المهدي المنجرة: استذكار لعراب علم المستقبليات في ذكرى رحيله
قبل 10 سنوات، وبالضبط يوم 13 يونيو 2014، ودع دنيا الناس المهدي المنجرة، العالم المغربي الذي كان واحدا من أبرز الأسماء الفكرية التي أسست لعلم المستقبليات بالعالم والعَلَم الذي أنار طريق البشرية لمعرفة الأحداث المستقبلية عبر استحضار منهج علمي “صارم” كان واحدا من عرابيه ومن أوائل مؤسسيه.
“تشكل الهوية الثقافية على المستويين الوطني والدولي واحدة من أهم الحاجات النفسية غير المادية، التي يمكن أن تتحول إلى مصدر للصراع المتزايد بين المجتمعات” ، هكذا استشرف المنجرة في كتابه “الحرب الحضارية الأولى” النزاعات الثقافية بين الدول، واضعا بذلك في مؤلفه الغني مسارا استشرافيا لأهم الأحداث المستقبلية الناتجة عن التشكلات العالمية والمجتمعية وقتها.
لبس المنجرة ثوب الاستشراف لكنه أخفى قميص النقد تجاه التصرفات المجتمعية والنظرة الغربية النمطية إلى المكون العربي الإسلامي، مستحضرا منهجه الجديد ذا النظرة المستقبلية، الذي يقدم مفتاحا سحريا أمام الشعوب العربية من أجل فهم واقعها المنغمس في غياهب الماضي.
في كتابه “الحرب الحضارية الأولى”، وضع المنجرة تسمية قوية للحرب الأولى بالخليج سنة 1991، في نسق استشرافي للأوضاع بالمنطقة العربية، ليكون المؤلف سببا في شهرة واسعة، وصل صداها إلى مسامع صامويل هنتنغتون، المفكر الأمريكي العالمي، الذي اعتبر المنجرة أول من أسس لمفهوم “الحرب الحضارية”.
لم يكن طموح المنجرة منحصرا في خط كتب تتحدث عن تفاصيل وتعاريف هذا العلم الاستشرافي، بل سعى إلى أن يكون فاعلا مهما في تنزيل هذا المشروع “الفكري الضخم” على أرض الواقع، إذ نجح في أن يكون من مؤسسي أول أكاديمية لعلم المستقبليات في العالم.
“شهرة الراحل المهدي المنجرة ذات صلة بعدة مجالات وقضايا، من قبيل الخلاف النظري الذي أثير حول السياق في التنظير لمفهوم صدام الحضارات أو حرب الحضارات”، يقول حمادة منتصر، باحث وأكاديمي، مضيفا أن كتاب “الحرب الحضارية الأولى”، الذي صدر بعيد الغزو العراقي للكويت في صيف 1990 وحديث صامويل هنتنغتون عن صدام الحضارات، وكان عبارة دراسة صدرت بداية في مجلة “شؤون خارجية” الأمريكية قبل صدروها لاحقا في كتاب، مثال على ذلك.
منتصر تحدث عن الإنتاج الفكري للراحل المنجرة، قائلا في تصريح لهسبريس: “اشتهر الراحل بالاشتغال على قضايا المستقبليات، في وقت تعاني فيه منطقتنا خصاصا كبيرا منه، إذ بالكاد نعاين صدور بعض الكتابات في السنوات الأخيرة، ذلك أن المنجرة كان سباقا إلى تذكير وتنبيه الباحثين في المغرب والمنطقة وفي الدول النامية بأهمية هذا المجال البحثي، وبالتالي ليس صدفة أن الرجل كان من بين الأسماء النادرة في العالم العربي التي طبعت تاريخ هذا العلم”.
لم يؤسس الراحل “مدرسة بحثية” يمكن أن تستأنف الاشتغال البحثي في القضايا التي كانت تشغل باله، يخلص المتحدث، مشيرا إلى “وجود مؤلفات قليلة له في مجال اشتغاله في مكتبته بالرباط”.
المنجرة اسم ذهبي لم يأخذ نصيبه في المغرب، كما هو الحال بالنسبة لعدد من المفكرين الذين بقوا في صندوق النسيان على الرغم من دورهم الكبير في التأسيس لنهضة علمية وثقافية في المغرب والعالم العربي، بحسب فريد الزاهي، كاتب ومترجم، الذي أشار إلى أن “المنجرة فاق الجابري بمراحل، لأن الأخير على الرغم من مساهماته القوية، إلا أنها لم تعط نظرة ثاقبة للتراث المجتمعي والفكري كما فعل الراحل المنجرة”.
وتابع الزاهي في معرض شهادته في حق الراحل بأن “الرجل عايش تجارب مهمة في الإذاعة والتلفزة، وعاصر مراحل سياسية مهمة في تاريخ المغرب، جعلته يؤسس مفاهيم قوية مبدعة، كالذلقراطية، وعلم المستقبليات”.
“يواجه الراحل المنجرة ظاهرة النسيان الثقافي في العصر الحالي” ، يخلص المتحدث عينه، مبرزا أن “نكران ونسيان ما قدمه المنجرة سيجعلنا بلا قدرة على إنتاج مفكرين مماثلين له يحملون الدم المغربي”.
بعد قرابة عقد من رحيله، ما زال “لسان” المنجرة حاضرا داخل أروقة الجامعات المغربية والعربية والعالمية، يتخذه طلبة العلم “شمعة علمية” ينيرون بها درب مستقبلهم معرفيا لتفسير ماضيهم وفهم حاضرهم.