محاضرة "إريك شميدت" في جامعة ستانفورد حول مستقبل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا

أبرز 10 نقاط من محاضرة إريك شميدت في ستانفورد حول مستقبل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا

2024-11-05 9:30 ص

 أبرز 10 نقاط من محاضرة إريك شميدت في ستانفورد حول “مستقبل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا”

 

ألقى إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل، محاضرة حديثة في جامعة ستانفورد في خلال عام 2024، تناول فيها مجموعة من المواضيع المثيرة للجدل حول مستقبل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. وركز شميدت على عدة محاور أساسية منها تطورات الذكاء الاصطناعي على المدى القصير، والتحديات التكنولوجية، وأهمية الابتكار في هذا المجال، بالإضافة إلى الدور الجيوسياسي للذكاء الاصطناعي وتأثيره على الاقتصاد العالمي. تم بث المحاضرة مباشرة في البداية، ولكن تم حذفها لاحقًا بسبب تعليقاته التي أثارت جدلًا كبيرًا.

 

 

1- مستقبل الذكاء الاصطناعي على المدى القصير

استهل شميدت حديثه بالإجابة على سؤال حول التوجه المستقبلي للذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة المقبلة، موضحًا أن التغيرات في هذا المجال تحدث بسرعة كبيرة. لدرجة أن التنبؤ بما سيحدث يتطلب تحديثًا مستمرًا كل ستة أشهر. وأشار إلى بعض الابتكارات مثل “نافذة السياق لمليون رمز”، والتي تتيح للنماذج التعامل مع كمية هائلة من البيانات دفعة واحدة. هذه التقنية، وفقًا له، ستُحدث تغييرًا جذريًا في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي.

 

كما تناول شميدت مسألة “الوكلاء” في الذكاء الاصطناعي، موضحًا أنهم أدوات يمكنها تنفيذ المهام بناءً على فهمها للبيانات. وأوضح أن هذا المفهوم سيأخذنا قريبًا إلى تحويل “النص إلى فعل”، حيث يمكن تحويل النصوص إلى إجراءات تلقائية ينفذها الذكاء الاصطناعي.

 

  • نقطة التحول لـ NVIDIA وCUDA:

أشار شميدت إلى النجاح الكبير لشركة NVIDIA وتفوقها في مجال الذكاء الاصطناعي بفضل تقنية  CUDA، التي أصبحت معيارًا أساسيًا لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. كما أشار إلى أنه من الضرورة أن يكون لدى الشركات نحو 10 سنوات من البرمجيات الجاهزة، لكي تحصل على التحسينات اللازمة لتعلم الآلة، وذكر أن الشركات الأخرى، مثل AMD، تسعى جاهدة لإنشاء تقنيات منافسة مثل  ROCM، لكن NVIDIA لا تزال في طليعة هذا المجال بسبب البرمجيات والمكتبات المفتوحة المصدر التي تعتمد على  CUDA.

 

  • نوافذ السياق الكبيرة ووكلاء الذكاء الاصطناعي وتقنية تحويل “النص إلى فعل”:

أوضح شميدت أن الذكاء الاصطناعي سيشهد نقلة نوعية في المستقبل القريب مع ظهور نوافذ سياق ضخمة، يمكنها التعامل مع كميات هائلة من المعلومات مثل الكتب والبيانات العلمية. ويمكن استخدامها كذاكرة قصيرة المدى، كما أن تطويرها سيكون له تأثير كبير على فهمنا للعلوم المختلفة، وتوقع أن يكون لها تأثير أكبر بكثير من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وذكر أن الشيء المثير للاهتمام حول الذاكرة قصيرة المدى هو عندما نغذيها بسؤال مثل “اقرأ 20 كتابًا”، نقوم بإعطائها نصوص الكتب كاستعلام ونطلب منها أن تخبرنا بما تحتويه. فإنها تنسى الوسط، وهو بالضبط كيف تعمل العقول البشرية أيضًا.

 

أما بالنسبة للوكلاء، هناك أشخاص يقومون الآن ببناء وكلاء يعتمدون على نماذج اللغة الكبيرة، والطريقة التي يفعلون بها ذلك هي قراءة شيء مثل الكيمياء، يكتشفون مبادئ الكيمياء، ثم يقومون باختبارها، ثم يضيفون ذلك إلى فهمهم.

 

كما شدد شميدت على أن تحويل النصوص إلى أفعال مباشرة سيغير الطريقة التي نتفاعل بها مع التكنولوجيا، وسيدفع نحو تطوير برمجيات أكثر تعقيدًا وذكاءً. وقدم مثالًا على ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء نسخ سريعة مقتبسة من التطبيقات مثل TikTok أو Google خلال دقائق، مما يعزز المنافسة بين الشركات.

 

ومقتنع تماماً من أن اتحاد هذه الأشياء الثلاثة قريباً هو ما سيحدث في الأعوام القادمة.

 

 

2- المصالح الجيوسياسية: الصين والولايات المتحدة

تطرق شميدت إلى التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي. وأعرب أن الولايات المتحدة هي في مقدمة المجال، وأكد على أن الذكاء الاصطناعي سيكون الساحة الرئيسية للمنافسة بين القوتين العظميين في المستقبل القريب. وأوضح أن الولايات المتحدة تتفوق حاليًا على الصين ببضع سنوات في هذا المجال، وذلك بفضل قرارات حكومية حدثت مؤخراً مثل حظر تصدير الشرائح الإلكترونية إلى الصين، ما أدى إلى تأخير تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي هناك.

 

 

المصالح الجيوسياسية: الصين والولايات المتحدة

 

وشدد على أهمية الهند كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في مواجهة الصين، مشيرًا إلى أن الهند تمتلك إمكانيات تكنولوجية واعدة يمكن استغلالها.

 

  • Google  وفقدان القيادة في مجال الذكاء الاصطناعي

انتقد شميدت تحول ثقافة العمل في Google من الالتزام الكامل في العمل إلى تفضيل التوازن بين الحياة الشخصية والعمل، بما في ذلك السماح بالعمل من المنزل وتقليل ساعات العمل.

 

مشيرًا إلى أن ذلك يعيق قدرتها التنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي ضد شركات مثل OpenAI  وAnthropic،  وأشاد بإيلون ماسك والشركات الناشئة وشركة TSMC لبيئات العمل الصارمة التي توفرها. حتى أن شركة TSMC تجعل حاملي الدكتوراه في الفيزياء يعملون في الطوابق السفلية من المصانع في عامهم الأول.

 

وأضاف أن Google كانت رائدة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل بنية Transformer، لكنها فقدت هذا التفوق لصالح شركات أخرى. وأشار إلى أن هذه الشركات الناشئة استطاعت تحقيق إنجازات كبيرة بفضل العمل الجاد والمستمر، مما يضع Google في موقف صعب للمنافسة في المستقبل.

 

وأعرب شميدت عن مخاوفه من أن Google قد تفقد ريادتها في الابتكار والتطوير إذا واصلت السير في نهجها الحالي، الذي يضع توازن العمل والحياة الشخصية فوق التفاني الكامل في العمل.

 

  • مايكروسوفت وOpenAI

كان شميدت متشككًا في البداية بشأن شراكة مايكروسوفت مع OpenAI، معتبرا أنها صغيرة جدًا بحيث لا تشكل أهمية في المستقبل، لكنه اعترف بأنه كان مخطئًا، وأنها أحدثت تقدماً في مجال الذكاء الاصطناعي، وأنهم في طريقهم لكي يصبحوا الشركة الأكبر قيمة.

 

3- تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد العالمي

توقع شميدت أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى توسيع الفجوة الاقتصادية بين البلدان الغنية والفقيرة، وقارن إمكانات الذكاء الاصطناعي بالثورة الصناعية الأولى والكهرباء. وأوضح أن البلدان التي تمتلك الموارد المالية والتكنولوجية ستستفيد بشكل أكبر من التطورات في هذا المجال، في حين ستعاني الدول الأقل تطورًا من التفاوت الاقتصادي.

محاضرة "إريك شميدت" في جامعة ستانفورد حول مستقبل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا

 

كما كان متشائمًا بشأن جدوى الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر بسبب تكاليفه المرتفعة، وأنه سيستغرق تمويل كبير لإغلاق الفجوات الثلاث، وأنه بدلاً من أن يعتمدوا على العمل الفردي، من الممكن أن يعقدوا شراكات مع دول أخرى.

 

لأنه بشكل فردي ليس لديهم القوة الكافية للقيام بذلك، من الممكن أيضاً أن يقوم العرب بالتمويل، لكنهم لن يلتزموا بقواعد الأمن القومي. كما أشار إلى أهمية التعاون مع كندا، التي تمتلك خبرات قوية في الذكاء الاصطناعي، فقد أثبتت مكانتها كواحدة من مراكز الابتكار في هذا المجال بفضل مساهمات باحثيها ومؤسساتها الأكاديمية، كما أنها تتفق مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص قوانين الأمن القومي.

 

أعرب إريك شميدت عن شكوكه حول قدرة أوروبا على الابتكار التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي يواجه تحديات كبيرة في هذا المجال. ومع ذلك، أبدى شميدت بعض التفاؤل تجاه فرنسا، حيث يرى فيها أملًا بإمكانات تكنولوجية قد تساعد على إحداث تقدم.

 

كما أشار إلى أهمية الهند باعتبارها حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في مواجهة التوسع التكنولوجي للصين. الهند، بفضل قوتها البشرية الهائلة وخبرتها التقنية المتزايدة، يمكن أن تكون شريكًا في تطوير الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بشكل عام.

 

أما في منطقة آسيا، فقد أشار شميدت إلى أن كلًا من اليابان وكوريا الجنوبية تقفان بجانب الولايات المتحدة. الدولتان تتمتعان ببنية تحتية تقنية قوية وقاعدة علمية متقدمة، مما يجعلهما من اللاعبين الرئيسيين في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.

 

كما أشار إلى أن “العالم الآن في مرحلة النمو الأقصى، والربح الأقصى”

 

ويعتقد أنه في المستقبل، كل التمييزات بين الدول قد تتلاشى، لأن التكنولوجيا ستستخدم مصطلح يسمى “التدريب الفيدرالي” حيث يمكنك أخد عدة تقنيات وجمعها معاً، لذا ربما لن نستطيع حماية العالم من هذه التقنيات الجديدة.

 

وهي نوع من تقنيات تعلم الآلة التي تسمح بتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام بيانات موزعة عبر أجهزة متعددة أو مواقع مختلفة دون الحاجة إلى نقل هذه البيانات إلى خادم مركزي. ويتمثل الهدف من هذه التقنية في حماية خصوصية البيانات وتحسين الأمان مع الاستفادة من المعرفة المتاحة على نطاق واسع.

 

دروس من تاريخ التكنولوجيا:

قارن شميدت بين التأثيرات التاريخية للكهرباء والذكاء الاصطناعي. ففي البداية، عند إدخال الكهرباء في المصانع، لم تؤدِ إلى تحسين كبير في الإنتاجية على الفور. كانت المصانع ببساطة تستبدل المحركات البخارية بمحركات كهربائية كبيرة دون تغيير جذري في طريقة تنظيم العمل. استغرق الأمر حوالي 30 عامًا قبل أن تبدأ الابتكارات التنظيمية تظهر، مثل توزيع الطاقة على كل آلة على حدة، مما أدى إلى مضاعفة الإنتاجية بشكل كبير.

 

يرى شميدت أن الذكاء الاصطناعي قد يمر بمرحلة مشابهة، حيث ستظهر قيمته الحقيقية عند حدوث ابتكارات تنظيمية تُعيد التفكير في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في العملية الإنتاجية. وهذا يشمل اكتشاف نماذج أعمال جديدة والتنظيم بطرق لم تُفكر فيها من قبل.

 

4- مستقبل الحرب والتكنولوجيا العسكرية

تناول شميدت دور الذكاء الاصطناعي في الحرب، مشيرًا إلى أنه عمل سابقًا مع وزارة الدفاع الأمريكية وشارك في الحرب الروسية الأوكرانية بشكل مباشر، وكان يأمل لمحاولة تحسين الطريقة التي يتم بها إدارة الجيش. كما أشار إلى إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير الأسلحة وتقنيات جديدة تقلل من تكلفة الحروب.

 

مستقبل الحرب والتكنولوجيا العسكرية

 

وكانت فكرته الأساسية تتلخص في تحقيق هدفين بما يتعلق بمستقبل الحروب:

أولاً: استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق معقدة وقوية في الحروب.

وثانياً: خفض تكلفة الروبوتات لهذا النوع من الحروب الروبوتية.

بهدف تغيير مفهوم الحروب التقليدية، القائمة على الدبابات والمدافع والقذائف، والقضاء على هذا النوع من المعارك البرية تماماً، بحيث يجعل غزو أي بلد عبر الأرض أمراً مستحيلاً.

 

5- التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للذكاء الاصطناعي

توقع شميدت أن الذكاء الاصطناعي سيواصل تغيير العالم بطرق غير متوقعة. وحذر من أن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لهذا التطور ستكون هائلة، ودعا إلى ضرورة التحضير لها من خلال سياسات حكومية واستراتيجيات فعالة تمكن البلدان من الاستفادة من هذه الثورة التكنولوجية.

 

في النهاية، شدد شميدت على أن الذكاء الاصطناعي سيغير العالم بشكل جذري في المستقبل القريب، ودعا إلى ضرورة التعاون بين الدول والشركات لمواجهة التحديات التي قد تطرأ نتيجة لهذه التطورات المتسارعة.

 

محاضرة "إريك شميدت" في جامعة ستانفورد حول مستقبل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا

 

طبيعة المعرفة

كان السؤال الذي بدأ شميدت بالإجابة عنه حول ما إذا كانت طبيعة المعرفة نفسها تتغير بسبب الذكاء الاصطناعي، وهل سنحتاج إلى تقبل هذه النماذج حتى وإن لم تكن قادرة على تفسير نفسها لنا؟

 

نماذج الذكاء الاصطناعي أصبحت الآن معقدة للغاية وصعبة الفهم لدرجة أننا لا نعرف تمامًا ما يحدث داخلها، واستدل باقتباسًا من الفيزيائي الشهير ريتشارد فاينمان الذي قال: “ما لا أستطيع أن أصنعه، لا أستطيع فهمه.” وأشار إلى أنه صادف هذا الاقتباس مؤخرًا، ولكنه الآن يعكس واقعًا مختلفًا، حيث يقوم الناس بإنشاء أشياء يمكنهم بناؤها، لكنهم في الواقع لا يفهمون بالكامل كيفية عملها من الداخل.

 

شبه الواقع الحالي بحالة المراهقين حيث قال: “إذا كنت والدًا لمراهق، فأنت تعلم أنه إنسان، ولكنك قد تجد صعوبة في فهم تمامًا ما يدور في ذهنه. ومع ذلك، تمكن المجتمع من التكيف مع هذه المرحلة العمرية، حيث ينضج المراهقون ويتجاوزونها في النهاية. وأعتقد أن هذا يمكن أن يكون مشابهًا لما نراه مع أنظمة الذكاء الاصطناعي. قد نمتلك أنظمة معرفية لا يمكننا فهمها بشكل كامل، لكننا نتمكن من إدراك حدود إمكانياتها، وربما يكون هذا أفضل ما يمكن تحقيقه في هذه المرحلة”

 

6- حدود أنظمة الذكاء الاصطناعي

من المتوقع أن نكون بارعين في فهم حدود أنظمة الذكاء الاصطناعي في المستقبل، ويُعتقد أنه سيظهر ما يُسمى بـ “الذكاء الاصطناعي العدائي”. هذا المفهوم يشير إلى ظهور شركات متخصصة يمكن استئجارها لاختراق أنظمة الذكاء الاصطناعي وكشف نقاط ضعفها، على غرار الفرق الحمراء التي تُستخدم اليوم لاختبار الأنظمة البشرية.

 

حدود أنظمة الذكاء الاصطناعي

 

مثلما تعمل الفرق الحمراء على تحديد الثغرات في الأنظمة البشرية، سيكون هناك فرق متخصصة في الذكاء الاصطناعي تستهدف اكتشاف ثغرات الأنظمة التقنية، وخاصة تلك المعلومات التي لا يستطيع البشر فهمها بسهولة. يبدو هذا السيناريو منطقيًا في المستقبل القريب.

 

علاوة على ذلك، هذا الموضوع يمكن أن يشكل مشروعًا أكاديميًا مهمًا في الجامعات مثل جامعة ستانفورد. فلو كان هناك طالب دراسات عليا مكلف بمهمة دراسة ومهاجمة هذه النماذج الكبيرة، فإن هذه ستكون مهارة قيّمة جدًا لبناء الجيل القادم من المتخصصين في الذكاء الاصطناعي. لذلك، يبدو من الطبيعي أن يترافق التطور في فهم الأنظمة التقنية مع ظهور هذا النوع من الابتكار، ويعتقد أن هذه الأنظمة ستساهم في جعل الذكاء الاصطناعي أكثر أمانًا وموثوقية.

 

7- تحولات في التعليم والعمل

تحدث شميدت أيضًا عن كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على التعليم وسوق العمل. بالنسبة للوظائف التي تتطلب تعليمًا جامعيًا ومهارات عالية، فإنها ستظل محمية إلى حد كبير، ولكن الوظائف التي تتطلب مهارات متدنية أو تعتمد على الأعمال اليدوية ستكون معرضة للخطر.

 

تحولات في التعليم والعمل

 

وفي مجال التعليم، يرى شميدت أن علوم الحاسوب ستشهد تحولًا كبيرًا مع ظهور أنظمة ذكية (مبرمج) تعمل كزملاء للطلاب. هذه الأنظمة ستكون قادرة على التفاعل بشكل تلقائي، ما سيؤثر على طريقة التعليم بشكل جذري.

 

وأكد أنه في المثال الذي قدمه حول منافسة تيك توك، بتحويل النص إلى فعل، وإنشاء تطبيق مشابه له تماماً، خلال ثواني معدودة، أن الهدف لم يكن الترويج لسرقة محتويات التطبيق بشكل غير قانوني. لكن ما يحدث عادة في وادي السيليكون هو أنه إذا حقق منتجك نجاحًا، فإنك تستعين بمجموعة من المحامين لترتيب الأمور القانونية لاحقًا. أما إذا لم يستخدم أحد منتجك، فلا يهم ما إذا كنت قد استخدمت محتوى مسروقًا. بمعنى آخر، يتم اختبار المنتجات وتنظيم الأمور بعد تحقيق النجاح، وهذا هو الأسلوب المعتاد.

 

وأشار إلى أن المستقبل سيشهد ظهور أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تطورًا مع اختبارات أكثر فاعلية، بما في ذلك اختبارات عدائية، مما يساعد على الحفاظ على الأمان والكفاءة ضمن حدود معينة.

 

المصطلح الفني الذي يُستخدم لوصف هذه العملية هو “التفكير التسلسلي”. هذا المصطلح يعني القدرة على تنفيذ خطوات مترابطة لتحقيق هدف معين، مشابه لإعداد وصفة طعام؛ حيث تُنفذ خطوات متتالية ثم يتم اختبار النتائج للتأكد من تحقيق النتيجة المطلوبة.

 

ويعتقد البعض أنه خلال السنوات القليلة القادمة، ستتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي من تنفيذ آلاف الخطوات المتسلسلة بشكل متقن. هذه القدرة على “التفكير التسلسلي” ستسمح للأنظمة بأداء مهام أكثر تعقيدًا وتنظيمًا، مع إمكانية اختبار نتائج كل خطوة وتعديلها لتحقيق النتيجة المرجوة.

 

أشار شميدت إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يستطيع أن يحل محل البرمجة، بل سيساهم في تعزيزها. يوضح أن النظام يعمل بشكل أفضل عندما يكون لدى المستخدمين فهم أساسي للبرمجة، مما يتيح لهم التفاعل بشكل أكثر فعالية مع هذه الأنظمة.

 

ويعتقد شميدت أن العالم حاليًا في مرحلة مثيرة جدًا من التطور، حيث يمكن لكل اختراع أن يولد فرصًا جديدة، وهو ما يجعل الذكاء الاصطناعي أحد أكثر المجالات المثمرة والجاذبة للاستثمارات في الوقت الحالي.

 

8- المستقبل الاقتصادي والسياسي

وفيما يتعلق بالتأثيرات الجيوسياسية للذكاء الاصطناعي، أشار شميدت إلى أن الدول التي لا تساهم في تطوير الذكاء الاصطناعي ستعاني، في حين أن الدول المتقدمة ستستمر في جني الفوائد. هو يشير إلى الهند كدولة ذات إمكانيات عالية في هذا المجال، بينما يرى أن الصين قد تكون الخاسر الأكبر في هذا السباق.

 

محاضرة "إريك شميدت" في جامعة ستانفورد حول مستقبل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا

 

  • أهمية نشر المعرفة بالذكاء الاصطناعي:

أشار شميدت إلى أن هناك تحولًا كبيرًا في مقدار الاهتمام الذي يوليه الناس لمجال الذكاء الاصطناعي مؤخرًا. حيث أصبح الجميع تقريبًا يحاولون فهمه بشكل أعمق. ويعتقد شميدت أن الذكاء الاصطناعي ليس فقط مسؤولية المتخصصين التقنيين، بل يمكن لأصحاب خلفيات متنوعة، سواء اقتصادية أو اجتماعية أو تنظيمية، أن يسهموا في تطويره واستخدامه بطريقة فعّالة.

 

على سبيل المثال، أشار شميدت إلى أهمية التفكير في تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، التفاوت الاجتماعي، والإنتاجية الاقتصادية. وأوضح أن الذكاء الاصطناعي، على غرار الكهرباء في الماضي، قد يؤدي إلى مجموعة واسعة من الابتكارات التكاملية التي ستغير طريقة عمل الاقتصاد والصناعة. لكن التحول الفعلي يحدث عندما يتم تبني هذه التكنولوجيا بطريقة تسمح بتغيير نماذج العمل والتنظيم التقليدية.

 

  • أهمية سرعة تبني الذكاء الاصطناعي:

على الرغم من ذلك، يشير شميدت إلى أن بعض الأدوات مثل ChatGPT قد تم تبنيها بسرعة أكبر مما كان متوقعًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن استخدامها أصبح أسهل بكثير. لم يعد يتطلب معرفة تقنية عميقة مثل لغة البرمجة “بايثون”، بل يمكن للكثير من المستخدمين تحقيق قيمة باستخدام الذكاء الاصطناعي بمجرد التفاعل معه باللغة الطبيعية. ومع ذلك، يظل شميدت يعتقد أن الابتكارات الكبرى في تنظيم العمل واستغلال القدرات الكاملة للذكاء الاصطناعي ستحدث على المدى الطويل.

 

  • أهمية النمذجة السريعة للحفاظ على التنافسية

ومن الضروري جداً أن يتم نمذجة الأفكار باستخدام الأدوات المتاحة بأسرع ما يمكن، لأن هناك احتمالاً كبيراً أن يقوم شخص آخر في شركة أو مكان ما، بالعمل على نفس الفكرة.

خلق الحوافز الصحيحة للالتزام بالمعايير والتوجيهات يعد أمراً حاسماً لتحقيق التقدم في هذا السياق. أحد الكتب التي تتناول هذا الموضوع هو “التنافسية المشتركة” للكاتبة ماري نيلبوغ، الذي يناقش كيف يمكن أن تساعد اللوائح في دعم الشركات والصناعة بشكل عام.

بالتالي، فإن التنظيم لا يبطئ الأمور بالضرورة؛ بل يمكن أن يسهم الالتزام بالمعايير في تسهيل التنافس بين الشركات.

 

9- الحاجة إلى الابتكار التنظيمي

لا يقتصر النجاح في استغلال الذكاء الاصطناعي على المهارات التقنية فقط، بل يتطلب التفكير في كيفية إعادة تشكيل الأعمال والنماذج الاقتصادية لتتكيف مع هذه التكنولوجيا. ويعتقد شميدت أن هناك فرصة هائلة للأشخاص في مجالات الاقتصاد وإدارة الأعمال لإعادة التفكير في كيفية تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالاتهم، مما قد يفتح الباب أمام فرص غير مسبوقة.

 

محاضرة "إريك شميدت" في جامعة ستانفورد حول مستقبل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا

 

التنظيم لا يبطئ الأمور بالضرورة؛ بل قد يسهم الالتزام بالمعايير في تسهيل التنافس بين الشركات.

 

أحد الأسباب التي دفعت بعض موظفي Google للقول إنهم لم يتحركوا بسرعة هو قلقهم من أن النماذج الكبيرة قد تُستخدم بشكل سيئ أو تكون خطرة، مما جعلهم يشعرون بأنهم مجبرون على التصرف بحذر.

 

وفي حديث مع بعض الأشخاص في شركة كبيرة أخرى، تم الإشارة إلى أنهم كانوا يعتزمون عدم إطلاق ميزة معينة، ولكن مع بدء المنافسين في تقديمها، شعروا بأنهم مضطرون لإطلاقها أيضًا. هنا يظهر أن التنسيق في التنظيم يمكن أن يكون له تأثير، ولكنه أيضًا يشير إلى أن هناك استخداماً واضحاً للتنظيم لإعاقة المنافسة. يعتقد الكثيرون أن بعض الشركات الكبيرة تعارض المصدر المفتوح وتفضل عدم جعله مفتوحاً على نطاق واسع لأنها تريد إبطاء تقدم المنافسين.

 

  • تحديات تواجه تبني الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات

على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، هناك تحديات تنظيمية وثقافية تعيق تبنيه في بعض المجالات. على سبيل المثال، يشير شميدت إلى أن تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على قراءة الصور الطبية بدقة عالية لم يحظى بالقبول الواسع بسبب مقاومة التغيير الثقافي والمخاوف المتعلقة بالسلامة.

 

كما أن هناك بعض المهن التي يكون فيها الاعتماد على الذكاء الاصطناعي محدودًا بسبب المخاوف المتعلقة بالثقة في التكنولوجيا، مثل مهنة الطيارين، حيث يفضل الناس أن يكون هناك إنسان يتحكم بالطائرة بدلاً من تركها للذكاء الاصطناعي.

 

  • البحث في الذكاء الاصطناعي والابتكار الأكاديمي:

تناول شميدت أيضًا الدور الحيوي للجامعات والأكاديميين في تطوير الذكاء الاصطناعي. حيث يعتقد أن الجامعات لديها ميزة تنافسية في القدرة على العمل على المشاريع طويلة الأمد، التي لا تستند إلى الربح الفوري. كما يشير إلى أهمية البحث في خوارزميات جديدة، مثل تلك التي تتجاوز “المحولات” المستخدمة حاليًا في التعلم العميق، بدلًا من التركيز فقط على بناء نماذج ضخمة تتطلب موارد كبيرة.

 

أما فيما يتعلق بمراكز البيانات في الجامعات، من الواضح أن هناك حاجة إلى تمويل أكبر. على الرغم من أن زيادة التمويل ستكون خطوة ممتازة، إلا أن الحكومة الفيدرالية لديها ما يسمى “national AI” والذي يقدم الدعم أحياناً، ويبلغ عشرات الملايين من الدولارات. كما أشار إريك قبل بدء الجلسة إلى أنهم يعملون على مشروع قد يكون أكبر بكثير.

 

إنهم يتجهون في الوقت الحالي نحو مشروع أكبر بكثير لهذا يقومون بتدريب هذه النماذج الكبيرة، لكنه ليس متأكدًا مما إذا كان سيتحقق.

 

10- مستقبل الذكاء الاصطناعي العام

عندما سُئل عن الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، أوضح شميدت أن هذه التقنية ليست قريبة بالقدر الذي يتوقعه البعض. ففي الوقت الحالي، تُظهر النماذج اللغوية الكبيرة مثل ChatGPT قدرات على حل مشكلات معقدة بطريقة أكثر عمومية، لكنها لا تزال بعيدة عن الوصول إلى مستوى الذكاء البشري في جميع المجالات. ومع ذلك، يعترف بأن الذكاء الاصطناعي الحالي يمكنه تنفيذ بعض المهام بشكل أفضل بكثير من البشر، بينما تظل المهام التي تتطلب قدرة فيزيائية أو إدراكية مجردة أكثر تحديًا للآلات، كما فيما يعرف بـ “مفارقة مورافيك”، التي أشار فيها هانس مورافيك إلى أن المهام التي يمكن لطفل صغير، في الثالثة أو الرابعة من عمره، أن يؤديها مثل زرّ قميص أو صعود السلالم، تعتبر بالغة الصعوبة للآلات. بينما المهام المعقدة التي يواجهها خريجو الجامعات، مثل حل المشكلات الأمثلية، تتقنها الآلات بسهولة.

 

مستقبل الذكاء الاصطناعي العام

 

ولكن ليست كل المهام السهلة للبشر صعبة على الآلات، والعكس صحيح، فالاختلافات بين قدرات البشر والآلات لا تسير دائمًا على نفس الوتيرة.

 

الخلاصة:

في النهاية، يشدد شميدت على أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل هو ثورة ستعيد تشكيل الطريقة التي نعمل بها وننظم بها الاقتصاد. وأن المستقبل ليس قدراً محتوماً، بل هو ما نصنعه بأيدينا اليوم، ومع ذلك، فإن نجاح هذا التحول يعتمد على الابتكار التنظيمي والقدرة على الاستفادة من الإمكانيات التكاملية التي توفرها هذه التكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، يواجه العالم بعض التحديات التي قد تعرقل تبني الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، وهو ما يتطلب تعاونًا بين الحكومات، القطاع الخاص، والأكاديميين لتجاوز هذه العقبات وتحقيق الفوائد الكاملة لهذه الثورة التكنولوجية في المستقبل.

 

 

النص الكامل للمحاضرة

 

المحاضرة بالكامل (فيديو)