الحياة في عام 2050.. مدن المستقبل مستعدة لاستقبال اللاجئين من قسوة المناخ

الحياة في عام 2050.. مدن المستقبل مستعدة لاستقبال اللاجئين من قسوة المناخ

2022-02-14 9:15 ص

الحياة في عام 2050.. مدن المستقبل مستعدة لاستقبال اللاجئين من قسوة المناخ

 

من المرجح أن ارتفاع مستوى البحار وزيادة درجات حرارة الصيف، والشتاء الدافئ، وزيادة الفيضانات، والجفاف، والأوبئة، والتصحر، وتقلص إمدادات المياه العذبة؛ سيؤدي إلى جميع أنواع أزمات الندرة، والأزمات الإنسانية، وزيادة مستويات الوفيات.

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن التقدم التكنولوجي من حيث الطاقة المتجددة وقوة الاندماج وتطور علوم المواد والتكنولوجيا الذكية والتصنيع المضاف (الطباعة ثلاثية الأبعاد) واستكشاف الفضاء التجاري والتكنولوجيا الحيوية؛ سوف يؤدي إلى حقبة جديدة من الوفرة في الطاقة والثروة والصحة والموارد الجديدة.

وفي عصر يتنافس فيه تغير المناخ والتغير التكنولوجي على السيطرة على مستقبلنا، سيكون التحدي هو كيفية الاستفادة من أحدهما للتصدي للآخر. ويرى خبراء أن هذه المعركة ستظهر تجلياتها في مجالات مهمة هي نمو المراكز الحضرية، والتعلم الآلي، والذكاء الاصطناعي، واعتماد مبدأ اللامركزية في كل شيء، وتطوير المدن المستدامة، والتغلب على أزمة ارتفاع البحار وغرق السواحل.

 

الحياة في عام 2050.. مدن المستقبل مستعدة لاستقبال اللاجئين من قسوة المناخ

نمو المدن

من المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم زيادة كبيرة بحلول عام 2050.  وبالواقع، ووفقا لتقرير “الوقعات السكانية في العالم لعام 2019” الذي أعدته إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة؛ فإن قوائم التعداد العالمي ستبلغ حوالي 9.74 مليارات نسمة بحلول منتصف القرن الـ21.

وعلاوة على ذلك، يقدر تقرير صادر عن المعهد الدولي للبيئة والتنمية في عام 2020 أنه بحلول عام 2050، سيعيش ما يقرب من 68% من السكان في المراكز الحضرية؛ وهذا يعني أن عدد السكان بلغ 6.6 بليون نسمة، أو بزيادة قدرها 2.2 بليون نسمة على نسبتهم حاليا. ويمكنكم القول إن كل النمو السكاني تقريبا من الآن وحتى عام 2050 سيحدث في المدن.

وسيؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على السكن والكهرباء والمياه والغذاء والخدمات الأساسية والتعليم والنقل والخدمات الطبية في هذه الأماكن. وستضع البنية التحتية والموارد اللازمة لتلبية هذا الطلب ضغطا على البيئات المحيطة، التي تعاني بالفعل من ضغوط شديدة.

ولحسن الحظ، هناك جانب إيجابي لكل هذا النمو؛ ففي حين أن المزيد من الناس يعني احتياجا أكثر، فإن هذا يعني أيضا إنتاجا أكثر. وإذا كان هناك شيء واحد تكون المدن جيدة جدا فيه، فهو تعزيز الابتكار، وخلق صناعات جديدة، والتعبير الثقافي.

 

الحياة في عام 2050.. مدن المستقبل مستعدة لاستقبال اللاجئين من قسوة المناخ
من المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم زيادة كبيرة بحلول عام 2050 (مواقع التواصل الاجتماعي)

 

ونتيجة لذلك، سيتم بناء المدن في عام 2050 لتلبية الاحتياجات الأساسية لسكانها بطرق يجب أن تكون مستدامة. وهذا يعني إيجاد طرق للقيام بالمزيد بأقل التكاليف، ناهيك عن القضاء على النفايات قدر الإمكان. وكل هذا سيكون ممكنا من خلال:

 

المعيشة الذكية

فكرة “المنازل الذكية” هي فكرة انطلقت بالفعل في العقد الماضي. ويستند هذا المفهوم إلى فكرة “الهواتف الذكية” وغيرها من الأجهزة من هذا القبيل، والتي يمكن الوصول إليها في أي مكان يوجد فيه اتصال بالإنترنت.

وفي حالة المنازل الذكية، سيتمكن الشخص من الوصول إلى كل شيء في منزله (الأجهزة والآلات والمرافق، وما إلى ذلك) من خلال البلوتوث والإنترنت اللاسلكي. وفي المستقبل، سيمتد هذا إلى النقطة التي يصبح فيها “إنترنت الأشياء” حقيقة واقعة.

ويشير هذا المفهوم إلى الطريقة التي سيصبح بها العالم الرقمي والعالم الحقيقي متشابكين بشكل لم يسبق له مثيل. فمن ناحية، سوف يكون الدافع وراء ذلك تريليونات الأجهزة وأجهزة الاستشعار والعلامات الجغرافية التي تربط عددا لا يحصى من النقاط في العالم الحقيقي بالإنترنت.

ومن ناحية أخرى، تجربة الناس للعالم الحقيقي ستكون من خلال الواقع المعزز، و”الواقع الافتراضي” (AR/VR)، وبمساعدة الذكاء الاصطناعي. وعلاوة على ذلك، فإن القدرة على التواصل مع أي شخص تقريبا وكل شيء سوف تحدث ثورة في الطريقة التي نعيش بها. والغريب أن الكثيرين منا قد اختبروا هذا بسبب الوباء الأخير.

 

الأنظمة موزعة

وثمة تغيير آخر مثير للاهتمام هو الطريقة التي سيتم بها توزيع الطاقة والمال والسلع والخدمات، وحتى السياسة والإدارة في السنوات المقبلة. وفي حين أدت الثورة الصناعية إلى مزيد من المركزية في العمل والاقتصاد الذي لا يزال قيد الاستخدام حتى يومنا هذا، فإن عالم الغد سيكون لا مركزيا بالكامل تقريبا.

فاليوم، البنية التحتية لتوفير الكهرباء (المعروفة بـالشبكة الكهربائية) تتكون من العناصر المتصلة التالية: محطات توليد طاقة التي تقع بعيدا عن المناطق المكتظة بالسكان المتصلة بها، وأجهزة الإرسال الكهربائية لنقل الطاقة لمسافات طويلة ومحطات فرعية كهربائية تحول الجهد من عال إلى منخفض ومحولات التوزيع إلى المنازل والمباني الفردية.

وبحلول عام 2050، ستكون المدن قد وزعت محطات للطاقة تعمل بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومغناطيسية والطاقة الحرارية الأرضية والكتلة الحيوية وغيرها من مصادر الطاقة “الخضراء“.

وستوفر هذه المراكز المحلية الطاقة لمنطقة محددة، ومن المرجح أن توفر المباني الكبيرة قوتها الخاصة باستخدام الصفائح الشمسية المدمجة والتوربينات ومولدات الوقود الحيوي. ومع ذلك، فإن شبكات الطاقة لن تختفي، حيث إن تطوير طاقة الاندماج ومفاعلات “توكاماك” ستظل تتطلب مراكز توزيع.

 

المدن الكبرى الخضراء

نظرا للخسارة المستمرة للأراضي الصالحة للزراعة، ستصبح المدن أيضا مساحات أكثر خضرة، حيث تجتمع الهندسة المعمارية والبيئة من أجل الحياة الصحية. وقد صيغ هذا المفهوم -المعروف باسم “العمارة البيئية”- في عام 1969 عن طريق المهندس المعماري باولو سوليري، الذي اقترح هذا المفهوم كوسيلة لمعالجة الزحف الحضري وما يترتب على ذلك من تدمير المساحات الخضراء.

وفي التصاميم التي تتميز بالعمارة البيئية، تعايشت العمليات الزراعية والمساحات الخضراء جنبا إلى جنب مع المراكز السكنية والتجارية، وكان من المقرر استخدام المساحة بشكل أكثر إبداعا.

وفي حين أن معظم المدن ثنائية الأبعاد -مع ارتفاعات فردية تنتشر في المناظر الطبيعية (أو تتجمع في مناطق الأعمال المركزية)- فإن العمارة البيئية ثلاثية الأبعاد ومدمجة في البيئة المحيطة.

وقد عاد هذا التفكير إلى الانتعاش منذ مطلع القرن الـ21، وذلك بفضل تصاعد مشكلة تغير المناخ. واليوم، هناك عدد لا يحصى من الشركات المعمارية وأستوديوهات التصميم التي تتخصص في إنشاء المساحات الحضرية التي تذكرنا بمبادئ علم العمارة البيئية أو تحكمها بالمثل بنفس مبادئ الكفاءة والاستدامة.

“كريستال آيلاند” (Crystal Island):

وقد اقترح هذا النوع من العمارة البيئية نورمان فوستر، وهو مؤسس شركة الهندسة المعمارية “فوستر وشركاه” (Foster + Partners). وطبقا لاسمها فإن كريستال آيلاند سوف تكون بناية مضغوطة تشبه البرج المدبب والتي قد تبدو كالبلورات. وتلف البناية بأكملها كـ”جلد ثان” من النباتات يسمح بالتنفس، ويغلق في فصل الشتاء لمنع فقدان الحرارة، ويفتح في الصيف لتبريد الداخل.

وكان من المقرر دمج المبنى المخطط له بحديقة “ناغاتانسكايا بويما” وسط موسكو بارتفاع 1476 قدما (450 مترا) وعلى 27 مليون قدم مربع (2.5 مليون متر مربع) من مساحة الأرض، وبذلك سيكون أكبر هيكل على وجه الأرض. وقد تأجلت أعمال البناء في عام 2009 بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وظلت في طي النسيان منذ ذلك الحين.

 

“مدينة مصدر” (Masdar City):

سميت مدينة “مصدر” على اسم شركة التصميم التي تقوم ببنائها، وهي مشروع مخطط له لمدينة أبوظبي في الإمارات العربية. كما ستصممها “فوستر وشركاه”، وستكون المدينة مركزا لشركات الطاقة النظيفة، فضلا عن موقع مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا).

وتعمل مصدر بمزيج من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويتم التحكم في جميع الإضاءة والمياه بواسطة أجهزة استشعار للحد من الاستهلاك. والكثير من مياه المدينة هي مياه الأمطار أو يتم التقاطها من قبل المكثفات، وسيتم إعادة تدوير ما يصل إلى 80٪ من مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها أكثر عدد ممكن من المرات.

وأفاد الموقع الرسمي للمدينة أنه اعتبارا من عام 2016، فإن ألفي شخص يعملون في المدينة وأن 300 طالب فقط يقيمون هناك. ومع ذلك، من المتوقع أن يستمر التوسع حتى يصل إلى طاقته المخطط لها من 50 ألف مقيم، و1500 شركة، و60 ألف عامل يقومون بالتنقل اليومي.

 

“مدن البحر” (Cities at sea):

في عصر تغير المناخ، أدرج العديد من المصممين ارتفاع منسوب مياه البحر وفقدان السواحل في مفاهيمهم للعمارة البيئية. وقد تم اقتراح عدد من التصاميم بالفعل، ومن الأمثلة على ذلك؛ “بوسطن أركولوجي” (Boston Archeology) المعروف أيضا باسم “بي أو إيه” (BOA)، وهذا المفهوم لبناء ضخم بنظام المدن المستدامة في ميناء بوسطن تم تصوره من قبل كيفن شوبفر.

وتم تصميم هذه المدينة على شكل مستطيل مع هياكل متقاطعة في داخلها، وستضم 15 ألف شخص وتشمل الفنادق والمكاتب ومساحات البيع بالتجزئة والمتاحف وقاعة المدينة. واتساقا مع معايير القيادة في مجال الطاقة والتصميم البيئي، فإنها ستستمد قوتها من مزيج من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، وستكون بمثابة توسع للمدينة دون أن تضيف إلى الأثر البيئي للزحف الحضري.

 

“مدينة الحصاد” (Harvest City):

خلّف زلزال هايتي -عام 2010- 250 ألف قتيل، وجرح 300 ألف شخص، وتشرد حوالي 1.5 مليون شخص. وردا على ذلك، تصور شوبفر (بالتعاون مع “تانغرام دي إس 3) مدينة الحصاد، وهو مجمع عائم يتكون من وحدات عائمة مربوطة قطرها 2 ميل (3.2 كيلومترات)، وذلك قبالة ساحل “بورت أو برنس” في هايتي. وستكون المدينة قادرة على إيواء 30 ألف شخص من السكان داخل 4 مجتمعات محلية، وقد خصص ثلثان للزراعة، وثلث للصناعة الخفيفة، وكلها ستكون مترابطة بنظام قناة خطي، وستطفو المدينة بأكملها ومرساها في قاع المحيط، مما يقلل من تعرضها للصفائح التكتونية والزلازل إلى حد كبير.

 

“مدينة ليليباد” (Lilypad City):

اُقترح هذا المفهوم لمدينة عائمة من قبل فنسنت كاليبوت. وفي الأساس، توقع كاليبوت أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر واختفاء السواحل إلى ظهور ظاهرة جديدة تعرف باسم “لاجئي المناخ”.

ومع غرق المدن الساحلية في المحيط في هذا القرن، سيتعين نقل الناس إلى مرافق جديدة. ومن هنا جاء مفهوم ليليباد، وهي مدينة عائمة مكتفية ذاتيا تماما يمكن أن تستوعب ما يصل إلى 50 ألف شخص. وسيتم توفير الطاقة من خلال مزيج من الطاقة الشمسية والرياح والمد والجزر والكتلة الحيوية، في حين أن الهيكل بأكمله قادر على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي من خلال الجلد الخارجي لثاني أكسيد التيتانيوم.

 

“المدينة العملاقة هرم شيميزو” (Shimizu Mega-City Pyramid):

هذا بناء عملاق يعرف بـ “هرم 2004″ (TRY 2004)، واقترحته شركة “شيميزو” (Shimizu) في عام 2004 كحل لمشكلة طوكيو من الاكتظاظ السكاني. وهو مستوحى من الهرم الأكبر في الجيزة، سيتم بناء المبنى في خليج طوكيو، وسيبلغ ارتفاعه 6 آلاف و575 قدما (أكثر من ألفي متر)، ويؤوي مليون شخص. ومع ذلك، يعتمد التصميم بالكامل على توافر المواد الفائقة في المستقبل (مثل الأنابيب النانوية الكربونية). ويرجع ذلك إلى وزن الهرم الذي سيكون أكبر هيكل تم بناؤه على الإطلاق ويجب أن يتجاوز تحمل الإجهاد لمواد البناء الحالية. وفي حين كانت الخطة الأصلية ستبدأ في البناء بحلول عام 2030، ظلت شيميزو مصممة على إكمال البناء بحلول عام 2110.

ملخص

ومع تطور القرن الـ21، سيضطر العالم للمعاناة من خلال ظاهرتين متعارضتين رئيسيتين. وسوف يستمر التطور التكنولوجي في التسارع، مع ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على الطريقة التي نعيش بها، ونعمل، ونلعب، وحتى نأكل.

وفي الوقت نفسه، سوف يتصاعد تغير المناخ، مما يسبب اضطرابات شديدة في النظم الطبيعية جدا التي يعتمد عليها البشر من أجل بقائهم على قيد الحياة. ولحسن الحظ، هناك جانب إيجابي لهذه الفوضى من التناقضات.

ففي حين أن ارتفاع المد والجزر وزيادة الجفاف والعواصف وحرائق الغابات، وما إلى ذلك، سيكون كابوسا إنسانيا، فإنها ستضغط علينا أيضا لإيجاد حلول. وفي حين أن التقدم السريع للتكنولوجيا سيكون مصدرا دائما للإجهاد، فإنه سيجلب أيضا الابتكار الذي يعالج المشاكل البيئية. وسيكون وقتا غريبا، حيث سيقع العالم بأسره بين البقاء على قيد الحياة والازدهار، والندرة والوفرة، والركود والنمو. ومع ذلك، فإن إمكانية حدوث تغيير إيجابي موجودة ويمكن أن تؤدي إلى حقبة جديدة كاملة من تحسين المعيشة والاستدامة.

 

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments