سيناريوهات إسرائيلية للشرق الأوسط عام 2030 (الجزء الثاني) | أ. د. وليد عبد الحي

سيناريوهات إسرائيلية للشرق الأوسط عام 2030 (الجزء الثاني) | أ. د. وليد عبد الحي

2021-06-04 12:00 ص

سيناريوهات إسرائيلية للشرق الأوسط عام 2030

(الجزء الثاني)

 

استكمالا للسيناريو الأول الذي عرضناه في مقال سابق (قبل يومين) استنادا للدراسة الإسرائيلية حول مستقبل الشرق الأوسط عام 2030، نعرض هنا السيناريوهات الثلاثة الأخرى كما وردت في الدراسة:

 

السيناريو الثاني:

 

يقوم هذا السيناريو على أساس أن واشنطن ستقلص بشكل “طفيف” وجودها العسكري في المنطقة مع استمرار الاحتفاظ بقوات كبيرة في الخليج، وبدرجة أقل في العراق وسوريا. في موازاة ذلك، تشجع الولايات المتحدة الجهات الإقليمية الفاعلة على حل تحدياتها الأمنية بنفسها وليس اعتمادا على الوجود الامريكي، الأمر الذي سيدفع دول المنطقة إلى زيادة شراء الأسلحة من الولايات المتحدة.

 

وتتمثل الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط حتى عام 2030 في:

 

أ‌- منع ظهور فراغ قوى كبرى تملؤه روسيا أو الصين.

 

ب‌- التأكد من أن المشكلات الإقليمية لا “تنتشر” إلى مناطق أخرى.

 

ت‌- استمرار الضغط على دول المنطقة لإظهار التقدم نحو التحول الديمقراطي.

 

يترافق مع هذا أن التعافي الاقتصادي العالمي سيتباطأ بسبب النكسات في إنهاء الأزمة الصحية لـCOVID-19. ويبدأ فقط في التعافي ببطء في أوائل عام 2023، ومن المتوقع أن تظل أسعار الطاقة أقل من مستويات عام 2019 في المستقبل المنظور، مما سيقود إلى استمرار تراجع عائدات الطاقة لدول الخليج الأمر الذي سيجعلها تقلص دعمها الاقتصادي للدول العربية الأفقر، ولا سيما مصر التي سيتم فيها إلغاء العديد من المشاريع الطموحة للرئيس السيسي، كما سيتآكل ارتباط مصر بالأعضاء الآخرين في الرباعية العربية (السعودية والإمارات والبحرين). وسيتركز الاضطراب الناتج عن تراجع عائدات النفط في مصر والعراق والجزائر.

 

لمواجهة هذا الوضع ستتدخل الصين وروسيا لزيادة دعمهما لمصر بطرق مختلفة مثل: توفير لقاحات COVID-19 مجانًا أو بشروط مواتية، والحلول محل الإمارات العربية المتحدة بصفتها الممول الأساسي لمشاريع البنية التحتية، وستعمل روسيا والصين على مساعدة الرئيس السيسي على تعزيز قدراته في مجال القمع الرقمي، كما ستتعاون روسيا، من خلال أجهزتها الأمنية والمتعاقدين العسكريين مع مصر في ليبيا، وستكمل بناء قواعد بحرية وجوية في السودان وتزيد تدريجياً من أسطولها الدائم في البحر الأحمر. أما الدور الصيني أمنيا فسيظهر عبر اتفاقية مع المشير خليفة حفتر لتشغيل ميناء بنغازي.

 

وسترد واشنطن على هذه التوجهات من خلال:

 

أ‌- تقليص التعاون الأمني وتجميد المساعدات العسكرية لمصر، لكنها ستتجنب حدوث قطيعة حادة في العلاقات مع مصر نظرًا لأهميتها الاستراتيجية.

 

ب‌- سيدفع النفوذ الروسي والصيني المتزايد في مصر إلى تنسيق محدود بين إسرائيل وكل من موسكو وبكين في بعض المجالات مثل القضايا الرئيسية للأمن القومي في غزة والبحر الأحمر.

 

تؤدي الضائقة الاقتصادية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط إلى اضطرابات عامة وقمع عنيف لأصوات المعارضة في جميع أنحاء المنطقة، حيث ستعمل هذه الدول على تخفيضات في الميزانيات في وقت ستفشل فيه في ضبط تزايد عدد السكان. كما ستواجه القاهرة ندرة مائية متصاعدة، ونتيجة لذلك يحدث نقص في الغذاء في مصر، كما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية في البلدان المجاورة، وستنتشر الجماعات الإسلامية الراديكالية في جميع أنحاء المنطقة، مستغلة الصراعات التي طال أمدها في ليبيا واليمن وسوريا والعراق. ويتحول لبنان إلى حرب أهلية متجددة تفاقمها التدخلات الخارجية، وحينها سينشغل حزب الله مؤقتاً عن إسرائيل لكنه سيحتفظ بقدراته الصاروخية كقوة ردع لإسرائيل.

 

ويفترض السيناريو أن إيران ستجمد نشاطها النووي في ظل تصاعد التوتر على أسس مذهبية في المنطقة.

 

وستمارس أمريكا ضغوطا على إسرائيل لتقديم تنازلات في مجال التسوية مع الفلسطينيين، لكن المواجهات المتقطعة بين حماس وإسرائيل ستستمر دون حدوث تغيرات كبيرة، وتفترض الدراسة أن إسرائيل ستعود للسيطرة على غزة ثم ستسلمها للسلطة الفلسطينية لكن حماس ستعود من جديد لوضعها خلال شهور.

 

ويشير السيناريو إلى استمرار تراجع التأييد لإسرائيل في الوسط الديمقراطي وبعض الجمهوريين، وسيكون سبب هذا التراجع هو لدفع إسرائيل لتقليص علاقاتها مع كل من روسيا والصين وهو ما سيؤثر على القدرات الإسرائيلية لا سيما في عملياتها في سوريا.

 

هذا السيناريو يكشف عن أن التنافس بين القوى الكبرى سيخلق عددا من المشاكل الأمنية لإسرائيل.

 

السيناريو الثالث:

 

يفترض هذا السيناريو ما يلي:

 

أ‌- التخلص من الكورونا.

 

ب‌- استمرار تقليص الولايات المتحدة التزاماتها الخارجية بخاصة في الشرق الأوسط.

 

ت‌- استمرار السعر المنخفض للبترول.

 

ث‌- تغير النظام في إيران بنظام علماني، مما سيجعل الولايات المتحدة تواصل التخلي التدريجي عن الشرق الأوسط. لكن النظام العلماني الجديد في إيران سينخرط في نفس الطموحات الإيرانية القديمة، وهو ما يعيد النزعة القومية العربية للظهور، وسيتم التقارب السعودي المصري السوري لمواجهة سياسات النظام الإيراني الجديد، وستشارك تركيا في هذه المواجهة من خلال تحويل المياه من نهر أراس (Aras) مما يضعف توفر الماء في محافظات إيران الشرقية، وسترد إيران بالعودة لسياسات مساندة النزعة الانفصالية للأكراد في المنطقة.

 

وستزيد روسيا من نفوذها في إيران (مع النظام الجديد) بخاصة لبناء كارتل للغاز يضمها مع إيران وقطر وتركمانستان، وهو ما يخلق توترا مع كل من الصين (بسبب ارتفاع أسعار الغاز) ومع تركيا بسبب التوجه الروسي لنقل الغاز بعيدا عن تركيا.

 

ويفترض هذا السيناريو نشوب حرب بين كتلة تضم مصر والسودان وإريتريا ضد اثيوبيا، ولكن بعد عدة شهور تتمكن روسيا والصين والاتحاد الإفريقي من الوصول لوقف الحرب، وقد تكون هذه الحرب في الفترة بين 2021 و2025، وفي الفترة بعد 2025 ستتزايد النزاعات المذهبية في العراق وستمتد إلى بقية الدول الخليجية وتزداد الهجمات على المرافق البترولية بخاصة.

 

ويفترض السيناريو أن تتمكن مصر من إنتاج القنبلة الذرية بتمويل سعودي عام 2027 بينما إيران ستمتلك القنبلة النووية عام 2028 (ستشتريها من كوريا الشمالية) وفي عام 2029 ستتعاون باكستان النووية مع تركيا.

 

أما في البعد الدولي للشرق الأوسط فيفترض هذا السيناريو أن التنافس الصيني الروسي في المنطقة هو الأبرز في الشرق الأوسط مع عام 2030.

 

السيناريو الرابع:

 

يبدأ هذا السيناريو من افتراض استمرار أزمات المنطقة مما يجعل الدول الكبرى أقل عناية بالشرق الأوسط، وهو ما يتيح للقوى الإسلامية الأكثر تطرفا للظهور مرة أخرى، وستحدث كوارث بيئية بخاصة في مصر ستدفع الرئيس السيسي لترك السلطة مما سيفتح مجالا لاضطرابات واسعة في مصر، وستجد مصر نفسها مضطرة مرة أخرى للتقارب مع دول الخليج وبشكل أكبر مع إسرائيل، وهو ما يمنح إسرائيل فرصة لضرب حزب الله والمنشآت النووية الإيرانية بخاصة في ثلاثة مواقع حساسة في كل من ناتنز وأصفهان وفورداو، لكن الرد على الهجوم سيقود إلى دمار كبير في البنية التحتية الإسرائيلية.

 

ويضع السيناريو احتمال نشوب حرب أهلية في العراق من جديد وتدخل إيران في مجرياتها.

 

كما يضع السيناريو احتمال تغير النظام في الأردن وتولي قوى إسلامية الحكم مما سيقود إلى قيام إسرائيل ببناء جدار أو سياج على حدودها الشرقية، ومع تطور الحركة الإسلامية ستقوم إسرائيل بحل السلطة الفلسطينية.

 

يقوم هذا السيناريو في مضمونه الجوهري على فرضية حدوث غياب التنافس بين القوى الدولية في الشرق الأوسط الذي يمنح إسرائيل فرصا لتكييف المنطقة لصالحها في ظل الاضطرابات في المنطقة.

 

القواسم المشتركة في السيناريوهات الأربعة: تقوم رؤية هذه الدراسة على أسس مركزية هي:

 

أولا: أن انخراط الولايات المتحدة في المنطقة أو تراجعها عن هذا الانخراط سيقودان إلى نفس النتيجة وهي عدم استقرار المنطقة.

 

ثانيا: أن اتساع الانخراط الروسي الصيني في المنطقة سيقود تدريجيا إلى احتمال التنافس الروسي الصيني.

 

ثالثا: إن استمرار التقارب العربي الإسرائيلي ليس مضمونا تواصله.

 

رابعا: تغير النظام في إيران قد لا يضمن التخلي عن الطموح النووي.

 

خامسا: منع أي دولة شرق أوسطية من امتلاك السلاح النووي أمر جذري وحاسم في الاستراتيجية الإسرائيلية.

 

سادسا: المزيد من التدهور الاقتصادي في المنطقة يعطي إسرائيل المزيد من الفرص لاختراقها وتشكيلها لهذه المنطقة.

 

وتشير الدراسة في خاتمتها إلى أن تفاعل إسرائيل مع كل سيناريو من السيناريوهات الأربعة مرتبط بطبيعة التغيرات في البنية الإسرائيلية الداخلية، وهو أمر لم تتناوله الدراسة.

 

ما جدوى هذه الدراسة:

 

أعتقد أن المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي (وصانع القرار الإسرائيلي) سيعمل على ما يلي:

 

1- تحديد ما هي النقاط التي في “صالح إسرائيل” في كل سيناريو من السيناريوهات، ثم تشكيل لجنة من الخبراء في كل نقطة للبحث في آليات تعزيز هذه النقطة لزيادة احتمال حدوثها.

 

2- تحديد النقاط التي هي في “غير صالح إسرائيل” في كل سيناريو من السيناريوهات الأربعة ثم تشكيل لجنة من الخبراء للبحث في آليات إضعاف أو منع احتمالات حدوث هذه النقاط…

 

هل سنفكر بنفس الطريقة؟ الجواب لكم.

 

المصدر (21 أبريل 2021)

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments