استشراف المستقبل (13) الاستثمار البشري

استشراف المستقبل (13) الاستثمار البشري

2020-11-18 10:39 ص
الكاتب :

استشراف المستقبل: (الاستثمار البشري)

 

يمثل العنصر البشري المؤهل الاستثمار الحقيقي للمؤسسات الرائدة، وللأمم التي تســعى للوصول إلى مكانة مرموقة بين أمم العالــم المتنافسة، وتساهـم منظومات الموارد البشرية وإدارات التـــدريب علـى اخـتلاف أشــكالها وتنـوع أسـاليبها فـي تحـقيق التــراكــم المعــرفي والمهـارى والسـلوكـي لـدى القوى البشرية وصـولاً إلـى تحـقيق الإبـداع والتـــميز ومن ثـمّ التنمية المستدامة، فقـد فــرض عـصر المـعرفة وســهولة الحــصول علـيها تنافــساً شــديــداً بيـن الأمـم والمؤسـسات بل والأفـراد أيضاً للوصول إلـى الأفـضل والأحـدث عـلى المســــــتوى العـالـمي، وفـــرض الفــكر الاســـــتراتيجـي عــــلى المؤسسـات استـشراف المسـتقبل ووضع الخـطط التنفيذية للـــوصـــول إلـى الأهداف المستقبلية، وأصبحت المـؤسسـات العالمية تبنـي برامجـها عـلى ما يســمى التنمية المستـــدامة والتدريب، ويمتد مفهوم التدريب المستدام إلى مـــا هو أبعد بكثير من التدريب الرقمي أو التدريب عن بعد؛ فهو يمتـــد لفلـسفة التدريب والمسئولية الاجتماعية لمنظومة التدريب المؤسسي.

 

ولعل من الأولويات تغيير نظرة الإدارات العليا في المنظمات للأموال المنفقة على عمليات التدريب والتنمية من كونها نفقات تشكل عبئًا يمكن تجنبه، إلى نظرة مغايرة تمامًا تتمثل في كون هذه الأموال المنفقة أموالًا مستثمرة في الموارد البشرية، يأتي من ورائها الكثير من الأرباح، إذ أنّ هذه الأموال المنفقة على عمليات تدريب وتنمية الموارد البشرية العاملة ترفع من كفاءتها وتصقل مواهبها وتزيد من إنتاجيتها.

 

ومن ثم فإنّ على إدارة الموارد البشرية في المنظمات استشراف المستقبل وتحديد المهارات والخبرات والكفاءات التي يجب أن تتوافر في الموارد البشرية الحالية أو المراد استقطابها لتنفيذ الأهداف والسياسات والأعمال والأنشطة والمهام المخطط لها في الاستراتيجية العامة للمنظمة. وغني عن البيان أن عماد التخطيط الاستراتيجي هو التنبؤ أو استشراف المستقبل، وكلما كان الواقع الفعلي المستقبلي ناجحاً دلّ على قوة التخطيط الاستراتيجي، وقوة التنبؤ أو استشراف المستقبل، ودلّ على كفاءة ومهارة معدي الخطط من كافة الإدارات والوحدات داخل المنظمة، ودلّ على قوة الاستراتيجيات الخادمة للاستراتيجية العامة.

 

الأموال المنفقة على عمليات التدريب للموارد البشرية ليست عبئاً.. بل يأتي من ورائها الكثير من الأرباح

 

لقد أضحت عمليات التدريب والتنمية للموارد البشرية في وقتنا الحاضر استراتيجية وليست سياسة تتبعها المنظمات، إذ تقوم هذه الاستراتيجية الخاصة على خدمة الاستراتيجية العامة للمنظمة؛ والتي تعتمد بشكل أساسي على وجود موارد بشرية تمتلك من الخبرات والمهارات والكفاءات ما يمكنها من تنفيذ الاستراتيجية الكلية وجعلها واقعاً ملموسًا على الأرض، وبالتالي فإن هذه الموارد البشرية صاحبة المهارة والخبرة لن تنجح من دون استراتيجية لتدريبها وتنميتها وتحفيزها بشكل متواصل وفعال، وجعلها مؤهلةً للاعتماد عليها من قبل الإدارة العليا في المنظمة.

 

ورغم أنّ النمط السائد في التوظيف مازال يعتمد على التعاقد بين الموظف والمؤسسة على أداء عمل معين مقابل راتب محدد مع قيام المؤسسة بتوفير باقة من الميزات والفوائد للموظف تختلف باختلاف المسمى والمهام الوظيفية، إلا أن هذه النمطية آخذة في التغير خلال السنوات الأخيرة، وذلك بتوجه الموظفين نحو الرغبة في العمل المستقل حيث أظهرت نتائج استبيان وطني أجري عام 2014م في الولايات المتحدة الأمريكية أن 53 مليون موظف هم مستقلون ولا يعملون لدى شركة واحدة وهذا العدد يمثل 34% من إجمالي القوة العاملة، كما أظهرت تلك الدراسة أن 80% من الموظفين المستطلعين والذين يعملون بدوام كامل لديهم الرغبة في القيام بأعمال إضافية لزيادة دخلهم، الأمر الذي يقدم تفسيراً نحو ميل الموظفين تدريجياً نحو الاستقلالية والاعتماد على أنماط غير تقليدية في أداء العمل كالعمل المستقل، ورغم أن هذا الأمر مرتبطٌ بالسياسات الاجتماعية المتبعة وخطط التنمية الاجتماعية وتخطيط أسواق العمل، ولكنه على الأقل يطرح نقاشاً حول الطريقة المثلى للاستفادة من الخبرات البشرية المتوفرة ومدى وجوب أن تكون الخبرات الوطنية المتميزة في مؤسسة واحدة سواء تم ذلك من خلال التوظيف أو الاستقطاب أو التعاقد الحر، وهل تدعو الحاجة إلى إيجاد طريقة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من تلك الطاقات.

 

المنافسة الشديدة بين منظمات الأعمال تكمن في توفير الكوادر البشرية المتميزة والمحافظة عليها

 

وأخيراً وليس آخراً ينبغي القول إنّ المنافسة الشديدة بين منظمات الأعمال يفرض عليها لزاماً للوصول إلى تحقيق أهدافها ليس فقط استثمار الأموال وضخها في المشاريع، وإنما توفير الكوادر البشرية المتميزة والمحافظة عليها بدءاً من العقول المفكرة في الإدارة العليا، مروراً بجميع الموارد البشرية في الإدارة الوسطى، وانتهاءً عند آخر مورد بشري من حيث السلم الوظيفي في الإدارة التنفيذية، الكل يعمل في منظومة متناغمة، الكل يشارك في وضع الخطط الاستراتيجية في إدارته، والكل يعمل على تنفيذ هذه الاستراتيجيات بكل دقة وكفاءة حتى تتحقق الاستراتيجية العامة في نهاية المطاف، وتحقق المنظمة من ورائها رؤيتها المستقبلية ورسالتها وأهدافها وسياساتها وبرامجها التنفيذية، فالميزة التنافسية لأية منظمة لا تتحقق إلا من خلال ما تملكه من عقول بشرية قادرة على الإبداع والابتكار، عقول بشرية خلاقة، عقول بشرية مدربة وتمتلك المهارات والخبرات، عقول بشرية قادرة على امتلاك زمام المبادرة والمبادأة والإقدام من دون خوف أو تردد يجلب من ورائه ضياع الفرصة تلو الأخرى، ومن ثم تجرُّ المنظمة إلى الخلف بدلًا من السير بها قدمًا نحو القمة في مجالها.

 

المصدر

 

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments