عالمنا عام 2023 وما بعده | د. فايز الشهري

عالمنا عام 2023 وما بعده | د. فايز الشهري

2022-10-17 10:54 م

عالمنا عام 2023 وما بعده | د. فايز الشهري

 

لم يكن الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 إلا مؤشرا لبداية حقبة جديدة لعالم جديد تتشكّل ملامحه لمرحلة ما بعد القطب الواحد، وما قيام الصين بمضاعفة الحركة السياسيّة والعسكريّة وبناء جزر اصطناعيّة في بحر الصين الجنوبي (يمر من خلاله نحو ثلث التجارة العالميّة) سوى مقدّمة لما سيحدثه التغيير القادم في مجال صعود وهبوط مراتب إمكانات وقدرات الدول الاقتصاديّة والعسكريّة وتأثيراتها في مجريات السياسة العالميّة وموازين القوى قبل حلول العام 2030.

 

على المستوى الاقتصادي رأينا كيف تقوم البنوك المركزيّة في جميع أنحاء العالم برفع أسعار الفائدة في وقت واحد تقريبا في محاولة للحد من التضخم المتفاقم، وإبطاء حركة اتجاه الأسواق الكبرى نحو ركود عالمي متوقع في العام 2023. وبطبيعة الحال جزء من هذا الجهد يسعى لاستباق وتقليل الأضرار التي قد تحدث جراء الأزمات الماليّة المتوقعة في حركة الاقتصاد العالمي، واهتزاز الأسواق الناشئة، والاقتصادات النامية وفقًا لتقرير حديث “سبتمبر 2022” أصدره البنك الدولي (?Is a Global Recession Imminent).

 

على المستوى السياسي بدأت تتّضح معالم انقسام الديمقراطيّات الكبرى في الغرب بين تيّارين رئيسين أحدهما، شعبوي (يساري عدمي ربما) لا يقيم للقيم والاعتبارات الاقتصاديّة والحدود الثقافيّة وزناً، وثانيهما تيار شوفيني وطني (يميني عنصري غالبا)، وهذا الانقسام سيكون له أثره العميق على حملات وبرامج تعميم ثقافات ونماذج حياة وحكم ستعيد تشكيل المشهد العالمي للثقافة الشعبية، والإعلام والعلاقات الدوليّة بين الفوضى (باسم الحريّة) أو الانغلاق (باسم الهويّة) بحسب قوة ونشاط كل تيّار وحدود اتساعه.

 

وقد عمل مجلس الاستخبارات القومي الأميركي (NIC) منفردا وبالشراكة مع معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنيّة (EUISS) عددا من الدارسات التي ركّزت على تقييم مستقبل الدول والمجتمعات في ظل النظام الدولي، وتصدّى مجلس NIC الأميركي منذ منتصف التسعينيات لرصد هذه التطورات وتوقعات مآلاتها ونشر أواخر العام 2008 تقرير “Global Trends 2025: A Transformed World”، ويكشف هذا التقرير عن تغيير كبير قادم ينتظر العالم، مع اتساع الفجوة بين الفوضى المتزايدة في العالم، وضعف آليات الضبط مستوى النظام الدولي، كما أصدر معهد EUISS الأوروبي أول تقرير على مستوى الاتحاد حول العوامل التي تؤثر على تطور النظام الدولي بعنوان: The New Global Puzzle في العام 2006، وأكد التقرير أن نظاما متعدّد الأقطاب آخذ في الظهور وأن مواءمة توزيع السلطة (العالميّة) مع القواعد والمؤسسات الجديدة سيكون أمرًا بالغ الأهميّة للحفاظ على السلام والاستقرار الدوليين.

 

وبحسب خبراء، فإن قدرة الولايات المتحدة على قيادة وتوجيه السياسة العالميّة تتضاءل تدريجيا، ومما سيزيد من ذلك تفاقم حدّة الانقسامات السياسيّة الحزبيّة، واتساع الشروخ في العلاقات الثقافيّة والعرقيّة بين مكونات مهمة في المجتمع الأميركي، وبطبيعة الحال سيكون للاقتصاد المترنح في السنوات القادمة دوره في انشغال وإشغال دوائر القرار في واشنطن بشؤونها. أما الاتحاد الأوروبي فيبدو عجزه عن إدارة شؤونه واضحا، ولعلّ هذا أحد أسباب “فرار” البريطانيين من الاتحاد، زاد من ذلك الضعف تبعيّة الاتحاد الأوروبي غير المشروطة للولايات المتحدة، هذه التبعيّة المكلفة ستكون تكلفتها أعلى في المستقبل القريب سواء في النتائج المريرة بسبب تضحيته بمصالحه للنيل من روسيا، أو دفعه للمزيد من التضحية لمواجهة قادمة مع الصين، وفي كلتا الحالتين وكما علّمنا التاريخ فإن أوروبا ستخسر رهاناتها، ولن تستفيد الولايات المتحدة سوى دغدغة الأمل في تأخير ما لا يمكن تأخيره.

 

د. فايز الشهري*

 

    *كاتب وباحث في قضايا الإعلام والسياسة الدولية ومتخصص في الإعلام الجديد

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments