بدأت حروب المستقبل تشن على منطقتنا العربية (أهلا بكم في المستقبل)

بدأت حروب المستقبل تشن على منطقتنا العربية (أهلا بكم في المستقبل)

2019-09-20 3:00 ص

بدأت حروب المستقبل تشن على منطقتنا العربية (أهلا بكم في المستقبل)

 

لقد كتبت منذ حوالي ثلاثة أشهر مقالا بعنوان “دور التكنولوجيا في قرع طبول الحرب في الخليج العربي“، أشرت فيه إلى أن العملية الإرهابية التي استهدفت أربع سفن شحن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية الإماراتية والهجوم الإرهابي الذي وقع في المملكة العربية السعودية بطائرات بدون طيار على محطتين لضخ النفط تابعتين لشركة أرامكو في مايو الماضي دون أن تستطيع أي جهة تحديد من هي الجماعة أو المنظمة أو الدولة التي قامت بهذا العمل بشكل قاطع، يعني أن منطقة الخليج تتعرض للحروب اللامتماثلة. والآن بعد تصاعد أحداث كثيرة منها الهجوم بسرب طائرات مسيرة على منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة “أرامكو” السعودية العملاقة صباح السبت 14 سبتمبر 2019 – حسب ما نقلت وكالة الأنباء السعودية “واس” عن وزارة الداخلية- وأدت إلى خفض إنتاج السعودية بمقدار النصف ورفعت درجة التوتر في المنطقة إلى حالة غير مسبوقة، وكذلك الهجوم الممنهج الخبيث الذي يشن على مصر باستخدام الإعلام التفاعلي وتكنولوجيا صناعة المقاطع عميقة التزييف التي تستخدم في أكثر من منصة (أشار إلى خطورة تلك التكنولوجيا الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في فيسبوك في مقال لمجلة إم أي تي تكنولوجي ريفيو في العدد الصادر في 16 سبتمبر 2019)، تأكدت من أمرين: الأول أن منطقتنا الآن تحت نيران حرب من الحروب اللامتماثلة، الثاني أن مخطط تفتيت المنطقة الذي فشل في عام 2011 يتم تنفيذه الآن مرة أخرى لكن باستخدام أدوات الحروب اللامتماثلة التي تعتمد علي التكنولوجيا الحديثة والخبيثة، والتي لها قدرة على أن تفقد الضحية توازنها بأقل تكلفة وبكفاءة اعتداء عالية دون أن يظهر العدو على الساحة.

 

لقد كتب برنارد لويس مخططا لتقسيم الشرق الأوسط، ملحقا به خريطة جديدة، يتفتت فيها العالم العربي إلى عدة دويلات صغيرة على أساس العرق والدين، ذلك حتى يكون من الطبيعي أن تقام دولة اليهود على أساس ديني خالص وتكون الأكبر والأقوى. ولكي تعرف باختصار من هو برنارد لويس، هو مهندس الفوضى الخلاقة التي تحدثت عنها كونداليزا رايس قبل أحداث 2011، ففي سبعينيات القرن العشرين، انتقل برنارد لويس للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل أستاذا للتاريخ في جامعة برنستون. والتحق بالطاقم الاستشاري للسيناتور هنري جاكسون، صاحب الرؤى اليمينية المتطرفة. وعندما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي “زبغنيو بريجنسكي”، مخترع “تنظيم القاعدة”، عن مخططه لـ”تصحيح حدود سايكس بيكو”، وإعادة تقسيم الشرق الأوسط، تمت الاستعانة بـ برنارد لويس كخبير أساسي في عملية التقسيم المنشودة.

 

لكن دعوني أعود لما تواجهه دولنا الآن، لأن ما يهمني هو التكنولوجيا الفائقة التي تستخدم، ففي هجوم السعودية تم استخدام أسراب من الطائرات بدون طيار بطريقة تحكم متزامنة ودقيقة، وحسب ما قاله وزير الدفاع البريطاني إن أسراب طائرات صغيرة بدون طيار تربك وتطغى على الدفاعات المضادة للطائرات، وأن هذا أمر من شأنه أن يمثل تطورًا كبيرًا في الحرب التي يدعمها الإنسان الآلي، وإن هذه التكنولوجيا حديثة، بل إن بريطانيا العظمى بعلمائها ومعاملها التي تدعم كل أدوات الحروب الحديثة، أعلن وزير دفاعها “غافن ويليامسون” في معهد رويال يونايتد للخدمات أن بريطانيا ستمول تطوير أسراب من الطائرات بدون طيار، مشيرًا إلى أن هذه المركبات ستكمل أسطول مقاتلات F-35 ، وذلك في شهر فبراير الماضي -أي أنها تكنولوجيا حديثة- فهل يعقل أن تمتلك جماعة الحوثي هذه التكنولوجيا الفائقة الآن؟؟؟؟

 

الأمر الآخر كيف تمكن الحوثيون من إطلاق طائرات بدون طيار من قواعدهم في الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية إلى الركن الشمالي الشرقي، على بعد أكثر من 1500 كم، وكيف تم التحكم في هذا السرب وتوجيهه عن بعد، وهذا أمر لا يحدث إلا عن طريق استخدام أقمار اصطناعية حديثة؟ وعفوا، لا توجد دولة ولا جماعة في المنطقة العربية تمتلك التكنولوجيا لتسيير عشر طائرات بدون طيار لمئات الكيلومترات بدون أن تفقد طيارة واحدة. وهل يعقل أن عشرات الطائرات المسيرة تطير طول وعرض السعودية وهي طائرات بطيئة جدا ويسهل تتبعها ولا تكتشفها الأقمار الأمريكية التي كشفت أكثر الأمور تعقيدا في التخفي وتعرف بالضبط من أين جاءت؟! أسئلة تحتاج إلى تفكير عميق حتى نعي ما يحدث حولنا.

 

وبالعودة إلى الحملة الممنهجة التي تشن على مصر، باستخدام تكنولوجيا التسويق الإلكتروني الذكي، والإعلام التفاعلي الذي يدحض أي فرصة للمشاهد في أن ينكر ما يبثونه بهجوم إلكتروني باستخدام الذكاء الاصطناعي، وكذلك تكنولوجيا الفوتوشوب والتزييف العميق، ولكي تكتمل الحبكة لابد من تسويق شخصيات أقرب للمسخ المجوف الذي لا يمتلك لا علما ولا سيرة ذاتية ولا عفوا كاريزما على أنه بطل، مستغلين سطحية البعض أو عدم قراءة السواد الأعظم من الشعب العربي للتاريخ.

 

إن تلك الهجمات التي أشرت إليها أعلاه هي جزء بسيط مما يشن علينا من الحروب اللامتماثلة (الحروب الحديثة) لنشر الفرقة ولزعزعة الأمن والاستقرار، وذلك لتحويل دولنا إلى دول فاشلة مسلوبة الإرادة، يسهل السيطرة عليها وتفتيتها لتحقيق خريطة برنارد لويس المزعومة، وذلك دون أن يخسر العدو جنديا واحدا، بل وبأقل تكلفة. فمثلا هجوم سرب الطائرات الذي شن على السعودية وكبدها الكثير من الخسائر (تقريبا 2.2 مليار دولار) لن تزيد تكلفته عن 150،000 دولار (بافتراض أن كل طائرة بدون طيار تكلف 10000 دولار)، ألم أقل لكم أهلا بكم في المستقبل!

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments