الدراسات الاستشرافية والمنهجية العلمية

الدراسات الاستشرافية والمنهجية العلمية

2024-11-07 8:58 ص

الدراسات الاستشرافية والمنهجية العلمية

 

هناك إشكالية يطرحها العديد من الباحثين ومراكز الأبحاث الجادة في مجال الدراسات الاستشرافية المستقبلية ألا وهي المنهجية العلمية التي يجب اتباعها مقارنة مع العلوم الاجتماعية مثلًا. إذ لا يخفى على كل لبيب أن الأكاديمية والعلمية في العلوم الاجتماعية تتطلب من الباحث مساراً فكرياً ومنهجاً دقيقاً في الدراسة، كما أن عليه أن يستحضر مفهوم العلم كعلم، والذي لا يخرج عن ثلاث خاصيات أساسية:

 

  • الخاصية الأولى: أن العلم علم مركب بمعنى أنه تمثيلية سببية وموضوعية للحقيقة، فربط الأسباب بالمسببات مسألة مصيرية في مجال العلوم أياً كانت والالتزام بالموضوعية والحيادية أمر لا مفر منه لتكون النتائج نتائج يمكن أن تعمم وتطبق، فالعالِم أو الباحث في هذا المجال يتحرك في إطار ثلاثية الفهم والشرح والتنظير (وهنا بمعنى تعميم النتائج)، ومساحة العلوم السياسية ليست بمساحة صحفية أو ارتجالية، فلها قواعد عالمية وأبجديات رياضية على شاكلة الفيزياء والعلوم الطبيعية وهلم جرا.

 

  • والخاصية الثانية: هي أن نتائج العلوم أياً كانت يمكن أن تفند. فالعلم كما يقول مكيافيلي هو الحقيقة الفعلية للظاهرة التي تنحو نحو التأكيد، ولكن مع ذلك لا يمكن لنتيجة علمية أن يدعي صاحبها أنها الحقيقة المطلقة أو أنها تحتكر تلك الحقيقة.

 

  • أما الخاصية الثالثة: فهي أن العلم هو علم منشئ، بمعنى أن الهدف الأول والأخير لأي علم هو تنمية المجتمع والسعي الدؤوب لتطويره وتحقيق تقدمه، ولا يخال أحد أن المجالات الأربعة للعلوم السياسية، وهي العلاقات الدولية والعلوم الإدارية والنظرية السياسية والسوسيولوجيا السياسية، إنما يكتب فيها وعنها وتدرس لملء الرفوف وإعداد البرامج للطلبة فقط. لا وكلا. فهي مجتمعة يجب أن تساهم في تطوير مؤسسات الدولة وتنمية الوطن بل والمجتمع الدولي.

 

أما بالنسبة للدراسات الاستشرافية المستقبلية، فالباحث في هذا المجال ينطلق من مفهوم العلم هذا ومن المرحلة الأخيرة التي يصل إليها الباحث في العلوم الاجتماعية، بمعنى أن تكون له القدرة على فهم وتحليل علمي للظاهرة المجتمعية قبل أن يسبر أغوار المستقبل، ولكن من خلال مرتكزات أساسية:

 

1) التحكم في المجالات التي توجه البحث مثل:

  • التوازن البيئي
  • صياغة قوة دفاعية ردعية.
  • التأثير على مجريات الأحداث الاستباقية دون الدخول في الحروب.
  • ضمان استقرار التماسك الاجتماعي.
  • تفادي الأزمات الاقتصادية.

 

2) تحديد البدائل المستقبلية انطلاقاً من الحاضر (وبالضبط انطلاقاً من نتائج الباحثين في العلوم الاجتماعية) لتأخذ الطابع النظري والمثالي.

 

3) اختيار بديل من البدائل المستقبلية كحل ناجع لمعضلة من المعضلات الممكنة، أو لتحسين حالة من الحالات أو البدء في التأثير على مجريات الأحداث التي لولاها لوصل المجتمع إلى حالة أسوأ.

 

4) يكون الهدف من البحث المستقبلي هو المساهمة في تطور الإنسانية وخدمة المجتمع، تماماً كما هو شأن العلوم الاجتماعية، إلا أنه في هذا الجانب، موضوع البحث، يكون الهدف الإضافي هو تفادي المعيقات التي قد تمنع من تحقيق مستقبل أفضل وبلورة الحلول لعيش أرغد.

 

كما تتوزع الآراء حول مفهوم هذا النوع من الدراسات بين من يراها «علماً» وبين من يراها «فناً»، وهناك أيضاً من يراها وسطاً بين العلم والفن، أو بحسب ما لخص ذلك الكاتب محمد ابراهيم منصور فيما يلي:

 

1) على صعيد العلم، ثمة إجماع بين مؤرخي المستقبليات على أن هربرت جورج ويلز أشهر كتاّب روايات الخيال العلمي هو أول من صكّ مصطلح «علم المستقبل» وقدم إضافات عميقة في تأصيل الاهتمام العلمي بالدراسات المستقبلية.

 

2) يؤكد برتراند دي جوفنال في كتابه «فن التكهن» The Art of Conjecture أن الدراسة العلمية للمستقبل «فن» من الفنون، ولا يمكن أن تكون علماً، بل ويصادر «جوفنال» على ظهور علم للمستقبل. فالمستقبل كما يقول ليس عالم اليقين، بل عالم الاحتمالات، والمستقبل ليس محدداً يقيناً، فكيف يكون موضوع علم من العلوم؟

 

3) ويصنّف اتجاه ثالث الدراسة العلمية للمستقبل ضمن «الدراسات البينية» باعتبارها فرعاً جديداً ناتجاً عن حدوث تفاعل بين تخصّص أو أكثر مترابطيْن أو غير مترابطيْن، وتتم عملية التفاعل من خلال برامج التعليم والبحث بهدف تكوين هذا التخصّص. ويؤكد المفكّر المغربي المرحوم مهدي المنجرة أن الدراسة العلمية للمستقبل تسلك دوماً سبيلاً مفتوحاً يعتمد التفكير فيه على دراسة خيارات وبدائل، كما أنها شاملة ومنهجها متعدد التخصّصات.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments