هل ينتصر "الفريلانس"؟.. مستقبل العمل في عام 2030

هل ينتصر “الفريلانس”؟.. مستقبل العمل في عام 2030

2019-09-06 7:33 ص

هل ينتصر “الفريلانس”؟.. مستقبل العمل في عام 2030

 

العمل يتغيّر والمجتمع يتغير كذلك. حتى ثلاث سنوات لم تهدأ الجدالات حول مستقبله، يُشعلها النقاش حول التقنيات الرقمية والعمالة الذاتية والأفراد متعددي الوظائف والدخل الشامل أو قضايا الأنماط الجديدة في الإدارة والتضامن والحوكمة. بتركيزها على التوظيف، أو ممارسات العمل أو الإدارة، اتسمت هذه النقاشات بميزة واحدة: تسليط الضوء على الاحتمالات المتعددة لمستقبل العمل.

 

مناخ العمل

 

في أحدث الأوراق البحثية المنشورة تحت عنوان “مستقبل العمل في 2030: أربعة مناخات للعمل”، تقدّم الشبكة الدولية “مجموعة أبحاث الفضاءات التعاونية” رؤية متعددة الأوجه لمستقبل العمل. نبدأ بتقديم ثماني مفارقات مؤثرة في ممارسات العمل والإدارة الحاليين، وهي مفارقات تسلط الضوء على التوترات والمعضلات التي تُشكّل جوهر تحوّلات العمل: التنقل مقابل نمط حياة مستقر، ريادة الأعمال مقابل التبعية، الحرية مقابل الأمن، الاستقلالية مقابل السيطرة، التحويل الرقمي مقابل الملموسية، وهلمّ جرًّا.

 

على هذا الأساس، نستعيد مفهوم مناخ العمل، البسيط والتناقضي، لتفسير [طبيعة] العمل في الحاضر والمستقبل. مناخ العمل يحيل إلى المحيط والسياق والأجواء وكل شيء يصعب وصفه في بيئة العمل. في الوقت نفسه، تكون مكوناته ملموسة للغاية: المبادرات والأدوات والأماكن والممارسات والأحاسيس والعواطف وما إلى ذلك. مناخ العمل “شبه مادي” ويُستشعَر في الأضواء والكلمات والأصوات والبنية التي تتوسط علاقتنا بالعمل. يعرّف مناخ العمل بأنه مكان ووقت أنشطة العمل.

 

لذلك طوّرنا أربعة سيناريوهات مرتبطة بأربعة مناخات عمل معينة، للنظر في شكل عالم العمل بحلول عام 2030:

 

العمل الحر (Freelancing)

 

– يُمثّل مجتمعا يتكوّن بشكل أساسي من العاملين لحسابهم الخاص والعاملين المستقلين المرتبطين بمنصات عالمية.

 

– التحوّل هو في الحوالات المالية، إذ يصبح المناخ سائلا بالمعنى الذي وصفه عالِم الاجتماع زيجمونت باومان.(1)

 

العمل براتب ثابت (Salaried)

 

– يُمثّل عالما يكون فيه العمل براتب هو النمط المركزي للعمل. وحيث تخضع العقود الدائمة والمحددة المدة للتطورات القانونية، ولكنها تظل في صميم التوظيف والعمل.

 

– التحوّل هو عقد لا يخضع لهذه التطورات، إذ يصبح فيه المناخ محليا ومترسخا.

 

التهجين (Hybridisation)

 

– يُمثّل انفصالا إضافيا عن أوضاع التشغيل الحالية. في هذا السيناريو يحافظ كل شخص على وظائف مختلفة أو فترات متبادلة من العمل بأجر وريادة الأعمال في آن واحد وبلا كلل. يصبح مناخ العمل عبارة عن مجموعة من الأحاسيس المحسوسة بالتناوب وبالتزامن.

 

– التحوُّل هو عكسه، ويتمثّل في إدارة “عدة ذوات”. بالنسبة للبعض، هذه البيئة أشبه بالشيزوفرينيا.

 

الدخل الأساسي الشامل (Universal income)

 

هو وضع يكون فيه للمعنى المسبغِ على العمل أسبقية على أداء ومكانة الموظف. إذ تستمر أشكال العمالة وريادة الأعمال مدفوعة الأجر بالوجود كهامش على نوع من التكافل العامّ. يتميز مناخ العمل بأعمال العطاء وإعادة اكتشاف الذات (2).

 

بالطبع، يمكن الجمع بين هذه السيناريوهات والمناخات المرتبطة بها؛ وهكذا يمكننا تخيّل التطوير المشترك للعمل الحر والعمل بأجر جنبا إلى جنب مع تعميم العقود المحددة المدة. كما يبدو أن سيناريوهات العمل الحر والدخل الأساسي الشامل متوافقة بالنسبة لنا. لدينا أربعة سيناريوهات محتملة عملية وعاطفية، يمكننا لعبها لوضع أنفسنا في المستقبل.

 

لتأكيد هذا الاعتقاد، نرى أن مستقبل العمل سيكون مليئا بالمفاجآت وسيتداخل بشكل خلّاق مع التطورات التي أشرنا إليها للتو. ومع ذلك، ستظل المفارقات الرئيسية والتحديات الإدارية الموضحة في هذه المذكرة البحثية مهمة في تحديد التوازن الذي سيحققه المجتمع أو لا خلال السنوات العشر القادمة.

 

هل لـ “مناخات العمل” مستقبل أم لا؟

 

لنتخيل هذا الحوار في إحدى أمسيات صيف عام 2025 في ساحة بلاس دي لا كوميدي في مونبيلييه، حيث استهلّت كل من فرايلانسيا وسالاريا وهايبرديا وسولداريا نقاشا عميقا. هذه الشخصيات النسائية الأربع تجسد السيناريوهات الأربعة (وقد كُنّيت كل واحدة باسم مناخ من الآنف ذكرُها). ومن مقتطفات السيناريو:

 

هايبرديا (هجينة): “قبل ثلاث سنوات، كنت لا أزال أعمل لحسابي الخاص. أتذكرين؟ لقد بدأت هذا العمل الفني التعاوني الصغير بعد المدرسة الثانوية، لكنني أعتقد أنكِ مقاومة للغاية للأشياء يا فريلانسيا! لماذا لا تصنعين كعكتكِ وتأكلينها، تمتّعي بالحرية والأمان”.

 

فريلانسيا (حرة): “هناك أربع وعشرون ساعة فقط في اليوم. بوجود نشاط آخر في الوقت نفسه، سأشعر وكأنني كنت أغش في نشاطي الأول”.

 

سولداريا (شاملة): “أنتِ لا تريدين قضاء بقية حياتك في بيع الهراء! لقد كنت مستشارة ومحفزة للابتكار، أصبحت الآن رئيسة للعلاقات الداخلية، ما الخطوة التالية بعد ذلك؟ ألا تريدين فعل شيء أكثر فائدة لكِ وللآخرين؟”.

 

سالاريا (دائمة): “لا يمكنني العيش على الحب والهواء النقي مثلكِ. أنا أربي طفلين وأعرف كم سيكلف تعليمهما. أريدهما أن يحصلا على تعليم من الدرجة الأولى من شأنه أن يمنحهما دخلا متواضعا كنتن قد اعتمدتن عليه في بداياتكن أيضا”.

 

وتستمر الورقة البحثية بالتبصر بشكل تفصيلي أكبر في الجوانب التكنولوجية التي تقف وراء هذه السيناريوهات، ومناقشة الروابط بين الذكاء الاصطناعي والعمل (بما يتخطى مسألة التوظيف). باستخدام استعارة من مصر القديمة ومايكل سيرس، مقترحة النظر في الهاتف الذكي للعامل المستقبلي والذكاء الاصطناعي بوصفهما “كا”، والكا في الأسطورة المصرية القديمة هي الروح التي تحل في التمثال الفرعوني بعد موت صاحبها، أي باعتبارهما بديلين للإنسان، وهو ما يثير عددا من القضايا الأخلاقية.

 

في الختام، بعيدا عن الاستسلام لإغراءات كرة قارئ الطالع البلورية أو الديستوبيا، يهدف بحثنا إلى تسليط الضوء على الخيارات المتعلقة بحياتنا واستخداماتنا التكنولوجية وأشكال العمل القديمة والجديدة، والتصويتات والمشاركة المدنية التي ستجعل بعض السيناريوهات لمستقبل العمل ممكنة أو تحطمها من الآن فصاعدا.


هوامش

[1] للمزيد من المعلومات حول نظرية زيجمونت باومان يمكنك قراءة “مجموعة السوائل.. طريقك إلى نظرية باومان في علم الاجتماع”.

 

[2] الدخل الأساسي الشامل: هو مبلغ ثابت يكفي لمتطلبات الحياة، تُقدّمه الدولة لجميع مواطنيها بغض النظر عن الدخل أو المركز الوظيفي.

 

——————————————————————-

ترجمة: (آلاء أبو رميلة)

 

هذا التقرير مترجم عن The Conversation ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments