ما الفرق بين استشراف المستقبل والتخطيط الاستراتيجي؟ | عبدمرزوق الظهوري

ما الفرق بين استشراف المستقبل والتخطيط الاستراتيجي؟ | عبدمرزوق الظهوري

2019-12-20 3:00 ص

ما الفرق بين استشراف المستقبل والتخطيط الاستراتيجي؟ | عبدمرزوق الظهوري

 

إن الوعي بالمستقبل واستشراف آفاقه وإدراك تحدياته وفرصه من المرتكزات المهمة لصناعة أي نجاح، سواء على الصعيد المهني أو الصعيد الإجتماعي أو الصعيد الحضاري، فإذا لم يمتلك الأشخاص أو المجتمعات رؤية واضحة للمستقبل الذي يريدونه فإنهم سيفشلون ويتحولون إلى مجرد رد فعل على تصرفات الآخرين الذين سوف يصنعون المستقبل المفضل لهم.

 

وفي ظل هذه الظروف التي تتسم بالتغير والإضطراب الشديدين، تبرز لنا أهمية الإستشراف الإستراتيجي، باعتباره مكملا لعمليات التخطيط الإستراتيجي، بعد أن أصبح الإعتماد على طرق التخطيط التقليدية دون أن تسبقها عملية استشراف أمرا شاقا ومحفوفا بالمخاطر. فهذه الطرق تعتمد فقط على عملية الإستقراء للمتغيرات الواضحة دون التعمق والتطرق إلى المتغيرات الأخرى والإشارات المختلفة التي يمكنها بالفعل تغيير شكل المستقبل.

 

يأخذ التخطيط المستقبلي التقليدي نظرة واحدة للمستقبل اعتمادا على خبرات الماضي وعلى الفرص الواضحة، مع توظيف نقاط القوة لأجل اقتناصها. وهذه الطريقة لن تجدي نفعا في الوقت الراهن؛ فأي تغير وإن كان بعيدا جغرافيا أو ضعيفا في البداية من الممكن أن يمثل تهديدا لا يهدد الخطة الإستراتيجية فقط لكن كيان الشخص أو المؤسسة أو الدولة. ومن هنا تبرز أهمية الإستشراف في أنه يمثل نظرة واسعة وعميقة من أجل تجميع المعلومات وتحليلها ومعرفة التوجهات والإشارات المختلفة التي يمكن أن تمثل فرصا أو تحديا في المستقبل، ومن ثم يتم وضع الخطط والإستراتيجيات اعتمادا على نتائج الإستشراف من خلال تصور مختلف للمستقبل، لا يعتمد فقط على نظرة أحادية بل سيناريوهات مختلفة تمكن المديرين وأصحاب القرار من الإستعداد لمختلف الإحتمالات عن طريق بناء القدرات وتوظيف الموارد المختلفة المتوفرة حاليا لما سوف يواجهونه في المستقبل.

 

ولا تكمن الأهمية الشديدة للإستشراف في محاولة استكشاف المستقبل والتعرف عليه فقط، لكن أيضا في محاولة إجراء تغيير إيجابي عبر التحكم في محركات التغيير في الوقت الحاضر من أجل مستقبل أفضل.

 

إن التخطيط الاستراتيجي قائم على التنبؤ بأن كل شيء سيحدث في المستقبل ما هو إلا امتداد من الماضي إلى الحاضر ومنه إلى المستقبل من خلال عملية رياضية آلية مقتنعين بأن الفرص والمخاطر القادمة هي ذاتها التي واجهناها في الماضي. وفي عالم ليس بهذا المستوى من التغير السريع فإن هذه الطريقة من التفكير ربما تكون مناسبة أو ناجحة لكن الواقع يخالف هذا الاعتقاد. فهنالك دائما تكنولوجيا حديثة ومنافسين جدد وأنواع مختلفة من العملاء وكلها عوامل يمكن أن تُحدث تغييرا كبيرا في المستقبل. فمن هنا يتسم التخطيط الإستراتيجي بأنه يعطي بعدا واحدا فقط للمستقبل؛ أما الإستشراف الإستراتيجي فإنه يفتح المجال لأكثر من احتمال للمستقبل؛ وبذلك يمد أصحاب القرار ببدائل واحتمالات مختلفة. ووجود هذه البدائل التي تتشكل من خلال وضع السيناريوهات تعطي الشركة موقفا متميزا تستطيع من خلاله أن تعي وتستعد للتحديات المختلفة وتكون حاضرة لإقتناص الفرص من الفروقات المهمة.

 

من أوجه الاختلاف أيضا بين التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل أن التخطيط الاستراتيجي يقوم بتوظيف القدرات المناسبة والمتاحة لأجل اقتناص الفرص الواضحة؛ أما الإستشراف فإنه يعنى أكثر في عملية بناء القدرات من أجل فرص لم تظهر بعد لكنها سوف تظهر في المستقبل.

 

المصدر

3.8 5 votes
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments