وجبة إبداع وابتكار (15) | الاستشراف بالسيناريو (4) | د. أنيس رزوق

وجبة إبداع وابتكار (15) | الاستشراف بالسيناريو (4) | د. أنيس رزوق

2019-11-22 3:00 ص
الكاتب :

وجبة إبداع وابتكار (15) | الاستشراف بالسيناريو (4) |

 

نهاية جميع الدراسات المستقبلية سيناريوهات، أي مسارات وصور مستقبلية بديلة، فهذا هو المنتج النهائي لكل طرق البحث المستقبلي، ولهذا فإن بعض الباحثين بالمستقبليات يعتبرون السيناريو الأداة التي تعطي للدراسات المستقبلية نوعاً من الوحدة المنهجية، على الرغم من تنوع الطرق التي قد تستخدم في إنتاج السيناريوهات، فالسيناريوهات تُبنى بطرق محددة، وبذات الوقت يمكن أن تُبنى بطرق مختلفة تعتمد على الخيال العلمي والأدبي والاستبصار، وعليه سوف نتناول في هذه المقالة معايير تخطيط السيناريو متضمناً دور السيناريوهات في تبسيط المستقبل وطرق وخطوات بناءها.

 

الجزء الثاني: معايير وتخطيط وبناء السيناريو

 

أولاً: دور السيناريوهات في تبسيط المستقبل:

 

السيناريوهات تتجنب الوقوع في التنبؤات الزائفة القائمة على أساس نموذج اليوم أو نظرة إلى العالم، بدلاً من ذلك، فان المختصين في صناعة السيناريوهات، يعتبرون أن الفرضيات المتعددة لكيفية تطور نمط جنباً إلى جنب، لها أبعاد أكثر تنوعاً، تبنى السيناريوهات على ما هو معروف، ولكن تتضمن أيضاً عدم اليقين والقضايا التي يكون لها قدر من التأثير مثل الاتجاهات المعروفة، ويرى كل سيناريو مجموعة مختلفة من النتائج لهذا الشكوك، مما يتيح لهم أن تدار بشكل استباقي، فتبسط المشاكل المستقبلية وتجعلها من الإجراءات التطويرية التي يجب على المؤسسة أخذها في عين الاعتبار تجنباً للمشكلات لاحتمالات الصدمات والمفاجآت.

 

وتخطيط السيناريو يمكن أن يعزز إلى حد كبير قدرة المنظمة على التعامل مع مجموعة متنوعة من المشاكل المختلفة، وكثير منها قد تصبح أكثر صعوبة عندما يصبح مناخ الاعمال أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. (1)

 

ثانياً: معايير السيناريو المستقبلي:

 

هناك عدة معايير يمكن استخدامها في تقويم السيناريوهات المطروحة حول المستقبل والحكم على جودتها للتنبؤ بالمستقبل بدرجة عالية من الدقة، ومن هذه المعايير ما يلي:(2)

 

1. قدرة من التمايز والاختلاف: أياً كان عدد السيناريوهات فمن المهم أن يكون بينها قدر واضح وملموس من الاختلاف والتمايز، ويرى بعض المستقبليين أن تتضمن السيناريوهات، سيناريو الصدمة أو المفاجأة أو تحطيم الأصنام والخروج عن المألوف.

 

وجبة ابداع وابتكار 15

 

2. الاتساق الداخلي: ضرورة أن يتصف السيناريو بالاتساق الداخلي، أي التناسق بين مكوناته، وعادة ما يوصف الاتساق الداخلي بأنه يعني الخلو من التنافر أو التناقض، ولكن ينبغي الانتباه من جهة أخرى إلى أن السيناريوهات لا تمثل أوضاعاً مثالية وإنما تمثل أوضاعاً ممكنة، فإنها لن تخلو من التناقضات داخل أي منها، فالتناقض في نهاية المطاف هو محرك السيناريو ومولد التطور.

 

3. سهولة الفهم: من سمات السيناريو الجيد أنه سهل الفهم، فلما كان القصد من تحليل السيناريوهات مساعدة الناس على التعلم والتواؤم وتعديل التصرفات، فمن المهم أيضاً أن نقدم السيناريوهات بشكل يسهل فهمه واستيعابه، وأن يساعد عرضها على تسيير المقارنات واستخلاص النتائج بشأن المشكلات ذات الأولوية والقرارات الحاكمة، وعلى التنبه إلى احتمالات الصدمات والمفاجآت.

 

4. المعقولية: السيناريو الجيد هو سيناريو ممكن الحدوث وليس محض خيال، ولذا ينبغي أن يتصف بالسيناريو الجيد بالمعقولية، أي أن يسرد قصة الانتقال من الوضع الابتدائي إلى الوضع المستقبلي بطريقة منطقية منظمة.

 

5. توقع الاضطرابات ونقاط التحول: من خصائص السيناريو الجيد وكذلك من خصائص التحليل الجيد للسيناريوهات القدرة على الكشف عن الانقطاع أو نقاط التحول في المسارات، والقدرة على توقع الأحداث المثيرة للاضطراب في السيناريو أو المؤدية إلى انحرافه عن مساره الطبيعي.

 

6. اساس لاتخاذ القرارات والتخطيط: لا خير في السيناريوهات ولا معنى لعملية تحليلها إن لم يكن فيها فائدة لعملية صناعة القرارات والتخطيط لمستقبل أفضل، سواء أكان الطريق لتحقيق الفائدة مباشراً أو غير مباشر.

 

7. اشتراك المستخدمين في بنائها: ومن أهم الأساليب المؤدية إلى زيادة فائدة السيناريوهات إشراك المستخدمين المحتملين لهذه السيناريوهات في عملية البناء والتحليل، بدلاً من مواجهتهم بعد إتمام هذه العملية بمنتج نهائي قد يرون أنه لا يخاطب قضايا مهمة من وجهة نظرهم، أو أنه يطرح معالجات للمشكلات يعتقدون أنها لا تدخل في حيز الإمكان حسبما يتصورونه، وبطبيعة الحال، فإن اشتراك المستخدمين أو المستفيدين المحتملين من السيناريوهات، سوف يسهم في تحقيق فهمها واستيعابها، حيث يسهل على من شارك في بنائها وتحليلها فهمها واستيعاب نتائجها.

 

ثالثاً: تخطيط وبناء السيناريوهات المستقبلية:

 

التخطيط هو “تصور مستقبل مرغوب وكذلك تصور الوسائل الفعلية التي تؤدي إليه”، (Ackoff 1973)، فإنه يساعد على الشعور بالمستقبل الغامض وينصب التركيز على اتخاذ قرارات أفضل، وتعتمد عملية بناء السيناريو على النظر إلى مراحل “عملية التصميم” بنظرة مستقبلية حتى ينتج بناء سيناريو مستقبلي، ويوجد طرق متعددة يستخدمها المصمم للبدء في عملية التصميم، بغرض تحديد المعلومات التي تساعده في وضع تصوره لتحقيق متطلبات التصميم، منها تصميم الاستراتيجية، والتصور، والنماذج، ووضع المستخدم في التجربة وقياس ردود الأفعال، ويمكن الحصول على معلومات ضمنياً أيضاً بناء على الملاحظة، وعلى الرغم من أن هذه الأساليب لا يمكن من خلالها التنبؤ بالمستقبل، فإنها يمكن أن تستخدم لجمع المعلومات، ويعطي مزيد من المعلومات ذات الصلة لصانعي القرار، فيمكن للمصممين بناء سيناريوهات لتجسيد ومعاينة المستقبل وتحديد الاحتمالات التي تتجاوز الأوصاف اللفظية أو البيانات الكمية وذلك من خلال أنشطة الاستبصار، فهي وسيلة من عمليات التحفيز والحوار.(3)

 

مثال: لتوضيح طريقة بناء السيناريو:

 

فكر في وقت تخيلت فيه أحداث مختلفة ممكنة الحدوث في المستقبل لتساعدك في حل مشكلة من مشاكل حياتك اليومية، خذ خمس دقائق من التركيز والتفكير العميق ولخص ما فكرت به لكتابة ملخص قصير يركز على الأسئلة التالية:

 

• ماذا كان الموقف وما الأحداث الممكنة الوقوع في المستقبل؟

 

• هل كانت هناك احتمالات رئيسية اعتمد عليها المستقبل؟

 

• ما المعلومات التي كانت لديك لتساعدك على اتخاذ قرارك أو الإعداد له مستقبلاً؟

 

• كيف فكرت في إبعاد هذه المشكلة؟

 

• كيف نفكر في المستقبل وكيف يكون(رؤية

 

• كيف نريد المستقبل أن يكون (سيناريو

 

• خذ دقائق لمشاركة أفكارك مع زميلك أو صديق لك أو ممن يعيشون معك المشكلة.

 

رابعاً: طرق بناء السيناريوهات المستقبلية:

 

1. الطريقة الحدسية (اللانظامية): قوامها الحدس والتفكير الكيفي والتخيل، انها بداية التفكير في بناء السيناريوهات باستخدام مجموعة الشروط الابتدائية في كتابة مواصفات المسار المستقبلي، وصولاً إلى تصور الوضع النهائي، وهي تعد عملية إبداعية، شأنها شأن الأعمال الأدبية والفنية، والطريقة الحدسية غير شائعة الاستخدام(4) كونها لا تعتمد على المنهجية والنظام، وإنما معتمدة على خبرات الفرد ومواهبه. والأساس في هذه الطريقة هو الحَدْس وإعمال قدرات التصور والخيال والتفكير الكيفي Qualitative، وهذا هو الأصل التاريخي للسيناريو، وهنا يتم التعامل مع السيناريو على أنه أحد أساليب دراسة المستقبل وليس منتجًا نهائياً لأية دراسة مستقبلية، وبناء السيناريو، طبقاً لهذه الطريقة يهتم بتصميم مجموعة من الشروط الابتدائية، وينظر للوسائل الكمية كعناصر مساعدة، ولا يتوقع أن يلتزم كاتب السيناريو بالافتراضات التي وضعها، إذ يبقى العنصر الأساسي في هذه العملية هو الحدس والخيال والاستبصار. (5)

 

2.الطريقة النموذجية (النظامية): تعتمد على الطرق الحسابية الكمية بشكل عام، وعلى النماذج بشكل خاص، فيمكنها التعامل مع عدد كبيرة من المتغيرات وتنسيق سلوكها وحساب نتائج الخيارات المختلفة وتقدير ما يصاحبها من نفقات ومنافع، والسيناريو بهذه الطريقة يمكن تعريفه بأنه “المنتج النهائي لدراسة مستقبلية” أو “السيناريو الخططي” ويعيب هذه الطريقة أنها تعد آلية بحتة، فلا بد لها من مجموعة الشروط الابتدائية للسيناريو وعوامل الحدس والتخيل، إلى جانب المعلومات والوقائع النظرية حتى يستكمل بناء السيناريو “كماً وكيفاً.(6)

 

3.الطريقة التفاعلية (التفاعل بين الحدسية والنموذجية): وهي الطريقة العملية، التي أمكن من خلالها الجمع بين مميزات الطريقتين السابقتين، اذ تجمع ما بين الحدس والخيال والكيف في الطريقة الحدسية، والأساليب الكمية في الطريقة النموذجية باستخدام أسلوب “المحاكاة”، للحصول على سيناريوها جيدة، والطريقة التفاعلية هي الأكثر استخداماً في بناء السيناريوهات في الوقت الحالي وتتميز بالآتي: (7)

 

•الجمع ما بين أساليب مختلفة في القياس والتنبؤ والبحث المستقبلي، وهو أسلوب منهجي في الدراسات المستقبلية.

 

•خاصية التفاعل، ليس بين أساليب الحدسية والنموذجية فقط، وانما بين المجموعات المشتغلة ببناء السيناريوهات كذلك، وبينها وبين الأطراف التي تشارك في تقديم الخبرة والاستشارات وردود الفعل.

 

•زيادة احتمالات الإنجاز السريع لأهداف المشروع، وتفادي التورط في دراسات ونقاشات قد تستمر فترات طويلة.

استبصار، استشراف، تخطيط استراتيجي، تميز، جودة، إبداع، ابتكار، مسؤولية مجتمعية، تميز مؤسسي، معرفة، جودة التميز، منظمات متعلمة.

 

د. أنيس رزوق

 

المراجع:

 

1. http://www.laprospective.fr/dyn/francais/actualites/Al-Istichraf.pdf |Accesed on 22-10-2015

 

2. رمضان أحمد الصباغ، سيناريوهات المستقبل التربوي، الاستطلاع أو الاستهداف الامكانية أم الاحتمال، مجلة المعرفة، وزارة التربية والتعليم، المملكة العربية السعودية، العدد 157، 2009.

 

3. جورج وجيه عزيز، دراسة المستقبل واستبصار مفهوم التصميم المستقبلي، بحث منشور بمجلة التصميم الدولية، القاهرة، الاصدار الرابع، 2014.

 

4. http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Fenon-Elam/senarion2/sec01.doc_cvt.htm |Accesed on 5-9-2014

 

5. (إبراهيم العيسوي (1998): السيناريوهات، بحث في مفهوم السيناريوهات وطرق بنائها في مشروع2020، العدد (1)، منتدى العالم الثالث، مكتبة الشرق الأوسط،

 

6. http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Fenon-Elam/senarion2/sec04.doc_cvt.htm |Accesed on 5-10-2015

 

7. http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Fenon-Elam/senarion2/sec04.doc_cvt.htm |Accesed on 5-10-2015

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments