تقنية دلفاي

تقنية دلفاي

2019-08-16 8:37 م
الكاتب :

تقنية دلفاي

 

ظهـر الاهتمـام بـعلـم المسـتقبل نظرًا للتطـور الطبيعـي علـى مسـتوى العلـوم التطبيقيـة والمعـارف الإنسـانية، يمكن تعريف الدراسات المستقبلية بأنها «مجموعة من الدراسات تحاول أن تتنبأ تنبؤات مشروطة بالمستقبل وفق المنهجية العلمية المقننة: طبيعة المستقبل، احتمالاته، أحداثه، مشكلاته، العلاقات بين متغيراته…إلخ، حيث تســهم مــن خــلال مناهجهــا فى توجيــه والتخطيط ، من خلال توفير قاعدة المعلومات المسـتقبلية، والبـدائل الممكنـة الـتي تسـبق عمليـة اتخـاذ القـرارات بشـأن الخطط والسياسات، فالتحولات التي تطرأ على الدولة داخليا وخارجيا تخلق حاجة ملحة لتوفير معرفة علمية يمكـن الاعتمـاد عليهـا لمعرفـة المسـتقبل وتحديـد طبيعـة التغـير الناتج ومن ثم وضـع طـرق وسـبل التأثير في هذا التغيير.

 

ويوجد نمطان أساسيان لدراسات المستقبل هما:

 

النمط الأول: استكشافية/ استقرائية: تنطلق من الموقف الحاضر بتاريخه السابق لتسقطه على المستقبل، فتسوق مشاهد أو سيناريوهات اتجاهية محتملة أو ممكنة، هي امتداد للماضي والحاضر. ويهدف أساسا إلى استكشاف صورة المستقبل المتوقع أو المحتمل، أو المستقبل الممكن تحقيقه.

 

النمط الثاني: استهدافية/ معيارية: تبدأ ببعض المواقف والأهداف المستقبلية المرغوبة Desired أو المسلم بها، وترجع إلى الخلف لتحرك مسالك ملائمة للانتقال من الحاضر إلى المستقبل المأمول. أي يتخطى فيه الباحث المستقبل الممكن تحقيقه إلى رسم صورة المستقبل في تحقيقه.

 

وتختلف الدراسات المستقبلية في مناهجها وتقنياتها عن أساليب التنبؤ التقليدي كالاستقراء، والانحدار والارتباط، والتباين، ويمكن التفرقة بينهما في أربع نقاط رئيسية هي:

 

1. المدى الزمني: حيث تتعامل الدراسات المستقبلية مع مدى زمني أطول من ذلك الذي يتناوله التنبؤ التقليدي.

 

2. معدلات التغير: حيث تتعامل الدراسات المستقبلية مع درجات من التغير أعلى من تلك التي يعتمد عليها التنبؤ التقليدي.

 

3. البدائل: حيث تتعامل الدراسات المستقبلية مع بدائل مختلفة للموضوع محل البحث، نتيجة لعدم القدرة على معرفة التغيرات في الأجل الطويل.

 

4. أساليب التحليل: حيث تستخدم الدراسات المستقبلية أساليب للتحليل الكمي والكيفي بينما يعتمد التنبؤ التقليدي على أساليب كمية فقط.

 

ومن أساليب الدراسات المستقبلية المستخدمة حاليًا في الدراسات التربوية، على وجه التحديد، تقنية التنبؤ، وتقنية السيناريوهات، إضافة إلى تقنية دلفي وهي محل اهتمامنا في هذا المقال.

 

تقنية دلفي:

 

سميت تلك التقنية نسبة إلى معبد دلفي في أحد مدن اليونان القديم حيث اشتهر بتنبؤ بعض الكهنة والحكماء بالمستقبل ولقد كان اليونانيون يلجئون إلى ذلك المعبد للتنبؤ بمستقبلهم من خلال تفسير الكهنة بمختلف القضايا في الشؤون الشخصية والحربية وفي النهاية يتكون رأي عن الاحتمالات المتوقعة.

 

يعود توظيف أسلوب دلفي في التنبؤ إلى العام 1950، وذلك من قبل مؤسسة تدعي (راند) وذلك بهدف حل المشكلات التي واجهتها ، فلجأت هذه المؤسسة إلى مجموعة من الخبراء ليسهموا في البحث وتقديم الحلول المناسبة لحل هذه المشكلات، إلا أن استخدامهم لتلك الطريقة كان محض صدفة. بينما في عام 1953 كان أول استخداماً علمياً منظماً وهادفاً للأسلوب على يد دالكي وهيلمر في سلاح البحرية الأمريكية وظل العمل به سارياً حتى عام 1962.

 

مبررات استخدام أسلوب دلفاي في البحوث المستقبلية:

 

1-عند الحاجة للاستفادة من الأحكام الذاتية التي تبنى على أساس جمعي.

 

2- عندما يتطلب موضوع البحث الاستعانة بعدد كبير من الخبراء يصعب معه الاتصال المباشر وتبادل الآراء وجهاً لوجه.

 

3- وجود ضرورة لإخفاء شخصيات المشاركين عن بعضهم .

 

4- تمييز وتوضيح الدوافع البشرية الحقيقة والمتصورة.

 

5- التخطيط الجامعي وتطوير المناهج.

 

6- عند ظهور اختلافات حادة بين الخبراء.

 

7-جمع بيانات تاريخية أو أحداث جارية غير معروفة بدقة أو ليس لدنيا علم بها، دراسة الحوادث التاريخية الهامة.

 

خصائص أسلوب دلفاي:

 

1. أنه أسلوب حدسي يعتمد على حدس مجموعة من الخبراء يكون على درجة كبيرة من الصدق والموضوعية.

 

2. أنه حوار غير مباشر بين الخبراء والمتخصصين تجنباً لسيطرة بعضهم وآرائهم على زملائهم.

 

3. يتجنب الخبراء سلبيات وعيوب أسلوب اللجان والاجتماعات.

 

4. أسلوب نظامي يعتمد على مبدأ منهج تحليل النظم من خلال المدخلات والمخرجات مجموعة العمليات الخاصة بمعالجة المدخلات وتجميع معلوماتها عن طريق تطبيق نظام الاستبيانات حتى تستطيع المعالجة، إعطاء مخرجات تكشف عن نتائج التطبيق في ضوء أساليب معالجة الآراء وتجميعها بالشكل الأكثر صحة وثباتاً.

 

5. أسلوب إحصائي بياني يقوم على استخدام مناهج الإحصاء في تحليل النتائج بشكل البيان النهائي حتى نصل إلى نتائج أكثر موضوعية كما أنه يوظف من خلال الشكل الإحصائي البياني.

 

6. له فاعلية واضحة في صنع القرارات الخاصة بالقضايا ذات المسئولية الكبرى.

 

آلية عمل تقنية دلفاي:

 

تستند تقنية دلفي كما يـرى هلمـر على اسـتخراج أقـوى التوقعـات المتضـاربة حـول موضـوع مـا، وتبيـان كافـة الدلائل التي تدعم كل توقع من هذه التوقعات، بينما تتمثل مراحل تطبيق تقنية دلفي في عملية التخطيط فيما يأتي:

 

– تحديد كافة الموضوعات ذات الصلة بالظاهرة موضوع الدراسة.

 

– اختيـار نخبـة مـن المختصـين في كـل الموضوعات المتعلقة بالظاهرة، بحيث يقومون بالبحث في تفاصيل هذه الموضوعات كل حسب دائرة اختصاصه، ويشترط أن يكون لدى هؤلاء معرفة ودراية بالجانب النظري بما يشمله من الإلمام بالنظريات العامة والمسـلمات والفرضـيات وحـتى البحـوث العلميـة الـتي يمكــن أن تفســر دينامكيــة التطــور للظــاهرة، أمــا بالنســبة للجانــب العملــي، فيقتضــي الأمــر أن يتــوافر لديهم علــى بيانــات والإحصائيات الخاصة بالظاهرة موضوع الدراسة.

 

– تحديد الإطار الزمني الخاص بالظاهرة المراد استشرافها (الزمن المباشر، القريب، المتوسط، البعيد غير المنظور).

 

– توجيه سلسلة من الاستبيانات تحتوي علـى مجموعـة مـن الأسـئلة مرتبطـة بالموضـوع المختـار وبالاحتمـالات المختلفة لتطوره في المستقبل وأسئلة أخرى متعلقة بالأسباب وتحديـد العلاقـة بـين الظـواهر المختلفـة الـتي تكمـن وراء حدوث كل احتمال.

 

– تكييــف النتــائج لكــل خبــير اســتنادا إلى إجابــات الخــبراء الآخــرين في القطاعــات الأخــرى، ثم حســاب الأجوبـة واسـتخراج النسـبة الوسـيطة منهـا، وهـي الـتي تمثـل أقـوى التوقعـات، وقـد سـهل الحاسـب إنجـاز العمـل مـن خـلال هـذه التقنيـة، حيـث يـتم إفـراز أراء الخـبراء في الحاسـب الـذي يكـون متصـلا بالحاسـب مركـزي يقـوم بـإجراء التفاعــل بــين النتــائج المحصــلة مــن كــل حاســب علــى حــدى.

 

– يتم عمل جدول تحتوي صفوفه على كافة الموضوعات المتعلقة بالظاهرة مرتبة تنازليا حسب معرفة الخبير وقدرته العلمية، بينما تتكون الأعمدة من الخانات الآتية:

 

1. الخانـة الأولى: حيـث نضـع التطـور المحتمـل، لكـل قطـاع مـن القطاعـات الـتي اخترناهـا.

 

2. الخانـة الثانيــة: تحدد فيها الســنة الـتي يعتقـد الخبــير بـأن التطـور المحتمــل المشـار لـه في الخانــة الأولى سيحدث فيها.

 

3. الخانـة الثالثـة: يطلب مـن الخـبراء جميعـا إعطـاء ثـلاث سـنوات محتملـة لوقـوع التطـور، من خلال هذه السنوات نحدد أقـرب سـنة وردت في التقـديرات وأبعـد سـنة.

 

4. الخانة الرابعة: في هـذا الجانـب ندرس امكانية الحدوث المبكر نطلـب مـن الخبـير أن يحـدد لنـا الأسـباب الـتي إن وجـدت قد تجعل التطور يحدث في فترة مبكرة.

 

5. الخانة الخامسة: وفيها نفس المطلب الوارد في الخانـة السـابقة مـع فـارق أن هـذه تـدور حـول الأسـباب الـتي إن وجدت قد تؤخر وقوع التطور.

 

6. الخانـة السادسـة: نطلـب مـن كـل خبـير أن يحـدد لنـا سـنة واحـدة يعتقـد بـأن التطـور سـيحدث فيهـا بنسـبة إحتمال 90%.

 

ولابــد مــن التــذكير أن الخــبراء يقومــون بتعــديل أجــوبتهم فيكــل مــرة اســتنادا إلى مــا قــد يتكشــف لهــم مــن معطيات لم ينتبهوا لها أو لأنها خارج نطاق تخصصهم أو معارفهم، كما أن لكـل قطـاع تـأثيره علـى القطاعـات الأخـرى، ويصـبح مـن الضـروري تحديـد الأثـر الـذي سـيحدثه كـل قطاع لو حدث في فـترة أبكـر مـن تلـك المتوقعـة، فالظـاهرة السياسـية هـي حصـيلة تفاعـل بـين معطيـات عديـدة ومـن هنا لابد من تفتيت هذه الظاهرة إلى جزئياتها وطرح كل جزئية على الخبير بها.

 

مزايا أسلوب دلفاي:

 

1. الموضوعية وضعف تأثير العلاقات الشخصية التي يمكن أن تؤثر على العملية في لو كان اجتماع الخبراء في مكان واحد وجهاً لوجه.

 

2. يمزج بين أكثر من أسلوب من أساليب الدراسات المستقبلية، فهو يجمع بين الأساليب الحدسية والاستطلاعية والمعيارية قادرة على استشراف اجتماعي تكنولوجي مستقبلي.

 

3. توفير الوقت اللازم لجمع المعلومات وانخفاض التكلفة المالية لها.

 

4. إمكانية استخدامه في التخطيط التربوي، وعلي مستويات مختلفة، وبصور مختلفة، فيمكن أن يستخدم على المستوى المركزي، وعلى المستوى المحلي.

 

5. سهولة الصياغة المكثفة لآراء عدد متنوع من الخبراء في عدد قليل من الجمل محكمة الصياغة.

 

6. تتيح للخبير فرصة معاودة النظر في تقديراته السابقة أكثر من مرة.

 

7. يعتمد هذا الأسلوب على أن آراء الأغلبية من الخبراء سيكون له قدراً أكبر من الصحة والثقة من مجرد الرأي الفردي.

 

8. في هذا الأسلوب يمكن الحصول على معلومات متاحة لباقي الخبراء بشأن بعض المشكلات التي قد يكون من الصعب استشراف مستقبلها.

 

عيوب أسلوب دلفاي:

 

1. العوامل الأيدلوجية والمؤثرات النفسية التي تؤثر على بعض الخبراء.

 

2. قلة المعلومات لدى بعض من الخبراء عن التطورات الحديثة في المجال المطروح بسبب التغيرات السريعة أو عدم ارتباطهم الموضوعي أو أسباب أخرى.

 

3. عدم فاعلية النتائج التي يتم التوصل إليها نتيجة لفتور ونشاط الخبراء وخاصة في المراحل المتقدمة.

 

4. انسحاب بعض الخبراء من العملية نتيجة لطول المدة التي يستغرقها أسلوب دلفاي.

 

5. صعوبة التنبؤ بالمتغيرات الحادثة في مجالات العلوم والتكنولوجيا بالنظر إلى التطورات المتسارعة في هذا المجال، وتزداد هذه الصعوبة في مجال العلوم الاجتماعية.

 

6. الخلط بين بعض المصطلحات في عبارات الاستبيان نظراً لاختلاف التعريفات بين كل مجال وعدم ثبات المفاهيم بين التخصصات المختلفة.

 

7. توجد حالات كثيرة لا تستطيع أن تصل بشأنها على نقطة التقاء بين المشاركة، بل العكس تحصل على موقف تتباعد فيه الآراء.

 

8. صعوبة تعريف وتحديد مواقع هيئة الخبراء وأسمائهم، فيما يختص ببعض الموضوعات المطلوب دراستها.

 

9. التكلفة العالية لجمع البيانات.

 

10. أن بعض الخبراء ربما لا يرغبون في أن يعطوا وجهات نظرهم على الإطلاق.

 

ومن هنا يبدوا الاستشراف عبارة عن عملية متواصلة عبر الزمن ليس القصـد منهـا تحديـد تفاصـيل المسـتقبل والتنبـؤ بـه بقـدر مـا تهدف إلى اكتشـاف البـدائل المسـتقبلية المختلفـة وترشـيد عمليـة المفاضـلة بـين البـدائل وبمعـنى آخـر هـو العلـم الـذي يقـوم بمهمـة ووظيفـة التنبيـه والتحـذير، والحيلولـة دون وقـوع المشـاكل ،والمخـاطر الـتي قـد تواجـه المجتمـع مستقبلا وذلــك علــى كافــة المســتويات الاجتماعيــة، والاقتصــادية، والسياســية، والثقافيــة والتعليميــة، والصــحية والهندســية، ثم تــوفير الوســائل والقــدرات الــتي يمكــن أن تحــدث تغيــيرا في هــذه البــدائل ممــا يــؤدي إلى ترشــيد عمليــة التخطيط ويخدم المصلحة الوطنية.

 

المصدر

4.6 5 votes
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments