وجبة إبداع وابتكار (16) | الاستشراف بالسيناريو (5) | د. أنيس رزوق

وجبة إبداع وابتكار (16) | الاستشراف بالسيناريو (5) | د. أنيس رزوق

2019-11-22 3:00 ص
الكاتب :

وجبة إبداع وابتكار (16) | الاستشراف بالسيناريو (5) 

 

تحدثنا في المقالة السابقة عن خصائص السيناريو المستقبلي وأنواع السيناريو، والركائز الأساسية لضمان التخطيط المستقبلي باستخدام السيناريو، وما هي صفات السيناريو الجيد، وعملية تخطيط السيناريو المستقبلي، وتتمة لسلسة مقالات الاستشراف في السيناريو سنعرض في هذه المقالة خطوات بناء السيناريو الستة متضمنة خارطة ذهنية للخطوات التفصيلية لبناءه.

 

خامساً: خطوات بناء السيناريوهات:

 

15

 

 

تعتبر عملية بناء السيناريوهات عملية ابداعية وتشجع التفكير الابداعي، وخلق استراتيجيات متطورة وغير مسبوقة من خلال المشكلات الموجودة، كما تعتمد كل حالة على المعطيات الموجودة والمتوفرة، ومعرفة كبيرة وقدر كبير من الخيال المنضبط، حيث لا يوجد نموذج لسيناريو يتم الاستناذ عليه أو يحتذى به.

 

ينطلق السيناريو في بنائه من فكرة مؤداها ماذا يمكن أن يحدث لو حدث كذا؟

 

ومن ثم تبدأ خطوات عمل السيناريو بصياغة مجموعة من الافتراضات التي تمثل نقطة انطلاق على مسار مستقبلي معين، ثم التعرف على التداعيات أو النتائج المترتبة على هذه الافتراضات عبر الزمن، وأخيراً مقارنة المسارات المستقبلية البديلة والصور المستقبلية المرتبطة بها في نهاية فترة الاستشراف المستقبلية. (1)

 

تتضمن عملية بناء السيناريو، خطوات أو عمليات تساعد كاتب السيناريو على تنظيم أفكاره، وترتيب العوامل المؤثرة في الظاهرة محل البحث، وترشيده إلى اكتشاف التصور المنطقي في تتابع الأحداث والتصرفات والوقوف على بعض العلاقات الحاكمة لمسار التطور، وتقوده إلى حصر البدائل الممكنة أو المحتملة في بدائل أو صورة السيناريوهات،(2) وتسير خطوات بناء السيناريو، كما هو موضح في المخطط رقم (1).

 

الخطوة الأولى: وصف الوضع الراهن والاتجاهات العامة.

 

الخطوة الثانية: فهم ديناميكية النسق والقوى المحرّكة له.

 

الخطوة الثالثة: تحديد السيناريوهات البديلة.

 

الخطوة الرابعة: فرز السيناريوهات البديلة واختبار عدد محدد منها.

 

الخطوة الخامسة: كتابة السيناريوهات.

 

الخطوة السادسة: تحليل نتائج السيناريوهات (السيناريو المستهدف).

 

وفيما يلي تفصيلًا لهذه الخطوات:

 

الخطوة الأولى: وصف الوضع الراهن والاتجاهات العامة.

 

تشمل هذه الخطوة تحليل الوضع الحالي من خلال معرفة العناصر الأساسية التي تشكل الوضع القائم، وبيان نقاط القوة والضعف لكل منها وتحديد الاتجاهات العامة السائدة أو التغيرات، ويعني ذلك أن دراسة الواقع وتطوره على فترة معينة لمدة (30 عام) أو أكثر ، تتطلب وصف الواقع في صورة كمية يتضح من خلالها التطورات المختلفة على مدى عدد من السنين شريطة أن تكون صورة الواقع مستمدة من وثائق وكتب أو دراسات أو تقارير أو إحصاءات دقيقة وشاملة، ثم يتم استخلاص المشكلات أو القضايا الرئيسة التي يتعين البحث عن إجابات لها عند كتابة السيناريوهات، ويمكن تقسيم هذه المتغيرات إلى متغيرات داخلية تنتمي إلى النسق محل الدراسة، ومتغيرات خارجية تعبر عن البيئة التي يعمل فيها النسق(3)، كما هو موضح بالمخطط رقم (2) أدناه.

 

الخطوة الثانية: فهم ديناميكية النسق والقوى المحرّكة له.

 

تعتبر من أهم خطوات بناء السيناريوهات. فالهدف من هذه الخطوة الكشف عن القوى المحرّكة في النسق وتحليل العلاقات والتشابكات بما يساعد على فهم ديناميكية النسق، أي يتم تحديد جوانب وحدود النظام والعلاقات بين أجزائه والاتجاهات المؤثرة.

 

ويقصد بالقوى المحرّكة أو الفاعلين الرئيسيين: هم أولئك الفاعلين الذين يمارسون درجة محسوسة من السيطرة أو التحكم بشكل مباشر أو غير مباشر في النسق، ولا توجد طريقة نظامية محددة يمكن اتباعها لتحديد هؤلاء الفاعلين، فعادة ما يتم تحديد الفاعلين بشكل حدسي اعتماداً على المعلومات المتوافرة عن النسق.

 

ويمكن تقسيم القوى المحرًكة للنسق أو النظام إلى قوى على المستوى الكبير Macro مثل الجوانب التكنولوجية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية وغيرها، وقوى على مستوى النظام المدروس Micro.

 

ويمكن الاستعانة في هذه الخطوة بأسلوب “تحليل الآثار” باستخدام المصفوفة الشبكية ومصفوفة الآثار المقطعية Cross-Impact Matrix لفهم ديناميكية النسق للنظام أو للمؤسسة، والكشف عن القوى المحركة لهذا النسق، وتقوم هذه المصفوفة على أساس فرضية مؤداها أن معظم الأحداث والاتجاهات ترتبط بطريقة أو بأخرى بتأثير متبادل فيما بينها؛ لذا فإن هذه المصفوفة تستخدم لتنظيم البيانات التي تجمع عن مؤسسة ما، وللفحص المنظم للعلاقات المتبادلة بين مختلف الأحداث الممكنة احصائياً، وهذه العلاقات المتبادلة والمتداخلة تسمى بالتأثير المتقاطع.(4)

 

الخطوة الثالثة: تحديد السيناريوهات البديلة.

 

الغرض من هذه الخطوة، هو حصر البدائل الممكنة بالنسبة للعوامل المختلفة الداخلة في كل مجال من مجالات التأثير وذلك في ضوء فهم ديناميكية النسق والقوى المحرّكة له، وسلوك الفاعلين، ويتم ذلك إما عن طريق تحليل العوامل المؤثرة على تحريك النسق وتحديد عدد من البدائل الممكنة، أو عن طريق تحديد العوامل الرئيسية داخل كل مجال من المجالات التي تؤثر في النسق، ويتم وصف الحالة الراهنة لكل عامل، وعرض الإسقاطات أو التنبؤات البديلة لكل عامل خلال الأفق الزمني المحدد لكل سيناريو، وهذه الطريقة أكثر تفصيلًا في تحديد ملامح السيناريوهات البديلة.

 

وفي هذا السياق، يمكن القول إن الدراسات المستقبلية تعتمد على نوعين من الأساليب المنهجية وهما:

 

• الأساليب التنبئية Predictive التي تهدف إلى توقع مستقبل معين.

 

• الأساليب الإبداعية Creative التي تتعامل مع المستقبل على أنه مجال مفتوح للتأثير الإنساني بهدف استكشاف البدائل المستقبلية الممكنة أو المحتملة.

 

حيث أن الدراسات المستقبلية مجال متعدد التخصصات Multidisciplinary يهتم بدراسة البدائل والمسارات المستقبلية الممكنة أو المحتملة، ويمكن أن تتضمن البدائل المحتملة للسيناريوهات الاستطلاعية ثلاثة بدائل:

 

1. استمرار الوضع القائم حيث يكون هناك مقاومة للتغيير والإصلاح، بالإضافة لإمكانية تدهور الوضع القائم إلى الأسوأ.

 

2. حدوث بعض أوجه الإصلاح والتطوير الجزئي، وذلك بين الرغبة في الإصلاح والتطوير الجزئي، وذلك بين الرغبة في الإصلاح والرغبة في بقاء الأوضاع كما هي من أجل تحقيق الاستقرار.

 

3. حدوث تحول كيفي ونقلة نوعية من خلال إطلاق الطاقات الإبداعية والابتكارية الخلاقة، والاعتماد على المبادرة الاستباقية بدلًا من الأساليب القائمة على رد الفعل.

 

الخطوة الرابعة: فرز السيناريوهات البديلة واختيار عدد محدد منها

 

وذلك بعد إعادة مناقشة التصورات المبدئية من قبل واضعي السيناريوهات أو دعوة بعض المتخصصين أو الخبراء في مجالات أخرى مختلفة لإبداء آرائهم للوصول إلى تصورات جديدة واستبعاد بدائل أخرى، وتهدف هذه الخطوة إلى تقليص صورة أو بدائل السيناريوهات وانتقاء عدد محدد منها، تتميز بعدة خصائص أهمها: (5)

 

• أن تكون سيناريوهات ممكنة.

 

• أن تكون سيناريوهات متمايزة بعضها عن بعض بدرجة واضحة.

 

• أن يتحقق في كل منها درجة عالية من الاتساق الداخلي.

 

الخطوة الخامسة: كتابة السيناريوهات المختارة أو المتفق عليها

 

بعد أن يتم الموافقة على الافكار الأساسية للسيناريو، فعندها نستطيع أن نبدأ في كتابة السيناريو، ومن المهم أن نفهم الفروق بين الأحداث أو الوقائع (Events) من ناحية، وبينها وبين الاتجاهات (Trends) من ناحية أخرى، وكلاهما يجب أن يكون في السيناريو، فالحادثة أو الواقعة تكون متوقعة أو غير متوقعة، ولكن لا تستمر وتكون عادة محددة بوقت معين، كما تكون متبوعة بتغير في اتجاه الاهتمامات، أما الاتجاه، فإنه يمثل من ناحية أخرى اتجاه حركة الحادثة أو الواقعة ذاتها وهو عموماً يفتقر إلى حدود الوقت، ويمكن أن يوصف بأنه وقت مستمر لا ينقطع عادة، وتقتضي هذه الخطوة عدة إجراءات كتالي:

 

• استيفاء مدخلات السيناريوهات من المعلومات سواء بإضافة عوامل أو تفاصيل معينة، أو بدمج تطورات مستقبلية أخرى في السيناريوهات المختارة.

 

• التعرف على ردود الفعل المحتملة (التصرفات) لكل الأطراف المعنية للتطورات التي يشمل عليها كل سيناريو.

 

• صياغة كل سيناريو بشكل سردي، وهنا ينبغي إبراز صياغة العناصر الثلاثة للسيناريو: الشروط الابتدائية، والمسار المستقبلي، الوضع المستقبلي.

 

• الاهتمام بالاحتمالات المتوقعة حدوث انقطاع أو تحولات في أي سيناريو.

 

الخطوة السادسة: تحليل نتائج السيناريوهات (السيناريو المستهدف)

 

16

 

 

يتوقف ما يتم إنجازه في هذه الخطوة الأخيرة في عملية بناء وتحليل السيناريوهات على الغرض الذي أجريت من أجله هذه العملية أصلًا، فهذا الغرض يمكن أن يكون مجرد الاكتفاء بتحليل مقارن للسيناريوهات حين تأخذ الدراسة المستقبلية طابعًا استطلاعياً، أما إذا كان طابع الدراسة استهدافياً فإنه يجعل من تحليل السيناريوهات مجرد معبر للتخطيط ورسم السياسات طويلة المدى، وما هي الاستراتيجية الواجب الالتزام بها لوضع الرؤية المستقبلية موضع التطبيق.

 

عملية بناء السيناريوهات تستهدف تحديد أحداث المستقبل، وتوجيه المستقبل في مسارات واتجاهات مختلفة، ويمكن أن تفيد صناع القرار في اكتشاف القوى المحرّكة للمستقبل، فالسيناريوهات تحقق فوائد متعددة للتخطيط المستقبلي، لاسيما توفير قدر مناسب من المعلومات المتعلقة بالخطط والمشروعات المستقبلية للمنظمة، وتحديد العوامل الفاعلة الخاصة بالبيئة الخارجية التي يمكن أن تؤثر على النمو المستقبلي للمنظمات، وتحسين فرص رد الفعل والتكيف مع التغيرات المتوقعة، وإتاحة فرص التفكير الإبداعي، تحديد استراتيجيات التطوير، والفرص والمخاطر المترتبة على تنفيذها.

 

استبصار، استشراف، تخطيط استراتيجي، تميز، جودة، إبداع، ابتكار، مسؤولية مجتمعية، تميز مؤسسي، معرفة، جودة التميز، منظمات متعلمة.

 

د. أنيس رزوق

 

المراجع:

 

1. سعاد محمد عيد نصر، التخطيط لتطوير بعص برامج الدراسات العليا بكليات التربية، رسالة ماجستير، جامعة الزقازيق، كلية التربية، مصر، 2004

 

2. (إبراهيم العيسوي (1998): السيناريوهات، بحث في مفهوم السيناريوهات وطرق بنائها في مشروع2020، العدد (1)، منتدى العالم الثالث، مكتبة الشرق الأوسط،

 

3. رمضان أحمد الصباغ، سيناريوهات المستقبل التربوي، الاستطلاع أو الاستهداف الامكانية أم الاحتمال، مجلة المعرفة، وزارة التربية والتعليم، المملكة العربية السعودية، العدد 157، 2009.

 

4. ضياء الدين زاهر (2002): مصفوفة التأثير المتقاطع واستخداماتها في تحسين التنبؤات المستقبلية، مجلة مستقبل التربية العربية، العدد (26)، مجلد (8)، ص 313.)

 

5. Fink, Alexander, & Marr, Bernard, & Siebe, Andreas, &Kuhle, Jens,The future Scorecard: combining external and internal scenarios to create strategic foresight; Management Decision, Vol.43 No. 3.p.363, 2005.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments