التكنولوجيا المستقبلية والفوضى المنظمة | أ. د. وليد عبد الحي

التكنولوجيا المستقبلية والفوضى المنظمة | أ. د. وليد عبد الحي

2023-05-17 5:01 م

التكنولوجيا المستقبلية والفوضى المنظمة | أ. د. وليد عبد الحي

 

عندما قال نيجفاكن بأن كل ما تخيله الإنسان قابل للتحقق، وتمكن البشر من إعادة النظر في مفهوم الزمن والمسافة، وطوروا أسلحتهم من السواعد إلى الحجر المسنون وصولاً للأسلحة النووية، وعندما فك شيفرة الحمض النووي أو الجزيء الموجود داخل الخلايا والذي يحتوي على المعلومات الجينية المسؤولة عن تطور الكائن الحي ووظيفته، وعندما هبط على سطح القمر.. ثم جاء بثورة الكومبيوتر والإنترنت.. إلخ، كلها ثورات تعيد صياغة النظم الاجتماعية والسياسية والبيولوجية بهدوء مؤلم.. ويبدو أن هذا المسار لن يتوقف، ويكفي أن ننظر في الاحتمالات المستقبلية التالية:

 

التكنولوجيا المستقبلية والفوضى المنظمة | أ. د. وليد عبد الحي

 

1- سيشكل التطور التكنولوجي في المجال العسكري تحولاً لن يعود الحوار معه حول النظام الدولي القطبي (أحادي أو ثنائي أو متعدد)، بل سيكون هناك احتمال قوي للفوضى التامة، لأن القوى الصغرى (المنظمات المسلحة) قادرة على امتلاك أسلحة الدمار الشامل وابتزاز الدول الكبرى، وهو ما سيجعل الفوضى هي السمة العامة.

ويكفي أن نشير إلى احتمال امتلاك التنظيمات العسكرية أو عصابات الجريمة أسلحة دمار شاملة (نووي-كيماوي-جرثومي)، وتكفي الإشارة إلى أنه منذ عام 2016 إلى الآن تم إحصاء 580 محاولة في هذا الاتجاه موزعة على النحو التالي: (بيولوجي 107محاولات)، (كيماوي 400)، (إشعاعي-55)، (نووي 18)، وعليه فإن تحقق هذا التوجه سيلغي مفهوم المنظور القطبي التقليدي لبنية النظام الدولي ويجعل الابتزاز من القوى الصغرى أمراً تلقائياً.

 

2- بنوك الأعضاء البشرية: إن أقرب ما يمكن أن يحدث خلال عقدين من الزمن أن تشتري الأعضاء الجسدية من مراكز متخصصة في هذا الشأن، وذلك بفضل الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد للأعضاء من خلال استخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لتجميع أنواع متعددة من الخلايا وعوامل النمو والمواد الحيوية على أساس طبقة تلو الأخرى (layer) لإنتاج أعضاء حيوية اصطناعية تحاكي نظائرها الطبيعية بشكل تام.

 

3- بدء الانتقال إلى الفضاء الخارجي: وهو ما توقعه العالم البريطاني ستيف هوكنغ وقال “لا مستقبل للجنس البشري إن لم يبدأ النزوح نحو الفضاء الخارجي، وهنا سيعاد النظر في ترتيب الجغرافيا البشرية”.

 

4- تطبيق الاستنساخ على البشر: إذا افترضنا تم تطبيق الاستنساخ على البشر، فإن مفهوم القرابة بحاجة لإعادة نظر كاملة.

 

5- القدرة على تجديد خلايا البشر والانتقال من خلايا الشيخوخة لخلايا الشباب والطفولة، أي توجيه الفرد عكسياً في نمو خلاياه بعد أن يبلغ الكهولة، وهو ما يعني أن العمر سيصبح “ذهاباً” أو “إياباً”، وسيجيبك من تسأله عن عمره أن عمره هو 40 ذهاباً (يعني العام القادم سيكون 41.. ثم 42.. إلخ) بينما قد يجيبك آخر أن عمره 80 إيابا (أي في العام القادم سيكون عمره 79 ثم 78.. إلخ).

 

6- تزويد الروبوت (Robot) بالمشاعر والعواطف: وهو ما يعني إعادة بناء علم النفس البشري بشكل جذري.

 

7-إعادة ميت الى الحياة: أي امكانية إعادة الروح لشخص ميت، وهو ما قد يهز المنظومات الثقافية من جذورها ويحيل الوجود البشري إلى معنى مختلف تماما.

 

8- زرع شرائح الكترونية في دماغ البشر فيها كل المعرفة العلمية في مختلف التخصصات، وهو ما يعني إعادة النظر في النظم التعليمية كلها.

 

9- حروب بدون بشر: أي أن تتحول الحروب إلى قتال بآلات ذكية لا يوجد فيها بشر، فتصبح الدبابة والطائرة والمدفعية والسفينة.. تتحرك وتناور وتقاتل دون تدخل البشر.

 

10- ستتقلص الديمقراطية بسبب قدرة مراكز القوى محليا وإقليمياً ودولياً على السيطرة على الأفراد عبر التكنولوجيا، ويرى 49% من علماء العالم ذلك، ويخالفهم في هذا الرأي 33% ممن يرون أنها ستزيد الديمقراطية، أما الباقون وهم 18% فيرون أنها ستبقى على حالها.

 

أخيراً إن أي تطور مما ورد ذكره أعلاه كفيل بإرباك استقرار النظم القائمة في كل المجالات، ويبدو أن الإمكانيات الكامنة في العقل البشري أوسع وأعقد مما يتصوره “العقل الكسول” لكنها ستأخذنا إلى فوضى لكنها فوضى منظمة ومتباهية بذاتها.. ومع كل ذلك تبقى ربما شاخصة…

 

أ. د. وليد عبد الحي*

* أ. د. وليد عبد الحي أستاذ في قسم العلوم السياسية وباحث في المستقبليات والاستشراف.

 

المصدر

 

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments