ومضات معرفية (7) الثروة الفكرية الموجهة | د. حسام حاضري
تتميزُ العقولُ البشرية بأنها أكثرُ ثروات العالم قيمةً وقوةً، فهي تُمثلُ المحركَ الأساسي للتقدم والتطور. وتكمنُ قوتها في الإبداع والابتكار، وتحقيق التحول الاجتماعي والاقتصادي. بيدَ أنها ثروةٌ دفينةٌ تُشبهُ الكنوزَ المخفية التي تحتاجُ إلى اكتشافٍ واستخراجٍ لتظهرَ قيمتها الحقيقية وما تحملهُ من قدراتٍ إبداعيةٍ وفكريةٍ ومعرفيةٍ يمكنُ أن تحققَ بصمةً فارقةً في مختلف المجالات. ولكنها في الوقت نفسهِ قد تتحولُ من نعمةٍ إلى نقمةٍ إذا انساقت وراء التفاهة، واستسلمت لصناعة الغباء.
وبنظرةٍ متتبعةٍ لوسائل التواصل الاجتماعي نلحظُ جلياً انتشار التفاهة، وزيادة تمدد المحتوى والأفعال والأفكار التي تفتقرُ إلى قيمةٍ أو معنى حقيقي، كبعض البرامج الترفيهية السطحية، والمحتوى الهابط الذي يتناقلهُ البعضُ لدوافعَ مختلفةٍ؛ منها ما يتعلقُ بالجذب وزيادة المتابعين، ومنها لأغراض التسويق والإعلان، ومنها للتأثير على الجمهور وتوجيهِ آرائهم وتشكيل تفكيرهم بطرقٍ غير واضحة، أو ربما لأغراض التسلية والهروب من الضغوط اليومية والمشاكل الحياتية وتحقيق الشهرة السريعة.
وعلى الرغم من أنّ التفاهة قد تكونُ ترفيهيةً بسيطةً في بعض الأحيان، إلا أنها تحملُ العديدَ من المساوئ والأخطار على المستوى الفردي والاجتماعي والثقافي والتي تتمثلُ في قتلٍ للوقت، والاستهلاك الزائد، وتراجع مستوى الثقافة والمعرفة لدى الأفراد والمجتمعات، وضعفِ القدرة على التواصل والتفاعل الاجتماعي بشكلٍ أكثر عمقًا. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تتراكمَ التفاهةُ على المستوى الفكري وتؤدي إلى ضعفٍ في التفكير والتحليل، مما يُشبهُ الغباءَ السطحي الذي يحدُّ من قدرةِ الشخص على التفكير بشكلٍ منطقي واستنتاجي.
إنّ إثراءَ العقول وتوجيهها نحو المحتوى الهادف يُعدُّ مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمجتمعات على حدٍ سواء، فالأمرُ يتطلبُ تعاوناً وجهوداً مشتركةً من الجميع من خلال التحفيز الذاتي والمؤسسي للتعلم المستمر، والبحث عن المعرفة، وتنمية المهارات الفكرية باختيار المحتوى الهادف، والتركيز على الفوائد المحتملة للتعلم، وإثارة الفضول لاستكشاف الأفكار، وخوض غمار التحدي لتطوير المهارات الشخصية، والبحث عن آفاق جديدة للحلول، مع الاعتراف بجهود الأفراد وتقديرها للتشجيع على الاستمرار والتطور، ومشاركة القصص الملهمة للأشخاص الذين تميزوا وسطروا ملحمةً في مسيرة التقدم والنجاح.
إنّ التسلية الرخيصة والمحتوى الفارغ يبددان أسمى ثروةٍ حبانا الله بها والمتمثلة بالعقل فلندرك قيمتهُ، ولنكافح لإثرائهِ وتوجيههِ بما يغذيهِ بالمعرفة والفكر البناء، ولنكن واعين بالمخاطر التي تحيطُ بنا، ولنتجنب الغرقَ في بحر التفاهة والسطحية، ولنسعَ لاستغلال كامل طاقاتنا، ونساهم بصوتنا الفكري في بناء مستقبلٍ أفضل، فالرحلةُ إلى عالم المعرفة والفهم العميق هي ما تميزُ الإنسان عن باقي المخلوقات.