توقعات 2024: الاتجاهات المستقبلية لـ12 قضية في العالم والشرق الأوسط

توقعات 2024: الاتجاهات المستقبلية لـ12 قضية في العالم والشرق الأوسط

2024-03-23 8:05 ص

توقعات 2024: الاتجاهات المستقبلية لـ12 قضية في العالم والشرق الأوسط

 

توقعات 2024: الاتجاهات المستقبلية لـ12 قضية في العالم والشرق الأوسط

 

مقدمة: إلى أين يتجه العالم والأقاليم في 2024؟

أشعل هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، حرباً إسرائيلية مدمرة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، ارتبكت معها حسابات القوى الإقليمية والدولية، خاصةً مع تناثر شظاياها في منطقة الشرق الأوسط، لتصل إلى اشتباكات “محسوبة” على حدود لبنان وإسرائيل، وهجمات للحوثيين ضد إسرائيل والسفن المتجه لها عبر البحر الأحمر، مما أدى إلى رد عسكري أمريكي وتشكيل تحالف “حارس الازدهار” للأمن البحري. أضف إلى ذلك، اندلاع هجمات متبادلة بين الولايات المتحدة ومليشيات مسلحة مرتبطة بإيران في العراق وسوريا، الأمر الذي أعاد التوترات بين طهران وواشنطن بعد فترة من التفاهمات دون تسوية القضايا العالقة، كالملف النووي.

 

وتدفع تلك المعطيات إلى مزيد من الاشتعال الإقليمي على أساس منطق “الدومينو”، ولاسيما مع تشابك تفاعلات وقضايا المنطقة، وفي ظل استمرار حرب غزة وتداعياتها، إذ ترفض واشنطن الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، حتى تحقق الأخيرة هدفها في القضاء على حماس، وهو ما بدا صعباً بعد مرور أربعة أشهر على الحرب، وسقوط الآلاف من الضحايا الفلسطينيين بين قتيل وجريح ومفقود. بينما لم يردع الرد العسكري الأمريكي الحوثيين الذين واصلوا هجماتهم لتؤثر في حركة التجارة في البحر الأحمر، مما زاد مأزق الاقتصاد العالمي الذي لم يتعاف من أزمات متلاحقة في السنوات الأخيرة، خاصةً جائحة “كورونا” والحرب الأوكرانية.

 

ومع مثل هذه السياقات المضطربة، يصبح بناء توقعات مستقبلية حول اتجاهات الشرق الأوسط ومساراته المحتملة في عام 2024 أكثر تعقيداً، لأنه يشبه التصويب على هدف متحرك من وضع غير مستقر ما تزال معالمه قيد التشكل. إلا أن المشهد العالمي المتداخل مع المنطقة ليس أقل تعقيداً، بل قد يكون حافلاً بالمفاجآت في عام سيشهد انتخابات في عدد كبير من دول العالم منها الولايات المتحدة والهند وروسيا وغيرها، مما يعني أن الحسابات الداخلية ستؤثر في مسار سياسات القوى الكبرى والإقليمية.

 

فعلى سبيل المثال، تواجه إدارة جو بايدن مأزقاً مزدوجاً بينما تقترب من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فمن جهة، أنتجت حرب غزة ضغوطاً للرأي العام العالمي على واشنطن بسبب مساندتها لإسرائيل، ومن جهة أخرى، خلف الجمود الميداني في الحرب الروسية الأوكرانية خلال عام 2023، فضلا ًعن تكيف موسكو مع العقوبات الغربية، فتوراً وإنهاكاً لدى بعض الدول الغربية في دعم كييف. ويزداد هذا الاتجاه في الولايات المتحدة، مع معارضة الجمهوريين لتمويل الحرب الأوكرانية، وهي ورقة انتخابية قد يتم استغلالها ضد بايدن.

 

في هذا السياق، يطرح الموقع الإلكتروني لمركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة” في أبو ظبي توقعات لـ12 قضية رئيسية في العالم والأقاليم ومنها الشرق الأوسط، عبر تحليلات مختلفة لخبراء بارزين وكتَّاب كبار، يسعون من خلالها إلى بناء تصور مستقبلي حول إلى أين يتجه العالم والأقاليم في عام 2024؟ ففي بداية هذا الملف، يطرح د. عبد المنعم سعيد، كاتب ومفكر مصري، تصوراً حول مآلات النظام الدولي، متوقعاً أن تقود مؤشرات التقارب الأمريكي الصيني الراهن إلى القطبية الثنائية، واستند في ذلك إلى ميل واشنطن وبكين إلى عدم التصعيد وتقارب مواقفيهما نسبياً من تسوية الحرب الأوكرانية ومسار حل الدولتين في الشرق الأوسط، وقضايا المناخ.

 

ولأن الظروف الانتخابية ستحكم أكثر السياسة الأمريكية في عام 2024، يتساءل معالي نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق، كيف تؤثر السياسة الخارجية في الانتخابات الأمريكية القادمة؟ فبالرغم من أن الأولى لا تمثل عاملاً حاسماً في نتائج الثانية والتي عادةً ما تكون مدفوعة بقضايا داخلية، فإنه ربما تنكسر تلك القاعدة، خاصةً فيما يتعلق بتحديد نتائج أصوات المجمع الانتخابي؛ نتاجاً لضغوط حرب غزة التي وضعت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في مقدمة الاهتمامات الأمريكية.

 

وعلى الرغم من أن أ. د. علي الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، يرى أن سياسات القوى الكبرى (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وأوروبا) تجاه الشرق الأوسط لا تتغير من عام إلى آخر، لكنه مع ذلك يطرح تصوراً لكيفية تكيفها مع متغيرات المنطقة في 2024. إذ ستسعى الولايات المتحدة لتعويض ما أصاب مكانتها من ضرر عبر دبلوماسية نشطة لإحياء مسار تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع استمرار معادلة التفاهم مع إيران والردع العسكري لوكلائها. بينما ستسعى روسيا والصين إلى توسيع نفوذيهما لتستفيدان من موقفيهما الحذرين والمتوازنين إزاء حرب غزة التي عطلت مشروع “الممر الاقتصادي” بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، الذي ينافس مشروع “الحزام والطريق” الصيني. بينما قد يبرز دور أوروبي في سيناريوهات “اليوم التالي” لحرب غزة، إذا ما تم تأهيل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، وبدأت عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب.

 

بدوره، يتوقع أ. د. أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، استمرار جمود الصراعات الداخلية العربية في عام 2024 سواءً في ليبيا أم سوريا أم اليمن أم السودان، انطلاقاً من أن القوى الإقليمية الفاعلة في تلك الصراعات قد لا تعطي أولوية لتسويتها، بسبب انخفاض مستوى العنف فيها، ناهيك عن انشغال القوى العالمية بحربي غزة وأوكرانيا. لذلك يُعول على رشادة بعض أطراف الصراع المحليين في المُضي نحو نهج التسوية، وإن كان ذلك قد بدا صعباً مع تجربة الخلاف بين الفرقاء الليبيين إثر إعصار درنة في 2023.

 

وبينما لم تتوقف حرب غزة حتى اللحظة، يطرح الأستاذ سعيد عكاشة، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، ثلاثة سيناريوهات لانتهاء تلك الحرب وتداعياتها؛ أولها، انتصار أحد الطرفين (إسرائيل أو حماس)، وثانيها وقف إطلاق النار دون شروط، وثالثها وقف القتال وبدء التفاوض السياسي. ويرى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سيعمل على إفساد السيناريوهين الثاني والثالث، أي رفض أي قرار لوقف الحرب لا يتضمن تفكيكاً لقدرات حماس العسكرية، كما سيرفض حل الدولتين إذا تم إدماج حماس في هياكل السلطة الفلسطينية.

 

وإذا كان الشرق الأوسط يتجه أكثر إلى مزيد من الاضطرابات، فإن الساحل الإفريقي المتداخل معه جغرافياً يجابه هو الآخر عدم استقرار ممتد. إذ يستشرف أ. د. حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد في دولة الإمارات العربية المتحدة، الاتجاهات المتوقعة لتلك المنطقة، مع تفاقم تحديات من قبيل الانقلابات العسكرية، وتمدد التطرف العنيف، وتنامي العداء لفرنسا، وتوسع النفوذ الروسي، وتفاقم الآثار المناخية، وتزايد معدلات الهجرة. وتتعمق وطأة تلك التحديات مع تراجع قدرة الأُطر الجماعية الإقليمية على مواجهتها، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” التي تعاني انقسام مواقف دولها، كما برز إزاء انقلاب النيجر.

 

ولكون التطرف العنيف تهديداً عالمياً، ما يزال يُلقي بآثاره على عدم الاستقرار، يطرح د. محمد بوشيخي، كاتب مغربي، الخارطة الجيوسياسية المتوقعة للإرهاب والتطرف في العالم خلال 2024. وحدد مجموعة عوامل حاكمة لمسار تلك الظاهرة، وهي: حالة التنظيمات الداخلية، والسياقات السياسية، والعوامل الإقليمية، والنزاعات السياسية، ومدى الدعم الدولي لجهود الدولة المعنية بمكافحة الإرهاب. وعلى ذلك، توقع د. بوشيخي تباين مخاطر الإرهاب، إذ تبرز بشكل رئيسي في مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا، بينما تظهر مخاطر ثانوية تتعلق بتنامي تهديد اليمين المتطرف والحركات البيئية واستمرار كمون جماعة الإخوان.

 

وتنتقل التوقعات إلى أقاليم أخرى، كآسيا الوسطى، التي باتت مقصداً للتنافس الجيوسياسي العالمي حول الممرات والطاقة وخطوط الغاز الطبيعي. إذ تركز د. شوبهدا تشودري، كاتبة هندية متخصصة في الدراسات الآسيوية، على اتجاهات إدارة التحالفات الجيوسياسية في هذه المنطقة عام 2024. وتتوقع سعي دول آسيا الوسطى إلى الخروج من عزلتها النسبية عبر سياسات خارجية متعددة الاتجاهات، توازن بين التحالفات مع قوى دولية وإقليمية مثل: روسيا والصين والولايات المتحدة وأوروبا وتركيا. وأشارت إلى تصاعد أدوار قوى شرق أوسطية وأوروبية ويابانية في آسيا الوسطى، ولاسيما مع تراجع الدور الروسي.

 

وفي منطقة القوقاز، يحدد د. عبد العليم محمد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مسار التحولات المتوقعة في هذه المنطقة عام 2024، معتبراً أن سيطرة أذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ في سبتمبر 2023، ستشكل بداية لمرحلة انتقالية جديدة من المنافسات بين القوى الدولية والإقليمية على المنطقة. ويتوقع أن تسعى دول القوقاز إلى بناء توازنات بين روسيا التي تؤدي دوراً مهيمناً بالرغم من تراجع تأثيراتها، والولايات المتحدة التي سعت إلى تعزيز وجودها، خاصةً أن الرئيس بايدن قد عقد أول قمة مع دول آسيا الوسطى في سبتمبر 2023.

 

ومع طغيان الاضطرابات الجيوسياسية على المشهد الاقتصادي العالمي، تتوقع د. رشا مصطفى عوض، مستشار في مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري، صعوبة انتعاش مسار الاقتصاد العالمي في 2024 إلا إذا تضافرت شروط، منها تعزيز الإنتاجية ومرونة وإصلاح السياسات الاقتصادية. بينما يرى د. مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، في تحليل آخر، أن أداء اقتصاديات الشرق الأوسط سيتباين في استجاباته لصدمات حرب غزة. فعلى الرغم من أن هذه الحرب تؤثر سلباً في النمو الاقتصادي والتضخم والبطالة خاصةً في اقتصاديات الدخل المتوسط والمنخفض بالمنطقة، فإن الاقتصادات الأقوى خاصةً في الخليج تستطيع التكيف مع تلك الصدمات، وإن حذر من أنها قد تتأثر بعدم الاستقرار في المنطقة إذا استمرت الاضطرابات في البحر الأحمر.

 

أخيراً، في ظل صعود الذكاء الاصطناعي وتأثيراته في التفاعلات العالمية، يطرح د. إيهاب خليفة، رئيس وحدة التطورات التكنولوجية بمركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة”، الاتجاهات التكنولوجية الأكثر تأثيراً في عام 2024، ومن أبرزها بروز شبكات عصبية لمحاكاة الدماغ البشري، وانتشار الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتنامي الضوابط القيمية للذكاء الاصطناعي بحيث تحترم الخصوصية والعدالة، وتزايد القدرات العاطفية للذكاء الاصطناعي، وزرع الشرائح الذكية في الأدمغة، وتعديل الجينات البشرية عبر الذكاء الاصطناعي، وغيرها من الاتجاهات والتوقعات.

 

______________________________________________________________________

 

(1)

تقارب واشنطن وبكين.. هل يقود للثنائية القطبية في 2024؟

د. عبد المنعم سعيد*

 

*كاتب ومفكر مصري

مع مطلع كل عام جديد، ومع حدوث كل أزمة دولية أو عالمية كبرى؛ يصبح من المهم البحث عن إجابة عن السؤال حول التغيرات التي جرت في النظام الدولي. ويرجع الشغف بهذا السؤال وإجابته إلى حقيقة الدور الذي تقوم به القوى العظمى والكبرى في الحقائق الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية في العامل المعاصر.

 

والشـائع في علـوم العلاقـات الدوليـة أنهـا ترتكـز على القـوى العظمـى وعلاقاتها وتفاعلاتها، ومـا بعـد ذلـك إما مجـرد تفاصيل، أو أقـل شـأناً مـن المنظومة الرئيسـية القـادرة على الهيمنـة ومـد النفـوذ، والمنافسة بالسـلم أو الحـرب أو الـردع مع القـوى الأخرى.

 

والشائع أيضاً أن تُوصف المنظومة الرئيسية بعدد الأقطاب فيها، فيُقال نظام متعدد الأقطاب، كما كان الحال ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. أو نظام القطبين، كما كان في أعقاب الحرب الثانية، حينما انفردت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق بالنظام الدولي. أو نظام القطب الواحد، كما كانت بريطانيا ما بين 1815 بعد هزيمة نابليون و1914 ونشوب الحرب العالمية الأولى، والولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991 وحتى عام، 2008 عندما جرت الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وهو العصر الذي سُمِّي العولمة شكلاً، أما في الحقيقة فقد كانت الولايات المتحدة هي القائدة العظمى الوحيدة في العالم.

 

ويهـدف هـذا المقال إلى تسـليط الضـوء على الثابـت والمتغير في العـامل خلال ،2024 وتحديـداً مـا يتعلـق بشـكل النظـام الدولي، في ضـوء التفاعلات بين القـوى الرئيسـية فيـه، والعوامـل المؤثرة في ذلـك، ومـن بينها مسـار الحرب الروسـية الأوكرانية، وكذلك الحرب الإسرائيلية في قطـاع غزة.

 

كيف يتغير النظام الدولي خلال 2024؟

السـؤال هنـا كيـف يتغير النظـام الدولي وينتقـل مـن مرحلـة إلى أخـرى إذا كان هنـاك تغيير في القوى الرئيسـية؟ ومـن حال إلى حال إذا كانـت الصفـة الغالبـة في التفاعلات هـي التعـاون أو الاعتماد المتبادل أو التوتـر أو التنافـس وحتـى الحـرب إذا كانـت مباشرة أو بالوكالـة؟ ومؤخـراً شـكلُ القيـادة في التعامـل مـع الأزمات الدولية الحـادة مثـل الحـرب الأوكرانية يفي أوروبـا وحـرب غـزة في الشرق الأوسط؟ ومثلما كان الحـال مـع جائحـة ”كورونـا“ أو مـا يتعلـق الآن بظاهـرة الاحتباس الحـراري التـي رصـدت عـام 2023 كأكثر السـنوات حـرارة في التاريـخ المعاصر؟

 

الثابـت هـو أن أقاليم العـامل وظروفها التاريخية والجيوسياسـية ليسـت متطابقة أو حتى متشـابهة، وتظل القاعدة الأساسية لها هي تحقيـق تـوازن القوى، بـكل ما يكفله ذلك من أبعاد القوة الخشـنة والناعمـة والذكيـة. وأصبـح العـامل الآن، وفـق وجهـة نظـر شـائعة، ثنائي القطبيـة بين الولايات المتحدة والصين؛ اسـتناداً إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبلديـن يتقـارب يومـاً بعد يـوم. وأخـذاً بمعدلات النمـو، فـإن الصين في طريقهـا إلى مزيـد مـن التفـوق، خاصـةً بعد الريـادة في مجالات الثـورة الصناعيـة التكنولوجيـة الرابعة. ويشير النمـط الـذي يـدور في تفاعلات القطبين الرئيسيين إلى تنافسهما، والولـوج مـن المنافسة إلى الحـرب التجاريـة والاستراتيجية في بحـر الصين الجنوبي وبشـأن تايـوان، والسياسـية بالعقوبـات الأمريكية على حلفـاء للصين مثل كوريـا الشمالية وإيران.

 

 

______________________________________________________________________

 

(2)

السياسة الخارجية والانتخابات الأمريكية.. 2024 هل تنكسر القاعدة؟

نبيل فهمي*

 

*وزير الخارجية المصري السابق

ســوف تعلــن نتائــج انتخابــات الرئاســة الأمريكية لعــام 2024 في 5 نوفمبر المقبل، وسـيتم تنصيـب الفائـز لاحقـاً في العشريـن مــن ينايــر مــن العــام التالي، وتحــدد نتائــج هــذه الانتخابات المستقبلية عـدة عوامـل أساسـية، في العـادة لا تكـون السياسـة الخارجيـة جـزءاً منهـا. إذ لا تمثـل السياسـة الخارجيـة للولايات المتحدة عامـلاً حاسمـاً في نتائـج الانتخابات الرئاسـية، ولكـن في ظــل الظــروف الراهنــة، فقــد تنكــر هــذه القاعــدة، وخاصــة فيـا يتعلـق بتحديـد نتائـج أصـوات المجمع الانتخابي.

 

 ديناميكيات الهيئة الانتخابية:

يتنافــس المرشحون عــلى التصويــت الشــعبي عبــر الولايات الخمسين، ولكـن يتـم تحديـد النتيجـة فعليـاً مـن قبـل المجمع الانتخابي الــذي يضــم 538 عضواً، وهــو النظــام الــذي أنشــأه” الآباء المؤسسون“. وطبقــاً لهــذا النظــام، يجــب عــلى المرشح الفائــز أن يحصــل عـلـى دعــم 270 عضــواً عـلـى الأقل مــن أعضـاء المجمع الانتخابي. ويهـدف هـذا النظـام إلى ضمـان عـدم هيمنــة الولايات ذات الكثافــة الســكانية العاليــة عـلـى نتائــج الانتخابات بحصولهـا علـى أغلبيـة سـاحقة، وكذلـك ينظـر هـذا النظـام للناخبين مـن رجـال الشـارع العاديـن علـى أنهـم ليسـوا أصحــاب درايــة كافيــة تؤهلهــم الاختيار المناسب مــن بـيـن المرشحين للرئاســة. غالبــاً مــا يكــون اســتيفاء متطلبــات الهيئــة الانتخابية أمــراً معقــداً بســبب اختلاف أنمــاط التصويــت عــر الولايات بنــاءً علــى اختلافات التركيبة الســكانية والعرقيــة والخصائــص الاقتصادية ومــا إلى ذلــك.

 

عوامل انتخابية مؤثرة:

في حــال كان الســباق الرئاسي بالولايات المتحدة لعــام 2024 بـين جـو بايـدن ودونالـد ترامـب، فـإن الوضـع السياسي مهيـأ لمشــاهدة حملات ســاخنة، واســتقطاب الــرأي العــام بشــكل متزايـد. فمـع اتبـاع كل مـن المرشحين لاتجـاه سياسي مختلـف تمامـاً عـن الآخر، فـإن نتيجـة الانتخابات هـذه المرة يمكـن أن تتوقـف علـى كيفيـة تعامـل كل منهـا مـع تحديـات السياسـة الخارجيــة التــي تواجههــا الولايات المتحدة حالياً، فضلاً عــن آرائهــم فيــا يتعلــق بالقضايــا والأوضاع الاقتصادية ذات الأهمية التقليديــة.

 

  1.  السـخط العـام: تشـر المشاهدات في العديـد مـن الانتخابات إلى أن الناخبين يميلون إلى التصويــت ضــد الوضــع الراهــن والنخب السياسية.
  2. العامل الاقتصادي: إن مـن أكثـر العوامـل تأثـيراً في انتخابـات الرئاســة العوامــل الاقتصادية والتــي غالبــاً مــا تأتي في المقام الأول. وهكــذا فمــن المرجح في انتخابــات 2024، أن تــؤدي العوامـل الاقتصادية دوراً محوريـاً في تشـكيل اتجاهـات الناخبين وتوجيــه أصواتهــم، وبالتالي تحديــد نتيجــة الانتخابات.
  3. السياسـة الخارجيـة: إن العاملين الأهم في تحديـد اختيـارات الناخبــين يتلخصــان في: التصــورات المتعلقة بالاقتصاد، وعــدم جاذبيــة مرشــح معـيـن.

 

______________________________________________________________________

 

(3)

الاتجاهات المتوقعة للقوى الكبرى في الشرق الأوسط 2024

أ. د. علي الدين هلال*

 

*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

في نهايــة كل عــام، عــادةً مــا يقــوم المعلقون باستخلاص أهــم أحـداث العـام السـابق واستشراف أحـداث العـام الـذي يوشـك أن يبــدأ. وهنــاك صلــة مؤكــدة بـيـن الأمرين، فالسياســات المتوقعة مــن أي دولــة كـبـرى في عــام 2024 مــن الأرجح أن تتأثــر بموقفها في عــام 2023، مُتأثــرة في ذلــك بمـا حققتــه مــن مكاسـب أو تعرضـت لـه مـن خسـائر. ولا شـك في أن الأحداث التـي شـهدتها غـزة والضفـة الغربيـة مـن يـوم 7 أكتوبـر الماضي والهجـوم العسـكري الإسرائيلي المُدمر عـلى غـزة، والاقتحامات العسـكرية اليوميـة لـمدن ومخيمات الضفـة الغربيـة، والمواقف التــي تبنتهــا الــدول الكـبـرى؛ ســوف تكــون عاملاً حاســماً في التأثـيـر عـلـى مكانــة هــذه الــدول ودورهــا في عــام 2024.

فالحـروب عـادةً مـا تـؤدي إلى إعـادة صياغـة العلاقـات والأدوار.

وينبنـي هـذا التحليـل علـى افتـراض أن الحـرب الدائـرة الآن سـوف تكـون قـد انتهـت مـع الأسابيع الأولى مـن العـام الجديـد أو أن تكـون حدتهـا قـد انخفضـت بشـكل محسـوس.

 

 الدبلوماسية الأمريكية:

إذا بدأنـا بالولايات المتحدة الأمريكية، فمـن الواضـح أن هـذه الأحداث أعادتهـا إلى قلـب الصراع في الشرق الأوسط، وأسـقطت أي حديـث عـن الانسحاب الأمريـكي مـن المنطقة.

وظهـر ذلـك في الدعـم الأمريكـي العســكري والسياسي اللامحدود لإسرائيل، وفي اســتخدامها المتكرر لـ“الفيتــو“ في مجلــس الأمن الدولي للحيلولــة دون اتخــاذ قــرار لوقــف إطلاق النــار. كمــا ظهــر في دعمهـا الوسـاطة المصرية القطريـة للوصـول إلى هدنـة إنسـانية مؤقتة، وفي الضغط على إسرائيل لزيادة حجم المعونات الإغاثية المسموح بها وفي إدراج الوقود ضمنها.

 

ورافــق التأييــد الأمريــكي لإسرائيل، حــدوث اختلافات وتباينـات في وجهـات النظـر بـن البلديـن. ومـن أبرزهـا، رفـض واشــنطن تهجــر الفلسطينيين قسرياً خــارج أراضيهــم، ورفــض عـودة الاحتلال الإسرائيلي لقطـاع غـزة، ورفـض تقليص مسـاحته أو اقتطـاع أجـزاء منـه، والدعـوة إلى حـل الدولتـين. وأدى تدميـر المنازل والمدارس والمستشفيات، وتهجـيـر مئــات الآلاف مــن الفلسطينيين وحرمانهـم مـن أبسـط مقومـات الحيـاة، إلى حالـة غضــب عارمــة لــدى الــرأي العــام العــربي والإسلامي؛ بســبب تغـاضي واشـنطن عـن انتهـاك إسرائيل لقواعـد القانـون الدولي والقانــون الدولي الإنساني، وتجــددت مشــاعر عــدم الثقــة في السياســة الأمريكية وفي التعهــدات التــي تُقدمهــا للعــرب.

 

ومـن الأرجح، أن تسـعى الولايات المتحدة إلى الاستمرار في اتبـاع دبلوماسـية نشـطة في الـشرق الأوسط عـام 2024، تسـعى بهــا إلى تحســن صورتهــا في المنطقة، وذلــك بإحيــاء مســار تسـوية الـصراع الإسرائيلي الفلسـطيني. وإن كان مـن الضـروري التذكــر بــأن التعهــد الأمريـكـي بإقامــة الدولــة الفلســطينية، لا يعنـي بالضـرورة أن فهمهـا لهـذا الحـل يتفـق مـع الفهـم العـربي لهـذه الدولـة.

 

وبالنســبة لإيــران، ســوف تعمــل الولايات المتحدة عـلـى اسـتمرار التفاهـمات معهـا بشـأن قواعـد الاشتباك عـلى الحـدود الإسرائيلية اللبنانيـة، وردع المليشيات العراقيـة الموالية لطهـران لمنعها مــن الهجــوم عـلـى الأهداف الأمريكية في العــراق وسـوريا، وتأميـن حريـة الملاحة في بـاب المندب والبحـر الأحمر للحيلولــة دون تكــرار الهجـمـات الحوثيــة عـلـى الســفن.

 

وســوف تســتمر واشــنطن في اتصالاتها والحفــاظ عـلـى مصالحهـا مـع شركائها مـن الـدول العربيـة حتـى عندمـا يحـدث اختــلاف في وجهــات النظــر معهــم، وحتــى مــع ذات العلاقــات الاستراتيجية القويــة لــدول مثــل الجزائــر مــع روســيا.

 

الموقف الأوروبي:

يرتبـط موقـف الاتحاد الأوروبي بنظـره الأمريـكي. فقـد تقلصـت مسـاحة الاستقلالية التـي تمتـع بهـا في وقـت سـابق إلى درجـة كبيــرة، وان كانــت لم تنتــه تمامــاً. فظهــرت، مثــلاً، في تصويــت فرنســا وإســبانيا والبرتغال والنرويج في الموافقة عـلـى مـشـروع القــرار العــربي في الجمعيــة العامــة للأمم المتحدة بتاريــخ 27 أكتوبــر الماضي. كذلــك، في تصويــت فرنســا لصالــح مــشروع القــرار الإماراتي في مجلــس الأمن يــوم 8 ديسمبر الماضي، بالرغـم مـن اعـتراض الولايات المتحدة علـى القراريـن. وتكـرر ذلـك في تصويـت الـدول الأوروبية عـلى قـرار الجمعيـة العامـة في 12 ديسمبر الماضي

 

ومـن الأرجح أن يسـتمر الاتحاد الأوروبي في دعمـه لإسرائيل لتصفيــة حركــة حـمـاس وفي فــرض عقوبــات عــلى المستوطنين المتورطين في أعـمـال عنــف ضــد الفلسطينيين، وفي دوره كأكبــر ممول لموازنة الســلطة الفلســطينية في رام الله والتي بلغت 294 مليـون يـورو في عـام 2022، ورُبمـا يـزداد إذا مـا تـم تأهيـل الســلطة الوطنيــة وتطويــر مؤسســاتها للقيــام بــدور في إدارة غـزة.

 

وسـوف يسـتمر الاتحاد الأوروبي أيضـاً في دعـم الاستقرار الاقتصادي لمـصـر والأردن باعتبارهــا دول الجــوار الجغرافي المباشر، فتـم الإعـلان عـن خطـة مسـاعدات ماليـة واستثمارية للأولى بمبلغ 10 مليــارات يــورو، والثانيــة بمبلغ 900 مليــون يــورو. ومــن المُتوقع أيضــاً أن تــزداد المخاوف الأوروبية مــن احتــمالات الهجــرة غــر النظاميــة عـبـر البحــر المُتوسط.

 

النفوذ الروسي:

انتهــزت روســيا والصـيـن مرحلــة عــدم الاكـتـراث الأمريـكـي بمنطقة الـشرق الأوسط وأطروحـة تحولهـا إلى آسـيا، وخصوصـاً خلال الولاية الثانيـة للرئيـس الأسبق، بـاراك أوباما، لتعزيـز مواقعهــا والتوســع في نفوذيهــما فيهــا، واتبــع البلــدان سياســة براجماتيــة تقــوم في علاقتها بالــدول الأخرى عــلى المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.

 

وأبرمــت روســيا العديــد مــن الاتفاقيات الاقتصادية والعسـكرية مـع دول المنطقة، ونجحـت في توثيـق علاقاتها معها وتجــاوز العقوبــات الغربيــة عـلـى موســكو.

 

واســتفادت روســيا مـن اندلاع حـرب غـزة، فقـد أدت إلى رصف انتبـاه العـالم عـن الحـرب في أوكرانيـا، وتعطيـل المساعدات الأمريكية إلى كييـف، وإتاحــة الفرصــة لتوجيــه انتقــادات لاذعــة للولايات المتحدة التـي وصفهـا الرئيـس فلاديميـر بوتـن بـ“بيـت العنكبـوت“ الـذي امتــدت أطرافــه إلى كل شـبـر مــن أقاليــم العــامل مُهــدداً الســلم والأمن الدوليين.

 

ويتأثـر الموقف الـروسي بعـدة محـددات، تتمثـل في المصالح مــع دول المنطقة، والعلاقــة مــع إيــران وحـمـاس ومــا يسمى ” محــور المقاومة“، والمواطنين الــروس المسلمين الذيــن يصــل عددهــم إلى قرابــة 25 مليونــاً.

 

ومـــن الأرجح أن تســـتثمر موســـكو صورتهـــا الإيجابية لـــدى الـــرأي العـــام في دول المنطقة نتيجـــة إدانتهـــا للعـــدوان الإسرائيلي عــلـى غـــزة، والدعـــوة لوقـــف إطلاق النـــار؛ وذلـــك مـــن أجـــل تكريـــس دورهـــا في المنطقة.

 

الاستفادة الصينية:

تبــدو الصيــن أيضــاً مســتفيدة مــما حــدث، فقــد أدت حــرب غـزة إلى انشـغال الولايات المتحدة بالشـرق الأوسط، إلى جانـب الحــرب في أوكرانيــا، عـلـى حســاب اهتمامها بموضوع تايــوان، وأيضــاً عــلى حســاب إدارتهــا للـصـراع مــع الصـيـن في منطقــة الإندو-باســيفيك.

 

كمــا أن حــرب غــزة عطلــت مؤقتــاً تنفيــذ مـشـروع الممر الاقتصادي الــذي يربــط بــن الهنــد -عدوتهــا التقليديــة- وإسرائيل، عـبـر الســعودية والإمارات والأردن، ويمثل منافســاً لمشــروع ”الحــزام والطريــق “

 

وتبنـت الصيـن، في البدايـة، سياسـة حـذرة ومتوازنـة، ولكـن مــع تصاعــد الأحداث أدانــت العــدوان الإسرائيلي عـلـى غــزة، وانتقــدت الموقف الغــربي المؤيد لتــل أبيــب. وظهــر الموقف الصينــي في التصويــت في مجلــس الأمن لصالــح مشروعات القــرارات التــي دعــت إلى الوقــف الفــوري لإطلاق النــار، وفي اسـتخدامها حـق ”الفيتـو“ -مـع روسـيا- لوقـف قـرار أمريـكي في مجلـس الأمن أدان حمـاس ولم يطالـب بوقـف إطلاق النـار، وفي تحـركات المبعوث الصينـي الخـاص بالـشرق الأوسط وزياراتـه إلى مصــر وقطــر والســعودية والإمارات.

 

وتتمتـع بكـن بعلاقـات طيبـة مـع الأطراف المباشرة للأزمة والأطراف العربيــة المؤثرة، كـمـا تحتفــظ بعلاقــات وثيقــة مــع موســكو وطهــران وأنقــرة.

 

وفي إطـار مبــادرة الأمن العالمــي، تطــرح الصـيـن نفســها كوســيط لحــل النزاعـات الإقليمية، فدعـت في عـام 2023 الرئيـس الفلسـطيني، محمـود عبـاس، لزيارتهـا وكان مـن المقرر أنـه يتبعـه نتنياهـو في نهايــة أكتوبــر الماضي، وهــو مــا لم يتحقــق نتيجــة نشــوب الحــرب في غــزة.

 

فهـل مـن المتصور أن تسـعي الصيـن لإحياء هـذه المحاولة في عـام 2024؟ أم أن توتـر العلاقـات مـع إسرائيل يضعـف مـن هـذا الاحتمال؟

 

سـوف تسـتمر الصيـن في سياسـة عـدم التدخـل في الشــؤون الداخليــة للــدول، والتركيز عـلـى تنميــة العلاقات الاقتصادية والتجاريـة مـع دول المنطقة، وألا تـؤدي الصراعات بيـن دول المنطقة إلى تهديـد مصالحهـا الاقتصادية، خاصـةً وأنهـا الشريك التجـاري الأول لكثيـر مـن الـدول العربيـة واعتمادها في اسـتيراد النفـط علـى الـدول العربيـة وإيـران.

 

ختاماً، لا تُغـيـر الــدول الكبــرى سياســاتها بـيـن عــام وآخــر فجـأة أو بـدون مقدمـات، وإنمـا تسـعى للتعامـل والتكيـف مـع الظــروف المُتغيرة والاستفادة منهــا. وسياســات هــذه الــدول في عــام 2024، ســوف تكــون نتــاج تقييــم مــا حققتــه، مكســباً أو خســارة، في العــام الســابق. وكمــا يشــير هــذا التحليــل، فــإن روســيا والصيــن في موقــف يســمح لهـمـا بتطويــر أدوارهـمـا وتوسـيع نفوذيهمـا في المنطقة. أمـا الولايات المتحدة، فسـوف تبـذل قصـارى جهدهـا لمنع موسـكو وبكيـن مـن تحقيـق هـذا الهــدف. وتظــل واشــنطن هــي اللاعب الرئيسي في المنطقة، وسـوف تسـعى لتعويـض مـا أصـاب صورتهـا واسـتعادة مكانتهـا مرة أُخرى.

 

 

______________________________________________________________________

 

(4)

الصراعات الداخلية العربية والجمود المستمر في 2024

 أ. د. أحمد يوسف أحمد*

 

*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

نطــوي التحليــل التالي علــى محاولــة لاستشراف مســتقبل الصراعات الداخليــة العربيــة في 2024، وســوف تبــدأ هــذه المحاولة بتقييــم تجربــة الكاتــب في المهمة المشابهة التــي أُسندت إليـه في العـام الماضي لانطلاق منهـا إلى محاولـة تحديـد الثابــت والمتغيــر في عــام 2023، لتســهيل طــرح بعــض الأفكار الخاصـة بالحـال الـذي يمكـن أن تـؤول إليـه تلـك الصراعات في .2024 وهكـذا فـإن التحليـل سـوف يتفـرع إلى قسـمين، يتنـاول أولهــا أبعــاد تطــور الصراعات الداخليــة العربيــة في 2023، تمهيداً لمحاولة استشراف تداعيــات هــذا التطــور عـلـى حــال هــذه الصراعات في 2024.

 

يعرض المقال باختصــار للخطــوط العامــة في محاولــة استشراف مســتقبل الصراعات الداخليــة في اليمــن وليبيــا وسـوريا في 2023، وهـي عمليـة مفيـدة لأغراض التعلـم الذاتي، خاصـة أنـه مـن المعروف أن استشراف المستقبل ينطـوي عـلى صعوبــات شــديدة.

 

بالإضافة إلى المتغيرات الجديدة في 2023:

يمكن حـصر أهـم المستجدات في خريطـة الصراعات الداخليـة العربيــة ومعادلاتها في أمريــن، أولهـمـا اتســاع نطاقهــا بدخــول السـودان في قائمة دول الصراعات، والثاني دخـول متغـير إقليمـي جديـد يتمثـل في تداعيـات المواجهة الفلسـطينية الإسرائيلية في قطــاع غــزة عـلـى الـصـراع في كل مــن اليمــن وســوريا. ويتضــح ذلــك في الآتي:

 

1. الصـراع السوداني: في منتصـف إبريـل 2023.

2. الحــرب الإسرائيلية في غــزة: المتغير الثاني المهــم الــذي شـهده عـام 2023.

 

 

______________________________________________________________________

 

 

(5)

ثلاثة سيناريوهات: حرب غزة ومستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في 2024

سعيد عكاشة*

 

*خبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

ثمة مؤشرات عديــدة عــلى أن الحــرب الدائــرة بـيـن إسرائيل وحركــة حــماس في غــزة منــذ الســابع مــن أكتوبــر الماضي، ربما تتجــه نحــو نهايتهــا خــال أســابيع قليلــة. ولأن الأوضاع التــي سـيتوقف عندهـا القتـال لا تبـدو واضحـة أو محـددة بسـيناريو وحيـد، فـإن أي محاولـة لسبـر أغـوار مسـتقبل الصراع الفلسـطيني الإسرائيلي بشــكل عــام، أو في المدى المنظور بدايــة مــن عــام 2024؛ ســتعتمد بالدرجــة الأولى عـلـى نتائــج الحــرب.

 

ومـن حيـث الحسـابات النظريـة والمنطقية لنتائـج أي حـرب، فـإن الحـرب تنتهـي وفقـاً لأحـد احتمالات ثلاثـة؛ أولهـا أن ينتصـر طـرف بشـكل واضـح عـلى الطـرف الآخر الـذي يعتـرف بهزيمته ويعلــن استســلامه رسمياً. والاحتـمـال الثاني أن يقبــل الطرفــان وقــف الحــرب، دون إنهــاء الـصـراع، وهــو مــا يعنــي الاستعداد لجولـة أخـرى مـن الحـروب بينهما مستقبلاً. أمـا الاحتمال الثالث ففيه يبــدي الطرفــان استعدادهما لوقــف القتــال، والدخــول في مفاوضــات لأجــل حــل الـصـراع بشــكل جــذري، عـبـر معالجــة أسـبابه كافـة، لضمـان عـدم تجـدد الحـروب بينهـا مـرة أخـرى.

 

مؤشرات نهاية الحرب:

يمكــن رصــد أبــرز مؤشرات قــرب نهايــة الحــرب الجاريــة بـيـن إسرائيل وحركــة حمــاس، فيــا يـلـي:

  1.  مواجهـة رئيـس الـوزراء الإسرائيلي، بنياميـن نتنياهـو، ضغوطـاً متزايـدة مـن جانـب الولايات المتحدة للعمـل عـلى عـدم إطالـة أمـد الحـرب، وفقـاً لتقاريـر صحفيـة غربيـة.
  2.  تلقـي نتنياهـو اتصالاً هاتفيـاً مـن الرئيـس الـروسي، فلاديميـر بوتيـن، يـوم 10 ديسمبر الماضي، هـو الأول منـذ منتصـف أكتوبـر الماضي. وحسـب البيـان الصـادر مـن مكتـب نتنياهـو، فـإن بوتـين أعلــن رفضــه للعنــف ضــد المدنيين عـلـى الجانبين) إدانــة غـيـر مباشرة لهجـوم حـماس في السـابع مـن أكتوبـر).
  3.  حـث الرئيـس الأمريكي، جـو بايـدن، نتنياهـو على إجـراء تغيير وزاري في ائتلافه الحاكـم لإخراج الوزيريـن المتطرفين بتسـلئيل سـموتريتش وإيتمار بن غفير، زعيمي حزب ” الصهيونيـة الدينية“ وحـزب ”القـوة اليهوديـة“ الرافضين لحـل الدولتين.
  4.  إشــارة تقاريــر عديــدة إلى أن إسرائيل بــدأت في تنفيــذ خططهــا لإغراق الأنفاق التــي تختبــئ فيهــا قــوات حـمـاس في غــزة، لـلإسراع في عمليــة القضــاء علــى الحركــة.
  5.  تصريح رئيـس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في 14 ديسمبر الماضي، بأن أي حل يسـتبعد حركة حماس والمقاومة الفلسـطينية في غـزة، لـن يكـون سـوى محـض وهـم كبير.

 

سيناريوهات محتملة:

هنـاك عـدة سـيناريوهات محتملـة للحـرب الإسرائيلية في قطـاع غـزة وتداعياتهـا، كالتالي

1- انتصـار أحـد الطرفين

2- وقـف إطلاق النـار مـن دون شروط

3- وقـف القتـال وبـدء التفـاوض السياسي

 

______________________________________________________________________

 

(6)

عدم الاستقرار الممتد: استشراف الاتجاهات الكبرى في الساحل الإفريقي 2024

أ. د. حمدي عبد الرحمن*

 

*أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد، الإمارات العربية المتحدة

تواجـه منطقـة السـاحل، الممتدة مـن شـواطئ المحيط الأطلسي إلى البحـر الأحمر عنـد إريتريا بيـن الصحـراء الكـبرى والمناطق الاستوائية الإفريقية، أزمــات أمنيــة وإنســانية مســتمرة منــذ حصـول دولهـا علـى الاستقلال في السـتينيات.

 

وقـد أدت عوامـل مثــل ضعــف بنيــة الدولــة ومؤسســات الحكــم، والتدهــور الاقتصادي، وتأثيـرات تغيـر المناخ، والتدخـل الدولي، إلى تغذيـة التطــرف العنيــف في جميــع أنحــاء المنطقة.

 

وعلـى مـدى العقـد الماضي، تصاعـدت حـدة أعمـال العنـف والــصراع والجريمــة، وتجــاوزت الحــدود الوطنيــة وفرضــت تحديـات كبيـرة بالنسـبة للأمـن الإقليمي والدولي. ومـن الواضـح أن بـؤر هـذه التحديـات تقـع في منطقتـي ليبتاكو-غورمـا وحـوض بحـرة تشـاد، اللتـان تشـكل كل منهـا مركبـاً أمنيـاً بالـغ التعقيـد والتشـابك.

 

فقــد شــهدت ليبتاكو-غورمــا، الواقعــة في منطقــة الســاحل الوسـطى عـلى الحـدود مـع بوركينـا فاسـو ومـالي والنيجـر، حالـة مـن عـدم الاستقرار منـذ انهيـار الدولـة الليبيـة عـام 2011، مـا أدى إلى انتشــار الأسلحة والمقاتلين المسلحين في المنطقة. كـمـا اندلـع تمرد الطـوارق في شمـال مالي مـن جديـد في عـام 2012، في أعقــاب تدفــق المتطرفين، وأدى إلى ســعي الحركــة الوطنيــة لتحريــر أزواد إلى الحصــول علــى الحكــم الذاتي.

 

وقــد مكّــن الانقلاب اللاحق وانهيــار مؤسســات الدولــة الحركــة الوطنيــة لتحريـر أزواد مـن إعلان دولـة أزواد المستقلة. وقـد دفـع ذلـك بــدوره إلى التدخــل الفرنســي والدولي في المنطقة.

 

وقــد شــهد عــام 2023 تحولات كـبـرى في منطقــة الســاحل أفضــت إلى إعــادة صياغــة الخريطــة الجيوسياســية وطبيعــة التحالفـات الإقليمية والدوليـة في المنطقة. ويحـاول هـذا المقال استشراف أهــم الاتجاهات الأمنية والجيوسياســية التــي مــن المرجح أن تهيمــن عــلى ملامح مســتقبل منطقــة الســاحل الكــبرى في عــام 2024، التي تتمثل في:

  • تزايد خطر الانقلابات
  • تمدد التطرف العنيف
  • تنامي العداء لفرنسا
  • توسع النفوذ الروسي
  • تزايد معدلات الهجرة
  • تفاقم الآثار المناخية
  • تراجع دور”الأيكواس“.

 

______________________________________________________________________

 

(7)

مخاطر متباينة: الخارطة الجيوسياسية لتوقعات الإرهاب والتطرف في 2024

د. محمد بوشيخي*

 

*باحث مغربي متخصص في القضايا الجيوسياسية والحقل الديني

يُتوقــع أن يعيــش العــالم في 2024 اســتمرار التهديــد الجهــادي الإرهابي كخطــر رئيـسـي مــن حيــث نطــاق انتشــاره وتجــذره وعـدد ضحايـاه وكُلفـة مكافحتـه… إلـخ، ومخاطـر أخـرى ثانويـة تتمثــل أساســاً في اليمــن المتطرف بالــدول الغربيــة والحــركات البيئيــة، في حيــن ستســتمر الحــركات الإخوانية في كمونهــا.

 

وتجـدر الإشارة إلى أن هنـاك عوامـل حاكمـة لتبايـن شـدة هـذا الخطـر وحـدود توسـعه، وهـي ترتبـط بعوامـل متعـددة تتعلــق بحالــة التنظيـمـات الداخليــة والســياقات السياســية والعوامــل الإقليمية والنزاعــات ومــدى الدعــم الدولي للدولــة المعنية في جهـود مكافحـة الإرهاب. وتلـك العوامـل ربمـا هـي التـي تتحكـم في مسـتقبل الظاهـرة الإرهابية صعـوداً وهبوطاً، وتحكــم تبايناتهــا.

 

مخاطر رئيسية:

مـن المُرجح في عـام 2024 أن تبتعد التنظيمات الجهادية الإرهابية أكثر عـن تحقيـق اختراق أمنـي يعيـد لهـا ”مجدهـا“ السـابق، لفشـلها في استغلال أحـداث السـودان وغـزة وحـرق المصحف في إحـراز اهتمام إعلامي جديـر بالمتابعة، فضلاً عـن ردهـا على مقتـل زعمائها (أيمن الظواهري/ أبي الحسين القـرشي…) بالبيانات دون العمليات.

 

كما يُتوقـع ترسـخ الـوازع المحلي، على حسـاب العالمي، في العمـل الجهـادي، واسـتمرار التجنيـد باعتماد الحاجة للدخـل المـادي، وليـس القناعـات الأيديولوجية.

 

فيما لا يُســتبعد اضطــلاع حلــف شــال الأطلسي ”الناتــو“ بمهــام أكبــر في المكافحة التــي ستعترضها صعوبــات، بعضهــا ”مســتمرة“ مــن الفـتـرة الســابقة تتمثــل في اختلافات الــدول بشــأن تعريــف الإرهاب وتقديــر مخاطــره وتأثــر التعــاون الأمني بالتصدعــات الدبلوماســية وحالات الــدول الفاشــلة وهفــوات النظــام المالي الدولي وغيــاب الدولــة بمناطق تتيــح للإرهابين الاتجار في الذهــب والممنوعات وغســل الأموال وغيرهــا، ثــم تزايــد اعتمادهم عـلـى التكنولوجيــا وضعــف الاستثمار في التنميــة.

 

وثمة صعوبـات أخـرى ”مسـتجدة“، قـد تنبثـق مـن اسـتمرار الحـرب الإسرائيلية في قطـاع غـزة، مـا يحـول المنطقة إلى مركـز اهتــام للجهاديــن وانخــراط التنظيمات الإخوانية في العمــل الجهــادي. كمــا أنــه مــن شــأن تكــرار الانقلابات العســكرية في إفريقيـا، خلـق وضـع جيوسياسي أكثـر هشاشـة أمـام الاختراقات الجهاديـة.

 

وربما تتخــذ الظاهــرة الجهاديــة الإرهابية أشكالاً تختلــف بحســب التطــورات الجيوسياســية، كالتالي:

  1. الـشـرق الأوسط: مــن المُرجح أن تبقــى ســوريا تتصــدر الـدول المُسـتهدفة مـن تنظيـم داعـش، وفي العــراق، ســتواصل الحكومــة نجاحهــا ضــد الإرهاب لتكـرس الإنجازات السـابقة دون القضـاء النهائي عـلى داعـش، أمـا اليمـن، فيُحتمـل احتفـاظ فـرع القاعـدة هنـاك بنفس المستوى مـن تهديـده ضـد القـوات الجنوبيـة واسـتمرار تخادمـه )تحالفــه) مــع مليشــيا الحوثي مقابــل إطلاق سراح عناصره ودعمـه اسـتخباراتياً وفنيـاً. ولا يستبعد توظيفه في مهام أكبر في حـال توجيـه ضربات إسرائيلية أو أمريكيـة ضـد الحوثيـن.
  2.   إفريقيـا: يُتوقـع احتفـاظ منطقـة السـاحل الإفريقي بنسـب مقلقــة مــن النشــاط الإرهابي وبتصنيــف دولهــا ضمــن الأكثر تأثـراً بتداعياتـه.
  3.   جنـوب آسـيا: يُتوقـع اسـتمرار تجميـد تنظيـم فـرع القاعـدة بخراسـان لنشـاطه، انسـجاماً مـع القـراءة الجيوسياسـية للقاعـدة وعــدم إحــراج حليفتــه طالبــان، عكــس فــرع داعــش ”ولايــة خراسـان“ الـذي سيسـتغل كل فرصـة للضـرب.

 

مخاطر ثانويــة:

تتمثــل المخاطر الثانويــة المتوقعة للتطــرف والإرهاب في عــام 2024، في الآتي:

1- تنامــي تهديــد اليمــن المتطرف في الغــرب

2- ســـلمية أكـــر للراديكاليـــة البيئيـــة

3- اســـتمرار كمـــون الإخوانية

 

 

______________________________________________________________________

 

(8)

موازنات براغماتية: إدارة التحالفات الجيوسياسية الجديدة في آسيا الوسطى 2024

د. شوبهدا تشودري*

 

*متخصصة الدراسات الآسيوية – الهند

تاريخياً، كانـت آسـيا الوسـطى – والتـي تتألـف مـن كازاخسـتان، وقيرغيزستان، وطاجيكسـتان، وتركمانستان، وأوزبكسـتان- بمثابة نقطـة جيواستـرتيجية مفصليـة، تربـط بـين قـارتي آسـيا وأوروبـا مــن خــلال البنيــة الأساسية والتجــارة والطاقــة.

 

وتُعــد آســيا الوسـطى أكـبر إقليـم مغلـق بالعـالم، إذ يحيـط بالإقليم كل مـن: روســيا والصيــن وباكســتان وإيــران ودول قوقازيــة أخــرى، وهــو الأمر الـذي يفـرض عـلى دول الإقليم تحديـاً كبـيراً، عــلى صعيــد السياســة الداخليــة والخارجيــة، ومــع انهيــار الاتحاد الســوفيتي، واجهــت دول آســيا الوســطى معضلــة كبـيرة. فمـن الناحيـة الجيوسياسـية، عـززت دول الإقليم بنيتهـا التحتيـة مـن خـال زيـادة العلاقات مـع الصيـن. ومـن الناحيـة الاقتصادية، اسـتهدفت دول الإقليم الأموال الغربيـة مـن أجـل جلــب الاستثمارات والدعــم التنمــوي.

 

لقــد قامــت دولتــان رئيســيتان في آســيا الوســطى – هــا كازاخســتان وأوزبكســتان- بتنفيــذ مبــدأ ”سياســة خارجيــة متعــددة الاتجاهات“ بهــدف اتبـاع نهـج عملـي غيـر أيديولوجـي. وقـد سـاعد هـذا كازاخسـتان وجيرانهـا عـلى الانضمام إلى رابطـة الـدول المستقلة التـي تهيمـن عليهـا روسـيا، فضـلاً عـن الانضمام إلى منظمـة معاهـدة الأمن الجامعـي CSTO)) ومنظمـة شـنغهاي للتعـاون SCO)) بقيـادة الصـيـن.

 

عــلى الرغــم مــن أن الجهــات الفاعلــة الدوليــة الغربيــة لم تهتـم كثـيراً بآسـيا الوسـطى فيما مضـى، فـإن الوضـع قـد تغيـر الآن منــذ دخــول دول الإقليم المشهد الجيوسياسي، إذ أصبــح بــؤرة اهتـمـام الجغرافيــا السياســية في المنطقة الأوراســية. ولهــذا نجــد أنــه وللمــرة الأولى، يلتقــي رئيــس أمريـكـي برؤســاء الــدول الخمــس لآسيا الوســطى )كازاخســتان وقيرغيزستان وطاجيكســتان وتركمانستان وأوزبكســتان (في الجمعيــة العامــة للأمم المتحدة بنيويـورك في سبتمبر 2023.

 

وقـد وصـف الرئيـس الأمريكي، جـو بايـدن، هـذا اللقـاء بأنـه ”لحظـة تاريخيـة“. وعلـى الرغـم مـن أن صيغـة الحـوار الدولي لمجموعة (1+5C) كانـت موجــودة بالفعــل منــذ عــام 2015، فإنهــا كانــت دائماً مــا تتــم علــى مســتوى وزارات الخارجيــة فقــط.

 

لقـد أدى الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة من أفغانسـتان في عـام 2021، إلى جانـب التنافـس الـروسي الصينـي بالمنطقة، إلى خلـق سـياقات لتحالفـات جديـدة في آسـيا الوسـطى. بمعنى آخـر فـإن الإقليم لم يعـد ”منطقـة منسـية“، بـل أصبـح منطقـة ناشـئة تتهيـأ لـ“لعبـة عظيمـة“. ومـع ذلـك مـا تـزال هنـاك العديـد مـن التحديـات بالإقليم، مثـل: الاشتباكات على الحـدود القرغيزية الطاجيكيـة، والنزاعـات على الميـاه مـع أفغانسـتان، فضلاً عـن تداعيـات الحـرب الروسـية الأوكرانية.

 

ولكن على الرغـم من وجود كل هـذه التحديـات فإن زعماء دول آسـيا الوسـطى مسـتمرون في العمـل على إضفـاء الطابع المؤسسي على تحالفاتهـم، خاصة فيما يتعلـق بـدول العـالم الثالـث وكذلـك الاجتماعات السـنوية لتهيئة الظـروف للتجـارة والاسـتثمار.

 

يناقش هذا المقال عدة قضايا أساسية التي تتعلق بدول آسيا الوسطى:

  • تصاعد أهمية الممر المتوسط
  • إحياء ”خط أنابيب الغاز D ”
  • الجهود الهندية في المنطقة
  • خروج رمزي من العباءة الروسية
  • توجه الشرق الأوسط للإقليم
  • توسيع سياسة “الجيرة” الأوروبية
  • سعي اليابان لآسيا الوسطى

 

______________________________________________________________________

 

 

(9)

التحولات المتوقعة للتنافس على منطقة القوقاز في 0242

د. عبد العليم محمد*

 

*خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

يمثــل 19 سبتمبر 2023، تاريــخ ســيطرة أذربيجــان عــلى إقليــم ناغورنـــو كارابـــاخ عسكرياً، عقـــب عمليـــة مل تســـتغرق ســـوى يـــوم واحـــد، بدايـــة مرحلـــة انتقاليـــة في جنـــوب القوقـــاز؛ تلـــك المنطقة التـــي تـــزداد أهميتهـــا في الاستراتيجية الدوليـــة والتنافـــس بـيــن الفاعليـــن الدولييـــن وعـلــى رأســـهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروســيا، وبــين الفاعلين الإقليمين ومنهــم تركيــا وإيــران وإسرائيل التــي دخلــت عـلـى الخـــط مـــن خـــال ترتيـــب علاقـــات جيـــدة مـــع أذربيجـــان.

 

وفي هــذا الإطار، يتنــاول هــذا المقال التحولات المتوقعة في منطقـــة القوقـــاز خـــال عـــام 2024، اســـتناداً إلى عـــدد مـــن المحددات والعوامـــل الرئيســـية المؤثرة في تفاعلات هـــذه المنطقة.

 

موازين القوى:

تُعـــد منطقـــة القوقـــاز بثرواتها مـــن النفـــط والغـــاز، ومـــرور طـــرق التجـــارة الدوليـــة ونقـــل الطاقـــة بـــن أوروبـــا وآســـيا، أحـــد أهـــم الرهانـــات الاستراتيجية في هـــذه الآونة. فالقـــوى الدوليـــة والإقليمية لهـــا مصالـــح في هـــذه المنطقة تتعلـــق بالتداخـــل العرقـــي والثقافي والدينـــي، عـــلاوة عــلـى المصالح الاقتصادية.

 

وجــاءت ســيطرة أذربيجــان عـلـى إقليــم ناغورنــو كارابــاخ المُتنازع عليـــه مـــع أرمينيـــا منـــذ التســـعينيات، لتكشـــف عـــن تغـييــر في موازيـــن القـــوى بـــن الدولتين لصالـــح أذربيجـــان.

 

وتســـعى باكـــو لتعزيـــز علاقاتها الدوليـــة مـــع الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيـــا، حتـــى إن تصريحات بعـــض المسؤولين الأذريين تتحـــدث عـــن أمـــة واحـــدة في دولتـيــن، خاصــةً أن تركيــا تحلــم ببنــاء فضــاء لهــا يمتــد مــن البوســفور إلى آســـيا ومـــن ضمنـــه بالطبـــع أذربيجـــان.

 

كـمــا زوّدت أنقـــرة حليفتهــا باكــو بالأسلحة كالطائــرات المُســيّرة وغريهــا لدعمهــا في صراعهـــا ضـــد أرمينيـــا لاســـتعادة إقليـــم ناغورنـــو كارابـــاخ.

 

فيـمـا لم تتمكــن أرمينيــا مــن الحصــول عـلـى الدعــم الغــربي الكافي مـــن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في الوقـــت الـــذي تضـــاءل فيـــه حضـــور الدعـــم الـــروسي، بالرغـــم مـــن العالقـــات الوطيـــدة بـــن البلديـــن، فكلاهـمــا عضـــو في منظمـــة الأمن الجماعـــي CSTO ) ) التـــي ترعاهـــا موســـكو؛ وذلـــك بســـبب انشـــغال روســـيا بالحـــرب الأوكرانية. وقـــد أســـهم في تقليـــص الدعـــم الـــروسي لأرمينيا في صراعهـــا مـــع أذربيجـــان، تولي رئيــس وزراء أرمينيــا، نيكــول باشــينيان، منــذ عــام ،2018 الحكـــم إثـــر ”ثـــورة ملونـــة“ عـلــى حســـاب النخبـــة المؤيدة للعالقـــات الوثيقـــة مـــع روســـيا.

 

كـمــا ِ أن أرمينيـــا لم تكتـــفِ بذلــك، بــل رفضــت إجــراء تدريبــات عــلى أراضيهــا مــن قبــل منظمـــة الأمن الجماعـــي، وعمـــدت إلى إجـــراء تدريبـــات مـــع القـــوات الأمريكية في سبتمبر 2023 وقدمـــت مســـاعدات إنســـانية لأوكرانيا.

 

تحولات محتملة:

في ضــوء حســم الـصـراع بـيـن أذربيجــان وأرمينيــا، يمكــن رصــد بعـض التحولات التـي مـن المُحتمل أن تشـهدها منطقـة القوقاز في عــام 2024:

1- زعزعــة الاستقرار الداخلي في أرمينيــا

2- تراجـع الـدور الـروسي في منطقـة القوقـاز

3- محدوديــة الــدور الأوروبي

4- تعزيــز الوجــود الأمريكي في المنطقــة

5- صعــود الــدور الــتركي

6- تنافـس إيراني إسرائيـلي

 

ويتوقــف مســتقبل منطقــة القوقــاز علــى الديناميكيــات السياسـية الداخليـة، وقدرتهـا علـى تحقيـق الاستقرار في المنطقة، ومعالجــة أبعــاد التنــوع والتعــدد الثقافي والعرقــي، وتحقيــق تســويات بنــاءة للصراعات في الإقليم. كـمـا أنــه يتوقــف أيضــاً عـلى التحولات الراهنـة في النظـام الدولي، والصـراع بـين أطرافـه الرئيســية.

 

______________________________________________________________________

 

(10)

مسارات التعافي: الاقتصاد العالمي..2024 ركود أم عودة إلى الانتعاش؟

د. رشا مصطفى عوض*

 

*مستشار بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري

يُعلمُنــا عــامل الفيزيــاء الأشهر ألـبيـرت اينشــتاين ي الــذي عــاش أنــه ”لــو كان لديــه ســاعة واحــدة لإنقاذ العــالم، فســيقضي خمســاً وخمســين دقيقــة للتعــرف عــلى المشكلة وتوضيحهــا، وخمــس دقائــق فقــط للتوصــل إلى الحــل“، الأمر الــذي يُعـلـى أهميــة طــرح أفضــل الأسئلة؛ كونهــا حجــر الزاويــة لبلــوغ الإجابات الأكثر فعاليــة

 

ينطبــق ذلــك النهــج عــلى اللحظــات الفارقــة بـيـن عامــي 2023 و2024؛ إذ تتعالى التساؤلات بشــأن آفــاق منــو الاقتصاد العالمــي خــال عــام 2024، ومــا إذا كان ســيواجه ركــوداً أم انتعاشــاً؟ وتخلــص تحليلات عــدة إلى إجابــة واحــدة، تتمثَّــل في أن نتائــج عــام 2023 ومــا قبلــه تقودنــا إلى عــام جديـد أكـثر تباطؤاً، ومن ثم يصبـح التسـاؤل الأكثر أهمية هو كيفية إحداث تحوُّل في مسار النمو الاقتصادي العالمي ليكون مُستداماً.

 

ملامح تباطؤ الأداء:

وفقـاً لأحـدث تقريـر صـادر عـن “المنتدى الاقتصادي العالمـي“، يرى سـتة مـن بيـن كل عشـرة مـن كبـار الاقتصادين الذيـن شـاركوا في اسـتقصاء رأي للمنتـدى أن أداء الاقتصاد العالمـي جـاء هزيـلاً خـال عـام 2023، ويتوقعـون أن يصبـح أكـثر ضعفـاً خـال عـام 2024.

 

إرهاصات عام جديد:

يُعــد التنبــؤ بتباطــؤ الاقتصاد العالمـي خــلال عــام 2024 -نِتاجـــاً لعلاقـــات متشـــابكة شـــديدة التعقُّـــد بين عوامـــل جيوسياســـية، واقتصاديـــة، واجتماعية وبيئيـــة عـــدة، تتأثــر فيــما بينهــا وتؤثــر في مســاراته.

 

ويأتي في مقدمــة هــذه العوامـــل مـــا يـلــي:

  1. فــرص اقتصاديــة ســانحة: ثمـة مكاســب اقتصاديــة مُتوقعــة نتيجــة تعويــل النشــاط الاقتصادي بدرجــة أكبــر عـلـى الــذكاء الاصطناعي، في ظـــل تقديـــرات مؤسســـة ”ماكينـــزي“ بـــأن “الـــذكاء الاصطناعـــي التوليـــدي” يُمكـــن أن يضيف ما يُعــادل 2.6 إلى 4.4 تريليــون دولار أمريـكـي ســنوياً للاقتصاد العالمـــي.
  2. حـــروب اقتصاديـــة: مـــن المُرجح أن تتنامــى تدابــر الأمن الاقتصادي لمواجهة الصدمـــات المُحتملة في الســـوق العالمية بهـــدف خفـــض الاعتمـــاد عـلــى المُنافسين الجيوسـتــراتيجيين، وتعزيـــز القـــدرة التنافســـية للصناعـــة الوطنيـــة، ودعـــم الاستقرار السياسي والاجتماعي عـلــى المستوى المحـلــي.
  3. اضطـــراب سلاسل التوريـــد: تحمـــل بدايـــات عـــام 2024 عـــلى عاتقهـــا أزمـــات تنعكـــس حتمـــاً عـلــى تدفقـــات التجـــارة الخارجيـــة واضطـــراب سلاســـل التوريـــد، ومـــن ثـــم نمـو الاقتصاد العالمـــي.
  4. ضعـــف الاستقرار السياسي: ثمـــة تراجـــع في الحُكـــم الرشـــيد في مناطـــق هشـــة عـــدة عــلـى مســـتوى العـــالم، وتدهـــور شرعيـــة بعـــض الحكومـــات، وتـــآكل مصداقيـــة مؤسســـات النظـــام العالمــي.
  5. تـــأزم البيئـــة الجيوسياســـية: تعـــج الســـاحة الدوليـــة بأزمـــات متراكمـــة ومتزامنـــة تتعمـــق حدتهـــا بمـــرور الزمـــن؛ إذ يبـــدأ عـــام 2024 مثقـلاً بنحـــو 183 صراعـــاً شـــهدها العالم خلال عام 2023 وفقـــاً للمعهـــد الدولي للدراســـات الاستراتيجية، مـــا يُمثـــل أكــبـر عـــدد مـــن الصراعات المُسلحة خـــلال عـــام واحـــد منـــذ ثلاثـــين عامـــاً تقريبـــا.
  6.  كساد عاملي بيئي: تؤثر أحداث الطقس القاسي التي لا تتبعها هرولة للحد من مُسببات التغير المناخي خلال مدى زمني قصير، سلباً في أداء الاقتصاد العالمي.

 

يُمكــن القــول إن التطــورات الجيوسياســية والأمنية والسياســية أصبحت تطغـى عـلى المشهد الاقتصادي المُتأزم، بدرجـة أعلـى مـمـا كانــت عليــه خــلال عــام 2023. الأمر الــذي يزيــد مــن معدلات التضخــم وينعكــس عـلـى معدلات الفائــدة الراميــة إلى كبــح جماحــه. ذلك المزيج الذي يُقوِّض القدرات الاستهلاكية والاستثمارية والتكوين الرأسمالي، ويحد من آفاق نمو الاقتصاد العالمي. إذ إن الأمر سـيتطلب تضافـر مسـارات عـدة لترقيـة درجـة جاهزيـة النظـام الاقتصادي العالمـي لاسـتعادة عافيتـه، مـن بينهـا الآتي:

  • تعزيـز معدلات الإنتاجية
  • إعـلاء مبـدأ ”المقياس الواحـد لا يناسب الجميــع“
  • توطـيـن نهــج يُعلــي منطــق ”إدارة التحــول كل يــوم“

 

علـى الرغـم مـن أن مؤشرات الأداء ومرئيـات الخبـراء تنســج صــورة قاتمـة لعــام 2024 ومــا يليــه، فإنــه يتعـيـن علينــا اعتبـار ذلـك دافعـاً وجيهـاً لطـرح تساؤلات أفضـل مـن منظـور مستقبلي، لنتمكـن مـن صنـع حضـارة وازدهـار اقتصـادي قائـم عـلى كل مـا توصـل إليـه البـشر مـن علـوم وإنسـانيات.

 

______________________________________________________________________

 

(11)

صدمات الحرب: الاتجاهات المتباينة لاقتصادات الشرق الأوسط في 2024

د. مدحت نافع *

 

*مساعد وزير التموين والتجارة المصري سابقاً، والخبير الاقتصادي

في ظــل ضبابيــة المشهد الاقتصادي العالمــي، مــا تــزال منطقــة الشــرق الأوسط وشـمـال إفريقيــا تواجــه تحديــات اقتصاديــة واســعة النطــاق، بمـا في ذلــك التباطــؤ العالمــي، وارتفــاع أســعار الفائـدة، وتشـديد الأوضاع المالية والنقديـة، فضـلاً عـن التوترات الإقليمية والدوليــة التــي تُلقــي بظــلال كثيفــة علــى سلاسل التوريــد وحركــة التجــارة والســياحة وتدفقــات رؤوس الأموال.

 

وفي هــذا الإطار، يتنــاول هــذا التحليــل الاتجاهات المتوقعة لاقتصادات الشــرق الأوسط في عــام 2024.

 

 تباطؤ إقليمي:

توقــع صنــدوق النقــد الدولي، عشــية نشــوب الحــرب في غــزة، أن يتباطـأ النمـو الاقتصادي بشـكل ملحـوظ في منطقـة الـشرق الأوسط وشمـال إفريقيـا بنهايـة عـام 2023. وسـط انخفـاض إنتـاج النفـط في الـدول المُصدرة لــه، وتشــديد السياســات النقديــة والمالية في الأسواق الناشــئة والاقتصادات متوســطة الدخــل، والظــروف الاقتصادية الداخليـة السـائدة في عـدد مـن دول المنطقة.

 

كـما توقـع الصنـدوق أن تتحسـن الظـروف الاقتصادية نسـبياً في عـام 2024، ومـع ذلـك، مـا تـزال أزمـة الديـن العـام قائمة، ومـن المُتوقع أن يظـل النمـو متوسـط الأجل ضعيفاً، وعلـى الرغـم مـن تراجـع التضخـم عـلى نطـاق واسـع، فإنـه مـا يـزال مرتفعـاً في بعـض الاقتصادات، إذ يـؤدي ارتفـاع أسـعار المواد الغذائيـة إلى تفاقـم فـرص انعـدام الأمن الغذائي.

 

ومــن المُمكن أن يــؤدي المزيد مــن التدهــور في الظــروف المالية أو الاقتصادية العالمية والمحلية خــلال العــام الجديــد، إلى مزيـد مـن المعاناة في الاقتصادات التـي تعـاني مـن اختلالات هيكليــة كبـيـرة في الاقتصاد الــكلي.

 

استجابات متباينة:

إذ كان مصــدرو النفــط يســتفيدون مــن ارتفــاع أســعار الطاقــة نسبياً، فـإن الاقتصادات متوسـطة الدخـل تتأثـر بالقيـود الناجمة عــن عــدم الاستقرار المــالي. وتعــاني الــدول منخفضــة الدخــل مـن ارتفـاع أسـعار السـلع الأساسية والآثار المُستمرة لجائحـة” كورونــا“، فضــلاً عــن تداعيــات الحــرب في كل مــن أوكرانيــا وغـزة.

 

ويشـهد معـدل التضخـم تراجعـاً في منطقـة الشـرق الأوسط وشمـال إفريقيـا، باسـتثناءات محـدودة. ويــرى تقريــر حديــث لصنــدوق النقــد الدولي، صــدر في أكتوبـر الماضي، أنـه علـى الرغـم مـن انخفـاض التحديـات العالمية غيــر المواتية مقارنــةً بشــهر إبريــل 2023، فــإن التهديــدات المتعلقة بالمناخ تتزايــد، في حـيـن أن الانخفاض في التضخـم العالمي، مـن شـأنه أن يقلـل الضغـوط عـلى البنـوك المركزية فيـا يتعلـق بالمزيد مـن رفـع أسـعار الفائـدة.

 

ووفقــاً لصنــدوق النقــد الدولي، فــإن اســتعادة اســتقرار الأسعار، ومعالجــة انعــدام الأمن الغذائي، وتخفيــف أزمــة تكاليـف المعيشة، وحمايـة الفئـات الضعيفـة؛ تُعـد جميعـاً مـن أولويــات السياســات الاقتصادية في المنطقة خــلال عــام 2024.

 

وشـدد الصنـدوق عـلى أهميـة إعطـاء الأولوية لاستقرار الأسعار في السياسـة النقديـة.

 

تحدي التمويل:

تــؤدي الشــركات الصغـيـرة والمتوسطة دوراً مهـمـاً في اقتصــادات المنطقة، إذ يُعتمــد عليهــا بشــكل متزايــد في تحقيــق النمــو الاقتصادي واسـتيعاب العمالـة.

ومـا يـزال الوصـول إلى التمويـل أحـد أكـبر التحديـات التـي تواجـه تلـك الشـركات في المنطقة، إذ يفتقـر مـا يقـرب مـن %63 مـن الـشركات الصغـيرة والمتوسطة إلى الوصــول لــرأس المــال التجــاري.

وليــس مــن المُستغرب أن تتميــز الأعمال المصرفية في المنطقة بممارسات إقــراض متحفظــة، إذ يتــم تقليــل مخاطــر الائتمان إلى الحـد الأدنى، مـن خـلال فـرض متطلبـات ضمانـات عاليـة.

 

تقديرات البطالة:

تشــكل معالجــة العوائــق الهيكليــة طويلــة الأجل التــي تحــول دون خلـق فـرص العمـل علـى المستوى الإقليمي، تحديـاً كبـيراً، وتـزداد صعوبـة الأمر بسـبب العديـد مـن الاعتبارات السياسـية والاجتماعية والاقتصادية التــي تحــد مــن فعاليــة أي مســار عمــل منفــرد.

وفيــما يتعلــق بالتوظيــف الإجمالي في منطقــة الـشـرق الأوسط وشـمـال إفريقيــا، تســتحوذ الـشـركات الصغـيـرة والمتوسطة عـلى حصـة عاليـة مـن العمالـة في القطـاع الخـاص، ولاسـيما في الـدول التـي بهـا قطاعـات غيـر رسـمية كبيـرة، وتوفـر تلــك الـشـركات حوالي %40 مــن جميــع الوظائــف.

 

تأثيرات الحرب:

لا شـك أن إسرائيل وقطـاع غـزة والضفـة الغربيـة هـي الجبهـات الأكثر تـضـرراً مــن الحــرب الحاليــة، لكــن التأثــر الاقتصادي يمتــد إلى مــا هــو أبعــد مــن مناطــق القتــال. إذ تعــاني الــدول المجاورة، مثــل مـصـر والأردن ولبنــان، بالفعــل مــن أصــداء اقتصاديـة. فوسـط مخـاوف بشـأن خطـر التصعيـد، ألغـى عـدد مـن السائحين والمستثمرين زياراتهـم إلى المنطقة، مـا أدى إلى ضرب شريـان الحيـاة لهـذه الاقتصادات.

 

إن التفــاوت في الدخــل والـثـروة بــين دول مجلــس التعــاون الخليجـي مـن ناحيـة، وبعـض دول الجـوار مثـل: اليمـن، والـدول منخفضـة الدخـل مثـل: الأردن وسـوريا ولبنـان وتونـس والمغرب، التــي تكافــح مــن أجــل احتــواء الفقــر والبطالــة مــن ناحيــة أخــرى؛ يجعــل التوقعــات لعــام 2024 شــديدة التبايــن داخــل الإقليم. وإذا تسـببت الحـرب في غـزة والضفـة الغربيـة في إحداث اضطرابــات أكــر خطــورة في البحــر الأحمر، فــإن الــدول الأكثر ازدهـاراً في المنطقة ربما لـن تسـلم مـن التداعيـات السـلبية.

 

ويمكن للأزمات أيضــاً أن تكشــف عــن نقــاط الضعــف الأساسية، مــا يــؤدي إلى تفاقــم المخاطر الســلبية التــي تهــدد الآفاق المستقبلية. فقــد يــؤدي ارتفــاع هامــش المخاطرة إلى ارتفـاع تكاليـف الاقتـراض والتأمـين، وهـو مـا قـد يؤثـر سـلباً في الاقتصادات المُثقلة بالديــون.

 

______________________________________________________________________

 

(12)

أهم 10 اتجاهات تكنولوجية متوقعة في عام 2024

د. إيهاب خليفة*

 

*رئيس وحدة التطورات التكنولوجية – مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

تسيـر التطـورات التكنولوجيـة بخطـى سريعـة، تفتـح البـاب أمــام ظهــور تكنولوجيــات جديــدة واختفــاء غيرهــا بصــورة سريعــة، مــا قــد يســبب إربــاكاً في خطــط بعــض الـشـركات، ويمثـل فرصـة أيضـاً لشـركات أخـرى، الأمر يتوقـف علـى درجـة التوقــع والاستعداد لظهــور تقنيــات جديــدة والقــدرة عـلـى التكيــف معهــا.

 

لــذا يحــاول هــذا التحليــل إلقــاء الضــوء علــى أهــم التقنيــات التــي قــد تســيطر علــى المشهد العالمــي خــلال عـام 2024، والتـي تقودهـا بالطبـع تقنيـات الـذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيــا الفضــاء، والشرائح الذكيــة.

 

1- Networks Neural Artificial: نمــاذج لشــبكات عصبيــة تحــاكي الدمــاغ البشــري

الشــبكة العصبيــة أو العصبونيــة هــي طريقــة لمحاكاة الدمــاغ البشرية في نظـم الـذكاء الاصطناعي، إذ تتكـون مـن مجموعـة مــن العقــد أو العصبونــات المترابطة في شــبكة تشــبه الدمـاغ البـشري، تقـوم فيهـا عقـدة بحـل المشكلة وتقـوم الأخرى بالتأكــد مــن صحــة الحــل؛ أي إنهــا نــوع مــن عمليــات التعلــم الآلي تُســمى ”التعلــم العميــق“ ومــن المتوقع أن تتطــور هــذه النظــم خــال العــام المقبل.

 

2- AI Generative: مزيـد مـن القـدرات والتطبيقات والانتشار للـذكاء الاصطناعي التوليدي

الــذكاء الاصطناعي التوليــدي هــو فــرع مــن الــذكاء الاصطناعي يركــز عـلـى تصميــم الأنظمة والنـمـاذج القــادرة عـلـى إنشــاء محتــوى جديــد قــد يكــون نصوصــاً أو صــوراً أو موســيقى أو فيديوهـات. ومــن المتوقع أن تزيـد كفـاءة هـذه التطبيقـات خـال عـام 2024 مـع مزيــد مــن الانتشار.

 

3- TRiSM AI: ذكاء اصطناعــي يحتــرم القيــم الأخلاقية والخصوصيــة والعدالــة

وهــو عبــارة عــن إطــار أو منهجيــة تركــز عــلى ثلاثــة جوانــب في إدارة الــذكاء الاصطناعي، وهــي: إدارة الثقـة، وإدارة الخطـر، وإدارة الأمان في الـذكاء الاصطناعي.

 

4- AI Sentient: تزايـد قـدرات الوعـي والعاطفـة لـدى نظـم الـذكاء الاصطناعي

يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي الواعي إلى المفهوم النظــري لــذكاء اصطناعــي يمتـلك الوعــي أو الإدراك الذاتي مشــابهة لتلــك الموجودة في البشــر ومـع التطـور قـد تصـل البشريـة إلى هـذه المرحلة في المستقبل القريب.

 

5- Brains Integrated: زرع الشرائح الذكيــة في الأدمغة والأجساد البشرية

بعدمــا حصلــت شركــة ”نيورالينــك“ علــى الضــوء الأخـضـر لبـدء أول تجربـة إكلينيكيـة علل الإنسان لـزرع الشرائح التـي تطورهـا في الأدمغة البشرية، فـإن معنـى ذلـك أن الأعوام المقبلة سـوف تشـهد تجـارب سريرية للبـشر علـى هـذه التقنيـات.

 

6- Engineering Biomedical: تعديـل الجينـات البشرية مـن خـال الـذكاء الاصطناعي

أصبحــت الهندســة الحيويــة المدعومة بالــذكاء الاصطناعي مجالاً مهمــاً في التنبــؤ وعــلاج الكثــير مــن الأمراض، خاصةً في سياق تعديل الجينات البشرية.

 

-7 Tech Space: محاولات البشر للعودة من جديد إلى القمر

بهدف لإنشاء وجـود بشـري مســتدام هنــاك، مــن خــلال إقامــة قاعــدة تســمح بإجــراء البحــوث العلميــة بشــكل موســع واختبــار التكنولوجيــات الجديــدة التــي قــد تكــون مفيــدة لمهـمـات المستقبل إلى المريخ ومـا وراءه.

 

8 -Computing Quantum: قـدرات حوسـبية فائقة وتطبيقات جديدة

يمكــن أن تشــهد الحواســيب الكموميــة تطــورات مهمــة خــلال العــام المقبل.

 

9- Batteries Super: قدرات جديدة لتخزين الطاقة

في يوليـو 2023، أعلـن كيجـي كايتـا، رئيـس مركـز تويوتـا للبحث والتطويــر بشــؤون المحايدة الكربونيــة، التوصــل إلى أســاليب إنتـاج جديـدة لبطاريـات الحالـة الصلبـة القادرة عـلى توفـر مـدى سـر حتـى 1199 كـم بالشـحنة الواحـدة مـع الحاجــة لعــر دقائــق فقــط مــن أجــل ملئهــا بالكامــل. وقــد يفتـح ذلـك الآفاق لتحسـن أداء البطاريـات الصلبـة، بما يدعـم التنقــل الكهربائي وتسريــع تخزيــن الطاقــة لفــرات طويلــة.

 

10- Metaverse: تطويــر بيئـات افتراضية للتفاعــل الاجتماعي والترفيـه

مــن المتوقع أن تظهــر تطبيقــات عديــدة للميتافـيرس خـال السـنوات القليلـة المقبلة، مدعومـة في ذلـك بتقنيــات الــذكاء الاصطناعي.

 

لتحميل ملف توقعات 2024: الاتجاهات المستقبلية لـ12 قضية في العالم والشرق الأوسط

 

قد يهمك أيضاً

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments