استشراف المستقبل (19) البناء الناجح

استشراف المستقبل (19) البناء الناجح

2021-01-30 12:00 ص
الكاتب :

البناء الناجح

 

أضحى استشراف المستقبل هاجساً لدى الكثير من المنظمات، بل أصبح هوساً لإثبات التفوق في هذا الميدان أو ذاك باعتباره أحدث الصيحات في المجتمع الحديث، ورغم ذلك مازال هناك الكثير من اللغط في فهم حقيقة الوعي المستقبلي الذي يتضمن الاستشراف ووضع الأهداف، والتفكير والتخطيط، والتفكير النقدي، وصنع القرار، وحل المشكلات، ذلك الوعي الذي يعتبر الحجر الأساس في بناء الاستشراف الناجح لأي منظمة.

 

وحتى تفلحُ المنظمة في إنشاء استشرافٍ ناجح عليها أن تسعى إلى مراعاة واستدامة مجموعةٍ محددة من المهارات المنهجية والإجرائية ضمن المشروع، والتي بدورها تقيس توفر المعرفة للتطبيق على بيئة المنظمة والاتجاهات ذات العلاقة والتطورات المستقبلية التي تتخطى المعلومات، ففي حين أنّ المهارات المنهجية تتطلب وجود فريق يمتلك –بصورة مثالية– الأدوات ولديه الإمكانية لتنفيذ عمليات السيناريو بطريقة مستقلة أو على الأقل يكون قادراً على إدارة وتقييم عمل الخبراء الخارجيين بطريقة مهنية، نجد أنّ المهارات الإجرائية تشير إلى حقيقةٍ مفادها أنّ استشراف المنظمة لا يمكن تحديده في تجميع معلومات عن المستقبل بواسطة طرق مختلفة، وما يفوق ذلك أهمية هو تنسيق ومعالجة هذه الجهود بطريقة نظامية، وربطها مع إجراءات صنع القرار في الزمن الحالي.

 

ويمكن وصف عملية استشراف المنظمة بأنها عملية تحدّ ونمو متحفظة لا يقتصر تلاعبها على المعطيات والتوقعات بل يتعدى ذلك إلى الاحتمالات والإمكانيات والتخمينات والأفكار والتصورات، وهي ليست مهمة إدارية فحسب، وعليه فإنّ الاستشراف فيها ينبغي أن ينصب في التركيز على قضايا الخلاف الجديدة وعلى أي منظور مثير للانتباه إضافةً للأفكار الابتكارية.

 

وتبرز أهمية الاتصال بين الإدارات المختلفة داخل المنظمة في نجاح عملية الاستشراف وخاصة التنفيذية منها كونها تقبع تحت وطأة الضغط المستمر لتحقيق النجاح وتحتاج إلى الوقت بصورة مستمرة، الأمر الذي يحول دون امتلاكها الفهم العميق لتكديس الأفكار أو لطريقة السيناريو ذات الاتجاه البعيد.

 

وأما العناصر المنخرطة في عملية الاستشراف فعليها أن تكون ذات قابلية جيدة في الاتصال وفي نشر المعلومات. حتى يعرف الجميع ما الذي يحدث، وإذا لم تكن متمكنةً من إصابة الإدارة التنفيذية بهذه العدوى، فإن عملية الاستشراف في المنظمة ستُزاحُ إلى الخطوط الجانبية وستبقى بالأحرى عمليةً وقتية.

 

ولا ننسى أنّ عملية الاستشراف بحاجة بالدرجة الأولى إلى الاستمرارية، فبالرغم من تعدد الأسباب وراء إمكانية تضاؤلها، وبالرغم من أنّ الاختبار النظامي المستمر فقط للمستقبل هو الذي يوفر قيمة مضافة للمنظمة، فإنّ عدم الانتظام يؤدي دائماً إلى فقدان المعرفة الثمينة وإلى تعذر الرجوع إلى النقاشات السابقة، وبالتالي يتعذر تكديس الأفكار دون الاستمرارية في البنى وفي الرأسمال البشري، لذا فإنَّ الهدف الاستراتيجي في استشراف المنظمة يكون بتوجهها بشكل أكبر نحو العملية وبشكلٍ أقل نحو المشروع.

 

وأخيراً أقول: إنّ الاستشراف الناجح لأي منظمة يعتمد بالدرجة الأولى على قدرتها في إنجاز تكاملٍ نامٍ ومستمرٍ وقوي في عملياتها الجوهرية (الاستراتيجية والابتكار)، ونجاحها في التقدم خطوة أخرى في صيرورتها المهنية وكفاياتها الذاتية، وتطوير قدرتها على التفكير الحاسم وصنع القرار وحل المشكلات، حتى تستطيع تلمس الاتجاه الصحيح في عالمٍ معقدٍ سريع الخطى.

 

قد يهمك أيضا

 

المصدر

 

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments