استشراف المستقبل (14) | ثقافة الاستشراف

استشراف المستقبل (14) | ثقافة الاستشراف

2020-12-07 3:37 م
الكاتب :

استشراف المستقبل (ثقافة الاستشراف)

 

تلعب التغيرات المتسارعة والمستجدات الطارئة التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة دوراً في إثارة الكثير من علامات الاستفهام والتساؤلات عما سيكون عليه مستقبل المجتمع الإنساني.

 

فالاتجاهات التي تعمل على تغيير العالم الآن تنحصر في المعارف والعلوم الجديدة، والتقنية أو التكنولوجيا الجديدة.

 

وإذا أردنا أن نستشف المستقبل يجب النظر إلى دوافعنا وغاياتنا والقوى والغرائز الأساسية التي توجهنا، بالإضافة لكافة التأثيرات التي نتعرض لها نتيجة حياتنا الاجتماعية والثقافية والعقائدية.

التخطيط لمواجهة المستقبل 

 

لقد تخطت عمليات استشراف المستقبل في الوقت الحالي تلك المرحلة الأولية المليئة بالخيال. الذي لم يكن يستند في معظم الأحيان إلى حقائق ووقائع مدروسة بطريقة علمية دقيقة كما هو الشأن الآن.

 

بل ولم تعد هذه العمليات تقنع بالتنبؤ بما سوف يحدث اعتماداً على رصد الواقع، ثم تهيئة الأذهان للتغيرات المحتمل حدوثها. وإنما أخذت تهتم إلى جانب ذلك بالتخطيط العلمي السليم لمواجهة هذه التغيرات بإجراءات حاسمة وفعّالة. أي أنه أصبح لها أهدافٌ عملية أو تطبيقية تتجاوز مرحلة المعرفة النظرية البحتة، وتُعنى بوضع الخطط ورسم السياسات واعتماد الاستراتيجيات التي تكفل حسن الإفادة من هذه التغيرات مع الاستعانة في ذلك بقراءة التاريخ ورصد مسار الاتجاهات العامة السائدة في المجتمع، بل وفي العالم كله، والنظر إلى الأحداث من منظور شامل وكلي يأخذ في الاعتبار مختلف الاحتمالات والإمكانات.

ومن الجدير بالذكر الإقرار بأنّ معرفة الماضي لا تنطبق آلياً على معرفة المستقبل.

 

فهذه الثانية يجب أن ينشئها استخدام المعطيات المتوفرة عن الماضي كمادة خام لصياغة أفكار وتنبؤات عن المستقبل. ونحن نستخدم من أجل هذه الصياغة عدداً من الأدوات العقلية إضافة إلى الخبرة في استخدام تلك الأدوات. فحين نشعر بالعطش مثلاً نطور فكرة للحصول على الماء، وعندما نحسُّ بالملل نطور فكرة للقيام بنزهة، وكثيراً ما تنخفض مرتبة التفكير بما يسرّنا إلى مرتبة أحلام اليقظة، على الرغم من كونها تساعد على كشف ما نريد، كما أنها ربما قد تلعب دوراً رئيساً في مساعدتنا على اتخاذ القرارات الصائبة، إذ أنّ استكشاف الأفكار المرضية السارة وغير السارة قد تنمي مفهوماً عن الأهداف التي نريد تحقيقها. أي نعتمد السببية البسيطة في تنبؤاتنا، وتدخل رغباتنا ودوافعنا وغاياتنا في تلك التنبؤات وتحرفها.

 

وحتى لا تكون عمليات استشراف المستقبل حكراً على منظمات محددة أو فئات بعينها. أضحى من الضرورة بمكان اعتماد خارطة طريق تتيح للجميع المشاركة والمساهمة في رسم ملامح المستقبل. وهذه الخارطة تمثل استراتيجية قائمة بذاتها وهي ما يمكن أن يطلق عليها استراتيجية التجنيد والتي من خلالها تُجند جميع الضمائر الواعية في المجتمع للتمكن من الوصول إلى مستوى  حضاري نوعي.

 

وإلى المشاركة الفعلية للفرد في صياغة حياته، والاهتمام ببيئته ومحيطه الاجتماعي، وإسهامه في تقويم ذاته . والتأثير إيجاباً على تطوير وإصلاح مجتمعه بشكل يجعل من تقلبات ذلك المجتمع ومخاضها ظاهرة طبيعية تُوظف لصالح تطوير المجتمع وليست هوساً يشل فاعلياته ويحد من طاقاته.

 

وبذلك يتحول إلى مجتمع ذي أغلبية فاعلة ومشاركة في صياغة برامج التخطيط والتطوير، ومن الجلي والواضح أنّ اعتماد هذا النموذج يساهم ويدفع الطاقات للانتقال من حالة الغموض والاستهلاك السلبي والتحجير على الفكر والإبداع إلى حالة التجنيد والابتكار الجماعي وتحمل تبعات التغيير من طرف جميع الفاعلين في الحياة الاجتماعية، بشكل يسمح بتطوير بنى المجتمع وأطرافه بما يحفظ نوعيته، ويقوي ذاته وأواصره، ويزكي عطاءاته، وينمي إشعاعات فكره.

نجاح الاستشراف في نقطتين

 

إذاً فإن مقياس النجاح في استشراف المستقبل يعتمد على مبدأين لا ثالث لهما، حيث يتلخص الأول في خلق ثقافة الاستشراف عند جميع فئات المجتمع ومكوناته، ويتلخص الثاني في التخطيط السليم القائم على أساس علمي لهذا الاستشراف مع الاستفادة من دروس الماضي والحاضر في تكوين مخزون معرفي يمثل المرجع الأمثل لعملية الاستشراف.

 

منقول بتصرف.

 

المصدر

 

المزيد 

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments