رسالة ماجستير: استشراف المستقبل في القرآن والسنة

رسالة ماجستير: استشراف المستقبل في القرآن والسنة

2019-08-09 3:53 م
رسالة ماجستير: استشراف المستقبل في القرآن والسنة

 

المؤلف الرئيسي: فهمي إسلام جيوانتو
التاريخ الميلادي: 2004
موقع: صنعاء
نوع المحتوى: رسائل جامعية
اللغة: العربية
الدرجة العلمية رسالة ماجستير
الجامعة جامعة الإيمان
الكلية الشريعة والقانون
الدولة اليمن
المصدر: غير محدد
الحالة تمت المناقشة
قواعد المعلومات: Thesis

 

الحمد لله القائل : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ)(1) والقائل : (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(2)، ثم الصلاة والسلام على معلِّم الناس الخير علم الهدى ومصباح الدجى القائل بلسان الحكمة:

 

(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ).(3) والقائل: (اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك غناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك) .(4) صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين ومن سار على دربه إلى يوم الدين.

 

وبعد : فإن مسألة المستقبل قضية يشارك فيها كل إنسان ، فالحياة بمعيار الزمن تتقدم إلى الأمام دائما ، والعبرة في سعادة الإنسان هي ما تؤول إليه حياته في نهاية المطاف وما تكون عليه الخواتيم ، والإنسان في عراك دائم مع الزمان وفي سباق مستمر مع الوقت ، له عمر معدود، وأجل محدود ، وعلى عنقه التكليف معقود.

 

ولكن مع خطورة هذه القضية وحتمية مقتضياتها وصرامة مستلزماتها فإن الكثرة الساحقة من بني البشر لم يولوا لهذه القضية اهتماما تستحقه، يضيعون أوقاتهم، ولا يرون بذلك بأسا، لا يصيبون للحياة معنى، ولا يشعرون أنهم يفقدون شيئا.

 

بل وأشد من ذلك أنهم يسيئون إلى أنفسهم ويخسرون حياتهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، تصورات مغلوطة في أذهان تنحرف … ومفاهيم مخلوطة في سيل الشبهات تنجرف … وجهود حابطة عن النفع تنصرف.

 

إن كثيرا من الإشكالات التي تعتري حياة الإنسان إنما تنشأ من عدم الوعي الصحيح للقضايا المستقبلية، والأكثر منه ينتج من التعامل الخاطئ مع الوقت مما لا يتوافق مع طبيعته.

 

الذين لا يعرفون معنى للحياة والغرض منها، سيعبثون – ولا بد – بحياتهم، والذين لا يرون أن للحياة أجلا محدودا لن يحسبوا له حسابا ولا يعدون لما بعد الموت عدة، والذين لا يعتقدون أن أقدارا محتومة تحكم الكون سيكدون ويكدحون في أشياء لا طائل تحتها ويصرفون – في مقابل ذلك – جهودهم عن أشياء يجب عليهم أن يفعلوها، كما أن الذين يستسلمون للأقدار ويظنون أن الإنسان مجبور تحت وطأة الأقدار الصارمة الظالمة سيقتلون حريتهم ويميتون عقولهم ويغالطون أنفسهم .

 

ثم إن طرح هذه الرسالة إنما هو إفراز من الإفرازات التي تنتجها ثقافة العصر التي تتطلب وعيا صحيحا لما جرى وما سيجري ولماذا وكيف تجرى الحياة الإنسانية. إنها قضية قديمة وحديثة في نفس الوقت. قديمة لأنها تتعلق بالزمان وطبيعته التي لا تختلف ولا تتغير في وقت من الأوقات. حديثة لأن تطلعات الإنسان تتجدد من جهة. ومن جهة أخرى فإن التنبؤ بالمستقبل القريب والبعيد أصبح اليوم همًّا من الهموم التي تشكل فنا من الفنون وعلما من العلوم المستقلة التي لها شأن عظيم وتأثير كبير في سياسة الدول والجماعات كما أنها محط اهتمام الأفراد والشخصيات .

 

ومع قرب قيام الساعة صار هذا الموضوع حديث الناس شرقا وغربا واعتنى به الناس على اختلاف دياناتهم …

 

غير أن هذا الموضوع العظيم على أهميته لم يكن على مستوى من البلورة والوضوح والمنهجية بحيث يوضع في نسق منتظم سهل التصور وقريب التناول حتى يعظم به الانتفاع ويسهل به الاهتداء. وهذه الرسالة محاولة متواضعة لدفع هذا الموضوع إلى إطار التأصيل الشرعي والبلورة المنهجية. وأسأل الله جل شأنه أن يوفِّقني لفتح هذا الباب وإتمام سلوك هذا الطريق .

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

شكر وتقدير:

 

وأخيرا أتوجه بالشكر إلى كل من ساهم وساعد في إتمام هذا البحث، بداية من رئيس جامعة الإيمان فضيلة الوالد الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني حفظه الله ورعاه الذي بذل جهدا جبارا وقدم عطاء مشكورا وتحمل ما تحمل وعانى ما عانى في سبيل بناء هذا الصرح العلمي الفريد الذي استفدت منه وفيه فوائد جمة طال ذكرها وصعب حصرها. ثم أخص بالذكر الأستاذ الكريم الدكتور حيدر الصافح الذي لم يأل جهدا في الإشراف على هذا البحث وقدم إرشادات وفوائد نافعة لإخراج هذه الرسالة على الوجه المطلوب، لقد وجدته شيخا ناصحا وأبا شفوقا ومفيدا كريما، فجزاه الله خير الجزاء، ثم كل أستاذتي وإخواني الطلاب الذين ساعدوني وأيدوني وشجعوني وأفادوني بفكرة أو مادة أو إعارة كتاب وسائر أنواع الإفادات، فلم يتم هذا البحث في هذا الوقت الوجيز إلا في ظل هذا الجو الإيماني والعلمي الطيب المليء بروح الأخوة والنصح فجازاهم الله خيرا. وأسأل الله تعالى أن يكون كل ذلك في ميزان حسناتهم .

 

وأسأل عز وجل الله أن يتقبل مني هذا العمل وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، والحمد لله أولا وآخرا. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

 

صنعاء، 20 شعبان 1425هـ الموافق 4 أكتوبر 2004م

ـــــــــــــــــــــــــــ

 

أهمية الموضوع

 

إن طرح مثل هذا الموضوع من الضرورة بمكان، من حيث إن غياب التصور في هذا الباب يؤدي إلى التخبط في الخطوات، والحيرة في اتخاذ كثير من المواقف. إن شريحة كبيرة من الأمة الإسلامية –بشكل عام، أفرادا وجماعات- تعاني كثيرا من الغموض في رؤيتهم المستقبلية، ابتداء من الاعتقادات الفاسدة وانتهاء بمظاهر الارتجالية العشوائية التي تنبي عن عدم التبصر في تبني الرؤية المستقبلية وكيفية تكوينها.

 

وما زال بعض الأوساط من المسلمين يعتبرون أن الإيمان بالقضاء والقدر سببا عائقا لانطلاق الإنسان نحو مستقبل أحسن. وهناك من يظن أن ذم الشرع لطول الأمل يعني القعود والتقاعس عن التطلع إلى مستقبل مرجو مشرق. وآخر من يتوهم أن التوكل هو انطراح سلبي بين يدي الأسباب دون التفاعل الإيجابي معها. في حين أن الإيمان الصحيح بهذه القضايا كلها إنما هو دفع قوي وتوجه كامل نحو العمل من أجل المستقبل وتنظيم دقيق للفكر من أجل التركيز على ما ينفع الإنسان في مستقبله كما سيتبين في الباب الأول إن شاء الله.

 

ومنظومة العقائد في التكليف وحساب يوم القيامة والإيمان بالأجل المحتوم غير المسمى لم تكن تشكِّل عند الأمة اليوم–كما هو مطلوب بصفة عامة – النفسية المتوجهة توجها متزنا نحو العمل النافع الذي أراده الله من الإنسان في الدنيا والآخرة، وبالتالي لم تكوِّن حركة حضارية قوية كما كان السلف يندفعون نحو العمل بدافع هذه المنظومة العقدية الفريدة.

 

هذه من الإشكالات النظرية التي يهدف هذا البحث إلى علاجها بإذن الله.

 

***

 

أما في ميدان العمل فإن حاجة الأمة إلى بناء رؤية مستقبلية مكتملة واضحة المعالم، صادقة الدلالة، ملحة جدا. في حين أننا –على حسب علمي- لم نعثر على دراسة مؤصلة منهجية في تنظير هذه المسألة. إن إبراز جانب الاهتمام بالمستقبل في القرآن والسنة سيدفعنا إلى إعادة النظر في خطواتنا السابقة المبنية على الارتجال وردود الأفعال. إن هدي الكتاب الكريم والسنة المطهرة سيعلِّمنا كيف نسلك طريقنا إلى ريادة الأمم عبر توجيهات مُفصَّلة في القضايا المستقبلية.

 

إن الصيحات المتعالية بالمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية تعتبر مؤشرا قويا بأن هذه الأمة ما زالت تحتفظ بنبضات قوية في قلبها. وليس هذا بالمستغرب فالصمود الدائم والعطاء المستمر من طبيعة هذا الدين الذاتية. فحين أعلن الله أن هذه الرسالة هي الرسالة الخاتمة وأنها لكافة الناس يعني ذلك أن الله أودع في هذه الرسالة عوامل البقاء وأسباب الصمود أمام التهديدات المناهضة لها. ومن ناحية أخرى فكون هذه الرسالة خاتمة الرسالات يعني أنها ستكون صالحة لكل ما تمر به البشرية من مراحلها التاريخية اللاحقة وستكون قادرة على حل كل ما تعتري الإنسانية من مشاكل.

 

غير أن الوعي المكافئ للقضية لا يزال منقوصا يحتاج إلى “التصعيد”. لأن جوهر المسألة ليس فقط في إحلال نظام محل نظام، ولا في إبدال حكم بحكم. لأن الإسلام منهج حياة كاملة، وصياغة لحياة الإنسان بكل أبعادها وبكافة مرافقها. فمن السذاجة غير المقبولة أن نتصور أن يقام نظام بدون سائر مقومات الحياة الأخرى .

 

فعلى جيل الصحوة أن يرمي بفكرة “التلقائية (الأتوماتكية)” عرض الحائط. وليس من المجانبة للحقيقة أن نقول إن فكرة التلقائية هذه تتبناها كثير من التيارات الموجودة في الساحة –وإن اختلفت في الأشكال- فهم يشتركون في تصور أن إصلاح جانب من جوانب الحياة يؤدي بصورة تلقائية (أتوماتكية) إلى صلاح الحياة كاملة.

 

فبعضهم يعتقد أن مجرد إسلامية الحكم ستغير وجه الإنسانية كلية ويضبط حياة الناس ضبطا. وغيرهم يؤمن بأن إرساء العقيدة الصحيحة في قلوب الناس كفيل بصلاح البشر جميعا في هذه الدنيا. والبعض الآخر يتصور أن تعليم الناس العلوم الإسلامية يضمن انطلاقا مستمرا نحو الهدف المنشود. وتيار آخر يقول إن دعوة الناس إلى الصلاة والذكر والآداب الإسلامية هي كل ما يطالب به الإسلام.

 

ليس واحد من تلك التصورات والمواقف ما يصح أن يحكم عليه بالخطأ الصرف، إلا أن الوعي المطلوب المغطِّي لأبعاد القضية لابد أن يشمل كل مقومات الحياة الإنسانية المعاصرة وأن يستوعب آلية التغيير المطلوبة. فنحن ندعو إلى أن تتكامل تلك التصورات وأن تتعاضد كل تلك الاتجاهات وتكون الأمة بأسرها يدا واحدة على من سواهم. لأننا نواجه واقعا معقدا ضاربا في التعقيد. والحياة الجاهلية المناهضة للإسلام قد سبق أن فرضت وجودها على كل مكونات الحضارة الراهنة. فلابد أن نقابل ثقافة بثقافة وعلما بعلم وفنا بفن أدبا بأدب قبل أن نقارع نظاما بنظام.

 

والمواجهة لن تكون مكللة بالنجاح إذا لم يثبت لصاحبها التفوق بعد المفاضلة، وما يعبر عنه بتقديم البدائل الإسلامية. وذلك مع الاحتراز مما قد يتصور أن عملية تقديم البديل ستتم على صورة “مشاكلة” كما وقع من البعض. فيأتي على كل مظاهر الحياة المعاصرة فيضفون عليها “بلمسة إسلامية”. حسن هذا وجميل بل ضروري إلى حد كبير ولكن المحذور في هذا أن يكون الأمر لا يتجاوز دائرة رد فعل غير مدروس أو مجرد محاكاة لأنماط حياة غربية بإصلاحات ترقيعية. الأمر الذي يبعدنا –على المدى البعيد- عن أصالتنا الإسلامية.

 

وذلك لأن الإسلام له تطلعات مستقبلية خاصة تختلف عن دواعي “التقدم” الحضاري الغربي. بينما أن محور الحياة الغربية هو الإنسان والغاية لديهم إنما هي رفاهية الحياة، جاء الإسلام بفلسفة أرقى وتطلعات أسمى. فمحور الحضارة الإسلامية هو الله الواحد القهار، والغاية هي إرضاء العزيز الغفار. ومن المعلوم أن مرافق الحياة الراهنة لم تأت إلا استجابة لتطلعات الإنسان المعاصر الغربي في الأساس.

 

ففي بداية الأمر، عملية تسخير هذه الوسائل لخدمة الإسلام لا يمثل كبير ضرر؛ إلا أن الاستمرار على هذا الشكل من الإصلاح يمثل خطورة قصوى في سلامة سير الصحوة. لأن ذلك سيجعل المسلمين دائما أذيالا، وعيالا على إنجاز الآخرين، ومهمة قيادة البشرية تتنافى مع هذا الموقع المزري.

 

ولم يبرح تفكير كثير من المسلمين اليوم وهمومه يدور في المحاولة لمواكبة العصر، وهذا من أسباب القصور الواقع. لأن المفروض على جيل الصحوة أن يفكر في صياغة المستقبل ومسابقة العصر ليس فقط مواكبته ومسايرته. بل نسبقه برؤية واضحة ونصوغ المستقبل بخطة محكمة. وليس هذا معارضة للأقدار ولا إنكارا لمبدأ الإيمان بالقدر والتسليم له، لأن إيماننا بالقدر لا يدعونا إلى التقاعس عن العبادة وعمل الخير، بل هو كما قال عبد القادر الجيلاني(5) رحمه الله : “ننازع أقدار الحق بالحق للحق”(6)، فحين نطالب بالتسليم بالأقدار المحتومة لا يعني ذلك ركودا واستسلاما أمام مغيبات مستقبلية ، وهو كما قال عمر الفاروق (7) رضي الله عنه : ” نفر من قدر الله إلى قدر الله”(8). إنما هي عملية إيجابية مع الإيمان بعلم الله السابق وقدرة الله الشاملة.

 

والله سبحانه وتعالى لا يخفي عن الإنسان سننه في الكون ، فبدراسة هذه السنن يتمكن الإنسان من صياغة مستقبله ومسابقة عصره ، ثم صياغة المستقبل – حتى تكون استجابة حقيقية لتطلعات الشرع الحكيم – لابد أن تُسبَق بعملية استلهام نصوص الشرع ليستخرج منها نمط الحياة الإسلامي المنشود بصورة مكتملة أو شبه مكتملة ، ولا يضر أن يصدر من ذلك عدة تصورات مختلفة ما دامت كل تلك التصورات ناتجة عن قصد ترجمة عملية لمُثُل إسلامية أصيلة ، وسيكون القاسم المشترك الناتج عن تلك العملية كافيا لمواصلة السير ورسم خطوات عملية مشتركة.

 

إن الأمة الإسلامية تحتاج إلى استقلالية في تطلعاتها المستقبلية ومن ثم ينتهجون طريقهم منطلقين من عقيدتهم، مؤدين رسالتهم في الوجود دونما التفات متردد أو محاكاة مقلد، إن توظيف المنظومة العقدية الفكرية لبناء الرؤية المستقبلية لهو الأمر الذي يضمن سلامة سير الأمة الحضاري، إننا بجانب شكوانا من ردود الأفعال غير المدروسة نشكو أيضا من عقلية المحاكاة والتقليد لما أنتجه وما وصل إليه غير المسلمين.

 

وليس من الحكمة أيضا أن نحصر وظيفة الفقه فقط في إجابات على أشياء حصلت وسبقت. بل يجب أن يكون فقهنا أيضا موجِّها للخطوات القادمة المبنية على تطلعاتنا الأصيلة . والقرآن والسنة أخصب مصدر لاستلهام الأفكار وإيقاد الأنوار.

 

فهذه الدراسة أيضا نوع من لفت الأنظار نحو توظيف علمَيْ العقيدة والفقه لبناء رؤية الأمة المستقبلية.

 

وليست المسألة تتوقف على القوة الفكرية والمقدرة العملية بل الطريق فقط يُمهَّد لمن يتوجه إلى لله صادقا ويعتصم بالله ثابتا ويصبر لله محتسبا. فهو بجانب كونه تبصير علمي وإرشاد عملي فإنه فوق ذلك توجيه إيماني من الله رب العالمين.

 

وهناك عدد لا يستهان به من المنتسبين إلى الإسلام من يحاول كشف ستار المستقبل بوسائل يحظرها الشرع الحكيم ويمجها العقل السليم، إن بعض الناس ما زالوا يصدِّقون تنبؤات الكهان والمنجِّمين لحظوظهم ويتلقون منهم الإرشادات، وبعضهم يراعون الأبراج في السماء كل قترة خوفا وطمعا لتأثيرها على حياتهم كما يعتقدون، وبعضهم يتشاءمون ويتطيرون من دلالة أشياء ما أنزل الله بها من سلطان .. إلى غير ذلك من الصور الشركية التي لم يسلم منها كثير من الناس، مع أن الإسلام قد جاء بما هو أفضل من ذلك وأنفع، وهذه الدراسة إن شاء الله ستوضح لدى القارئ هدي الإسلام في هذا الباب.

 

ومع كثرة تشعبات الموضوع وشحة المساحة الزمنية أعترف بدايةً أن هذا البحث لن يتناول كل شاردة وواردة في كل ما يتعلق بهذا الموضوع ولكن سأكتفي برسم الخطوط العريضة التي تشير إلى معالم الموضوع، على نحو ما قاله سيدنا علي(9) رضي الله عنه لأبي الأسود(10) لما وضع علم النحو: “الكلمة اسم وفعل وحرف ثم انح منحى هذا .”(11)

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

 

محور البحث

 

بناء على ما سبق فإن هذا البحث سيتمحور في قضية بناء عقلية ونفسية متبصرة وفقا لتعاليم الإسلام في مستقبل الإنسان في الدنيا والآخرة. وهو يشمل تعاليم الإسلام في اتخاذ الموقف من المستقبل وطرق الحصول على تصور مستقبلي ثم توجيهات عملية لصناعة المستقبل المشرق لكل مسلم.

 

فيتكون البحث على هذا الأساس من أربعة عناصر رئيسة :

 

(1) جزء يتكلم عن القضايا العقدية التي تكوِّن موقف المسلم من المستقبل وتوِّجه خطواته نحوه.

 

(2) ثم جزء يتحدث عن حكم استشراف المستقبل في الشرع ومدى اهتمام الإسلام بقضايا المستقبل.

 

(3) ثم يتبعه بحث في وسائل استشراف المستقبل، منها ما هو أساسي ومنها ما يكون وسائل مساعدة، ومنها وسائل حرمها الشرع.

 

(4) ثم في الأخير يُتوَّج هذا البحث بتقديم مثال للرؤية المستقبلية اللتي تستوفي متطلبات الأصالة والشمول ونتقدم قبل ذلك بإرشادات عملية في طرق شرعية لصناعة المستقبل الطيب الذي ينشده كل إنسان.

 

الدراسات السابقة:

 

والحق يقال، إن الاهتمام بهذه القضية ليس جديدا، فقد تطرق كثير من الكُتَّاب، القدامى منهم والمحدثين، إلى كثير من مباحث تتعلق بالمستقبل، غير أن جمع أشتات الأفكار والمسائل في هذا الباب بحيث يشكِّل منهجية مكتملة الأركان واضحة المعالم –على حسب علمي المحدود- لم يحاول أحد طرحه.

 

على أن هناك ملاحظة جديرة بالاهتمام، خاصة على بعض الكتّاب المعاصرين في قضايا أشراط الساعة وظهور الدجال والإمام المهدي المنتظر وهرمجدون وغير ذلك من هذا القبيل، فإن كثيرا منهم لم يكونوا على مستوى من تحري الصحة في نقل الأخبار. إننا نعاني من حاطبي الليل الذين يضلون الناس -شعروا أو لم يشعروا- بأحاديث ضعيفة، وقد يعتمد بعضهم على نقول من الكتب المحرَّفة أو مصادر غير موثوقة وغير موثَّقة.

 

وأكثر هؤلاء لم يكملوا بحوثهم بتوجيهات عملية كما أرادها الإسلام مما أدى بالناس إلى اتخاذ موقف خاطئ تجاه قضاياهم المستقبلية، فإن كثيرا من الناس يقف أمام أحاديث الفتن وأشراط الساعة موقف المتشائم السلبي لا يرجو من تحسن الأوضاع فضلا عن العمل على تغييرها. وبعضهم يرون أن ظهور المهدي المنتظر يُعفِيهم عن مسؤولية الدعوة والتغيير … إلى غير ذلك من المواقف السلبية والآثار السيئة التي تنجم عن خطأ المنهجية في معالجة هذه القضية.

 

ثم لم أدَّعِ الوفاء بمتطلبات القضية وما كان هذا البحث إلا محاولة بدائية في خضم تراكم هائل من المعارف الحديثة والتطورات المعاصرة، ولكن أرجو الله تعالى أن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع وأن يوفقني في إتمامه وأن يكون هذا البحث دفعا قويا لإنضاج القضية وترشيد الأمة حتى تتأهل لإمساك زمام قيادة البشرية إن شاء الله .

كما أوجه الدعوة إلى العلماء والمفكرين وطلاب العلم أن يطرقوا هذا الباب وأن يبذلوا جهودهم في هذه القضية الخطيرة، لأن هذه القضية لن تنضج ولن تتبلور إلا بتلقيح الأفكار والتقاء الأنظار لخدمة هذا الموضوع.

 

والله الموفق لما يحبه ويرضاه

 

منهج البحث

 

لقد نهجت في هذا البحث طريق التأصيل الشرعي في بناء الأفكار ، وذلك باستقراء نصوص القرآن والسنة ، وقد أؤيد بعض دلالات النصوص بنقولات من علماءنا الأفاضل ومفكِّرينا الأجلاء كتأكيد لصريحها أو إبراز لمكنونها ، ولم أذهب إلى الجزم إلا ما جزم به الدليل، وما يحتمل من الأدلة أو الدلالة أبقيته في دائرة الظنيات ولا أخرجه من دائرته إلا إذا تعاضد وتواطأ عدد من الأدلة أو الدلالات مما يعتقد أن للمسألة أصلا صحيحا ، وركزت على ما يتفق عليه أهل السنة والجماعة من حيث إنهم هم الذين يمثِّلون مذهب التقيد بالكتاب والسنة تقيدا صحيحا ، وما خرجت عن آراء السلف إن شاء الله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد زكاهم حيث قال : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)(12).

 

وما كان من قرآن بيِنت موضعه وما كان من حديث أخرجته من مصادره الأمهات وتحريت للصحاح والحسان مظانها، لقد كانت النية أن أخرج الأحاديث تخريجا يبين درجاتها من القبول والرد إلا أن الظروف والملابسات التي تطالبني بالسفر العاجل جعلني اكتفيت ببيان الضعيف منها فقط، ولم أجعل الأحاديث الضعاف عمدة في الاستدلال فلم يرد في هذا البحث قط حديث ضعيف إلا بانضمامه مع أدلة أخرى صحيحة إن شاء الله، وما كان من أقوال العلماء والمفكرين عزوت إلى مراجعه الأصلية قدر الإمكان. وإلا اكتفيت بالمصدر الثانوي الذي توصلت إليه.

 

وقد حاولت قدر الإمكان أن يكون البحث مختصرا ومقتصرا على ما يخدم الموضوع، ليكون ذلك أدعى إلى سرعة الانتفاع والتبلور وسهولة الهضم والتصور.

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا وقد قسمت هذا البحث على النحو الآتي:

 

التمهيد: معنى استشراف المستقبل

المطلب الأول: معنى الاستشراف لغة .

المطلب الثاني: معنى الاستقبال لغة .

المطلب الثالث: معنى استشراف المستقبل اصطلاحا .

الباب الأول: الأطر العقدية في استشراف المستقبل الإسلامي

الفصل الأول: عقيدة الإيمان باليوم الآخر والتكليف والجزاء والحساب، دافعا ومحورا لجهود الإنسان المسلم

المبحث الأول: الإنسان والتكليف

المبحث الثاني: الجزاء والحساب

المبحث الثالث: مقياس الربح والخسارة

المبحث الرابع: اليوم الآخر

المبحث الخامس: من ثمار هذه العقيدة

الفصل الثاني: عقيدة الإيمان بالقدر، صرف وتمحيض للاهتمام نحو النفع وطمأنة للضمير عن الماضي الفائت

المبحث الأول: معنى الإيمان بالقََضاء والقدر

المبحث الثاني: حرمة التنازع في القدر

المبحث الثالث: دفع الأقدار بالأقدار

المبحث الرابع: مذهب أهل السنة والجماعة في القدر

المبحث الخامس: من ثمار هذا الإيمان

الفصل الثالث: عقيدة التوكل، اعتماد على مصدر القوة الحقيقية

المبحث الأول: حقيقة التوكل

المبحث الثاني: مجال التوكل

المبحث الثالث: التوكل ورعاية الأسباب

المبحث الرابع: من ثمار التوكل

الفصل الرابع: ذم طول الأمل، مسارعة إلى الخير وعدم التواني

المبحث الأول: الأمل في ميزان الشرع

المبحث الثاني: قصر الأمل والتخطيط للمستقبل

الفصل الخامس: الخوف والرجاء، جناحا انطلاق المؤمن وتحدوه محبة الله

المبحث الأول : الخوف

المبحث الثاني: الرجاء

المبحث الثالث: المحبة

الباب الثاني : حكم استشراف المستقبل

الفصل الأول : ما ينفع وما لا ينفع، ما يمنع وما لا يمنع

المبحث الأول: استئثار الله بعلم الغيب

المبحث الثاني: أقوال العلماء في تحديد مفهوم مفاتح الغيب

المبحث الثالث: إمكانية إطلاع الله بعض عباده على بعض الغيب

الفصل الثاني : اهتمام القرآن و السنة بالمستقبل

المبحث الأول : لفت النظر إلى اليوم الآخر والدعوة إلى الإيمان به

المبحث الثاني : الاعتبار بعاقبة الأمور

المبحث الثالث : الحث على العمل من أجل المستقبل القريب والبعيد

المبحث الرابع : النهي عن الأماني الفارغة

الفصل الثالث : مواقف عملية لرسول صلى الله عليه وسلم تجاه المستقبل

المبحث الأول : استحضاره لليوم الآخر

المبحث الثاني : شدة مسارعته لعمل الخير

المبحث الثالث : تخطيطه للأعمال المستقبلة

المبحث الرابع : تشريعه لصالح الأجيال القادمة من المسلمين

الفصل الرابع : اهتمام السلف بالمستقبل

المبحث الأول : بعض مواقف السلف تجاه اليوم الآخر

المبحث الثاني : إجراءات اتخذوها لصالح الأجيال القادمة

الباب الثالث: وسائل استشراف المستقبل

الفصل الأول : وسائل أساسية لاستشراف المستقبل

المبحث الأول: النظر إلى سنن الحياة

المطلب الأول: سنن مقررة في القرآن والسنة: سنة الابتلاء، وتندرج تحتها سنن فرعية :

  1. سنة التداول .
  2. سنة التدافع بين الحق والباطل .
  3. سنة الاستدراج .

قوانين السببية ، وتندرج تحتها سنن :

1- الجزاء من جنس العمل .

2- ربط الصلاح الدنيوي بالصلاح الديني .

3- ربط الصلاح الخارجي بالصلاح الداخلي .

4- ربط صلاح الجماعة بصلاح الأفراد .

المطلب الثاني: السنن التجريبية والقواعد العلمية .

المبحث الثاني: دلالة الوحي الصريح .

المطلب الأول: نماذج من الأخبار الواردة في مستقبل الأمة من القرآن والسنة

1- أخبار مبشِّرة

2- أخبار محذِّرة

المطلب الثاني: المواقف المطلوبة من هذه الأخبار

الفصل الثاني: وسائل مساعدة لاستشراف المستقبل

المبحث الأول: الرؤيا الصالحة

المطلب الأول: مشروعيتها

المطلب الثاني: الكيفية المشروعة للاستفادة منها

المبحث الثاني: الفراسة

المطلب الأول : حكم الفراسة في الشرع

(1) الفراسة الباطنة .

(2) الفراسة الظاهرة .

المطلب الثاني: الفرق بين الفراسة الباطنة والفراسة الظاهرة

المبحث الثالث: الاستخارة

المبحث الرابع: التفاؤل

المطلب الأول: مشروعيته

المطلب الثاني: الفرق بين الفأل والطيرة

الفصل الثالث: وسائل محرَّمة لاستشراف المستقبل

المبحث الأول: حقيقة الكهانة

المطلب الأول: معنى الكهانة

المطلب الثاني: أنواع الكهانة

المبحث الثاني: ذم الشرع للكهانة

الباب الرابع: صياغة المستقبل الإسلامي، تطلعات وخطوات

الفصل الأول: هدي القرآن والسنة في صناعة المستقبل

المبحث الأول : في الإرادة

المطلب الأول : الأهداف

المطلب الثاني : الإخلاص

المطلب الثالث : العزيمة

المبحث الثاني : في الجهود

المطلب الأول : الإحسان

المطلب الثاني : الصبر

المبحث الثالث : في العوامل الخارجية

المطلب الأول: علاقة الإنسان بالكون

المطلب الثاني: خريطة الصراع

المطلب الثالث: العوامل المساعدة فضل ورحمة، والعوامل المعرقلة ابتلاء وحكمة

المبحث الرابع: في توفيق الله

المطلب الأول: صدق الالتجاء

المطلب الثاني: الالتزام بأمر الله

المطلب الثالث: عدم الاتكال على غير الله

الفصل الثاني: تطلعات مستقبلية

المبحث الأول: في البناء النفسي والعقلي

المطلب الأول: تنمية الصفات الإنسانية

المطلب الثاني: بناء الصفات الإسلامية

المطلب الثالث: صياغة عقلية علمية رصينة

المطلب الرابع: قناعات إسلامية راشدة

المبحث الثاني: في تكوين المجتمع الإسلامي

المطلب الأول: في رسم الأهداف

المطلب الثاني: في آلية التغيير والبناء

المطلب الثالث: أهلية التغيير والتمكين

المبحث الثالث: في الكيان الحضاري

المطلب الأول: صياغة رؤية حضارية أصيلة

المطلب الثاني: عطاء الحضارة الإسلامية للإنسانية

المطلب الثالث: العلاقات بين الحضارات

نتائج البحث

المطلب الأول : نتائج معرفية

المطلب الثاني : نتائج عملية

 

نتائج البحث

 

بعد هذه الرحلة الممتعة في رياض آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام الأئمة والدعاة نتوصل إلى نتائج مهمة أذكر من أهمها ما يلي:

 

الأول : نتائج معرفية

 

1- إن العقيدة الإسلامية عقيدة إيجابية تدفع صاحبها إلى العمل على مستقبل أفضل

2- إن نطاق المستقبل الذي يهتم به الإسلام يمتد إلى مرحلة الحياة الأخرى

3- إن العقيدة الإسلامية هي الأطر المعرفية التي تحدد مسار المسلم

4- إن الفهم الصحيح المتوازن للعقيدة الإسلامية هو الذي يكوِّن الرؤية والموقف الصحيحين لقضايا المستقبل

5- إن الإسلام يفتح منافذ لمعرفة وتوقع أحداث المستقبل

6- أن الله تعالى استأثر بمعرفة الغيب ولا يطلعه على أحد إلا من ارتضى من الرسل.

7- أن الادعاء بعلم الغيب كذب محض وقد يكون كفرا.

8- لا يجوز أن يجزم بالأشياء الغيبية إلا الرسول فإنه يوحى إليه.

9- يجوز تنبؤ أحداث المستقبل بالاستدلال بالعادات الجارية والأمور المحسوسة (أو ما يسمى في اللغة العصرية باستخدام المنهج التجريبي).

10- كل معرفة للإنسان عن الغيب فإنه إجمال وجزئي.

11- إن الإسلام يهتم بالمستقبل اهتماما بالغا ويحث كل مسلم على صياغة المستقبل

12- إن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم شدة الاهتمام بالمستقبل والتشمير له

13- ومن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا التخطيط للمستقبل وبعد النظر فيه وهو سيد المتوكلين وكان السلف رضوان الله عليهم ساروا على هذا

14- إن الشرع الحكيم دل على وسائل متعددة لاستشراف المستقبل

15- إن أهم ما يكشف ستر المستقبل هو معرفة سنن الله في مجريات الأحداث كما دلت عليها نصوص القرآن والسنة

16- ينبغي استخدام الأساليب العلمية لرسم التصورات المستقبلية

17- ينبغي أن تفهم النصوص الواردة في الأحداث المستقبلية ضمن أطر السنن المقررة في القرآن والسنة

18- ينبغي أن تفهم أخبار الخير المبشرة وأخبار الفتن المحذرة في توازن لا يطغى بعضها على بعض

19- إن الرؤيا الصالحة والفراسة الصادقة والفأل الحسن والاستخارة يمكن أن توظف لكشف ستار المستقبل

20- إن دلالات الرؤى والكشف والتفرس يجب أن تعرض على نصوص الشرع وأحكام الدين، فما وافقها قبل وإلا يضرب بها عرض الحائط فإنها من تلبيسات الشيطان أو وساوس النفس

21- إن الإسلام قد حارب الكهانة وادعاء معرفة الغيب وحرمها تحريما جازما

22- إن الإسلام بين طريق صياغة المستقبل بيانا شافيا ودل على سلوكها دلالة كافية

23- إن نصوص الكتاب والسنة تتطلب من المسلم فردا ومجموعا أن تكون له تطلعات مستقبلية سامية

 

الثاني : نتائج عملية

 

1- لا يصح من المسلم أن يقف موقفا سلبيا من مستقبله مهما كان، إذ القرآن والسنة قد حثاه على العمل في كل الأحوال.

2- من يعتقد العقيدة الإسلامية اعتقادا صحيحا ويفهمها فهما صائبا يتحرك –ولا بد- لتحسين مستقبله تحركا قويا متوازنا موفقا

3- إن معرفة سنن الله في الحياة معرفة مفصلة ومراعاتها مراعاة دقيقة تفتح للإنسان أسباب النجاح وتطلعه على أبواب التوفيق.

4- المطلوب من الإنسان هو العمل في حالتي الخير والشر، فالأخبار الطيبة تحركه وتنشطه، والأخبار السيئة تحذره وتضبطه

5- تزكية النفوس والعمل الصالح تؤهل الإنسان بأن يتلقى الفيوضات الإلهية فيكشف الله له بعض غيوب المستقبل بما يعينه على طاعة الله.

6- الالتزام بشرع الله مطلوب في كل الأحوال.

7- ادعاء علم الغيب على الوجه الجازم من الكبائر المنهي عنها شرعا بل قد يصل إلى دائرة الكفر

8- ينبغي للإنسان وهو يسعى لصياغة مستقبله أن يضع نصب عينيه هذه المعادلة:

([إرادة الإنسان جهده] عوامل خارجية) توفيق من الله = المحصلة

فيستمد ويسأل من الله التوفيق ويرفع من معدَّل كل من العوامل الداخلية لديه ويكسب كل العوامل المساعدة ما استطاع ويتغلب على العوامل المعرقلة

9- ينبغي للمسلم وللجماعة المسلمة أن يستمد الرؤى المستقبلية من وحي النصوص الشرعية ويبنى عليها الخطوات العملية القادمة

10- ينطلق بناء مستقبل الأمة على بناء أفرادها

11- إن تكوين المجتمع الإسلامي يحتاج إلى خطوات منظمة مرتبة تتناسب مع هيكلة بنائه

12- الحاجة إلى رصد العوامل الإيجابية والسلبية داخل المجتمع والتعامل الحكيم مع كل منها

13- ينبغي أن يستخدم أسلوب الإحصاء في دراسة أوضاع المجتمع ولا يكتفى بمجرد الانطباع ويكون تصويرها بلغة الأرقام لا الكلام المجرد

14- ينبغي أن تكون مواصفات تأهيل النصر والتمكين تنطبق على مجموع الأمة

15- الحاجة إلى بلورة الرؤية الحضارية الإسلامية المستقلة التي تنبثق من قيم الإسلام الأصيلة

16- إن ضمانة العطاء الإسلامي للعالم تأتي من قِبَل أمانة رجاله قَبل تميُّز رسالته ومنهجه

17- إن العلاقة بين الحضارة الإسلامية وبين الحضارات الأخرى علاقة الاستفادة المتبادلة

18- الحاجة إلى توازن القوى لضمان الحرية العامة والحفاظ على الاستقلالية

 

فهذه أهم ما نستفيده من هذا البحث المتواضع. وهو جهد المقل في خدمة هذا الموضوع الخطير. ونسأل الله عز وجل أن يتقبل مني هذا العمل وينفع به الإسلام والمسلمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

———————–
(1) سورة يونس : 5 .

 

(2) سورة العصر: 3 .

 

(3) أخرجه البخاري  : (5/2357)

 

(4) أخرجه الحاكم (4/341) وصححه .

 

(5) الشيخ عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله بن جنكى دوست بن أبي عبد الله عبد الله بن يحيى بن محمد بن داود بن موسى الحوزى بن عبد الله المحصن ابن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب الجيلاني. تفقه في مذهب الأمام أحمد بن حنبل علي أبي الوفاء بن عقيل وأبي الخطاب وأبي الحسين محمد بن القاضي أبي يعلي والمبارك المخرمي وسمع الحديث من جماعة وعلوم الأدب من آخرين وصحب حماد الدباس وأخذ عنه علم الطريقة. فاق أهل وقته في علوم الديانة ورقع له القبول التام مع القدم الراسخ في المجاهدة وقطع دواعي الهوى والنفس. تاب على يده معظم أهل بغداد وأسلم معظم اليهود والنصارى على يديه. قال ابن السمعاني هو إمام الحنابلة وشيخهم في عصره فقيه صالح دين خير كثير الذكر دائم الفكر سريع الدمعة. وقال ابن رجب ظهر الشيخ عبد القادر للناس وجلس للوعظ بعد العشرين وخمسمائة وحصل له القبول التام من الناس واعتقد ديانته وصلاحه وانتفعوا بكلامه وانتصر أهل السنة بظهوره واشتهرت أحواله وأقواله وكراماته ومكاشفاته وهابه الملوك فمن دونهم. ذكر في مناقبه مسندا إلى موسى بن الشيخ عبد القادر قال سمعت والدي يقول خرجت في بعض سياحاتي ونزل على منها شيء يشبه الندى فرويت ثم رأيت نورا أضاء به الأفق وبدت لي صورة ونوديت منها يا عبد القادر: أنا ربك وقد أحللت لك المحرمات أو قال ما حرمت على غيرك فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم اخسأ يا لعين! فإذا ذلك النور ظلام وتلك الصورة دخان ثم خاطبني وقال: يا عبد القادر نجوت مني بعلمك بحكم ربك وقوتك في أحوال منازلاتك ولقد أضللت بهذه الواقعة سبعين من أهل الطريق فلت لربي الفضل والمنة قال فقيل له كيف علمت أنه شيطان قال بقوله قد حللت لك المحرمات. وقال ابن رجب أيضا: وكان الشيخ عبد القادر متمسكا في مسائل الصفات والقدر ونحوهما بالسنة مبالغا في الرد على من خالفهما. ومات الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى بعد عتمة ليلة السبت عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمسمائة (شذرات الذهب 2/198-202)

 

(6) مجموع الفتاوى(2/458) .

 

(7) هو عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو حفص أمير المؤمنين ثاني الخلفاء الراشدين أحد العشرة المبشرين بالجنة, أفضل الأمة بعد أبي بكر رضي الله عنه توفي سنة 22 هـ (شذرات الذهب 1/33) .

 

(8) أخرجه مالك في الموطا (2/895 رقم 1587) .

 

(9) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الحسن أول الناس إسلاما في قول كثير من أهل العلم. ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح فربى في حجر النبي ولم يفارقه وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ وزوجه بنته فاطمة. وكان قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والإقدام. قال لقد عهد إلى النبي أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. وكان قتل علي في ليلة السابع عشر من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ومدة خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ونصف شهر. (الإصابة 4/564-569) .

 

(10) أبو الأسود الدؤلي ويقال الديلي العلامة الفاضل قاضي البصرة واسمه ظالم بن عمرو على الأشهر ولد في أيام النبوة. كان أول من تكلم في النح. وقد أمره علي رضي الله عنه بوضع شيء في النحو لما سمع اللحن . مات أبو الأسود في طاعون الجارف سنة تسع وستين وهذا هو الصحيح وقيل مات قبيل ذلك وعاش خمسا وثمانين سنة (سير أعلام النبلاء 4/81-86) .

 

(11) انظر البداية والنهاية (8/312)، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، مكتبة المعارف، بيروت .

 

(12) أخرجه البخاري (6/2452 رقم 6282) ومسلم (4/1963 رقم 2533) .

 

المصدر

 

3.8 4 votes
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments