الصدمة القادمة | أ. د. وليد عبد الحي

الصدمة القادمة | أ. د. وليد عبد الحي

2022-03-07 10:26 ص
الصدمة القادمة | أ. د. وليد عبد الحي
لن تكون صدمة المستقبل التي بشرنا بها آلفين توفلر في مطلع السبعينات من القرن الماضي هي الخاتمة بل هي التمهيد لكتاب ومسلسل الصدمات، فنحن مقبلون على تطورات تقنية ستهز منظومات القيم السائدة في العالم كله:
أولا: الوصول إلى الانسان الهجين المكون من نصف بشري ونصف آلي (cyborg)، فماذا سيترتب على هذه النتيجة؟ يخبرنا علماء البيولوجيا والطب أن عشرات الأعضاء في الجسم تم استبدالها بتقنيات صناعية، والتطور في هذا المجال يسير نحو:
أ‌- زراعة رقائق إلكترونية في الدماغ تجعل من غوغل مستقراً في رأسك
ب‌- سيكون هناك سباق جينات بدلا من سباق التسلح بين المجتمعات لخلق مجتمعات كل أفرادها آينشتاين أو ستيف هوكينغ
ت‌- يمكن أن تعيش المخلوقات الجديدة في أماكن لم يكن الانسان بنسخته الاولى قادراً على العيش فيها مثل قيعان البحور والمحيطات والفضاء الخارجي.
ث‌- إذا تم السماح باستنساخ البشر رغم المعارضة الرسمية حتى الآن لتكرار نموذج ” النعجة دولي” بشريا فإن مفهوم الاسرة والابوة والأمومة والقبيلة والعشيرة والقومية سيتغير تماماً.
ثانيا: إن الانسان الهجين سيدفع نحو إعادة النظر في القوانين كلها وفي إعادة النظر في النسيج الاجتماعي، وقد أثبت العقل البشري أن التراكم المعرفي وتحلل المفاهيم المحاطة بوجدان تاريخي وإعادة التنظيم المستمر من مرحلة لاخرى في الوجود الانساني هو الذي يجب التنبه له لانه ثابت من ناحية وله طابع خطي من ناحية ثانية.
ثالثا: فإذا كان توفلر قد نبهنا قبل خمسين سنة تقريبا في كتابه صدمة المستقبل بأننا في الطريق لإلغاء المسافة والزمن (بمفهومهما العلمي) وبأن إيقاع التغير وتسارعه سيخلق شبكات علاقات تعيد النظر في كل منظوماتنا القيمة، فإن كريس هابلز غري (Chris Hables Gray) يبشرنا في كتابه: المواطن السايبورغي: سياسات ما بعد العصر الإنساني (Cyborg Citizen:Politics in Posthuman Age) بآفاق جديدة كان عالم الكيمياء بريجوجين والحائز على جائزة نوبل قد بشر بها، أنه يرى أن تداخل الآلة والإنسان ببعضهما سيمثل مرحلة ثورة اعتبرها أهم نقلة في التاريخ الإنساني.
وهنا تتداعى سلسلة من الأسئلة المستقبلية:
– كيف سيكون شكل الحكومات..أم أننا ذاهبون لحكومات روبوت كما تقول دراسة صادرة عن الاتحاد الاوروبي؟
– هل نحن على أعتاب مرحلة “الثنائية الجنسية” أي أن تكون أنت نفسك ذكراً بشرياً وأنثى صناعية في ذات اللحظة أو العكس؟
– هل سيصبح الموت موضوع مناقشة إذا كان هناك استبدال لكل عضو تالف في الجسد؟
بالقطع كان الحديث قبل مئات السنين عن إلغاء المسافة والزمن أمراً خيالياً، لكنك الآن تعلم أن بعض الأطباء يجرون عمليات جراحية وهم على مسافة من مريضهم تفوق المسافة التي قطعها كولومبوس ليكتشف امريكا (33 يومأ)، وأنت ترى المتحاورين على شاشات التفلزيون يستمعون ويرون بعضهم رغم أن كلا منهم في قارة.. إنهم يبحثون في تزويد الكومبيوتر والروبوت بالعواطف بكل اشكالها… وهناك الكثير مما يجري في مختبراتهم علانية حيناً وسراً أحايين أخرى.
إن العقل الراكد هو ذاته العقل الذي يغالبه الحنين إلى الثواء عند الاطلال، عيناه تنظران إلى الخلف، بينما العقل الديناميكي هو الذي يغادر باستمرار، فهو قلق لأنه محروم من إلفة المكان ومن النازع المكاني (يسميها لورينز Territorial Drive) لكنه أدمن السفر في قوارب المعرفة، فمكانه الكون وزمانه الحركة.
لقد زرع الأطباء قلوبا جديدة ل 47 شخصاً، ثم سألوهم بعد العملية عن مشاعرهم فأجاب 44 منهم أن عواطفهم وميولهم لم يطالها أي تغيير، بينما قال ثلاثة أنهم يشعرون بالتغير لكن أطباء النفس أخضعوهم للفحص فتبين أن التغير ناتج عن هواجس تركتها العملية الجراحية والخوف من شخصية المتبرع… الخ، بل أن المريض الجنوب الإفريقي الذي زرعوا له قلب قرد أكد أن حبه لزوجته وأبنائه ووطنه لم يتزعزع.. فأين نذهب الآن بتراث كل شعراء القلوب..؟
إن الصدمات التي تلوح في الأفق تدعونا للتأمل، إنها تقول لنا أن القمر الذي جعلتموه مثالا للجمال والضياء تبين أنه غبار وخواء وحنى الضوء مصدره من غيره… لقد أبلغنا العالم الروسي (A Negfaken) أن كل ما نتخيله قابل للتنفيذ في مرحلة لاحقة.
نعم إن المسافر الحقيقي هو الذي لا يصل كما يقول الشاعر الألماني غوته.. ربما.
0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments