الصين 2025 | الجزء 2 من 2

الصين 2025 | الجزء 2 من 2

2019-11-22 3:00 ص

الصين 2025 | الجزء 2 من 2

 

بيوتر زيش*

 

3. صنع في الصين – 2030

 

في نهاية شهر سبتمبر/أيلول العام 2017، لم يترك رئيس هيئة الأركان المشتركة، جوزيف دانفورد، أدنى شك حول ما يمكن أن تتحول إليه هذه الإمكانات الاقتصادية، حيث قال “إذا نظرتُ إلى العام 2025، وألقيت نظرة على وضعية التركيبتين السكانية والإقتصادية، أعتقد أن الصين ربما تشكل أكبر تهديد لأمتنا بحلول العام 2025.” هذا هو الوقت المناسب ببكين، من اجل تحقيق الإستقلال في مجال الروبوتات والماكينات الآلية، حيث سيسير الرئيس شي جين بينغ، في منتصف الولاية الثالثة، على خطى ماو تسي تونغ الخالد، وعندما يكون الإتحاد الأوروبي على علم فعلي بعواقب خروج بريطانيا عبر “البريكست”، ومتى ستقوم كوريا الشمالية بصقل صواريخها العابرة للقارات برؤوس نووية. كل هذا قد يحصل ما لم يحدث شيء غير متوقع.

 

تدرك الصين خطورة ما يواجهها. فمن ناحية، هناك ضغط متزايد من البلدان النامية الأخرى التي تتولى عملية إنتاج سلع ذات كلفة منخفضة التصنيع لا تتطلب تكنولوجيات عالية، بحيث يمنعها الضغط الإجتماعي الداخلي في الصين من مواصلة المنافسة مع انخفاض الأسعار. من ناحية أخرى، تواجه بكين منافسة مع الإقتصادات المتقدمة للغاية، مثل ألمانيا، التي هي بالفعل في مرحلة تنفيذ التقنيات المتعلقة بـ “الثورة الصناعية الرابعة”. من وجهة النظر هذه، يمكننا اعتبار شعار “صنع في الصين 2025” محاولة للهروب إلى الأمام.

 

 

إن الإستراتيجية التي تبنتها الحكومة الصينية تسرد 3 خطوات لتحقيق اقتصاد حديث ومستقل وقيادي في العالم. في المرحلة الأولى وحتى العام 2020 ومن خلال عدد من الإعانات، سيصبح الجزء الأكبر من الإقتصاد آلياً، وعمليات البيع والإنتاج رقمية قدر الإمكان. بعد أربع سنوات، يمكن القول وعلى وجه اليقين أنه قد تم تنفيذ الخطة بمعظمها. تعد الصين أكبر مستفيد من الروبوتات الصناعية؛ ومع زيادة الأجور، فإن إنتاجية العمل تزداد أيضاً حيث إنها ترتبط ارتباطًا وثيقاً بالتنمية الإنتاجية. تم تقسيم المرحلة الأولى إلى فترتين زمنيتين: الأولى مذكورة أعلاه، والثانية من المفترض أن تنتهي في العام 2025 والتي تهدف إلى إحداث تغيير في هيكل المؤسسات الأكثر ربحية. يجب أن تكون شركات تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في المقدمة وأن تصبح شركات دولية، بحيث يجب على الصينيين تنفيذ هذه المرحلة بشكل مثالي ومتماسك إلى أبعد الحدود.

 

فلقد أصبحت “هواوي” – Huawei وZTE و”شاومي” – Xiaomi من أكبر الشركات العالمية لجهة فروعها، فهم يفاجئون المستهلكين بمنتجات جديدة، إضافة إلى أنهم يقفون خلف الثورة في مجال الإتصالات السلكية واللاسلكية وتقنية الجيل الخامس5G، التي تهيمن عليها الشركات الصينية دون منازع.

 

أما المرحلة الثانية في الإستراتيجية الإقتصادية فتبدأ من العام 2035، حيث ستكون الشركات الصينية (وبالتالي الإقتصاد) هي الأكثر ابتكاراً في العالم، فرساميلها المرتفعة ستضعها على مصافي الشركات العالمية الكبرى.

 

أما المرحلة الثالثة والأخيرة فتبدأ في العام 2049، حيث سيحصل الإقتصاد الصيني على أكبر طاقة إنتاجية ويصبح رائداً عالمياً، ليس فقط في الإنتاج لكن، وقبل كل شيء، في تنفيذ “الحلول المبتكرة”، وكذلك البحث والتطوير.

 

لتحقيق هذه الأهداف، تم إنشاء مؤسسات بحثية وإدارية جديدة، كما تم توفير بعض من أشكال الدعم للمؤسسات. فعلى عكس التوقعات، ليست الشركات الخاصة بل الشركات العامة الضخمة هي من ستلعب دوراً رئيسياً في تنفيذ الخطة بأكملها.

 

تدرك حكومة بكين جيداً أن الإقتصاد القائم على العمالة الرخيصة، ومقولة “مصنع العالم”، لن يجلب لها الكثير من الفائدة على المدى الطويل. في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن الأسواق الآسيوية واعدة للغاية. إلى ذلك، إن مسألتي الديموغرافيا والموقع الجغرافي تصب في صالح الصين، لكن أكبر عقبة تقف أمام تحقيق الهدف بالوصول إلى مرتبة أقوى اقتصاد هي الإفتقار إلى رأس المال والفكر التكنولوجي. تعامل الصين مع هذه المشكلة بطريقتين؛ أولاً، عبر تأسيس البنك الآسيوي للإستثمار والبنية التحتية، الذي يهدف إلى موازنة صندوق النقد الدولي، ولكنه يدعم عدداً من الإستثمارات في البنية التحتية بما في ذلك مشروع “طريق الحرير” الجديد. يصف توماس بيكيتي، الخبير المالي الفرنسي، الطريقة الثانية بأنها الإحتفاظ برأس المال بدلاً من زيادته في “رأسمال القرن الحادي والعشرين”.

 

“من المهم أن ندرك أن بعض الدول فرضت ضوابط على حركة رأس المال، وظلت بمنأى عن التدافع نحو إلغاء القيود الكاملة على التدفقات المالية والحسابات الجارية، والمثال الأبرز على ذلك هو الصين بعملتها غير القابلة للتحويل (على الرغم من أنها تصبح يوماً ما عندما تقتنع الصين بأنها اكتسبت احتياطيات كافية لـ “دفن” أي مضارب على الرنمينبي). كما فرضت الصين ضوابط صارمة على كل من رأس المال القادم (لا يمكن لأي شخص الإستثمار في أو شراء شركة صينية كبيرة دون إذن من الحكومة، والتي يتم منحها بشكل عام في حال إكتفى المستثمر الأجنبي بشراء حصة قليلة)، ورأس المال الخارج (لا يمكن نقل الأصول من الصين دون موافقة الحكومة). تعد مسألة خروج رأس المال قضية حساسة حالياً، وهي في قلب النموذج الصيني لتنظيمه. وهنا يمكن طرح سؤال بسيط: هل أصحاب الملايين والمليارات في الصين، الذين تنتشر أسماؤهم على نحو متزايد ضمن تصنيفات الثروة العالمية، يمتلكون ثرواتهم حقاً؟ هل يمكنهم، على سبيل المثال، سحب أموالهم من الصين إذا ما رغبوا في ذلك؟”

 

 

4. بولندا والصدام مع القوى العالمية

 

كان “طريق الحرير” الجديد يمر عبر الأراضي البولندية. لقد تم إختيار بلدنا، بشكل طبيعي، نظراً لموقعه الجغرافي المثالي.

 

وما يثير السخرية أن الجغرافيا التي اشتكى منها أسلافنا لعدة قرون قد تكون أعظم رصيد لدينا في حالة دمجها ضمن أقوى خطط للبنية التحتية والإقتصادية. في لودز – Łódź، التي تأثرت بشكل خاص بالتحول السياسي بالإضافة إلى حقبة ما بعد الصناعة، كان من المقرر إنشاء مركز كبير فيها لإعادة شحن البضائع، إذ كان من المقرر بناء عشرات المستودعات والمصانع.

 

هذه الإستثمارات، التي كان من الممكن أن تصبح من خلالها “بوابة” إلى أوروبا نحو للصين، لم يعد مطروحاً لسوء الحظ. تم تقديم العديد من الأسباب لتفسير الأمر من بينها اقتراح لوزير الدفاع الوطني آنذاك، أنتوني ماكيريوفيتش – Antoni Macierewicz الموالي للولايات المتحدة، الذي لم يوافق على المرور عبر أو بيع الأراضي التابعة للجيش من أجل تنفيذ هذا الإستثمار. هل كانت هذه مجرد شائعات تزامنت مع عمليات شراء عتاد عسكري كبير من الشركات الأمريكية العملاقة؟ سوف أترك هذا السؤال مفتوحاً للقراء.

 

ومع ذلك يبدو أنه ومن الجدي العودة إلى بداية النقاش، لا سيما الجزء المتعلق بالشركات عبر الوطنية. يمكننا التأكيد بأن الشركات الغربية ذات التوجه الربحي البحت، بما في ذلك الشركات الأمريكية، والتي تستفيد من تلك الاستثمارات، على المدى الطويل، لا تتناسب مع التكاليف التي تكبدتها السوق المحلية، على سبيل المثال. على المقلب الآخر، قد ينتهي التعاون مع الشركات الصينية بنفس الطريقة التي إنتهت به قصة “فاوست” – Faust.(1)

 

عند النظر إلى آثار السياسة الإقتصادية الأمريكية، على الرغم من أن مصطاح “المستعمرين الجدد” سيكون أكثر دقة هنا، في أمريكا الوسطى بأم العين ستشعر بالصدمة. تعتمد بلدان أمريكا اللاتينية على المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة في أغلب نواحي الحياة، والتي تتراوح ما بين السيارات والآلات إلى الغذاء والمياه المعدنية، كما أن معظم المطاعم الموجودة فيها تعود إلى سلسلات مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية، بحيث أن الجزء الأكبر من ممتلكاتها العقارية موجود ضمن أغنى بلد في أمريكا الوسطى، أي بنما، الذي تتحكم به صناديق الإستثمار الأمريكية. ليس من قبيل الصدفة الإشارة إلى مجموعة أمريكا الوسطى، حيث أن تلك المنطقة معولمة بالكامل، وتعتمد على رأس المال الدولي. فإتخاذ أي قرار من قِبل تلك الشركات قد يتسبب بفقدان عشرات الآلاف من الأشخاص لوظائفهم.

 

الصين تعد أقل تدخلاً في هذا المجال، فهي تمنح القروض وتنقل التكنولوجيا وتستخدم المقاولين من الباطن في البلدان التي تستثمر فيها. ومع ذلك وفي التحليل النهائي، يمكن القول بأن كلاً من الحكومة والشركات الصينية هي من يشارك، أكثر من غيرها، في الربح للعديد من الإستثمارات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

 

في هذا المجال، تبدو بولندا غير عادية للغاية. وفقاً لدراسة حديثة لشركة DHL، بمساعدة مؤشر Global Connectedness Index – GCI، كان بلدنا في المرتبة الـ 36 من أصل 169 دولة لجهة العولمة، متقدماً على كندا واليابان. وهذا يرتبط بكون الإقتصاد البولندي أقل مقاومة للإضطرابات في الأسواق العالمية، من ناحية. من ناحية أخرى، إن المستفيدين الرئيسيين من الصادرات البولندية هم دول الإتحاد الأوروبي.

 

في خضم الحرب التجارية التي نشهدها اليوم بين الولايات المتحدة والصين، يمكن القول بأننا جميعاً في وضع “غير مريح”. من ناحية، إن الإقتصادات الأوروبية تنفتح على نحو متزايد على التعاون الإقتصادي مع الصين، بينما من ناحية أخرى، يشدد الإقتصاد البولندي، على الرغم من المنطق الإقتصادي، على التعاون المتزايد مع الولايات المتحدة. لذلك، وصلنا إلى النقطة التي تتعاون فيها الدول الأوروبية بشكل متزايد مع الصين، وفي الوقت نفسه هي أكبر مستورد للبضائع البولندية. على النقيض من ذلك، تتجه الحكومة، ومن خلال سياستها الإقتصادية، للمزيد من التعاون مع الولايات المتحدة، البلد الذي يشن حرباً تجارية وجمركية مع “المملكة الوسطى”.

 

هل ستكون هناك وصفة ذهبية للإقتصاد البولندي في سياق صراع الإمبراطوريات؟

 

ينتظر أحد أجنحة السياسة البولندية إختضان “العم سام” بفارغ الصبر، بينما يشير الجناح “الموالي لأوروبا” إلى تعاون أوثق من دول الإتحاد الأوروبي كقوة موازية لهيمنة الولايات المتحدة والصين. لسوء الحظ، لم تختر الدبلوماسية البولندية أبداً الطريق الصعب، أو حتى إقامة التوازن المطلوب فيما بين القوى العالمية والبحث عن حلول عملية لبلدنا.

 

لكن يبقى هناك شيء وحيد مؤكد. بغض النظر عن الحرب التجارية الجارية، كل طرف يريد، في المقام الأول، الحصول على القوة والربح. بالنسبة للبولنديين، من السهل أن تكون حكيماً بعد وقوع الحدث لكن من الأفضل أن تكون حكيماً قبل وقوعه.

 

“أعتقد أن على الجانبين، الصين والولايات المتحدة، العمل بجدية لبناء نوع جديد من العلاقة بين القوى الكبرى. يجب على الجانبين التعاون مع بعضهما البعض لتحقيق نتيجة مربحة للجانبين من أجل مصالح الشعوب في كلا البلدين والعالم.” شي جين بينغ – الرئيس الصيني

 

*كاتب بولندي

 

المراجع:

 

(1) فاوست أو فاوستوس (باللاتينية: Faustus) هو الشخصية الرئيسية في الحكاية الألمانية الشعبية عن الخيميائي الألماني الدكتور يوهان جورج فاوست الذي يحقق نجاحاً كبيراً ولكنه غير راضٍ عن حياته، فيُبرم عقداً مع الشيطان يسلم إليه روحه في مقابل الحصول على المعرفة المطلقة وكافة الملذات الدنوية. (المترجم)

 

مراجع مستعملة في البحث:

 

(1) راجع: https://bit.ly/2K859Ei

(2) راجع: https://bit.ly/2NzrNr5

(3) راجع: https://bit.ly/2K7weHk

(4) راجع: https://bit.ly/2Q7a4c3

(5) راجع: https://bit.ly/33BjBvU

(6) راجع: https://bit.ly/2K5DuUe

(7) راجع: https://bit.ly/34OkK3s

(8) راجع: https://bit.ly/33BDfIj

(9) راجع: https://bit.ly/34PXMca

(10) راجع: https://bit.ly/2K4MIzZ

(11) راجع: https://bit.ly/33BjRem

(12) راجع: https://bit.ly/2rvLqYC

(13) راجع: https://bit.ly/2rwhOKD

(14) راجع: https://bit.ly/2qCgbdU

(15) راجع: https://bit.ly/2p5kUEB

(16) راجع:

Thomas Piketty, “Capital in the Twenty-First Century”, Harvard University Press, 2014.

(17) راجع:

Witold Kieżun. “Patologia Transformacji”. Poltext. 2011

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments