مستقبل الأقليات في الوطن العربي | أ. د. وليد عبد الحي

مستقبل الأقليات في الوطن العربي | أ. د. وليد عبد الحي

2022-10-01 10:33 م
مستقبل الأقليات في الوطن العربي | أ. د. وليد عبد الحي

 

من الضروري التسليم بداية أن المجتمع الدولي المعاصر لا يعرف دولة واحدة متجانسة تماما إثنيا (Monoethnicity)، وتمثل اليابان وكوريا الجنوبية بالقياس الكمي الأعلى تجانسا بين دول العالم إذ لا يزيد عدد الأقليات الإثنية في كل منهما عن نسبة 1% من إجمالي السكان، وهناك 37 دولة تصل نسبة الأقليات فيها إلى 15% من إجمالي السكان.

 

وتعرف الموسوعة البريطانية الأقلية بأنها “مجموعة من السكان تنفرد بسمة سوسيوثقافية عن بقية المجتمع، وهذا يشمل العرق، الدين، الطائفة، المذهب، اللون، اللغة، الثقافة بمعناها العام”.

 

وتسعى أغلب الأقليات العالم المعاصر في العالم إلى نزعة تحقيق قدر من الحفاظ على هويتها التاريخية والعمل على عدم ذوبانها في الإطار الاجتماعي الأشمل، وتشكل هذه النزعة أحد مشكلات العالم المعاصر وازدادت حدتها بفعل ضغوط العولمة وهو ما تبين في تزايد عدد الحروب الأهلية وتناقص عدد الحروب الدولية بشكل لا لبس فيه، نتيجة تزايد الترابط العضوي وتحويل العلاقات الدولية إلى لعبة غير صفرية وهو ما أدى لتراجع البنيات الدولية التقليدية في القدرة على التكيف مع تنامي الروابط العضوية التي يكون أحد أسبابها هو تراخي الروابط الآلية وبالتالي إعادة رسم الخرائط الدولية على هذا الأساس.

 

فاذا انتقلنا إلى الدول العربية سنجد ما يلي:

 

1- هناك 13.7% من المجتمع العربي يتحدثون لغة غير اللغة العربية (الأمازيغ، الأكراد، الأرمن والآراميون، التركمان، الإيرانيون، النوبيون)

 

2- يدين 7.6% من المجتمع العربي بغير الدين الإسلامي (المسيحيون ويتوزعون على مذاهب ارثذوكس (أقباط-يعاقبة-أرمن) ولاتين/كاثوليك (روم وسريان وأرمن وأقباط) وموارنة، وبروتستانت، ثم الصابئة واليزيديون والبهائيون والوثنيون) وبعض الأديان الأخرى الصغيرة جدا، مع تداخل بين هذه الفئات من خلال السمات الاجتماعية الأخرى.

 

3- نسبة من ينتمون لغير المذهب السني من العرب المسلمين هي 8.8% (الشيعة الإثنا عشرية، الزيديون، الاسماعيليون، الدروز، العلويون، الخوارج)

 

4- نسبة من يصنفون من السود في المجتمع العربي هي 3.7% (يتركزون في السودان وموريتانيا وبعض دول الخليج).

 

ذلك يعني أن نسبة الكتلة المتجانسة تماما في المجتمع العربي هي 66.2%، وهو ما يعني أن حوالي ثلث المجتمع العربي يتمايز عن الثلثين الآخرين بسمة سوسيوثقافية أو أكثر.

 

هذا يستدعي طرح إشكالية أخرى وهي دور النزعة القطرية (أردني فلسطيني جزائري سوداني موريتاني مصري عراقي…إلخ)، وهي سمة ترسخت تدريجيا ولم تتمكن النزعة القومية من صهرها وأبقتها في المستوى الوجداني فقط، وفشلت كل محاولات تذويبها لأسباب داخلية وأخرى خارجية.

 

وفي دراسة سابقة لي حول هذا الموضوع اعتمدت فيها على قاعدة بيانات (MAR) المتخصصة في بيانات الأقليات، تبين لي في أحد الجوانب ومن تتبع 338 أقلية لديها نزعات انفصالية بمستوى أو آخر أن هناك 27 مؤشرا (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وجغرافيا- داخليا وخارجيا) تتحكم في قوة النزعة الانفصالية من ناحية وفرص نجاحها في الوصول للانفصال والاستقلال أو تحقيق قدر من الحكم الذاتي من ناحية ثانية.

 

ولكن عند تحديد وزن كل مؤشر (عبر التنسيب الاحادي ومعامل الارتباط بين المؤشرات) تبين لي أن المؤشر الأكثر قوة في تحديد النزعة الانفصالية هو المؤشر الجغرافي ويتمثل في 3 أبعاد هي:

 

أ‌- موقع الأقلية جغرافيا هل هي على الحدود أو في وسط الدولة

 

ب‌- تجمع غالبية الأقلية في إقليم أو منطقة جغرافية واحدة أو تشتتها

 

ت‌- وجود مورد اقتصادي هام في المنطقة الجغرافية التي تتجمع فيها الأقلية.

 

وتبين من القياس أنه اذا توفرت العوامل الجغرافية (على الحدود، ومتجمعة في نفس المنطقة ولديها مورد اقتصادي هام) فإن احتمالات الانفصال لا تقل عن 78%، وهذه المطيات الجغرافية هي التي تغري القوى الأجنبية على استغلال فرصة توفر هذه المتغيرات، وهو ما يعزز النزعة الانفصالية بوجود سند إقليمي أو دولي، ولكن في ظل غياب هذه الجوانب الثلاث (الحدود والتجمع والمورد) يخبو السند الإقليمي والدولي كثيرا.

 

وفي تقديري حول وضع العالم العربي، فإن الأكراد يمثلون الحالة الأكثر توفرا على مؤشرات النزعة الانفصالية، ولكن مشكلة الأكراد أنهم جغرافيا يقفون بين المؤشر ونقيضه، فإذا نظرت لموقعهم الجغرافي فهم في سوريا والعراق وإيران وتركيا يقعون على الحدود لكل دولة، لكن إذا نظرت لهم جغرافيا على أساس إقليمي جيوسياسي وجيواستراتيجي فهم يقعون في وسط الإقليم وبالتالي فاقدين لأهم بعد جغرافي، ورغم تجمعهم في مناطق متجاورة تقريبا إلا أن بعضهم يفتقر للمورد الاقتصادي الهام، وهو ما يفسر تكرار التوظيف الدولي لهم تارة والانفضاض من حولهم تارة أخرى، دون إغفال بعض التباين بينهم أنفسهم.

 

لذا ورغم مخططات أوديد ينون وبرنارد لويس وهنري ليفي وحواريي ترامب وأركان الابراهيمية الجديدة فإن تكرار انفصال جنوب السودان سيكون أكثر صعوبة وبشكل واضح -ولكنه ليس مستحيلا-، وانفصال جنوب السودان كان متوفرا على المتغير الجغرافي (الحدود-التجمع-المورد) وهو ما جلب الاستثمار والتوظيف الدولي لمساندتهم.

 

ذلك يدعوني للنداء للأقليات العربية بأن لا يكونوا حصان طروادة للقوى الدولية والإقليمية، ويكفي التأمل في استفتاء مسعود برزاني في كردستان العراق والذي ولد ميتا بالاختناق الجيوسياسي والجيواستراتيجي، وأغلب الأقليات العربية لا تتوفر على مقومات تجسيد النزعة الانفصالية بخاصة المؤشرات الفرعية للعامل الجغرافي، ولكن بالمقابل لي نداء للدول العربية لا تجعلوا من المركزية العربية سببا في تأجيج مشاعر الأقليات لكي يتم تحييد دورهم في اتساع قاعدة عدم الاستقرار في المنطقة العربية والتي تعادل أكثر من ضعف مستوى عدم الاستقرار عالميا…ربما.

 

 

29-09-2022

 

 

أ. د. وليد عبد الحي*

* أ. د. وليد عبد الحي أستاذ في قسم العلوم السياسية وباحث في المستقبليات والاستشراف.

 

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments