سوق الروبوتات العالمية تنمو بنحو 16 % سنويا .. تتجاوز 275 مليار دولار بحلول 2025

سوق الروبوتات العالمية تنمو بنحو 16 % سنويا .. تتجاوز 275 مليار دولار بحلول 2025

2019-08-29 5:01 ص

سوق الروبوتات العالمية تنمو بنحو 16 % سنويا .. تتجاوز 275 مليار دولار بحلول 2025

 

هشام محمود من لندن

 

لم يعد الحديث عن الروبوتات ضربا من ضروب الخيال العلمي، فقد بات أمرا واقعيا ملموسا بشكل أو بآخر في عديد من مناحي الحياة البشرية.

 

خلال الأعوام الستة المقبلة، ستتضاعف السوق العالمية للروبوتات إلى ثلاثة أضعاف حجمها الحالي، حيث يتوقع أن ترتفع قيمتها من 98 مليار دولار في عام 2018 إلى أكثر من 275 مليار دولار بحلول عام 2025.

 

وتقدر الإحصاءات الدولية المبنية على معدلات الاستخدام الحالي للروبوتات، نمو الصناعة بمعدل سنوي مركب يبلغ 16 في المائة خلال الفترة من 2018-2025، مع نمو سنوي يصل إلى 17 في المائة عام 2022.

 

في الواقع إن صناعة الروبوتات قد شهدت تطورا ملحوظا على المستوى العالمي خلال الأعوام القليلة الماضية، وربما يكون أبرز ملامح التطور الراهن في تلك الصناعة زيادة طلب الشركات والصناعات الصغيرة والمتوسطة على الروبوتات، بعد أن كانت حكرا على الصناعات الكبيرة تقريبا نظرا إلى تكاليف الإنتاج الضخمة.

 

وعلى الرغم مما تثيره تلك الصناعة من قلق بشأن مستقبل معدلات التوظيف بالنسبة إلى البشر، فإنه من المشكوك فيه أن تؤدي تلك المخاوف إلى توقف زخم عملية تطوير الروبوتات وإنتاجها في الأعوام الخمسة المقبلة على الأقل، حيث تظهر بوضوح توجهات عالمية منظمة تسعى إلى تعزيز الإنتاجية في الصناعات والخدمات التي تستخدم الروبوتات بكثافة.
ويدفعنا الاهتمام الراهن بعالم الروبوتات والتوقعات المستقبلية بشأنه، إلى التساؤل حول التطور التاريخي لمصطلح الروبوتات، وكيف ظهر إلى الوجود، ومتى؟

 

يقول لـ”الاقتصادية” الدكتور سكوت وليم أستاذ الأنظمة التكنولوجية في جامعة لندن، “إن منشأ مصطلح “روبوت” يعود إلى كلمة مأخوذة من اللغة التشيكية تعني “العمل الشاق”، وقد استخدمت أول الأمر في عمل مسرحي صدر عام 1921 للكاتب كارل تشابيك، تتحدث عن جيش من العمال الآليين القادرين على الإنتاج، لكن مع مشاركتهم في الحروب والعالم، هيمنوا على البشرية بأكملها، منذ ذلك الحين أصبحت فكرة الروبوتات بوصفهم الرجال الآليين جزءا لا يتجزأ من الخيال العلمي“.

 

هذا عن أصل المصطلح، لكن تطوره كمجهود علمي يعود في الواقع إلى ظهور الطاقة البخارية والكهرباء خلال الثورة الصناعية، وإذا كان البعض يتحدث عن تصورات إنسانية سابقة تعود إلى نحو 300 عام قبل الميلاد أو أكثر، إلا أن مستوى المعرفة البشرية في ذلك الوقت لم يكن يسمح بتحويل تلك التصورات أو الخيال إلى واقع.

 

وفي عصر الثورة الصناعية أدى تنامي الأسواق واتساع نطاق التجارة إلى الحاجة لابتكار طرق لإنتاج آلات أوتوماتيكية لتسريع العملية الإنتاجية من جانب والقيام بأعمال شاقة لا يستطيع البشر القيام بها من جانب آخر.

 

ففي عام 1893 قام أستاذ كندي يدعى جورج مور بإنتاج “الرجل البخاري” كنموذج أولي لروبوت بشري مصنوع من الفولاذ قادر على المشي وسحب الأحمال البسيطة.

 

إلا أن الدكتور وليم يؤكد أن صناعة الروبوتات كما نعرفها الآن لم تظهر إلا في منتصف القرن الـ20، وبمجرد أن بدأ العلماء العمل بجدية في هذا المجال، تم سريعا دمج الروبوتات في عمليات التصنيع، كما تكيفت تدريجيا مع احتياجات الصناعات العسكرية والطيران والفضاء والصناعات الترفيهية.

 

وباتت صناعة السيارات المزدهرة في خمسينيات القرن الماضي من أوائل الصناعات التي اعتمدت على الروبوتات، لكن أغلب تلك الروبوتات لم تكن أكثر من أذرع بشرية تعتمد في تصميمها على البنية التشريحية لحركة الذراع البشرية، وتقوم بأعمال نمطية مثل طلاء السيارات عبر رشها، وكانت شركة جنرال موتورز واحدة من أوائل شركات صناعة السيارات التي استخدمت تلك التكنولوجيا.

 

لكن تلك النماذج الأولية من الأذرع الآلية، كانت مليئة بالمشكلات الفنية التي تعوقها عن أداء العمل على أكمل وجه، وبحلول ثمانينيات القرن الماضي طورت شركة بلانت كوبريشن ذراعا هيدروليكية أكثر تطورا وفاعلية، وكانت قادرة على التزوير.

 

وأصبح أحد أبرز ملامح تطور صناعة الروبوتات في العالم، أنها روعيت من قبل هيئات لا تعمل في المجال الصناعي، مثل عدد من وكالات وهيئات الفضاء الأمريكي منذ ستينيات القرن الماضي وإلي اليوم.

 

ومع تطور الكومبيوتر قفزت صناعة الروبوتات خطوات إلى الأمام، فقد استفادت من التطورات الجارية في التقنيات الأخرى مثل علم المعادن، وعبر دمجها في عناصر التحكم للكمبيوتر تطورت صناعة الروبوتات بشكل ملحوظ.

 

ففي عام 1975-1976 استخدمت وكالة الفضاء والطيران الأمريكية ناسا ذراعا آلية في مهمة لها في المريخ، وفتح ذلك الآفاق أمام عالم الروبوتات الفضائية التي يمكن التحكم فيها بشريا عن بعد.

 

وتشير هولي ديكن الباحثة في مجال الروبوتات إلى أن صناعة الروبوتات شهدت أخيرا تطورا نوعيا يفتح الأفق لأنواع جديدة أكثر تعقيدا وأكثر شبها في حركتها بحركة البشر العاديين.

 

وتضيف لـ “الاقتصادية”، أن “الرغبة في صناعة تتطلب روبوتات شبيهة بالإنسان، أدى إلى دمج نتائج دراسات الذكاء الاصطناعي بجانب هندسة الروبوتات، ولهذا ظهر مصطلح علم التحكم الآلي، الذي يدرس العلاقة بين الذكاء البشري والذكاء الآلي، وعلى الرغم من عدم وجود اتفاق علمي على كيفية عمل الدماغ البشري، إلا أن مشاريع الذكاء الاصطناعي التي اعتمدت على نظريات عمل الدماغ البشري أصبحت عاملا مهما في تطوير الروبوتات“.

 

وتعد هولي هذا الدمج يساعد على تطوير روبوتات متحركة قادرة على تجنب الأجسام الثابتة والمتحركة، وقد استخدمت نماذج أولية من تلك الروبوتات عام 1986 في تنظيف محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في الاتحاد السوفياتي السابق في أعقاب انفجارها.

 

ولدى اليابان بمفردها ما يقارب ضعف عدد الروبوتات الموجودة لدى الولايات المتحدة، وتعمل طوكيو على تطوير أنواع حديثة من الروبوتات، لاستخدامات متعددة واسعة النطاق، للعمل في مجالات تمتد من عالم الفضاء إلى التفاعل مع كبار السن والتصرف كموظفين في مجال الخدمات العامة.

 

وتحتل اليابان المركز الأول عالميا في عدد الروبوتات العاملة في مصانع السيارات، بواقع 1276 روبوتا لكل عشرة آلاف عامل في هذا القطاع، حسب إحصاءات البنك الدولي.

 

واللافت أن المصانع التي تنتح الروبوتات تعمل فيها نسبة روبوتات عالية جدا، أي أن الذكاء الاصطناعي بات يدير نفسه بنفسه، وهذا الذكاء يتطور بسرعة مذهلة مع آلات لها عيون “كاميرات” موصولة بدماغ “حاسوب” تستطيع معرفة الأشكال والأحجام والألوان، وتحلل كل المعلومات التي تلتقطها لتستطيع اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وبدقة 100 في المائة وبمرونة لا تضاهى وعلى مدار الساعة.

 

جاء في تقرير لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية، أن “البلاد تصنع 150 ألف روبوت سنويا؛ 25 في المائة منها للاستخدام المحلي. الروبوتات تغزو مختلف القطاعات ولا سيما الصناعات الغذائية والدوائية وتعمل في المستشفيات وفي الحراسة وحتى النظافة والخدمة المنزلية. والوزارة تطلب تسريع إدخال الإنسان الآلي في كل القطاعات، ولا سيما تلك التي تعاني نقصا في اليد العاملة”.

 

وتكشف التطورات الراهنة في صناعة الروبوتات عن ملمحين أساسيين يرتبطان بتلك الصناعة، ويوضح لـ”الاقتصادية”، البروفيسور ستانلي روجز أستاذ أبحاث الذكاء الاصطناعي في جامعة أكسفورد، أن الروبوتات كخدمة توفر للشركات تجنب النفقات الرأسمالية الكبيرة طويلة الأمد وتقلل المخاطر، وإذا كان مفهوم الروبوت الواحد الذي يمكنه القيام بفعل أي شيء وكل شيء، مرغوبا من المشترين سواء أفرادا أو شركات، فقد أدت القيود الهندسية وعدم تطور علم الذكاء الاصطناعي بشكل كاف بعد، والتكاليف الباهظة، إلى ترجيح خيار الروبوت القادر على القيام بمهمة واحدة فقط، وباختصار فإن العالم لن يتجه إلى إنتاج روبوتات متعددة الاستخدام لأنها أعقد تقنيا وأكثر تكلفة.

 

ويضيف روجز، أن “الروبوتات ستغير شكل المنظومة الاقتصادية العالمية، وستمثل تحديا لدور الصين كمصنع رخيص للسلع، نتيجة انخفاض تكلفة الأيدي العاملة لديها، فمع تطور الاقتصاد الصيني ترتفع أجور الطبقة العاملة، وتبدأ الشركات في البحث عن أماكن أخرى للإنتاج أقل تكلفة فيما يتعلق بالأجور، وبينما تتجه بعض الشركات إلى فيتنام وبنجلادش نظرا إلى انخفاض الأجور، فإن آخرين يعملون على إعادة التصنيع في البلدان المتقدمة اعتمادا على الروبوتات“.

 

وبطبيعة الحال تمثل هذه الملامح تحديا كبيرا للصين، التي تعمل على مواجهتها من خلال استثمارات ضخمة في مجال الروبوتات، للحفاظ على مكانتها الرائدة في مجال التصنيع العالمي.

 

ففي عام 2017 كانت الصين أكبر سوق للروبوتات الصناعية في العالم، وشهدت زيادة في مشترياتها من الروبوتات بنسبة 58 في المائة على أساس سنوي، لكن الصين لا تزال تعتمد على استيراد الروبوتات من الخارج، إذ استوردت ما يقرب من 75 في المائة من الروبوتات من الخارج.

 

وتحاول الصين الالتحاق السريع بعالم الروبوتات من خلال تطوير تلك الصناعة، من العمل المكثف على أبحاث الذكاء الاصطناعي، ويحتمل أن تظل الصين المشتري الرئيس للروبوتات خلال الأعوام المقبلة.

 

وباتت ظاهرة انتشار أجهزة الروبوت منتشرة في أماكن كثيرة من العالم، حيث تمكن رؤيتها في المستودعات والمستشفيات ومحال التجزئة والمجمعات الصناعية والجامعات في عدد من مدن الدول الغربية والصين واليابان وكوريا أيضا.

 

ويشير لـ”الاقتصادية”، الدكتور ريتشارد بيج أستاذ نظم الإنتاج في جامعة بروملي، إلى أن “الطلب على روبوتات الخدمة سواء في المجالات العسكرية أو الرعاية الصحية أو الزراعة سيقود النمو في الطلب على الروبوتات، ومع ارتفاع تكاليف العمالة خاصة الماهرة، وزيادة عدد الشركات المنتجة لروبوتات الخدمة ستزداد عملية دمج الروبوتات في المنظومة الاقتصادية عامة والقطاعين الخدمي والإنتاجي على حد سواء”.

 

ويضيف ريتشارد بيج، أنه “من المتوقع أيضا أن تكون سوق روبوتات الخدمات فرصة استثمارية ضخمة وجيدة، فالعائدات في هذا المجال الاستثماري مرتفعة للغاية، وعدد الاقتصادات الناشئة التي تتطلع إلى إضافة حلول آلية لمنشآتها تتزايد”.
وحول أبرز تجارب الدول الناشئة في هذا المجال تقول لـ”الاقتصادية”، المهندسة جل آندروا، “إن هناك مجموعة من البلدان مثل البرازيل والأرجنتين وماليزيا وجنوب إفريقيا والسعودية تسير بخطوات سريعة في هذا المجال”.

 

وتضيف أنه “من الواضح أن هناك رغبة سعودية لإيجاد وعي عام مجتمعي وإقليمي لتفهم حاجة المجتمع الماسة اقتصاديا واجتماعيا لإدخال الروبوتات في المنظومة الإنتاجية خاصة للمملكة، وعلى الرغم من أن التجربة في أولها إلا أنها أوجدت أصداء تجاوزت الداخل السعودي، خاصة أنها تتفق مع رؤية سعودية للاستعداد لعصر ما بعد النفط”.

 

وتشير إلى أنه من الواضح جدا أن الرياض من خلال الاستثمارات الضخمة في مدينة “نيوم” تعمل على توفير أرضية للعصر التكنولوجي والتقني الحديث المقبلة عليه خلال ربع القرن المقبل، لكنه من الواضح أنها تتبنى أيضا استراتيجية غير تقليدية ومغايرة عبر دمج صناعة الروبوتات مع الأجيال السعودية الشابة، بإيجاد جيل مختلف وواعد من الكفاءات السعودية المحلية في المجال الهندسي، خاصة الأفرع الحديثة النادرة ومن التقنيين الماهرين أيضا، ومع نجاح هذا المشروع فإن السعودية يمكن أن تلعب دورا رائدا في مجال الروبوتات والتطور الإنساني في الألفية الجديدة.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments