التربية العربية وعلم المستقبليات: صدمة الحاضر .. صدمة المستقبل !
مجلة المعرفة | ملف العدد
بقلم : أسرة التحرير 2009-10-17 28 /10 /1430
كتابات عالم الاجتماع الأمريكي، ألفين توفلر، وزوجته هايدي توفلر، بلا شك، محطة بارزة في مسيرة التفكير العلمي الحديث بالمستقبل، رغم أن علماء المستقبليات المحدثين، لا يعدونها سوى تأملات مفكر اجتماعي تغلب عليها صنعة الأدب، وتفتقر إلى الجانب العلمي الممنهج؛ إلا أن كتابات المستقبليين – أنفسهم- ودراساتهم لا تخلو من المصطلحات التي تنسب إلى توفلر، والتي كانت عناوين كتبه الشهيرة بدءًا من كتابه الأول «صدمة المستقبل» Future Shock الذي صدر عام 1970م، إلى كتابه الأخير «ثورة الوفرة» Revolutionary Wealth والذي صدر عام 2006م.
في «صدمة المستقبل» وصف توفلر الاضطرابات السيكولوجية المحتملة لدى الأفراد والمجتمعات في أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الذي يليه، بأنها اضطرابات متعارضة – بحسب توفلر- تراوح بين مشاعر الحماس والانبهار، وبين مشاعر الخوف والارتياع، وكلها سوف تحدث نتيجة للتغير سريع الخطى عميق التأثير فيما ألفه الأفراد والمجتمعات. أما كتاب توفلر الثاني فقد كان بعنوان «الموجة الثالثة» The Third Wave وقد صدر في عام 1980م، وهذا التعبير ليس إلا وصفا للثورة الثالثة التي تلت الثورتين الزراعية والصناعية، وهي ثورة المعلومات Information Revolution، بحيث أصبح اقتصاد العالم المتقدم لا يعتمد بالدرجة الأولى على المحراث أو على الماكينة، وإنما أصبح يعتمد على المعلومات وامتلاكها وتوزيعها وتداولها وإدارتها، وقد طور بيتر دركر Peter F. Drucker مصطلح عصر المعلومات إلى مصطلح «عصر المعرفة» Knowledge Age، في تذكير بأن المعلومات Information ليست سوى وسيط بين البيانات الخام Data وبين المعرفة Knowledge، والأخيرة تعني استثمار المعلومات ميدانيا في العمل والإنتاج. أما كتاب توفلر الثالث والذي صدر علم 1990م، فكان بعنوان «تحولات القوة» أو «تحولات السلطة» Power shift ؛ فالسلطة أو القوة من وجهة نظر توفلر لن تبقى في القرن الحادي والعشرين للمال أو لقوة السلاح، وإنما سوف تصبح للمعلومات (المعرفة لدى دركر) ومن يمتلكها ويوظفها لمصلحته، فهو يرى أن الطريق للتقدم الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، لم يعد لامتلاك المادة الخام أو للقوة العضلية أو الكثافة السكانية، بل سوف يصبح التقدم الاقتصادي تابعا للعقل الإنساني والمهارة الإنسانية التي تستثمر المعلومة في العمل والإنتاج والتفوق، أو ما عرف مؤخرًا باقتصاد المعرفة Knowledge Economy.
في كل الأحوال فإن للتربية والتعليم، في ظل التفكير المستقبلي تأملاً أو دراسة علمية ممنهجة، موضع واسطة العقد. فالتربية برمتها ليست سوى إعداد للحياة المستقبلة، ولذلك فهي مسئولة قبل غيرها من أوجه النشاط الإنساني بإعداد الأجيال الناشئة للعيش حياة كريمة في ذلك المستقبل الذي يتراءى أمامنا على الدوام، في أفق الزمن الممتد، وعلى خط الحياة المستمر.
والتربية في عالمنا العربي أكثر مسئولية من حيث ضرورة عنايتها بالمستقبل، خصوصًا إذا ما عرفنا أن المنظمات الدولية قد أدرجت الدول العربية كلها ضمن الدول «الجائعة معلوماتيًا»!. إن التربية العربية طالما رددت الوصية الخالدة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ربوا أولادكم على غير ما ربيتم عليه، فإنهم قد ولدوا لزمان غير زمانكم»؛ ولا يبدو أن عصرًا أكثر إلحاحًا على تبني هذه الوصية العمرية، أكثر من وقتنا الحالي، وما سوف يلحقه في المستقبل القريب أو البعيد.
لقد تنبأ توفلر بـ (صدمة المستقبل) ..وهاهي مجتمعاتنا العربية مصدومة فعلاً بما تشاهده و(تعيشه) من تطور تقني حولها.. وربما تستمر معها (الصدمة) رغم تقادم هذه التقنيات ومجيء الجديد منها.. لتعيش مجتمعاتنا صدمة ماض وصدمة حاضر.. وانتظار صدمة مستقبل!
في هذا الملف، لمحة سريعة عن الدراسات المستقبلية، مع تعريف ببعض تقنياتها وتطبيقاتها التربوية، وشيء من الأطروحات الأكاديمية التي عنيت بضرورة أن تتحول تربيتنا وتعليمنا نحو المستقبل واقتصاد المعرفة… هذا الأخير الذي لم يعد صورة مشوشة للمستقبل، بقدر ما صار واقعًا جديدًا نقف على تخومه بل نعيش تفاصيله.