التحولات الكبرى والأحداث الفاصلة في صراعات الشرق الأوسط | د. مصطفى الفقي

التحولات الكبرى والأحداث الفاصلة في صراعات الشرق الأوسط | د. مصطفى الفقي

2025-01-28 9:56 ص

التحولات الكبرى والأحداث الفاصلة في صراعات الشرق الأوسط | د. مصطفى الفقي*

 

تكشفت الأيام الأخيرة عن الأبعاد الشاملة للأحداث الفاصلة فى الصراع العربي الإسرائيلي فما جرى فى سوريا لا يبدو بعيدًا عما جرى فى غزة ولبنان، إذ إن هناك تنسيقا واضحا ولو فى الخفاء بين تلك الحروب التى طحنت المنطقة وجعلت الشرق الأوسط بحق كتلة من النيران والأشلاء والدماء منذ السابع من أكتوبر 2023 إذ إن هناك دلالات متميزة ومختلفة لطبيعة ذلك الصراع المزمن والمواقف الدولية والإقليمية منه، دعونا نعترف أن ما جرى قد كبد الشعبين الفلسطيني واللبناني، وكذلك السوري بالضرورة خسائر فادحة وترك بصماتٍ مؤلمة على المنطقة، ولذلك نحاول أن نرصد نتائج ذلك فيما يلى:

 

أولاً: إن الفاتورة الكبيرة التى دفعها أهل غزة وسكان الضاحية الجنوبية لبيروت تعتبر نتاجاً لأوضاع معقدة وظروف صعبة دفع ثمنها أصحاب الحق فى مواجهة جيش الاحتلال، ولذلك فإن المرارة التى تركتها تلك الأحداث الدامية والمعارك البشعة سوف تظل صفحات مؤلمة من ملف الصراع العربي الإسرائيلي، كما أنها سوف تبقى فى سجل تضحيات الشعبين الفلسطيني واللبناني اللذين قدما ما يفوق حالات التحرر الوطني والكفاح المسلح ضد أي احتلال فى العالم المعاصر.

 

ثانياً: إننى ممن يؤمنون بأنه رب ضارة نافعة، وأن ما جرى فى غزة ولبنان والتدخلات العسكرية ممن نطلق عليها ساحات الإسناد وما تبعها من صراع جديد على الحدود العربية التركية إنما هى كلها نواقيس تدق لكى تعلن أن الشرق الأوسط يكاد يكون على حافة حرب طويلة تأخذ المنطقة كلها فى اتجاهات غير متوقعة ومواقف غير محسوبة، فالساحة كانت ولا تزال قابلة للانفجار فى أي وقت، إن إسرائيل هى إسرائيل المعتدية دائمًا لا تحترم اتفاقًا ولا تلتزم بالمواثيق الدولية أو قرارات الشرعية، كما لا تبدو إسرائيل أيضًا بعيدة عما يجرى في الأراضي السورية، ورغم كل ذلك فإنني أرى بصيصًا من الضوء فى نهاية ذلك النفق المظلم فلقد أدرك الجميع، سواء كانوا أصدقاء لإسرائيل وحلفاء لها أو كانوا من مناصري القضية الفلسطينية والداعمين لها أن إسرائيل خارج كل الأطر القانونية والالتزامات الدولية، وأنها كيان عدواني شرس يقتل الأطفال ويهدم العمران ويغتصب الأرض وما عليها، ومثل هذه القناعة التي بدأت تشيع في الأوساط العالمية ومن فوق المنابر الدولية كفيلة بأن تؤدى إلى التحول الذي نتحدث عنه، فالتصرفات غير المسئولة التي مارستها إسرائيل وأمعنت فيها حتى تفاخرت بالعدوان ومضت في خرق كل ما تعارف عليه المجتمع الدولى وتعاملت باستهتار ولا مبالاة مع الآراء التي أصدرتها محاكم القضاء الدولي، لذلك فقد بلغ السيل الزبى وجاوز الظالمون المدى وشعر المجتمع الدولي كله حتى المؤيدون لإسرائيل إنها دولة تنتحر دون أن تفيق إلى المخاطر التى تنتظرها والعواقب التي ستؤول إليها فى ظل مناخ دولي محمل بالعديد من النذر السيئة.

 

ولن يحدث ذلك بين يوم وليلة ولكنه يحتاج إلى جهد شاق وتفكير مختلف من الدول العربية والإسلامية بل وكافة الدول التي تحترم ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان.

 

ثالثاً: إن السياسة الأمريكية توحى بأن هناك قرارات غليظة يحملها الرئيس القادم للبيت الأبيض دونالد ترامب ولن تكون فى معظمها لصالح الجانب العربي وشهداء القضية الفلسطينية، لذلك كله فإننا مطالبون بتفكيك التصورات القديمة عن الصراع العربي الإسرائيلي والدخول فى مراحل جديدة تتبلور فيها المسئوليات التي تتحملها كل الأطراف سعيًا نحو إبعاد الغيوم عن سماء المنطقة والتهيؤ بجدية لأفكار جديدة بما لا يمس ثوابت النضال وعقود الكفاح المسلح من أجل وطن فلسطيني تحت راية الدولة المستقلة.

 

لذلك فإنني أتصور أن الأعوام القليلة القادمة سوف تحمل فى طياتها تغيرات جذرية وتحولات كبرى فى الصراع العربي الإسرائيلي، ولا يمكن التنبؤ القطعي بمحتوى ذلك التغير فقد تحمل أسوأ مما حملته الأعوام الأخيرة، فلكل أمر نهاية ولكل عدوان وقت ينتهى فيه، لقد سقطت النازية من قبل وتوارت الفاشية، ولابد أن تنال الحركة الصهيونية جزءًا من النهايات التي عرفتها كل الأفكار اللا إنسانية المغتصبة لحقوق الشعوب.

 

إننى لا أزعم أني مستغرق فى التفاؤل أو موحول بالتشاؤم ولكننى أزعم أنى أرى أن تصرفات إسرائيل فى السنوات الأخيرة تنبئ بأن النهاية ليست بعيدة وأن الأمل العربي لن يختفى أبدًا، فالحقوق لا تضيع خصوصًا إذا اقترنت بدماء الشهداء وعرفت تلك التضحيات الكبرى والفواتير الضخمة فى واحدة من أكبر الكوارث التى شهدتها منطقة في عالمنا المعاصر.

 

إن الأمر كله يتوقف على الإرادة القوية والتعامل الذكي مع دول الجوار غير العربي حتى تصل السفينة إلى الشاطئ الذى تسعى إليه مهما طال الزمن وغابت الإنجازات فيوم النصر قادم.

 

*مدير مكتبة الإسكندرية، دبلوماسي وبرلماني مصري سابق تولى منصب مساعد أول لوزير الخارجية كما شغل منصب سكرتير رئيس الجمهورية للمعلومات.

 

المصدر

 

قد يهمك أيضاً

 

الدين والسياسة… قراءة جديدة | د. مصطفى الفقي

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments