استشراف المستقبل (9) التعليم أولاً

استشراف المستقبل (9) التعليم أولاً

2020-01-29 8:08 م
الكاتب :

التعليم أولاً

 

يعتبر التعليم المرآة التي تكشف مكنونات المجتمع ومدى التقدم في جميع فئاته، فإذا أردنا أن نقيس حضارة أمة من الأمم؛ فأول مايلمع في مخيلتنا هو النظر إلى التعليم فيها، ولا غرابة في ذلك لأن التعليم هو قضية كل فرد وكل أسرة، إنه مطلب مجتمعي ملح يقع في مقدمة أولويات خارطة التنمية المستدامة، ويحتل حيزاَ كبيراَ في الخطاب السياسي الرسمي، وفي برامج العمل الحكومية، وكذلك في برامج وأنشطة المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وتجمع كافة الرؤى على أن التعليم هو الأداة الأساسية لاستثمار الموارد البشرية التي أصبحت تمثل العنصر الرئيس للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وهو العنصرالفاعل لتحديث القدرة على مواكبة التطورات العالمية المعاصرة والمستقبلية للتحول نحو مجتمع اقتصاد المعرفة.

 

لم يعثر الباحثون على تعريف محدد لاستشراف مستقبل التعليم، ولكن وبحسب الدراسات؛ فإن استشراف مستقبل التعليم يمكن تعريفه بصورة عامة بأنه محاولة للتوقع بمستقبل العرض والطلب على التعليم أو نوع معين من التعليم، سواء اعتمد ذلك على النمو الكمي في قيم متغيرات العرض والطلب الماضية والحالية أو على الآراء الشخصية المبنية على القراءة المتعمقة لمجرى الأحداث التي يتأثر بها العرض والطلب على التعليم. وتنطلق أهمية استشراف مستقبل التعليم من أهمية التعليم نفسه. فالشعوب تخصص جزءاً كبيراً من مواردها النادرة للتعليم، حالمة في أن يسهم ذلك في بناء مستقبل أفضل وأن يتحقق الرخاء المنشود، انطلاقاً من مبدأ : “إن أهم وأفضل مورد طبيعي للشعب هو أطفاله” (نجروبونت، 2001). ومن غير استشراف مستقبل التعليم والتخطيط له؛ فإن الموارد المخصصة للتعليم ربما تكون هدراً، وربما يتحول التعليم من عامل بناء إلى عامل هدم. ولذا فإن استشراف مستقبل التعليم يهدف إلى ترشيد القررارت التعليمية بهدف الاستغلال المثالي للموارد المتاحة؛ أي تحسين مستوى الكفاءة في توظيف الموارد العامة في مجال التعليم. فكما وصفه الحامد وآخرون (الحامد، 2002): “استشراف المستقبل التعليمي يستهدف وضع تصورات وبدائل واختيارات تساعد المسئولين وصانعي القرار التعليمي في اختيار مايناسب الأجيال القادمة من أنظمة تعليمية”.

 

وتتزايد أهمية استشراف المستقبل في التعليم بتزايد التنافس بين شعوب الأرض على كسب السبق في زمن العولمة والاقتصاد التكاملي، حيث تتنقل رؤوس الأموال باحثة عن البيئة ذات الجودة التعليمية العالية والتي تخرج عاملين أعلى مهارة وإنتاجاً وبالتالي تضمن عائدات أعلى للمستثمرين (وبمان، 2002). وبدون محاولة قراءة مستقبل الطلب على التعليم وكيفية مقابلة ذلك الطلب بشكل يضمن توزيع مثالي للموارد وتحقيق القدر الأقصى من الفاعلية في مقابلة معايير الجودة العالمية؛ لن يتأتى للشعب أن يقاوم القوى المنافسة.

 

لقد كان في التطور التقني أثره المباشر على القطاع التعليمي ولا يستبعد مستقبلا أن يكون للهاتف المحمول الأهمية القصوى في هذا المجال حيث يمكن الاستفادة منه في استقبال المعلومات والنتائج عن طريق ربطه بالأقمار الصناعية وتوجيه استخدامه إيجابياً ومعرفة سلبياته لتقديم علاج وقائي حيث يمكننا أن نسترشد بتجارب وخبرات الدول المتقدمة في هذا المجال، ولا أعني الانفتاح كلياً وقبول كل جديد على حرفيته، إذ يمكن أن يكون لهذا الانفتاح الأثر السلبي على مجتمعاتنا فنسيء لهم من حيث أردنا النفع، ولكن يمكن أن نعالج هذه السلبية وتكون مصدر تطوير ونفع لنا بعد صياغتها وضبطها بما يتماشى وقيمنا النبيلة وأهدافنا المرجوة من هذا التطوير ولا تتعارض مع ثقافتنا ومبادئ ديننا.

 

وأخيراً لابد لنا من الإيمان بأن المستقبل سوف يكون مغايراً لصورة الواقع الذي يعيشه القطاع التعليمي اليوم حيث أن التقنية المتغيرة سوف توجد بيئات تعليمية متجددة مما يتطلب مايلي:

 

٭ اعداد الموارد المادية والبشرية القادرة على التلاؤم معها وتوجيهها إيجابياً.

 

٭ إيجاد نظام تعليمي متطور قادر على مواجهة تحديات العصر، فعلى سبيل المثال لا الحصر “أثر العولمة في عناصر المنهج”.

 

٭ امتلاك القوة من المعرفة العلمية الحديثة حتى لا نقف مكتوفي الأيدي ونعجب بإبداعات الآخرين ونندم على ما فات.

 

٭ دراسة وتشخيص لرصد واقع التعليم وتقدير المستقبل.

 

٭ استخدام مناهج البحث العلمي الحديث في الدراسات الاستشرافية.

 

٭ العمل على الوحدة والتكامل والتنسيق دون التجزئة والفردية.

 

٭ تهيئة المناهج لتحقيق مساعدة المتعلمين في اكتساب مهارات التفكير والإبداع ومواجهة المواقف والتعلم الذاتي والتعاوني.

 

وخلاصة القول: إن تطوير التعليم أمام تحدي النهوض الذي يمكننا من مواكبة العالم في ذلك الميدان الهام.. ولا يجب أن نقف عند ذلك الحد من التطلع، بل يجب أن يكون لنا أفقٌ أوسع، ونظرٌ أبعد للتعليم خلال العشرين سنة القادمة حتى لانقع في فخ التعثرونضطر إلى إبطاء المسار أو توقيفه لأن ذلك يؤدي إلى خسائر فادحة واستنزاف للموارد والجهود المبذولة منذ انطلاقة المسيرة. فالتعليم يجب أن يتطور ويتحرر من الماضي والحاضر حتى يجد الإبداع، ويخرج من بين جدران الفصول الأربعة الى آفاق أرحب وميادين أوسع، ويغدو مواكباً للمتغيرات التي تتداخل فيها المخاطر المقلقة مع الفرص الواعدة.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating
كلمات مفتاحية : استشراف المستقبلالتعليم

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments