هل تصح التنبؤات بالركود الاقتصادي في الفترة 2020-2021؟

هل تصح التنبؤات بالركود الاقتصادي في الفترة 2020-2021؟

2019-09-09 3:00 ص

هل تصح التنبؤات بالركود الاقتصادي في الفترة 2020-2021؟

 

نهاد اسماعيل – كاتب صحفي متخصص في شؤون النفط والغاز

 

ارتفعت مؤخرا وتيرة التنبؤات والتحليلات في الصحافة ومواقع المال والأعمال الإلكترونية مثل الوول ستريت جورنال و الفايننشال تايمز و بلومبيرغ وكلها تحذر أن الاقتصاد العالمي يواجه ركودا اقتصاديا خلال عام أو عامين. ونشرت وكالات الأنباء نتائج استطلاعات بين خبراء تفيد أنه “من بين 226 خبيرا استطلعت آراءهم الرابطة الوطنية لاقتصاديي الأعمال، بحسب وكالة “فرانس برس”، توقع 38% دخول أول اقتصاد عالمي في ركود عام 2020، بينما تكهن 34% دخوله في ركود عام 2021، فيما اعتبر 14% أن ذلك سيحصل في وقت أبعد من ذلك”. أي ان الغالبية تتوقع حدوث ركود اقتصادي بين 2020 و 2021. هذه النتائج لا تعطي صورة قاطعة ويبقى الموضوع رهن التكهنات والتطورات على الساحة الحقيقية في الأسواق والقرارات في عواصم التأثير مثل واشنطن ولندن وطوكيو وبيجينغ.

 

ولكن هناك اجماع ان عوامل محددة ستلعب دورا كبيرا في الشهور المقبلة في التأثير على الاقتصاد العالمي. وعلى رأسها الحرب التجارية المسعورة بين واشنطن وبيجينغ ويتبع ذلك أزمة البريكست البريطانية وثم العوامل الجيوسياسية في العالم.

 

لأول مرة منذ أزمة 2008-2009 المالية العالمية بدأت ثقة الشركات ورجال الأعمال تتزعزع بسبب المجهولية الناتجة عن الحرب التجارية بين واشنطن وبيجينغ والقلق يتركز الآن على احتمال انهيار ثقة المستهلك في الدول الصناعية المتقدمة.

 

في هذه اللحظة لا يوجد دلائل على ركود اقتصادي شبيه بأزمة انفجار “فقاعة الدوت كوم” عام 2000 أو فضيحة قروض الإسكان السامة في الولايات المتحدة عام 2007 والتي تبعها الانهيار المالي عام 2008-2009. ولكن قرار الرئيس ترامب الخاطيء بإشعال حرب تجارية مع الصين ودول أخرى يمكن اعتباره من أهم الاسباب في خلق اجواء الركود الاقتصادي. وقبل أسابيع فرضت واشنطن 25% تعرفة جمركية على 250 مليار دولار من البضائع الصينية التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين. ويهدد الرئيس ترامب بفرض 10% على 300 مليار دولار اضافية من المستوردات الصينية. هذا التهديد لم يتم تنفيذه بعد. ونتيجة للإجراءات ترامب هبط معدل النمو الاقتصادي الصيني الى 4.8% وهو أقل نسبة منذ 2002. ولا يمكن تجاهل الضرر على الولايات المتحدة ذاتها حيث تعرض المزارعين الأمريكيين لخسارة فادحة تراكمية لا تقل عن 18 مليار دولار بسبب المقاطعة الصينية للمنتجات الزراعية الأميركية .

 

وحسب “ماركت ووتش” التي ترصد المؤشرات الاقتصادية الأميركية فقد هبطت قيمة الأسهم الأميركية للأسبوع الثالث عالتوالي وسجلت أكبر انخفاض في يوم واحد هذا الاسبوع بسبب حرب ترامب التجارية والتي أيضا أدّت الى خسائر كبيرة في اقتصادات آسيا وأوروبا والولايات المتحدة ذاتها. ولكن البيت الأبيض يرفض المسؤولية عن كل ذلك.

 

وثمة اشارات تؤيد احتمالية الركود تشمل تقلص الاستثمار في قطاع الأعمال بسبب المجهولية من حرب الرئيس ترامب التجارية ومن احتمال خروج بريطانيا (البريكست) من الاتحاد الأوروبي اواخر اكتوبر المقبل بدون اتفاق ينظم العلاقة التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن النتائج السلبية المترتبة على ذلك، أن الشركات لا تستطيع وضع خطط استثمارية للمستقبل في ظل المجهولية الناتجة عن حروب ترامب التجارية او البريكست البريطاني.

 

منحنى العائد المعكوس

 

من المصطلحات التي دخلت قاموس أسواق المال والاستثمار هي “منحنى العائد المعكوس” The Inverted Curve ويتم الاشارة للمنحنى عندما يتخلى المستثمرون عن الأسهم السريعة التقلب ويهرولون إلى السندات الحكومية. أي انتقال الاستثمار من اسواق أسهم رأس المال والبنوك وشركات النفط والشركات الصناعية وقطاعات بيع التجزئة وغيرها الى السندات الحكومية الطويلة الأمد مثل سندات فئة العشر سنوات التي تدر ربحا ضئيلا لكنه مضمون ولا يتعرض لتقلبات والاضطرابات التي تعصف في اسواق الأسهم والأدوات المالية من حين لآخر. هذه التقلبات والاضطرابات في السوق تخلق الذعر وتبخر الثقة في صفوف المستثمرين والمستهلكين وتقود في النهاية الى تقلص الحركة الاقتصادية والاستثمار.

 

وقد تزايدت مخاوف العالم من ركود اقتصادي خلال الأسبوعين الماضيين. وحسب تحليلات بلومبيرغ فإن “منحنى العائد المعكوسة” يتواجد قبل حدوث ركود اقتصادي ولوحظ ذلك في 7 حالات من الانكماش الاقتصادي والتي تم رصدها ودراستها.ويعتبر بعض الخبراء ان المنحنى المعكوس هو تحذير مسبق بأن ركود اقتصادي في الطريق ومن مظاهر بداية الركود هو هبوط مؤشرات الأسهم وتراجع الاقتصاد وارتفاع الطلب على الأدوات المالية المستقرة مثل السندات الحكومية.

 

ولكن في الولايات المتحدة يرى المراقب ان الاقتصاد لا يزال قويا. أي على السطح يبدو ان الاقتصاد يواصل النمو وبمعدلات متواضعة أي حوالي 2%. ولا يزال المستهلك ينفق والبطالة تتضاءل وفرص العمل والوظائف بازدياد والإنتاجية ترتفع بمعدلات تزيد عن 2.5%. ولكن السؤال الى متى ستستمر هذه الايجابيات؟ وإذا حدث أي تراجع اقتصادي في الولايات المتحدة في الشهور المقبلة سيقع اللوم على الرئيس الأميركي دونالد ترامب والذي يرفض بإصرار أنه ارتكب أي خطأ.

 

الركود سوف لا يستثني أحدا

 

وعلى مستوى عالمي بدأت بوادر التراجع الاقتصادي في ألمانيا التي تعتمد كليا على التصدير. الاقتصاد الصيني يعاني من الحرب التجارية وتراجعت الصادرات بسبب التعرفة الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب. بريطانيا تواجه مستقبل مجهول بسبب البريكست واحتمال الخروج العشوائي وبدون اتفاق مسبق مع الاتحاد الأوروبي. الاقتصاد الإيطالي يعاني من ركود في ظل عدم استقرار سياسي.

 

المخاوف من ركود اقتصادي حقيقي تستند على تفاصيل وبيانات أمريكية رسمية وكلها تشير ان أكبر اقتصاد في العالم يتجه نحو تباطؤ وركود اقتصادي جديد. وليس هذا فقط فإن اقتصادات دول العالم تسير في نفس الاتجاه. اليابان تصطدم مع كوريا الجنوبية في نزاع تجاري سيـأتي بالضرر للطرفين. اضطرابات البريكست تهدد اقتصاد اوروبا والاتحاد الأوروبي. وتقلص الاقتصاد البريطاني في الربع الثاني من العام نتيجة لسياسة البريكست التي تتسم بالتخبط.

 

الاضطرابات والتوترات في هونغ كونغ واحتمال تدخل صيني عسكري لقمع الاحتجاجات لا يزال يلقي بظله على الوضع. ناهيك عن الأرجنتين والبرازيل والمكسيك وكلها تعاني من ضعف في الأداء الاقتصادي. فالصورة الاقتصادية العامة تبدو كئيبة. وحذر صندوق النقد الدولي من أن النمو في عام 2020 سينخفض بمقدار النصف إذا زاد النزاع حدة بين واشنطن وبيجينغ.

 

وخفّض صندوق النقد الدولي التوقعات في النمو الاقتصادي العالمي لعام 2020 الى 3.2% وهو أقل معدل منذ 2009.

 

حتى أمريكا اللاتينية لم تهرب من التراجع الاقتصادي

 

البرازيل شهدت تراجعا في الربع الثاني من العام , وفي ظل إصلاحات اقتصادية متعثرة. والمسكيك تعاني من تباطؤ اقتصادي وكذلك الأرجنتين أما فنزويلا فقد تحولت الى دولة موز فاشلة رغم احتياطيات النفط الضخمة.

 

هل يمكن تفادي الركود الاقتصادي؟

 

ويرى بعض الخبراء إنه لا يوجد مبررا قويا وواضحا لركود اقتصادي إذا لم تتوقف الشركات عن الاستثمار المدروس والإنفاق المتزن على أصول ملموسة مثل الأجهزة والمعدات الضرورية للعملية الانتاجية ويجب ان يكون الانفاق على مستوى عالمي. ولكن الخوف الأكبر الذي قد يلعب دورا في تحويل الركود الى حقيقة واقعة هو استمرار وتأزيم الحرب التجارية القائمة بين بيجينغ وواشنطن والذي من شأنه ان يزعزع ثقة الشركات. لذا إنهاء الحرب التجارية يعتبر شرطا أساسيا في استعادة الثقة و تعافي الأسواق والاستثمار.

 

ولتخفيف حدة الركود او حتى تأجيله يتعين على المصارف المركزية العمل على اتخاذ إجراءات مناسبة مثل تخفيض أسعار الفائدة كما فعل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عندما قام بتخفيض أسعار الفائدة الشهر الماضي لأول مرة منذ 11 عاماً، في حين تتزايد الضغوط على الصين لخفض سعر الفائدة الرئيسي لأول مرة منذ 4 سنوات. وقد خفضت بنوك مركزية أخرى من الهند إلى تايلاند أسعار الفائدة أيضاً. لذا ليس من الحكمة تجاهل احتمال حدوث كساد اقتصادي عالمي خلال العامين المقبلين.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments