سيناريو افتراضي للمسجد الأقصى | أ. د. وليد عبد الحي

سيناريو افتراضي للمسجد الأقصى | أ. د. وليد عبد الحي

2023-08-24 7:21 م

سيناريو افتراضي للمسجد الأقصى | أ. د. وليد عبد الحي

 

من بين تقنيات الدراسات المستقبلية تقنيةالمحاكاة” (Simulation)، وهي تقوم على أساس أن يجلس الباحث في كرسي الطرف الآخر، وبعد دراسة للظروف الشخصية لممثل أو ممثلي الطرف الآخر، ودراسة البيئة المحلية والإقليمية والدولية المحيطة، يبدأ “المحاكي أو المحاكون” بتقمص شخصية صانع القرار أو تقمص شخصية عدة أشخاص، إذا كانت المحاكاة لهيئة مثل البرلمان أو مجلس وزراء، ويتم تدريب كل “محاكي” على تقمص شخصية نظيره في الواقع الفعلي بعد التزود بكل البيانات النفسية والاجتماعية والبيئة العامة والخاصة للشخصية الأصلية كما أسلفت، ولعل كتاب مايلز كوبلاند “لعبة الأمم” الصادر عام 1969 نموذجا أوليا لمثل هذه التقنية، لكن الدراسات المستقبلية طورت هذه التقنية بالمزيد من الأشكال والمنهجيات. وللاستزادة حول هذه التقنية يمكن العودة (للعدد 81 من مجلة Futures عام 2016) أو إلى: (Journal of Political Science Education العدد أكتوبر 2015) أو مجلة (European Political Science) العدد 19 عام 2020….إلخ.

 

بناء على ذلك سأبني صورة مستقبلية للأقصى من خلال التفكير متقمصاً شخصية عضو في هيئة إسرائيلية تعالج موضوع المسجد الأقصى… أي أنني سأتقمص شخصية “يهودي يفكر” ضمن اجتماع إسرائيلي، وأفكر طبقاً لفهمي للشخصية اليهودية والمجتمع الإسرائيلي:

 

بدأ الاجتماع لعدد من المخططين الإسرائيليين من مجلس الأمن القومي، وعلى جدول الأعمال نقطة محددة هي “التخلص من المسجد الأقصى“.

 

العضو الأول:

أقترح أن نفتعل حدثاً دراماتيكياً يستفز المقاومة في غزة (اغتيال شخصية من قادة الإرهابيين الفلسطينيين، أو ضرب منشأة مدنية توقع خسائر كافية في الفلسطينيين.. أو تفجير قنبلة بين المصلين في مسجد من المساجد… إلخ، وهذه العمليات قد تدفع لرد فعل من التنظيمات الفلسطينية في غزة، وسترد إسرائيل على رد الفعل الفلسطيني، وتتصاعد الاشتباكات وتبدأ الصواريخ الفلسطينية تتساقط على المدن الإسرائيلية كما هي العادة، وهنا وبعد أن نكون قد زرعنا في داخل المسجد الأقصى أو أسفله عبوات ناسفة، نقوم بتفجيرها مع الادعاء أن صاروخا فلسطينيا سقط على الأقصى بالخطأ ودمر أجزاءه الرئيسية، وأن فرق الإطفاء الإسرائيلية تعمل على إطفاء الحريق الهائل، مع منع التجول في منطقة الأقصى بحجة الظروف الأمنية وعدم إعاقة حركة رجال الإطفاء والإسعاف.

 

ليس مهما ما سيقوله الفلسطينيون والعرب والمسلمين من إدانات، ولكننا سنعلن عن وضع خطة لإعادة الترميم، ونبدأ في تشكيل لجنة، وكل لجنة تلد لجنة أخرى، ونعمل على إدخال عملية الترميم في متاهات بيروقراطية (هل المسؤول عن الترميم وزارة السياحة أم الأشغال أم بلدية أورشاليم..) ومتاهات سياسية بافتعال مشاكل مع لبنان أو سوريا لوضع موضوع الأقصى بعد شهر أو شهرين خارج الأضواء للتفرغ للحدث الجديد كما هي العادة. ويجب مساندة الخطة الإسرائيلية بحملات إعلامية تؤثر على الصورة العامة للحدث.

 

العضو الثاني:

أرى أن نتوسع في عدد الأنفاق المحفورة تحت الأقصى، فإلى جانب الأنفاق التي تم حفرها منذ إعادة السيطرة على القدس وعددها 12 نفقاً، ومنها قناة مياه، وبعض الأنفاق يقارب طوله نصف كيلو، وكلها أنفاق تطوق الأقصى من كل الجهات تقريباً.

 

هذه الأنفاق يجب الاستمرار فيها للبحث عن الآثار والبحث عن الهيكل، وحيث أن المنطقة تتعرض بين الحين والآخر لزلازل، فإن أي زلزال يمكن التذرع به عند حدوثة بأن الأقصى تهدم بفعل الزلزال بعد أن تكون الأنفاق جعلته مبنياً على قاعدة هشة تماماً إلى الحد الذي يجعله ينهار بفعل زلزال لا يزيد من 2 درجة على مقياس ريختر.

 

بعد الانهيار، نرسل مندوباً من إسرائيل إلى المغرب بصفتها رئيس لجنة القدس العربية، ونلتقى مع ملك المغرب للبحث في كيفية إعادة البناء، ثم نعود لإدخال الاجتماعات في المتاهات ذاتها التي أشار لها الزميل الذي تحدث قبلي، ويمكن أن تعلن إسرائيل عن تخصيص مبلغ لهذا الغرض، ولكن تتم مواراة هذا الخبر تدريجياً، مع انتظار حدث دولي كبير (حرب أمريكية صينية على تايوان، مواجهات أمريكية مع كوريا الشمالية، تطورات مثيرة في الحرب الروسية الأوكرانية، أحداث مفاجئة في الخليج أو إيران. أو جائحة على غرار الكورونا، ويتم خلال ذلك إسدال الستار على انهيار الأقصى كما أسدل الستار على حرقه عام 1968 والذي كان لاحقاً أحد أسباب إنشاء الدول العربية للجنة القدس عام 1975 التي أصبح رئيسها من أقرب القادة العرب في مواقفه مع إسرائيل.

 

رئيس الجلسة:

أعتقد أن ردة الفعل العريية والإسلامية على أي من الخطتين هي المظاهرات، وبيانات الشجب والإدانة، والدعوة لمجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة للانعقاد، وقد يتم فتح صندوق لإعادة الإعمار ، وهنا علينا أن ندخل المسألة ضمن حق إسرائيل في الرقابة على هذه الأموال، وعرقلتها من خلال ما ذكره العضوان من متاهات بيروقراطية أو سياسية أو غير ذلك عبر الأنباء المتضاربة والتضليل في وسائل الإعلام، وإدخال الموضوع ضمن الصراعات بين الفلسطينيين حول من سيتولى الإعمار، وشروط إسرائيل بأن الأمر مرتبط بعاصمتنا ولا يجوز لأحد العمل دون تصريح إسرائيلي، وسيتوارى موضوع الأقصى تدريجياً كما توارى غيره من الموضوعات.

 

رئيس اللجنة: هل هناك أية إضافات؟ إذاً التصويت، تمت الموافقة على الخطة الثانية مع دعوة الزميل- العضو الأول- إلى بعض الإضافات لخطته….. شكراً لكم..

 

 

أ. د. وليد عبد الحي*

* أ. د. وليد عبد الحي أستاذ في قسم العلوم السياسية وباحث في المستقبليات والاستشراف.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments