اليوم فرصة العودة إلى الاستشراف والتخطيط… | أ. د. سليم قلالة

اليوم فرصة العودة إلى الاستشراف والتخطيط… | أ. د. سليم قلالة

2022-09-06 10:21 م

اليوم فرصة العودة إلى الاستشراف والتخطيط… | أ. د. سليم قلالة

 

مَات التخطيط مع سقوط الاتحاد السوفياتي، وعاش اقتصاد السوق مع انتصار الولايات المتحدة والنظام الليبرالي. هكذا كان الشعار في العقود الثلاثة الأخيرة.. ولم ينتبه الكثير إلى المغالطة التي يحملها: لم يسقط الاتحاد السوفياتي بسبب التخطيط إنما سقط بسبب العجز أمام المستقبل، أي بسبب نقص الاستشراف. ولم يسقط الغرب الآن، لأنه اعتمد على الاستشراف، بل لأنه نسي التخطيط وأراد إبعاد الدولة تماما.

 

اعتبر منظرو الاتحاد السوفياتي في النصف الأول من القرن الماضي أن الاستشراف هو محاولة إيديولوجية غربية لإعطاء نظرية للتاريخ. وبرغم إنشاء شعبة الاستطلاع الاجتماعي بأكاديمية العلوم السوفياتية إلا أن  “إيغور باستوجاف لادا”  الذي سَمَّى هذا التخصص بعلم التوقعات، لم يكن لطروحاته صدى… ففشل التخطيط، لأنه لم يُوَاكَب باستشراف ملائم.

 

وتكرر ذات الخطأ بصفة معكوسة لدى الغرب، ازدهرت الدراسات المستقبلية في أمريكا أولا من خلال مؤسسة “راند” ووزارة الدفاع، وانتقل الاهتمام بها إلى أوروبا عبر فرنسا (المركز الدولي للاستشراف في فرنسا 1951) والسويد (كتابة الدولة للدراسات المستقبلية) واليابان، ثم عمت باقي العالم الليبرالي.

 

وبرزت النماذج العالمية لتوقع المستقبل (ميزاروفيتش 1975ـ 2025)، (بارليوتشي 1980ـ 2060)، واهتم الاتحاد الأوروبي بالموضوع (مشروع المستقبلات) “فيوتورس”، مشروع المنظورات  visions (2020ـ 2050). وتعددت المراكز البحثية في هذا المجال حتى عُدَّت بالآلاف. وأصبح لكل شركة عملاقة أو متوسطة خلية للاستشراف… إلا أن كل هذا لم ينفع وكأن الروس يردون الصاع صاعين: كما فشل التخطيط بدون استشراف لدينا، ها هو الاستشراف بدون تخطيط يفشل لديكم. وأَيَّدت أزمة الطاقة الحالية التي أصبح يتحكم فيها الروس هذا الطرح. وتَبَيَّن للغرب الليبرالي أنه بدون تحكم الدولة في التخطيط لن ينفعه الاستشراف في شيء. ها هو الواقع يتحدث. روسيا توقف نورد ستريم 01 توقيفا تاما.. وتنقلب الأمور رأسا على عقب. الدولة الألمانية أو الفرنسية أو السويدية أو غيرها تتدخل. لم تنفع قواعد اقتصاد السوق في شيء هذه المرة، ولم ينفع الاستشراف. كبريات شركات الطاقة ينبغي أن تُنسِّق مع الدولة التي ستُخصِّص ملايير الدولارت لإحداث التوازنات (ألمانيا وحدها 53 مليار يورو، السويد 23 مليار يورو، فنلندا 10 ملايير دولار…)، وإلا سينهار الاقتصاد الأوروبي…

 

ويعود الجميع إلى الحديث عن دور تدخل الدولة، وعن ضرورة العودة إلى التخطيط

 

وتتقاطع الأسباب لكي نجد أنفسنا نتابع ما يحدث بأريحية وأحيانا بفرح وزهو، إن لم نحققرأر أرباحا فالخسارة بعيدة عنّا، إلا أن المشكلة التي لا نكاد ننتبه إليها، أن هذه الأريحية تتم خارج إرادتنا، دون تخطيط ودون استشراف مِنَّا، لأننا في الواقع نفتقد الأداتين معا. الأولى (أداة التخطيط) قبرناها بمجرد أن رفعنا شعار الانفتاح واقتصاد السوق نهاية ثمانينيات القرن الماضي. والثانية (أداة الاستشراف) لم نتمكن منها رغم محاولتنا إنشاء كتابة دولة لهذا الغرض لم تُعمِّر سوى زمن قصير… وعليه فإن الوقت الضيق المتبقي لنا، يفرِض علينا الإسراع في هذا الأمر قبل فوات الأوان. غدا ستتعافى أوروبا، أو تتصالح مع روسيا، ويتهاوى سعر الغاز والبترول، وتنقلب علينا الأمور، ما الذي ينبغي أن نفعل قبل فوات الأوان. نحن في حاجة إلى استشراف وتخطيط من الآن، وليس إلى مخططات إستعجالية كما يهوى البعض تكراره، لأنه على حد تعبير “تاليران” إذا كان الأمر مستعجلا فقد فات الأوان”، ونحن لا نريد أن يفوتنا الأوان، خاصة هذه المرة. فاليوم هي فرصة الاستشراف والتخطيط.

 

 

أ. د. سليم قلالة*

*أستاذ التعليم العالي في الدراسات الإستشرافية ـ كلية العلوم السياسية – جامعة الجزائر

2022/09/06
3 2 votes
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments