العالم 2030: رؤى استشرافية لعالم لم يعد أحادي القطبية | عرض: نعيمة أبو مصطفى

العالم 2030: رؤى استشرافية لعالم لم يعد أحادي القطبية | عرض: نعيمة أبو مصطفى

2019-11-01 3:00 ص

العالم 2030: رؤى استشرافية لعالم لم يعد أحادي القطبية

قراءة وترجمة: د. إبراهيم فؤاد حسن

عرض: نعيمة أبو مصطفى

11 أغسطس/آب 2017

 

ترجمَ الدكتور إبراهيم عباس عدداً من الكتب والمقالات خلال فترة زمنية ممتدة، ثم جمع هذه الترجمات في كتاب صدر في عام 2016، عن مؤسسة كتابي للطباعة والنشر بالقاهرة في حوالي 226 صفحة من القطع الكبير، وشملت هذه الترجمات معلومات استشرافية مرتبطة بما حدث من تبدُّلات عالمية غيرت مسار وتاريخ وجغرافية دول، وسمحت بظهور كيانات جديدة لم يشهدها التاريخ من قبل.

 

عرض الكتاب مجموعة من الكتب والمقالات والأبحاث التي قام إبراهيم عباس بترجمتها، والتي تدور حول أهم المتغيرات في النظام الدولي الجديد الجيوسياسية التي أصابت الشرق الأوسط في ما سمي بـ (الربيع العربي)، وانتشار التنظيمات الإرهابية المسلحة التي احتلت مناطق عربية شاسعة وسيطرت على ثرواتها النفطية. بالإضافة إلى المتغيرات الاقتصادية. وتأتي أهمية الكتاب لما تضمنه من التوقعات المستقبلية واستشراف الأحداث، وتحليل لهذه الكتابات للوقوف على مدى مصداقية الباحثين.

 

قُسم الكتاب إلى أربعة فصول، جاء الفصل الأول بعنوان: كيف سيبدو العالم بعد نحو عقد ونصف؟ متضمناً 14 نقطة، من خلال تقرير يجيب على خمسة أسئلة تحدد شكل العالم عام 2030 الذي لا يبعد عنا سوى ثلاثة عشر عاماً تمر سريعاً، وأعد هذا التقرير نخبة من خبراء السياسة الدولية من الولايات المتحدة، ويصدر هذا التقرير عقب كل فترة رئاسية أمريكية أي كل أربع سنوات.

 

كشف هذا الكتاب عن خطأ التوقعات السابقة التي تفيد بصعود دول بعينها وانزواء أخرى، حيث جاء بتوقعات مقاربة للواقع الذي نعيشه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور عالم ثنائي القطبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ثم تفتت الأخير وانفراد العالم بقوة أحادية القطبية ثم الانتقال إلى المستقبل؛ عالم متعدد القطبية تم تقسيم دول العالم إلى عدد من الأقطاب المؤثرة في الوضع الجيوسياسي.

 

وخير دليل على ما جاء به هذا الكتاب هو ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية من انقسام على مستوى الشعب الأمريكي وظهور أكثر من قوة معارضة للسياسة التي يتبعها الرئيس الحالي دونالد ترامب.

 

ومن هذه التوقعات ما جاء في تقرير مايرون بريليانت نائب الرئيس الأول للشؤون الدولية في غرفة التجارة الأمريكية المسؤول عن توجيه استراتيجية منظمة التجارة العالمية بخصوص الوهن في المؤسسات الدولية التي تتدخل في رسم السياسات الاقتصادية للدول مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة والصحة العالمية. وكذلك الدور المتوقع لمجموعة G-20 للدول المتقدمة والنامية، ومجموعة G-8 والتي تضم الدول المتقدمة فحسب، ولماذا يجب التفريق بين هذه المجموعات؟

 

ومن الأسئلة التي أجاب عليها هذا الفصل هل ستساهم الاقتصاديات الصاعدة في المسؤولية الدولية أم ستنشغل بالتحديات الداخلية؟ وهل هناك حاجة لتطوير الشبكات والمؤسسات الداخلية لهذه الدول الصاعدة؟ وهل ستتبنى هذه الدول مبدأ تكافؤ الفرص واقتصاد السوق أم ستنتهج سياسة مختلطة من النظامين الرأسمالي والاشتراكي؟ وما هو مدى التزام هذه الدول بالقيود الخاصة باستهلاك الموارد العالمية من النفط والماء؟

 

كما تناول الدكتور وولتر سي لادونج الأستاذ الزائر في معهد الخدمات العامة الملكي لدراسات الدفاع والأمن (RUSI) دور الولايات المتحدة في قيادة العالم حتى 2030، وقام بتحليل وقياس قدرة القوى الناشئة على قيادة العالم، ومدى مساهمة القدرات العسكرية والاقتصادية في ذلك مستشهداً بأزمة الكساد العظيم التي وقعت أثناء الحربين العالميتين.

 

وأجاب لادويج عن مدى قدرة كل من الصين، والهند، والبرازيل، وروسيا على التخلص من القيود التي تمنعهم من الانفراد بقيادة العالم، ودور النزعة الإقليمية المتفشية في ذلك، وتعقيدات منظمة التجارة العالمية، وانتشار الأسلحة النووية، وتغيرات المناخ…الخ من المؤثرات التي سوف تسهم في تشكيل العالم 2030.

 

أما علاقة أمريكا بكل من الصين والهند خلال الفترة القادمة فجاءت في قراءة لمدير مركز الدراسات الآسيوية في مؤسسة التراث والتر لوهمان ليحدد لنا مدى تأثير هذا المثلث على النظام العالمي، وكيفية تغلبهما على نقاط التعارض والمنافسة فيما بينهما، وشكل العالم في ظل هذا التحالف.

 

أكد جيفري جيدمين رئيس معهد ليجاتوم بلندن على عدم صحة التنبؤات الاقتصادية السابقة ومنها أن انتشار التجارة العالمية وتوسعها يمكن أن يمنع نشوب الحروب، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، وارتباط ذلك بأزمة القيم الإنسانية والأخلاقية في أمريكا، وعدم مراعاة مصالح الدول الأخرى. وشارك جيدمين الرأي رئيس منتدى تيبي ومستشار الأمن القومي الأسبق د. سو تشي وأضاف تشي شرحاً لأزمات المجتمع الأمريكي والصيني التي لا يعرفها المواطن العربي.

 

احتلت الصين جزءاً كبيراً من المقالات المترجمة، وخاصة الصعوبات التي تواجهها لتحل محل أمريكا في الهيمنة على العالم مع إطلالة 2030 على الرغم من اعتراف معظم الكتاب بأن الصين قوة عظمى متعددة الأبعاد (اقتصادية، عسكرية، علمية، تكنولوجية) ولديها شبكه علاقات وحلفاء على مستوى العالم يضمن لها الوصول إلى الأمن والموارد الطبيعية والأسواق.

 

تناول القسم الثاني الملف النووي الإيراني من خلال التطورات والتحديات، والمخاوف. وتم تقسيم هذا القسم لستة عناوين رئيسية، منها ترجمة كتاب عن احتواء إيران واستراتيجيات مواجهة التحدي النووي للكاتب د. روبرت جي. ريدروم صدر عن مؤسسة راند أكتوبر 2012 الذي تطرق لقوة إيران النووية، ومدى القدرات الأمريكية في الحد من التطور النووي الإيراني أو احتوائه والسيطرة عليه لحماية حلفاء أمريكا في المنطقة.

 

قدم الكتاب عدداً من المخاوف الأمريكية لامتلاك إيران السلاح النووي توضح هذه المخاوف استراتيجية أمريكا الخفية غير المعلن عنها تجاه الشرق الأوسط، وما هي نقاط الضعف التي تواجهها واشنطن في سبيل تحقيق هدفها هذا، ومدى المساهمة الأمريكية في صنع أعدائها، المساهمة الأمريكية في تنامي المشروع النووي الإيراني ثم الحصار الأمريكي الإسرائيلي لهذا المشروع، والسياسات المتبعة لذلك.

 

ذخر كتاب ريدروم بالتاريخ النووي الإيراني ومدي تشابكه وتقاطعه مع البرامج النووية الأخرى مثل البرنامج النووي الصيني، والدعم الذي تلقته إيران لبرنامجها النووي، ومعامل تخصيب اليورانيوم والوقود.

 

ركز ريدروم على أمن إسرائيل والخليج، والمصالح الأمريكية من المنظور الأمريكي، والخطط الموضوعة لحماية هذه المصالح من الخطر الإيراني، وكذلك العلاقة المعقدة بين إيران وروسيا والتي صاغاها المؤلف بشكل جديد ومختلف عما هو شائع، وأيضاً علاقة إيران بالصين التي تحدت الحصار المفروض على إيران وكسرته لأن الصين ليست حليفة لأمريكا.

 

قدم لنا د. إبراهيم عباس ترجمة لمذكرة قدمتها باحثة في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط والمستشارة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية سوزان مالنوني وجهت فيها رسالة إلى باراك أوباما تحثه فيها على الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران شارحة الفوائد من وراء هذا الاتفاق، والمحاذير من الخطر النووي الإيراني.

 

ولم تكن هذه المذكرة هي الوحيدة التي تم تقديمها للرئيس أوباما بل قدم لنا المترجم مذكرة أخرى للباحثين بيتر دبليو سينجر وتوماس رايت بعنوان عقيدة أوباما بشأن قواعد جديدة للحروب أكدت هذه المذكرة على أهمية تبني عقيدة محددة شبيهة بتلك التي ارتبطت بالرئيسين ترومان وآيزنهاور في الأربعينيات والخمسينيات الخاصة بالسلاح النووي حول تقنيات السلاح الجديدة التي استخدمها أوباما بالفعل والمتمثلة في هجمات الطائرات بلا طيار واستخدام الفيروسات في الحرب كخيار ثالث في مواجهة البرنامج النووي الإيراني. وأوصى الباحثان بضرورة تبني هذا الخيار كأداة للردع. وطالبا بوضع ضوابط خاصة بهذه التقنيات الحديثة.
وجاء القسم الثالث ليلقي الضوء على المتغيرات الدولية وآثارها المتوقعة بادئا بترجمة كتاب عندما تحكم الصين العالم-نهاية العالم الغربي ومولد نظام عالمي جديد لمؤلفة الصحفي البريطاني والباحث في المركز الدولي للدراسات الصينية مارتن جاك الذي صدر في العام 2009، والذي قدم لنا تصوراً شاملاً للتداعيات التي تنتج عن صعود الصين على الساحة الدولية، ولأهمية هذا الكتاب شهد نسبة مبيعات تصل إلى ربع مليون نسخه وترجم إلى 11 لغة.

 

وقدم لنا جاك رؤيتين متناقضتين للدور الصيني المستقبلي من خلال تحليل لتاريخ أمريكا والصين، والسياسات التي تتبعها كل منهما. كما قدم لنا إحصائيات تشير الى تقدم الصين كدولة نامية على أمريكا بوصفها دولة متقدمة ومن أهمها أن مدخرات الدول النامية حققت 65% من الاحتياطي النقدي العالمي مقابل 35% للدول المتقدمة في العام 2010. وكذلك توقع أن يتساوى الناتج المحلي للصين عام 2025 مع أمريكا، ولكنه سيتضاعف عن أمريكا في 2050.

 

أضاف لنا المترجم كتاباً أخر يوضح أن العالم لم يعد لأمريكا وحدها لمؤلفه الأمريكي الجنسية هندي الأصل زكريا فريد، تنبأ فيها بالربيع العربي من خلال ثورة الاتصالات وعصر نهوض الآخرين ويقصد بهم من هم خارج السيطرة الأمريكية مستنداً إلى بعض المؤشرات الاقتصادية لاسيما للهند وأمريكا وتركيا والبرازيل.

 

انتقام الجغرافيا كتاب مترجم عام 2012، حول نزاعات المستقبل والمعركة ضد المصير للمؤلف روبرت دي كابلان صدر في عام 2012 الذي ركز فيه على النزاعات الإقليمية والدولية وأهميتها في رسم الجغرافيا متخيلا خريطة العالم وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وضعف المكسيك، وتراجع الاقتصاد الأمريكي وتنامي الاقتصاد الصيني، والأخطاء التي وقعت فيها أمريكا خاصة الحروب التي خاضتها في الشرق الأوسط. وكذلك مصلحة باكستان في تفكك أفغانستان.

 

اختتم الكتاب بالقسم الرابع عن الملف الأمني وتحدي الإرهاب والذي تناول ثماني ترجمات عن الإرهاب الدولي انتقى المترجم أهمها وهي حادثة تفجير سباق!؟ في اليمن عام 2013، واغتيال السفير السعودي في أمريكا عام 2016، والاتهامات والشكوك التي تدور حول هذه الحوادث. كما تناول تقرير لـ فورين بولسي في عام 2014عن الصعوبات التي تواجه أوباما في القضاء على تنظيم القاعدة، وفشل الضربات الجوية لمقرات القاعدة في القضاء على الإرهاب.

 

وهناك تقرير مترجم لرئيس تحرير مجلة “واشنطن ريبورت” عام 2014، 2015 في غاية الخطورة يكشف عن الدور الأمريكي في ظهور داعش، وكذلك الدور الأمريكي في تدمير العراق، وسوريا، وأجاب التقرير على عدد من الأسئلة منها من أين تحصل داعش على الأموال؟ ولماذا ينضم البعض لداعش؟ ولماذا يعزف العراقيون والسوريون عن قتال داعش؟ ولماذا تشن أمريكا غارات جوية على داعش؟ وعلاقة أمريكا بالقائد الإيراني قاسم سليماني؟

 

ومن الأوراق الخطيرة أيضاً التي انتقاها لنا المترجم تقرير عام 2014عن أمن الخليج أولوية أمريكية حتى عام 2040 وأهم المؤشرات الدالة على ذلك بما فيها المصالح النفطية وحجم التبادل التجاري، والعامل الديني، والتوازن الأمني في منطقة الخليج، والهاجس من إيران وكيفية تدعيمه وتقويته لدي دول الخليج لضمان الوجود الأمريكي.
ولقد اتسم الكتاب من حيث الشكل بالتناسق بين الفصول، وترتيب الموضوعات، ومن حيث المضمون تم اختيار المقالات والكتب بعناية فائقة من المترجم نتيجة خبرة عميقة وقراءات متعددة ومتنوعة، بالإضافة إلى الوعي والنضج الفكري والسياسي للمترجم أعطى ميزة لاختيار هذه الموضوعات التي تعطينا فكرة لما يدور بخلد المفكرين والكتاب الغربيين بشأن مستقبل العالم وإدارته.

 

وينصح بقراءة هذا الكتاب لكل مستشرف للمستقبل من الساسة والكتاب والمحللين ومتخذي القرار، والباحثين.

 

المصدر

5 1 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments