الشرق الأوسط والطريق إلى عام 2027 | أ. د. وليد عبد الحي

الشرق الأوسط والطريق إلى عام 2027 | أ. د. وليد عبد الحي

2019-12-21 3:00 ص

الشرق الأوسط والطريق إلى عام 2027 | أ. د. وليد عبد الحي

 

يبدو لي أن المشهد الشرق أوسطي في العشرية القادمة تقريبا سيسير نحو تكريس بعض ما هو قائم وتغيير محدود في بعضه الآخر، بينما سيعرف تغيرا كبيرا في البعض الأخير منه. واستنادا لما حاولت دراسته، وما اطلعت عليه من دراسات مختلفة، يمكن وضع الفرضيات التالية التي سترسم الواقع الشرق أوسطي خلال العشرية القادمة:

 

1- ستكون العشرية القادمة هي الفترة الأكثر عسرا للحركات الاسلامية ولا سيما الاخوان المسلمين، نظرا لأربعة عوامل رئيسية هي: فقدانها لأي سند اقليمي في مواجهة الضغوط عليها (فهي لم تعد قادرة على توظيف التناقضات العربية لصالحها على غرار ما كان عليه الحال في الفترة الناصرية أو ما بعدها)، كما ان التنظيمات الاسلامية المسلحة جعلت الصورة اقل جاذبية لهذه التنظيمات بخاصة تناحراتها الداخلية، يضاف لذلك الخناق الدولي عليها وطبيعة التطور الانساني في مشهده العام، وأخيرا عداء المؤسسات العسكرية العربية لها.

 

2- تذبذب ثانئية السنة والشيعة مع ميل متواصل لتراجعها واحلال تدريجي لثنائية العروبة والفارسية، لعل الصدام الحاد بين الخليج (لا سيما التيارات السلفية بعمودها الفقري من الوهابية) مع حركة الاخوان المسلمين إلى حد وصفها “بالحركة الارهابية”، جعل الصراع السني السني مزاحما لثنائية الشيعة والسنة، ناهيك عن وقوف تيارات شيعية إلى جانب قطر ”السنية” في صراعها الخليجي، كما ان الثنائية الشيعية السنية لم تكن كاسحة إذ ان تيارات سنية كانت وثيقة الصلة بايران، ناهيك عن الوقوف التركي (السني) والايراني (الشيعي) في مواجهة الحملة على قطر.

 

3- المؤسسات العسكرية العربية عرضة لقدر من عدم الاستقرار داخلها بخاصة في الدول العربية الكبرى (مصر والجزائر والسعودية والعراق وسوريا واليمن وليبيا)، يبدو لي ان الدول التي تسير جيوشها في طريق انتصار عسكري على خصومها الداخليين ستزداد مطالبة بدور اكبر في صنع القرار السياسي، وان الدول التي لا تتضح فيها معالم المؤسسة العسكرية (كالعراق) ستعرف تناحرا داخليا بين اجنحتها، وبعض الدول قد تكون عرضة لانعكاس تغير بنية السلطة عليها على غرار احتمال توتر العلاقة بين الحرس الوطني السعودي والجيش السعودي أو التوجه نحو دمج الحرس بالجيش.

 

4- تراجع الاوضاع الاقتصادية العربية عبر استمرار الزيادة السكانية وتعثر مستويات النمو الاقتصادي من ناحية وعودة نسبة هامة من العمالة المهاجرة لا سيما من دول الخليج لاوطانها.. وتشير أغلب المعطيات إلى ان المنطقة العربية هي من اعلى مناطق العالم في الزيادة السكانية وهو ما يفقد أي نمو اقتصادي تاثيراته لا سيما وان معدلات النمو الاقتصادي متواضعة اصلا، فإذا اضفنا لذلك الانفاق العسكري وتراجع اسعار البترول وضمور الصناديق السيادية والاحتياطيات النقدية وتزايد الديون وسوء توزيع الدخل لا سيما بفعل الفساد السياسي والادراي أدركنا خطورة الاوضاع القادمة.

 

5- السياسة الايرانية ستبقى متغيرا هاما في تشكيل تفاعلات المنطقة، وقد تكون فترة ما بعد خامنئي هي الأكثر اهمية في الفترة القادمة، فإذا استطاع النظام السياسي الايراني ان يتكيف بقدر من اليسر مع غياب خامنئي فإن الدور الايراني سيبقى اكثر فاعلية، ولكن احتمال نشوب خلافات على تحديد دور وطريقة انتخاب وشخصية المرشد الجديد سيلقي بظلاله على دور ايران وعلى القوى ذات الصلة بايران داخل الجسد العربي.

 

6- عودة تركية لمحاولة المصالحة مع البيئة العربية لا سيما ان دور حزب العدالة سيصاب بالوهن داخليا، إذا يبدو ان تداعيات الحركة الانقلابية الفاشلة وموجات الاعتقالات الواسعة جدا وتوتر العلاقة مع الأكراد ومع أوروبا ومع الولايات المتحدة (في جوانب معينة) قد تجعل أردوغان أقل ثقة بطموحاته الأولى، وهو ما سيدفعه لاعادة النظر في بعض جوانب مشروعه الشرق أوسطي، ولعل تنسيقه مع روسيا في سوريا يشير لما نعنيه هنا.

 

7- الميل الاسرائيلي المتزايد نحو تسوية تقوم على اساس أولوية التطبيع العربي باوسع قدر ممكن على حساب أولوية تسوية الموضوع الفلسطيني، إذ تبدو اسرائيل على ثقة من أن مكانة القضية الفلسطينية تراجعت في ”الوجدان والحساب العقلي” السياسي لدى شريحة واسعة من المجتمع العربي، وعليه فهي ترى ان الباب اصبح أكثر قابلية لتوسيع ظهورها في العواصم العربية، وهو ما يعني انها ستجعل التفاوض على التطبيع معها يسبق تحديد ماهية التسوية الفلسطينية، وهو ما يعني مزيدا من الخلل في موازين القوى بين الطرف الفلسطيني والاسرائيلي، مما يعني الاستمرار في تهويد الضفة الغربية وحل الصراع لاحقا على حساب الجوار العربي.

 

8- المشروع الكردي في العراق سيواجه قدرا هائلا من الصعوبات المحلية والاقليمية والدولية، فإذا وضعنا في الاعتبار الخلافات الداخلية بين الاكراد والرفض القاطع من قبل دول الاقليم المعنية بالموضوع الكردي وبخاصة تركيا وايران والعراق وسوريا، مع ميل تدريجي امريكي لطلب تأجيل الاستفتاء على الاستقلال، فإن الاكراد سيواجهون مشكلات هائلة، فهم لا يستطيعون المرور إلى العالم إلا عبر أراضي وأجواء خصومهم.

 

9- قد يمتد عدم الاستقرار السياسي الداخلي إلى منطقة الخليج لكنه سيبقى في حدود انقلابات القصور وما يترتب على هذه الانقلابات من اضطراب، فنظرا لعمق التغيرات الثقافية والاقتصادية والسياسية التي تهز العالم والمنطقة العربية، فإن بنية النظم السياسية في الخليج أقل قابلية للتكيف مع طبيعة ايقاع التغير السريع، وهو ما سيعرضها للاهتزاز الشديد.

 

10- تزايد الوجود العسكري الصيني في المنطقة، فاتساع قاعدة المصالح التجارية وتنفيذ مشروعات بنك البنية التحتية الذي ترعاه الصين كرافد لمشروعها الاستراتيجي ”طريق واحد–حزام احد” والذي سيربط اقاصي آسيا بأقاصي اوروبا، فإن الصين بحاجة لحماية هذه المصالح لاحقا، وما قاعدتها العسكرية في جيبوتي وتدريب اسطولها في البحر المتوسط مع الاسطول الروسي إلا أول الغيث.

 

تلك هي الصورة العامة التي أراها، وبالطبع هناك تفاصيل واستثناءات كثيرة يمكن اثارتها، وهناك عناصر المفاجأة او الاحداث الطارئة او الكوارث الطبيعية ..الخ التي تتدخل في المشهد دون استئذان، ولكني معني هنا بالاتجاهات الفرعية على الأقل ..وتبقى ربما شاخصة دائما.

 

أ. د. وليد عبد الحي

 

المصدر

 

قد يهمك أيضاً

1 1 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments