الرؤية الإسلامية للإنسان: الفاعلية والعقلانية والأخلاقية في القرآن الكريم
تأليف: الدكتورة منى أبو الفضل* | ترجمة: الدكتور سيد عمر
هو قراءةٌ للرؤية الإسلامية للإنسان، بصورة معاصرة تتسق مع رؤية المسلم المعاصر وتفاعله مع قضايا عصره، في مسعى لإعادة اكتشاف أهمية الرؤية الكونية الإسلامية المتكئة على الوحي؛ وهي الرؤية المؤهلة لتطوير معنى الإنسان الأخلاقي والمجتمع الأخلاقي.
وهو محاورةٌ للنماذج المعرفية الغربية المادية والحركة الإنسانية العلمانية المهمينة على المعرفة المعاصرة التي أعلت من شأن الإنسان المادي وحطّت من مكانته في الوقت ذاته. ونقدٌ لهذه النماذج المعرفية والحركات الفكرية والفلسفية المؤطرة لها، في مقارنة مع النموذج المعرفي الإسلامي الذي أسكن الإنسان موقعه المناسب في الهرم الوجودي، ودور الإنسان الأخلاقي في الاستخلاف والعمران.
اتجهت فيه منى أبو الفضل إلى القرآن باعتباره المصدر الأساسي والمرجعي لإعادة بناء هذه الرؤية، منطلقة من كونه الخطاب الرباني الذي يحتاج تفعيل مختلف القراءات ومن كافة الزوايا، مركزة بشكل أساسي على قضية الخلق في القرآن، باعتبارها منطلقا لبناء البعد الأخلاقي في الإنسان والخلفية الأخلاقية للمجتمع أيضا.
على أن ما يميز هذا الرؤية التي اشتغلت عليها الدكتور منى أبو الفضل، هي أنها لم تبق أسيرة النظر إلى النص باستحضار معانيه في التفاسير المرجعية، وإنما استصحبت في عملية القراءة هذه مشكلات الإنسان الحديثة والمآلات التي صنعها نموذجها العلماني، والمعضلات المستعصية التي أنتجتها وأربكت بذلك مسعى الإنسان إلى تأصيل حريته وفاعليته وأخلاقيته، فقد انطلقت المؤلفة من تفكيك حياة الإنسان في ظل هيمنة الحداثة والنموذج الغربي، وملاحظة الفراغ الأخلاقي الذي أفرزته، والتهديد الذي باتت تتعرض له أهم مقومات الإنسان، لاسيما حريته وفاعليته وقدرته، لتستكشف أهم المعضلات البنيوية التي يعيشها النموذج الغربي العلماني، ثم تباشر في ضوء ذلك كله قراءة متجددة للقرآن الكريم، تسعى من خلالها إلى تأصيل أهم مفردات الرؤية الإسلامية للإنسان، بما يجعل القارئ العربي أو حتى الغربي، يستشعر الحاجة لهذه الرؤية وقدرتها ليس فقط على تصحيح رؤيته للإنسان، بل أيضا، تغيير مساره في الحياة بشكل جدري بالشكل الذي يسمح باستعادة الإنسان لعافيته وحريته وإرادته وأخلاقيته، ومن ثمة استعادة المجتمع لبوصلته الأخلاقية.
في واقع الأمر، تكاد تقترب هذه المنهجية مما فعله كارل ماركس، وهو يسعى لبناء أنموذجه الاشتراكي، إذ انطلق ابتداء من نقد الرأسمال (كتاب الرأسمال)، ثم نقد الاقتصاد السياسي (مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي) فعرى بذلك النموذج الرأسمالي بوحشيته وجشعه واستغلاله، ليجعل من ذلك منطلقا لاستشراف مشروعه ورؤيته، فكان التأسيس على غرار من نقد النموذج الرأسمالي.
وإذا كانت المفارقة واضحة بين طبيعة العملين، فإن المشترك هو تقديم رؤية جديدة بناء على قراءة واقع أنتجه نموذج آخر، ليبقى الفارق واضحا في المرجعية التي اعتمدتها الدكتورة منى أبو الفضل، إذ اختارت أن تجعل من القرآن مصدرها الرئيسي لاستعادة الرؤية والمفهوم التكامليين للإنسان.
تميز المؤلفة بين ثلاثة خطابات قضية بإزاء قضية خلق الإنسان، الأول، المتعلق بالخلق، والثاني المتعلق بالتكريم والتكليف، والثالث المتعلق بالهداية، وتعتبر أنها كلها منبعثة من خطاب واحد كلي، هو الهدي القرآني، وأن تنويعها مقصود، لما بينها من الكامل والتناسج. وتركز المؤلفة بشكل أساس على الخطاب الأول، باعتباره الخطاب الأساسي الذي يفصل خصائص التكوين، أي طبيعة الإنسان ونفسيته ومقوماته وإمكاناته وقدراته الفكرية (العقل) والبدنية، وتعتبر هذا الخطاب مرجعا لتأسيس رؤية القرآن للإنسان، لتوجيه مساره في الحياة.
تركز المؤلفة على خمسة مقاصد مهمة تستلهم من هذا الخطاب: أولها أنه ينير ويوسع أفق معرفتنا وخبرتنا بالإنسان، والثاني، أنه يعمق إيماننا بالله، والثالث أنه يوفق بين الإنسان والعالم الذي يعيش فيه، والرابع أنه يرشد الإنسان إلى التوافق مع الحياة الآخرة، ويمكنه من تقييم وتحديد أولوياته وتقويم تصوراته ونظرته، ومن التصرف على نحو يجعل الحياة معنى.
وتكمن الفائدة الأساسية من هذه المقاصد الخمسة التي يحققها الخطاب القرآني المتعلق بالخلق، أنه يرسم الأبعاد الوجودية والأخلاقية للإنسان، ومن ثمة بناء مفاهيم مفتاحية تربط الإنسان بغيره، والفرد بالمجتمع، والمرأة بالرجل، ضمن رؤية رسالية تنظر إلى الإنسان، بمعزل عن التحيز الغربي والتجزيئي العلماني الذي أدخل عناصر التوتر في البناء الإنساني على اعتبارات جندرية أو جنسانية أو ثقافية تعتبر في الأصل عناصر في تفسير وحدة وتكامل الإنسان، ومبررات في أداء وظيفته الأخلاقية والحضارية، واساسات تضمن انسجام وتعايش واستقرار المجتمع وأمنه.
الناشر: المعهد العالمي للفكر الإسلامي
الطبعة: الأولى
السنة: 2024
لتحميل كتاب | الرؤية الإسلامية للإنسان | الفاعلية والعقلانية والأخلاقية في القرآن الكريم
*باحثة وأكاديمية مصرية، وهي صاحبـة مدرســة فكرية في المنظور الحضاري الإسلامي للعلوم السياسية والعلوم الاجتماعية. رائدة حقل دراسات المرأة من منظور حضاري إسلامي. ولدت في القاهرة عام 1945م وحصلت على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1966م، وعلى الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة لندن عام 1975م، ثم عادت إلى جامعة القاهرة؛ حيث عُيّنت مدرساً، وتدرجت في الترقيات الجامعية إلى أن بلغت درجة الأستاذية. انتدبت إلى المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة عام 1986م حيث أشرفت على العمل في مشروع الفكر الغربي بعـد رحيل الأستاذ الدكتور إسماعيل الفاروقي رحمه الله. وعُيّنت أستاذةً للعلوم السياسية والدراسات الحضارية بجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في فرجينيا عام 1996م.