"ميتافيرس".. عالم ثالث بين "الواقعي والرقمي"

“ميتافيرس”.. عالم ثالث بين “الواقعي والرقمي”

2022-01-24 9:18 ص

“ميتافيرس”.. عالم ثالث بين “الواقعي والرقمي”

 

ربما يمضي العالم بوتيرة متسارعة إلى مرحلة الحياة الافتراضية، بعد أن بدت ملامحها ومتغيراتها إبان جائحة “كوفيد-19” الوبائية.

لكن تلك الحياة ستكون افتراضية بصورة كلية للأجيال القادمة، وهذا ما يخطط له مارك زوكربيرج، المؤسس والرئيس التنفيذي لموقع فيسبوك، أو كما سماه مؤخرًا “ميتا”، وهو تغير مهم على مسار مشروعه “الميتافيرس” أو “العالم الماورائي” والذي من شأنه تغيير مستقبل البشرية؛ كما يزعم زوكربيرج.

 

“ميتا”.. رهان فيسبوك على الواقع الافتراضي دون ضمانات

فبدلاً من أن تكون التفاعلات البشرية واقعية ومحسوسة عبر التلاقي المادي أو تكون غير مادية وغير محسوسة عبر التلاقي الرقمي من خلال شاشات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، سوف يكون هناك طريق ثالث يسد الفجوة بين هذين العالمين (الواقعي والرقمي)، ليظهر عالم ثالث افتراضي يأخذ من الواقع شيئاً، ومن الإنترنت والتقنيات الذكية أشياءً وخصائص أخرى.

وبالتالي تُثار تساؤلات من قبيل؛ ما هي شكل هذه الحياة الجديدة؟ وهل سينجح مارك زوكربرج في إنشائها؟ وما هي حدود التمييز بينها وبين العالم الواقعي؟ وكيف ستؤثر على الحضارة الإنسانية والعمران البشري؟ أسئلة كثيرة قد تكون لبعضها إجابات حالية والبعض الآخر ما زال غير معروف، وهذا ما سعت دراسة تحت عنوان “هل يسد “الميتافيرس” فجوة العالمين الافتراضي والواقعي؟” إلى توضيحه.

 

الميتافيرس

وتشير الدراسة الصادرة عن “مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة”، إلى أن؛ أول من استخدم مصطلح “الميتافيرس” Metaverse هو “نيل ستيفنسون” في رواية الخيال العلمي “Snow Crash” عام 1992. وتتكون الكلمة من مقطعين؛ الأول Meta وهو الاسم الجديد الذي تغيرت إليه فيس بوك، ويعني “ما وراء”، والمقطع الثاني Verse الذي يأتي اختصاراً لكلمة Universe بمعنى “العالم”، والكلمتان معاً تأتيان بمعنى “العالم الماورائي”. وقد قصد به “نيل ستيفنسون” في روايته تلك، العالم الافتراضي المملوك من قِبل الشركات، حيث يتم التعامل مع المُستخدمين النهائيين كمواطنين يعيشون في “ديكتاتورية الشركات”.

 

“ميتا”.. مشروع يجعل الأفراد جزءا من الإنترنت لا مستخدمين

ويسعى مارك زوكربيرج من خلال “الميتافيرس” إلى إنشاء عالم افتراضي، يسد الفجوة بين العالمين الواقعي والرقمي، لينشأ بذلك عالم ثالث افتراضي، يستطيع فيه الأفراد إنشاء حياة افتراضية لهم عبر مساحات مختلفة من الإنترنت، بحيث تسمح لهم بالتلاقي والعمل والتعليم والترفيه بداخله، مع توفير تجربة تسمح لهم ليس فقط بالمشاهدة عن بُعد عبر الأجهزة الذكية كما يحدث حالياً، ولكن بالدخول إلى هذا العالم في شكل ثلاثي الأبعاد عبر تقنيات الواقع الافتراضي.

فمن خلال استخدام نظارات الواقع الافتراضي والواقع المُعزز وارتداء السترات والقفزات المُزودة بأجهزة استشعار، يستطيع المُستخدم أن يعيش تجربة شبه حقيقية، تعمل فيها هذه التقنيات الذكية كوسيط بين المُستخدمين في عالم “الميتافيرس”، لإيصال الشعور بالإحساس المادي، فيستطيع أن يرى المُستخدم الأشياء من حوله بصورة ثلاثية الأبعاد عبر النظارة، كما يمكن أن يشعر فيها بالمؤثرات الجسدية الحسية، كإحساس السقوط في المياه أو اللكمة في الوجه أو غيرها، من خلال المستشعرات الموجودة في السترات والقفزات التي يرتديها، فيحصل على تجربة أشبه بالواقعية حتى وإن كانت غير مباشرة.

 

حياة افتراضية 

يعتبر “الميتافيرس” عالماً اختيارياً، يُبنى وفق رغبات مُستخدميه، فيستطيع الأفراد إنشاء عالمهم الخاص بهم، وقد قسمها زوكربرج حتى الآن إلى 3 عوالم أو آفاق Horizons كما أطلق عليها، وهي “آفاق المنزل” أو Horizons Home، و”آفاق العمل” Horizon Workrooms، و”آفاق العالم” Horizons world.

وداخل “آفاق المنزل”، يستطيع المُستخدم إنشاء نسخة افتراضية تطابق منزله الأصلي، ويستطيع التجول فيها بمجرد ارتداء نظارة الواقع الافتراضي، ومن ثم يستطيع أن يدعو زملاءه عبر “الميتافيرس” إلى قضاء وقت معاً داخل المنزل، أو مشاهدة مباراة كرم قدم، أو حتى استذكار الدروس والمراجعة.

وبالمثل يستطيع الزملاء في العمل إنشاء فضائهم الخاص بهم داخل “الميتافيرس“، فيمكنهم الذهاب إلى العمل فقط من خلال ارتداء نظارة الواقع الافتراضي، وإنجاز المهام المطلوبة والمشاركة في الاجتماعات بل وأخذ راحة منتصف اليوم مع أصدقاء العمل، كل ذلك من دون حتى مغادرة المنزل.

ليس هذا فحسب، بل يمكن التسوق أيضاً داخل “الميتافيرس“، واختيار السلع الغذائية من داخل السوبر ماركت ودفع ثمنها عبر بطاقة الائتمان في تجربة ثلاثية الأبعاد، وكأن المستخدم داخل أحد المتاجر بالفعل، كما يمكن قياس الملابس والتأكد من ملاءمتها للمُستخدم، عبر تصميم “أفاتار” بنفس مقاييس المُستخدم ومحاكاة تجربة ارتداء الملابس عليه.

وتتعدى تجربة عالم “الميتافيرس” في التعليم لتكون أكثر ثراءً، فتوفر مثلاً للطلاب المعنيين بدراسة الفضاء أو المحيطات أو الجيولوجيا أو التاريخ، فرصة لمحاكاة هذه العوالم في صورة ثلاثية الأبعاد، وبالتالي يمكنهم الذهاب إلى القمر أو أحد الكواكب الشمسية أو حتى الشمس نفسها، وأيضاً يمكنهم الذهاب إلى أعماق المحيطات أو باطن الأرض، أو حتى العودة إلى أحد الأزمنة التاريخية ومحاكاة طرق العيش فيها. ومع دخول نظم الذكاء الاصطناعي في برمجة شخصيات هذه العوامل، يمكن للمُستخدم أن يعيش تجربة شبه حقيقية بالفعل.

 

الاستثمار في البشر

قد تتحول حياة المُستخدم الحقيقية في عالم “الميتافيرس” شيئاً فشيئاً إلى كابوس من دون أن يدري، فلا يهتم بشكل منزله الحقيقي، ولا بشكل مدينته الحقيقة، ولا يسعى إلى تعمير الأرض التي يسكن فيها، ويكتفي ببناء جنة خيالية في عالم افتراضي، يعيش فيها طيلة اليوم ولا يتركها إلا عند النوم.

ويبقى القول إن مشروع “الميتافيرس” أحد مشروعات “فيسبوك” الواعدة؛ لكنها ما زالت قيد الاختبار مثل غيرها من المشروعات التي لم تتحقق. وحتى وإن اكتمل مشروع “الميتافيرس” خلال 5 سنوات من الآن كما تسعى فيس بوك، فإن هذا التطور سوف تقابله مقاومة من التيار الإنساني التقليدي، الذي يرفض هذه السرعة المُبالغ فيها في التطور، ويثمن الحياة التقليدية في كثير من جوانبها.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments