ألكسندر دوغين: المستقبل في الماضي | أ. د. وليد عبد الحي

ألكسندر دوغين: المستقبل في الماضي | أ. د. وليد عبد الحي

2019-10-25 3:00 ص

ألكسندر دوغين: المستقبل في الماضي | أ. د. وليد عبد الحي

 

مع أنني لا أتفق مع وجهة نظر الفيلسوف الروسي المعاصر والجالس بجوار “بوتين” أو خلف قراراته، إلإ أنني أرى أن تصوراته المستقبلية تستحق التأمل العميق (رغم أنها لا تتفق مع وجهة نظري قيد أنملة)، ففي نظريته السياسية “الرابعة” يرى دوغين ما يلي:

 

أن المستقبل “للمقدس لا للمستباح، للمطلق لا للنسبي، لهايدغر لا لديكارت.. للتقاليد لا للحداثة، إنه لعودة العصور الوسطى .. إنه لعودة الأزمنة الكبرى الجادة.. فالحداثة أفقها العدم.. وهذه هي المشكلة الأعمق المتوارية خلف كل السياسات الدولية التي تنسجها العولمة الليبرالية المعاصرة”… هذه زبدة رأيه.

 

من الواضح أن تراث الفيلسوف الروسي “نيكولاي برديائيف”، بخاصة كتاباته “فلسفة اللامساواة”، و”معنى التاريخ”، وكتاب “روح ديستوفسكي”، يُطِلُ من بين سطور النظرية السياسية الرابعة لدوغين، مع ملاحظة أن بوتين طلب في عام 2014 من كبار موظفي الدولة الروسية قراءة كتاب برديائيف “فلسفة اللامساوة” الذي كان سببا في طرد الشيوعيين لذلك الفيلسوف من الاتحاد السوفييتي في بداياته، وهو أمر يستحق التأمل العميق لفهم كل من بوتين ودوغين.

 

يقف دوغين ضد النظريات الكبرى الثلاث، وهي الفاشية والماركسية والليبرالية، لأنها في رأيه تجسيد للحداثة التي يرفضها جملة وتفصيلا. فالنظرية الأولى (الفاشية أجبرت المكونات الاجتماعية بطريقة قسرية على الانضواء في مشروع عنصري). والثانية (الماركسية فإنها ديماغوجية وتفتقد الرؤية المستقبلية وعادت تدور في نطاق التكيف مع مقولات الليبرالية مثل الحرية والديمقراطية.. الخ). أما الثالثة (الليبرالية فحولت الفرد تحت شعار الحرية إلى عبد للسوق وللسلعة). وهو يرى في التقاليد “الدين والعائلة والتراث والتنوع العرقي..الخ” الأساس الذي يجب العمل على العودة له لبناء نظرية سياسية جديدة…

 

فما هي أسس هذه النظرية الجديدة التي يقترحها دوغين؟

 

تقوم نظريته السياسية الرابعة على مجموعة أفكار محددة هي:

 

1- الاعتراف بقيم المجتمعات الأخرى بعيدا عن المركزية القيمية الغربية

 

2- القبول بنظام دولي تعددي وأخلاقي

 

3- تجسيد السيادة الجيوسياسية للقوى الأوراسية (روسيا والصين وإيران والهند) ضد القوى الأطلسية.

 

4- العمل على تعزيز ماضي الشعوب وكبح الحداثة وإعادة الفرد المستلب إلى الجماعة وإلى “الروح” أي الله.

 

5- تصنيف النزعة الإمبراطورية المعاصرة إلى صنفين، هما الإمبراطورية السلبية وتجسدها الطموحات الأمريكية ممثلة في العولمة وميثاقها الرأسمالي، والنزعة الإمبراطورية الإسلامية وتمثلها الحركات “الإرهابية الدينية”، ونزعة إمبراطورية أوروبية لكنها نزعة مترددة وتفتقد لمنظور إقليمي واضح… أما النوع الثاني فهو الإمبراطورية الإيجابية التي يدعو لها دوغين وتقوم على الأسس الأربعة سابقة الذكر وتتجسد في “ألأوراسية”.

 

في تقديري أن مشكلة دوغين هي في الخلط بين مسألتين هما: رومانسية النزعة الإنسانية التاريخية بدءا من لحظة الوجود من ناحية، وبين ما ينتج في الواقع عن تفاعل الميتافيزيقيا مع الفيزيقيا ومع ما تفرضانه على النزعة الإنسانية من قيود من ناحية أخرى. فالحداثة هي مرحلة في مدرسة الحياة لفك طلاسم التفاعل السابق، فهي منهج وليست “آيديولوجيا”، فالنظريات الثلاث التي عرضها دوغين حولت الحداثة لآيديولوجيا ووظفتها سياسيا، بينما هي منهج يحاول أن يصل للنزعة الإنسانية التي تراوده منذ الأزل لكنه كثيرا ما تاه في الطريق عن غير قصد ولكن بحكم بنية النفس البشرية، وهذا التوهان ظنه دوغين “المنهج” بينما أراه أنا “آيديولوجيا”… فالإنسان في مرحلة معينة كان عبدا يباع ويُشترى، وكان جزءا من التقاليد المقبولة من البائع والمشتري، فمن حول هذا التقليد إلى “جريمة”؟ إنه المنهج عندما يعود للجادة الصحيحة…….ربما.

 

أ. د. وليد عبد الحي

 

المصدر (3 مايو 2019)

 

 

5 1 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments