في حروب المستقبل لن يكون للجيش الأمريكي أي مكان للإختباء

في حروب المستقبل لن يكون للجيش الأمريكي أي مكان للإختباء

2019-11-29 3:00 ص

23 نوفمبر 2019

 

الحدث – جهاد الدين البدوي

 

حذرت مجلة ” فورين بوليسي” الأمريكية من أن التكنولوجيا الحديثة ستُمكّن كلاً من روسيا والصين لشن هجمات دقيقة ومدمرة على القواعد العسكرية الأمريكية وأنظمتها اللوجستية، بما في ذلك تلك الموجودة على الأراضي الأمريكية.

 

وقد جاء في مقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تافتس الأميركية والباحث الزائر بمعهد إنتربرايز الأمريكي للأبحاث السياسية العامة “مايكل بيكلي”: أن الولايات المتحدة حظيت طوال تاريخها بترف خوض حروبها من الملاذات الآمنة. فلم تقع معارك دولية كبرى في الولايات المتحدة القارية منذ أكثر من قرنين، كما ولم تتعرض سواحلها لهجوم خطير منذ أن قصفت اليابان بيرل هاربور في الحرب العالمية الثانية. وعلى مدى العقود القليلة الماضية لم تواجه القواعد الأمريكية الجاثمة على الأراضي الأجنبية سوى القليل من التهديدات العسكرية التقليدية.

 

لقد مكنت الحصانة غير المسبوقة لأمريكا طريقة معينة لها في الحرب تنطوي على هجمات واسعة النطاق يتم إطلاقها من مناطق شبه منيعة ومحمية جغرافياً. وفي الحروب الأخيرة في أفغانستان والعراق وليبيا وصربيا، على سبيل المثال استخدم الجيش الأمريكي قواعد آمنة وشبكات لوجستية تمتد من قلب الولايات المتحدة إلى حدود العدو. من هذه المساحات الآمنة الشاسعة، كان الجيش قادرًا على اختيار معاركه بشكل استراتيجي وتوجيه ضربات جوية وصواريخة بكفاءة صناعية. نتيجة لذلك، فان نتائج الحروب المباشرة – إن لم تكن نتائجها – موضع شك.

 

يرى بيكلي أنه في حروب المستقبل قد تمكن التكنولوجيا الحديثة القوى المنافسة كروسيا والصين من شن هجمات دقيقة ومدمرة على القواعد العسكرية الأمريكية وشبكات النقل والإمداد وأنظمتها اللوجستية، بما في ذلك تلك الموجودة على الأراضي الأمريكية.

 

ويضيف بيكلي أن التقدم في مجالات الفضاء، والروبوتات، والتعلم الآلي، والطباعة ثلاثية الأبعاد والمواد النانوية يسمح بابتكار أصناف جديدة من الصواريخ والطائرات الفتاكة “الطائرات بدون طيار” غير المرئية، وبإمكانها التحليق لمسافات بعيدة وتملك القدرة على تحييد تجمعات قوات العدو، كل ذلك جزء بسيط من تكلفة الأسلحة المأهولة التقليدية.

 

ويشير الكاتب إلى أن الصواريخ الفرط صوتية الحديثة على سبيل المثال تجمع بين السرعة الفائقة ومدى الصواريخ الباليستية مع قدرتها على المناورة ودقة الاستهداف التي تتمتع بها صواريخ كروز التقليدية.

 

وتابع الكاتب أن إنتاج الطائرات المسيرة اليوم يمكن أن يجعلها تحلق مستقبلاً إلى مسافات بعيدة عبر المحيط، ويمكن للخوارزميات تنسيق عمل أسراب تضم أكثر من 1000 طائرة. كما يمكن لطابعات الكربون ثلاثية الأبعاد إنتاج 1000 طائرة بدون طيار يومياً بأقل من 10 دولارات لكل طائرة، ويمكن للمواد النانومترية تزويد الطائرات الحربية تزويدها برؤوس حربية أقوى بمرتين من الرؤوس التقليدية.

 

واعتبر بيكلي أن انتشار هذه التقنيات سيؤدي إلى تقادم الطريقة الأمريكية الحديثة للحرب، فالصين وروسيا، المسلحتين بترسانة كبيرة من الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسلحة بدون طيار، قادره بشكل متزايد علي افقاد العلميات العسكرية الأمريكية ملاذها الآمن.

 

وفي العصور التكنولوجية السابقة، كان ضرب القواعد الامريكية يتطلب غارات جريئة، والتي كانت عادة ما تكون صغيره جداً بحيث لا تضعف القوة القتالية الامريكية، أو في حال تم استخدام الضربات الصاروخية النووية ضد الولايات المتحدة من شأنها أن تؤدي إلى انتقام كبير وهائل.

 

ويوضح بيكلي أنه بإمكان روسيا والصين استخدام عدد لا حصر له من الصواريخ والطائرات بدون طيار لإحداث الفوضى في الولايات المتحدة وتدمير بناها التحتية ومستودعات الذخيرة والمعدات العسكرية وقطع روابط الاتصالات في القواعد الأمريكية الداخلية وتلك المنتشرة حول العالم.

 

ووفقاً للسيناريو الذي يتحدث عنه بيكلي فإن الولايات المتحدة ببساطة ليست مستعدة للرد بسرعة على هجوم من روسيا أو الصين في حال اندلاع حرب معهما في المستقبل، كما أن معظم المنشآت العسكرية الأمريكية تفتقر إلى الدفاع الصاروخي أو الملاجئ المحمية، فيما تصطف الطائرات والسفن الحربية مكشوفة في الهواء الطلق بجوار بعضهما البعض كما يتم التواصل بين القيادة والجنود إلى حد كبير بواسطة الأقمار الصناعية، والتي هي أيضا عرضة للخطر. كما تتألف القوة اللوجستية للولايات المتحدة بشكل رئيس من سفن بخارية غير مسلحة، ومن المقرر أن تتقاعد معظمها في غضون 15 عامًا، لذلك لا يمكن إعادة شحن السفن الحربية والغواصات الأمريكية في البحر، وفي وقت الحرب يجب عليها التنقل بين مسرح القتال بعدد قليل من الموانئ التابع للولايات المتحدة والدول الحليفة.

 

ويرى الكاتب أنه قد أنتجت مثل هذه الثغرات الأمنية الأمريكية الهائلة إلى جانب التغير التكنولوجي السريع شيئًا من المفارقات: تمتلك الولايات المتحدة أقوى جيش في العالم بشكل واسع، لكنها تكون اخضعت نفسها في الحروب عندما تطلق روسيا أو الصين الصواريخ الحديثة والطائرات بدون طيار.

 

وينوه الكاتب أن المشكلة قد تزداد سوءاً، في محاولة لمواجهة قدرات الصين وروسيا على اختارق مناطق الحرمان(A2/AD)، التي تستهدف قوات الولايات المتحدة المنتشرة في المستقبل، فان الجيش الأمريكي يزيد من اعتماده على الانظمة القتالية التي تتطلب قواعد أمنة وشبكات لوجستية للعمل. وعلى سبيل المثال تنفق الولايات المتحدة مليارات الدولارات لانتاج القاذفات الاستراتيجية الشبح من طراز “B-21” لاختراق شبكات (A2/AD)، هذه القاذفات الرائعة بعيدة عن العمل منذ عقد، ولكن روسيا والصين ربما تكونا قادرتين بالفعل على تدميرها على الأرض. وقد تكون روسيا والصين قد وضعتا صواريخ كروز متطورة في حاويات شحن يمكن أن تضرب القاذفات المستقبلية “B-21” في- قاعدة وايتمان الجوية في ميسوري – من خليج المكسيك. مثال آخر: تعتزم البحرية الأمريكية بناء مئات السفن الحربية الحديثة على مدار الثلاثين عاماً القادمة وتوزيعها في مجموعات صغيرة. وستعمل هذه العمليات البحرية الموزعة على تقليل تعرض الولايات المتحدة لأنظمة العدو (A2/AD)، ولكنها ستقوم أيضًا بتشغيل قوات لوجستية أمريكية خشنة، والتي سيكون عليها نقل الإمدادات إلى مئات السفن المنتشرة على ملايين الأميال. لدى الصين وروسيا بالفعل خطط لضرب هذه الخطوط اللوجستية بالصواريخ والألغام الذكية.

 

ويضيف الكاتب أنه قد حان الوقت للجيش الأمريكي للاستعداد للقتال بدون ملاذات، وبدلاً من انتظار اندلاع الحروب وثم إطلاق حاملات الطائرات الضعيفة والألوية المدرعة في الخارج، اقترح نشر قاذفات وطائرات بدون طيار في البلدان المتحالفة بالقرب من الحدود الروسية والصينية، في دول البلطيق وفي بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

 

ويتابع الكاتب أن هذه الصواريخ والطائرات بدون طيار تعمل كحقول ألغام عالية التقنية. ويمكن أن تدمر أنظمة الدفاع الصينية والروسية، ولكن سيسكون من الصعب على أي من الدولتين التخلص منها ولا يتطلب الأمر وجود أطقم لوجستية كبيرة. كما ويستفيد هذا النهج من عدم تناسق أساسي في أهداف الحرب التي تسعى الولايات المتحدة وخصومها إلى تحقيقها، في حين أن الصين وروسيا بحاجة للسيطرة على أراضي تايوان وجزء من دول البلطيق لتحقيق أهدافها، فإن الولايات المتحدة تحتاج فقط إلى حرمانهما من تلك السيطرة، وهي مهمة تعتبر الصواريخ والطائرات بدون طيار مناسبة تمامًا لأدائها.

 

يختتم الكاتب مقالته بالقول: “لدى الولايات المتحدة التكنولوجيا اللازمة لجعل هذه الإستراتيجية ناجحة، لكن اللاعبين المحليين الأقوياء يترددون في الالتزام بها. البحرية الأمريكية تريد المزيد من السفن الحربية الكبيرة، وليس صواريخ. كما تفضل القوات الجوية الطائرات المأهولة بدلاً من الطائرات المسيرة بدون طيار، كما تريد قيادة الدفاع بماء أنظمة دفاعية باهضة الثمن بدلا من الذخائر الرخيصة، ويشترك العديد من أعضاء الكونغرس في هذا التفضيل لأن الأنظمة الدفاعية الفاخرة وعقود الشراء الطويلة تنتج وظائف في مقاطعاتهم. كما سيتطلب اختراق هذا المأزق وتحديث الطريقة الأمريكية للحرب لعصر تكنولوجي جديد التزاماً قوياً من كبار المسؤولين في وزارة الدفاع والضغط المستمر من جمهور مثقف. وتاريخياً، لم تقم الولايات المتحدة بإصلاح موقفها العسكري إلا بعد تعرضها لصدمة كبيرة. سيكون من المأساوي أن تنطوي الصدمة التالية على خسارة الحرب لخصم أضعف ولكن أكثر ذكاءً من الناحية التكنولوجية”.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments