدخل (Gini Index)، تفاوتت التقديرات للسعودية في هذا المؤشر إلى حد ما، وهذا المؤشر يعتبر أن قيمة صفر في توزيع الثروة يعني عدالة مطلقة، وإذا كانت القيمة 100 تعني عدم عدالة مطلقة، أي كلما زادت نقاط الدولة كان وضع العدالة الاقتصادية فيها أسوأ، وعند النظر في الوضع السعودي تراوحت التقديرات بين 46 و59 نقطة، وهو ما يجعل السعودية ضمن المرتبة بين 15 و23 بين الدول الأسوأ في توزيع الثروة على أساس ما يحصل عليه أعلى 10% من السكان.

 

3- العاملين الأجانب: بلغ عدد الاجانب العاملين في السعودية 8.52 مليون عامل، يحولون سنويا (حتى عام 2021) ما قيمته 41 مليار دولار وبزيادة تصل إلى 2.8% قياسا للعام الماضي، وهو ما يعني أن التنمية البشرية والخبرات العلمية والأيدي العاملة الماهرة ما تزال متخلفة في السعودية، ويكفي أن نشير إلى اأن 77.4 % من العاملين في القطاع الخاص وهو القطاع الأكبر كثيرا من القطاع العام هم من الأجانب مقابل 22.6 % من السعوديين، ذلك يعني أن السعودية ستبقى بحاجة ماسة للأجانب،لكن ذلك على حساب استنزاف الموارد المالية.

 

4- لا بد أن يكون لآثار الحرب اليمنية التي مضى عليها حوالي سبع سنوات أهمية في الاقتصادي السعودي، وتراوحت التقديرات بأن الحرب كلفت السعودية طيلة الفترة 2015 إلى 2022 ما بين 245 و280 مليار دولار، وهو ما يعني أن الدولة تنفق حوالي 38 مليار سنويا دون تحقيق أية نتائج سياسية أو اقتصادية ناهيك عن غلبة الموقف السلبي لأغلب دول العالم من هذه الحرب.

 

إن الجمع بين خلخلة أعمدة الحكم في السعودية (العائلة والحركة الدينية) وعدم اتساق النزوع للتنمية الاقتصادية مع ما يوازيه من تنمية سياسية يجعل الدولة تسير باتجاه مرتبك في الحد الادنى أو انفلات زمام الأمور في الحد الأقصى لا سيما بعد غياب الملك سلمان الذي يبدو أن انتزاع رئاسة الوزراء منه مؤشر لعدم التفاؤل، مع تمنياتي للبلد الشقيق بالازدهار والاستقرار…ربما.

 

 

No photo description available.

 

30-09-2022

 

أ. د. وليد عبد الحي*

* أ. د. وليد عبد الحي أستاذ في قسم العلوم السياسية وباحث في المستقبليات والاستشراف.

 

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments