اتجاهات المشهد الأوكراني | أ. د. وليد عبد الحي

اتجاهات المشهد الأوكراني | أ. د. وليد عبد الحي

2023-02-26 4:52 م

اتجاهات المشهد الأوكراني | أ. د. وليد عبد الحي

 

ما هي الاتجاهات الأكثر وضوحا في الحرب الروسية الأوكرانية، وما هي المسارات المحتملة والأكثر ترجيحا؟ يُعلمنا التاريخ أن الحروب تنتهي بأشكال متعددة، فهناك النصر الحاسم واستسلام أحد الأطراف، وهناك امتداد الحرب دون نصر واضح إلى أن يصل الأطراف حد الإعياء كما جرى في الحرب العراقية الإيرانية، وهناك انتهاء الحرب على طاولة المفاوضات المباشرة أو عبر وساطات دولية، وهناك تغير في مسار الحرب بتغير بنية النظام السياسي في أحد أطراف الحرب.. إلخ.

 

ويبدو أن الأمر في أوكرانيا يسير باتجاه ترسيخ قناعات لدى طرفي النزاع، وستلعب هذه القناعات دورا في تحديد المساحة المتاحة لمناورات وتكتيكات صانع القرار في كل من طرفي النزاع، ويبدو أن هذه القناعات تسير على النحو التالي:

 

1- إن تراجع روسيا عن ضم إقليم دونباس إليها –ناهيك عن القرم- هو أمر أقرب للمستحيل، وعلى الغرب أن يفكر في حلول دون هذا الحل، أو أن ينتظر تغيرا في بنية النظام السياسي في روسيا ،وهو أمر لا تلوح في الأفق أية بوادر له في المدى الزمني القريب.

 

2- إن ثقل نتائج الحرب على أوكرانيا وصلت إلى حد من الصعب معالجته في ظل استمرار الحرب، فطبقا لتقديرات غربية بخاصة من الأكاديميين الذين يبدون قدرا من الموضوعية في قراءتهم للمشهد الأوكراني أن الاقتصاد الأوكراني فقد حوالي 35% منه، وأن الطاقة الكهربائية تراجعت بنسبة تصل إلى 42%، وتشرد حوالي 13 مليون أوكراني، كما فقد الجيش الأوكراني أكثر من 35% من طاقته القتالية بشريا ومعداتيا رغم التعويض، وكل ذلك يجعل احتمالات التشقق في البنية السياسية أعلى منها بشكل واضح مما في روسيا.

 

3- من الواضح أن هذه الحرب قامت على بعض الأوهام:

 

أ‌- الوهم الروسي بأن المدى الزمني للمعركة سيكون أقصر مما بدا واضحا الآن، ولا يبدو أن لدى الروس تقديرا يُطمأن إليه حول المدى الزمني لانتهاء أو وقف الحرب بأي شكل من الأشكال، ولعل خطاب بوتين يوم أمس كان ذا دلالة قاطعة في هذا الشأن.

 

ب‌- الوهم الروسي بأن رد الفعل الغربي سيكون دون مستوى الرد الحالي استنادا لحسابات قامت على أساس من حساب وزن الاعتماد الأوروبي الطاقوي على روسيا، واحتمال اتساع الشقوق في العلاقات الأمريكية الأوروبية أو داخل الناتو، أو أن الهواجس الغربية من الصدام المباشر قد يقود إلى حرب نووية، إضافة إلى أن آثار أعوام الكورونا جعلت الاقتصاد الغربي أقل استعدادا للتدخل، وقد تبين أن كل ذلك كان فيه قدر من سوء الحساب بمقدار ما كان فيه من حسن الحساب.

 

ت‌- الوهم الغربي من أنهم سيسمعون من بوتين جعجعة دون أن يروا طحنا، ويبدو أن الصورة الذهنية لصدام حسين والقذافي وأمثالهما استقرت في دوائر صنع القرار الغربي لكل من يصنفونه “مستبدا”، وأن هذا النمط سيتكرر مع بوتين، ثم تبين لهم أن بوتين يعد لهذه المعركة منذ 2014، وبالتالي تمكن من امتصاص قدر معقول من صدمة الحرب، وهو ما يتضح في الجانب الاقتصادي الذي راهن الغربيون عليه رهانا كبيرا ، كما يتضح في مسألة أخرى وهي المعارضة الداخلية، ففي العراق أو ليبيا أو السودان …إلخ معارضات داخلية ومرتبط بعض منها بالغرب ، والأمر في روسيا أمر مختلف، ناهيك أن المناطق التي ضمتها روسيا هي ذات أغلبية روسية، وهو ما يعني أن نشوء مقاومة ضد روسيا في هذه المناطق أمر ضعيف الاحتمال للغاية، فصدام دخل الحرب دون أي حليف، ودون جبهة داخلية متماسكة، وبعد ارهقا اقتصادي وعسكري كبير، ناهيك عن أن الوعي الاستراتيجي مختلف بشكل كبير بين صدام أو القذافي أو غيرهما عما هو الحال لدى بوتين، وعليه فشلت الإدارات الأمريكية وبعض الغربية من التنبه إلى أن بوتين ليس صدام حسين ولا القذافي ولا أي من هذه النماذج.

 

ث‌- وهناك وهم مشترك بين طرفي الحرب، فالتضامن الغربي كان أعلى مما توقع بوتين، والتضامن مع بوتين كان أقوى مما توقع الغرب بخاصة من الصين وإيران وبيلاروسيا وهنغاريا وبعض الشرائح والنخب الأوروبية والأمريكية ذات الوزن، ويبدو أن احتمالات التشقق في التضامن الغربي (مع حجم المظاهرات وتزايد العبء الاقتصادي وتناقص المخزون اللوجستي للجيوش الغربية) اعلى منه من احتمال التشقق في حلفاء روسيا رغم أن وزن حلفاء أوكرانيا يفوق وزن حلفاء روسيا ويفوق في درجة الالتزام. لكن الغرب وبخاصة الولايات المتحدة بدل أن تحيد الموقف الصيني في الأزمة الأوكرانية بخاصة بعد أن امتنعت الصين عن مساندة الموقف الروسي في موضوعات الانتخابات في دونباس للانضمام لروسيا في سبتمبر من العام الماضي وامتناع الصين عن تأييد روسيا في منع الرئيس الأوكراني من المشاركة في جلسات مجلس الأمن قبل ذلك بشهر واحد، راحت الولايات المتحدة تضغط بقدر من الرعونة على الصين بخاصة في موضوع تايوان (بالزيارات وإعلانات التسليح والتصريحات السياسية) وهو ما دفع الصين لمزيد من التقارب مع روسيا، ولعل موضوع المناطيد الصينية مؤخرا مؤشر على النزق الأمريكي.

 

4- احتمال اتساع رقعة الحرب وتصاعدها إلى حد النووي، ويبدو حتى الآن أن هذا الاحتمال هو الأضعف نظرا لتعقيداته ولنتائجه الوخيمة على الجميع.

 

ذلك كله يعني أن الاحتمالات الأرجح هي:

 

1- نهاية الحرب ليست قريبة

2- الحرب النووية هي الاحتمال الأضعف

3- أخطاء التقدير من الطرفين ستستمر

4- احتمالات التغير في بنية السلطة في أوكرانيا أقوى من احتمال تغيرها في روسيا

5- الصدع في النظام الدولي سيعيد تركيب بنيته بقدر أقل من القدرة الأمريكية وبتحلل تدريجي متأنٍ وهادئ من الالتزام الأوروبي مع أمريكا في “بعض” توجهاتها الاستراتيجية

كل ذلك وربما حاضرة….

 

 

 

أ. د. وليد عبد الحي*

* أ. د. وليد عبد الحي أستاذ في قسم العلوم السياسية وباحث في المستقبليات والاستشراف.

 

22-02-2023

 

المصدر

 

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments