التحديات المستقبلية للذكاء الاصطناعي | د. محمد زهران

التحديات المستقبلية للذكاء الاصطناعي | د. محمد زهران

2023-12-07 11:00 ص

التحديات المستقبلية للذكاء الاصطناعي | د. محمد زهران*

 

تعميم استخدام أية تكنولوجيا يأتي دائما بعدد من التحديات تبدأ من الخوف من التكنولوجيا نفسها خاصة من عامة الناس ثم عدم الثقة في تلك التكنولوجيا ويأتي ذلك من الرعيل الأول من مستخدميها ثم ظهور بعض الأخطاء في الاستخدام في البدايات وأخيرا يأتي تأثير تلك التكنولوجيا على الاقتصاد ومن ثم على السياسة. ولا توجد تكنولوجيا تؤثر في العالم الذي نحن فيه الآن أكثر من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهي تؤثر على جميع مناحي الحياة وبالتالي تأثيرها أكبر وأوسع من أية تكنولوجيا قبلها حتى ثورة الاتصالات، وهذا التأثير الكبير يجعلنا ننظر وبدقة شديدة لمستقبل هذه التكنولوجيا والتحديات التي ستقابلها في المستقبل القريب لأن تلك التحديات لها تأثير كبير على مستقبل تلك التكنولوجيا وبالتالي تأثيرها على حياتنا.

 

منذ أيام قليلة أصدر البيت الأبيض أمر تنفيذي متعلق باستخدامات الذكاء الاصطناعي ويعتبر هذا الأمر هو الأشمل والأكثر تحديدا منذ ظهور تلك التكنولوجيا. الهدف من هذا الأمر هو زيادة الأمان في استخدام الذكاء الاصطناعي عن طريق دفع الشركات المتخصصة في إنتاج تلك التكنولوجيا بانتهاج استراتيجية أكثر شفافية عن كيفية تدريب برمجيات الذكاء الاصطناعي ونشر نتائج الاختبارات التي أجرتها على تلك البرمجيات قبل استخدامها الفعلي في الحياة، لكن هذا النشر ليس لجمهور الباحثين، ولكن فقط مع الحكومة الأمريكية خاصة إذا كان استخدام الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى الإضرار بالأمن العام (الأمريكي طبعا) في حالة الخطأ. لاحظ أن الذكاء الاصطناعي قد يخطئ، هو أكثر دقة من البشر في بعض المجالات لكنه ليس منزها عن الخطأ. الأمر التنفيذي أيضا يطلب من الشركات أن تُعْلِم المستخدمين أن ما يرونه هو من إنتاج الذكاء الاصطناعي وليس البشر، مثلا عندما تريد أن تشاهد فيديو يجب أن تعلم إن كان هذا الفيديو من إنتاج البشر أم الذكاء الاصطناعي.

 

هذا الأمر التنفيذي يعتبر أول تحدي لتلك التكنولوجيا لعدة أسباب:

• لا يوجد ما يدفع الشركات لتنفيذ هذا الأمر أو حتى إخفاء بعض المعلومات، خاصة أن هذا الأمر لم تتم الموافقة عليه أو حتى مناقشته من قبل الكونجرس.

• المنافسة بين الشركات قد تدفعهم فعلا لإخفاء بعض المعلومات.

• هذا الأمر أخذ في اعتباره الجيل الحالي، لكن ماذا عن الأجيال القادمة؟ وأقصد هنا الأجيال القادمة من البرمجيات والأجيال القادمة من رؤساء أمريكا.

وهذا يأخذنا إلى التحدي الثاني: ماذا عن الأجيال القادمة من الذكاء الاصطناعي؟

 

الناس تجد دائما تسلية في التنبؤ بالمستقبل. وإذا كان الأمر متعلقا بتكنولوجيا لها تأثير كاسح على حياتنا مثل الذكاء الاصطناعي فالتسلية أمتع بالنسبة للناس من كتاب وصحفيين وباحثين، بل وروائيين. هذا كله جميل لكن أغلب تلك التنبؤات تكون المبالغة فيها كبيرة جدا إما عن جهل أو لإعطاء جرعة تشويقية وترفيهية للنبوءة. هذه المبالغة تؤدي إلى إحدى نتيجتين: إما إلى خوف الناس أو إلى ارتفاع سقف التوقعات، وفى كلتا الحالتين النتائج كارثية. إذا خاف الناس فسيبتعدون عن تلك التكنولوجيا ويقاومونها وبالتالي ستقل سرعة إدخالها إلى الخدمة مما يودي إلى تأخر تلك الدولة الخائف أهلها عن ركب التقدم. النتيجة الثانية وهي ارتفاع سقف التوقعات فقد وجدنا أثره في تاريخ تلك التكنولوجيا نفسها. في ستينيات القرن الماضي حينما بالغت الصحافة في قدرات برمجيات الذكاء الاصطناعي المتوقعة ثم وجدت الحكومات والشركات الكبرى أن الوعود أكثر بكثير من المتحقق فأحجموا عن تمويل أغلب المشروعات البحثية في هذا المجال مما أدى إلى ما يشبه الموت الإكلينيكي له لمدة تزيد عن ربع قرن، ولا نريد أن يتكرر ذلك.

 

إذا حاولنا استشراف المستقبل القريب لبرمجيات الذكاء الاصطناعي دون مبالغة فماذا سنجد؟

 

• في المستقبل القريب جدا سيتم جمع المزيد من المعلومات عن كل البشر والطبيعة والمعاملات بين البشر.. إلخ وستتقدم أكثر الحاسبات فائقة السرعة سواء في القدرة التخزينية أو الحسابية، كل هذا يعنى أن الجيل الحالي من برمجيات الذكاء الاصطناعي ستصبح أفضل وأسرع.

• في المستقبل القريب سنرى تقدم في البرمجيات نفسها مما يجعلها تتقدم دون الحاجة لنفس الكمية الضخمة من المعلومات أو تكون لها القدرة على تصنيف المعلومات والتعلم منها بطريقة أفضل.

• سنرى أيضا برمجيات للذكاء الاصطناعي يمكنها التعاون مع بعضها وتبادل الخبرات للوصول لهدف معين، وقد ظهرت إرهاصات ذلك في بحث نُشر منذ أقل من شهر عن تجربة قام بها باحثون صينيون وأمريكيون حيث استخدموا عدة برمجيات من (ChatGPT) ليعملوا كفريق لتصميم برنامج كمبيوتر جديد، وقد قامت البرمجيات بعملها خير قيام وانتهوا من المهمة في سبع دقائق في حين أن الفريق البشري استغرق أربعة أسابيع. في المستقبل القريب قد تنتهي مهنة البرمجة كما نعرفها. لم يحن الوقت بعد لذلك لكنه قريب.

• بعد ذلك سنجد برمجيات لها القدرة على نقل خبراتها من مجال إلى آخر. حتى الآن كل برنامج من برمجيات الذكاء الاصطناعي تبرع في تخصص واحد دقيق مثل الرسم والمحادثة وبعض التخصصات الطبية.. إلخ لكنها لا يمكنها استخدام خبرات في مجال معين للوصول لإجابات في مجال آخر، وهو ما يبرع فيه المخ البشري.

 

*محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك في تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه في نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments