واجهة المستقبل | د. فهمي إسلام جيوانتو

واجهة المستقبل | د. فهمي إسلام جيوانتو

2019-07-29 6:00 م

واجهة المستقبل | د. فهمي إسلام جيوانتو

 

إن مسألة المستقبل قضية يشارك فيها كل إنسان. فالحياة بمعيار الزمن تتقدم إلى الأمام دائما. والعبرة في سعادة الإنسان هي ما تؤول إليه حياته في نهاية المطاف وما تكون عليه الخواتيم. والإنسان في عراك دائم مع الزمان وفي سباق مستمر مع الوقت. له عمر معدود، وأجل محدود، وعلى عنقه التكليف معقود.

 

ولكن مع خطورة هذه القضية وحتمية مقتضياتها وصرامة مستلزماتها فإن الكثرة الساحقة من بني البشر لم يولوا لهذه القضية اهتماما تستحقه. يضيعون أوقاتهم، ولا يرون بذلك بأسا. لا يصيبون للحياة معنى، ولا يشعرون أنهم يفقدون شيئا.

 

بل وأشد من ذلك أنهم يسيئون إلى أنفسهم ويخسرون حياتهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. تصورات مغلوطة في أذهان تنحرف… ومفاهيم مخلوطة في سيل الشبهات تنجرف… وجهود حابطة عن النفع تنصرف.

 

إن كثيرا من الإشكالات التي تعتري حياة الإنسان إنما تنشأ من عدم الوعي الصحيح للقضايا المستقبلية. والأكثر منه ينتج من التعامل الخاطئ مع الوقت مما لا يتوافق مع طبيعته.

 

الذين لا يعرفون معنى للحياة والغرض منها، سيعبثون -ولا بد- بحياتهم. والذين لا يرون أن للحياة أجلا محدودا لن يحسبوا له حسابا ولا يعدون لما بعد الموت عدة. والذين لا يعتقدون أن أقدارا محتومة تحكم الكون سيكدون ويكدحون في أشياء لا طائل تحتها ويصرفون –في مقابل ذلك– جهودهم عن أشياء يجب عليهم أن يفعلوها. كما أن الذين يستسلمون للأقدار ويظنون أن الإنسان مجبور تحت وطأة الأقدار الصارمة الظالمة سيقتلون حريتهم ويميتون عقولهم ويغالطون أنفسهم.

 

ثم إن طرح هذه المواضيع إنما هو إفراز من الإفرازات التي تنتجها ثقافة العصر التي تتطلب وعيا صحيحا لما جرى وما سيجري ولماذا وكيف تجرى الحياة الإنسانية. إنها قضية قديمة وحديثة في نفس الوقت. قديمة لأنها تتعلق بالزمان وطبيعته التي لا تختلف ولا تتغير في وقت من الأوقات. حديثة لأن تطلعات الإنسان تتجدد من جهة. ومن جهة أخرى فإن التنبؤ بالمستقبل القريب والبعيد أصبح اليوم همًّا من الهموم التي تشكل فنا من الفنون وعلما من العلوم المستقلة التي لها شأن عظيم وتأثير كبير في سياسة الدول والجماعات كما أنها محط اهتمام الأفراد والشخصيات.

 

ومع قرب قيام الساعة صار هذا الموضوع حديث الناس شرقا وغربا واعتنى به الناس على اختلاف دياناتهم …

 

غير أن هذه المواضيع العظيمة على أهميتها لم تكن على مستوى من البلورة والوضوح والمنهجية بحيث توضع في نسق منتظم سهل التصور وقريب التناول حتى يعظم به الانتفاع ويسهل به الاهتداء. وهذه المدونة محاولة متواضعة لدفع هذا الموضوع إلى إطار التأصيل الشرعي والبلورة المنهجية. وأسأل الله جل شأنه أن يوفِّقني لفتح هذا الباب وإتمام سلوك هذا الطريق.

 

أهمية الموضوع

 

إن طرح مثل هذا الموضوع من الضرورة بمكان، من حيث إن غياب التصور في هذا الباب يؤدي إلى التخبط في الخطوات، والحيرة في اتخاذ كثير من المواقف. إن شريحة كبيرة من الأمة الإسلامية –بشكل عام، أفرادا وجماعات- تعاني كثيرا من الغموض في رؤيتهم المستقبلية، ابتداء من الاعتقادات الفاسدة وانتهاء بمظاهر الارتجالية العشوائية التي تنبي عن عدم التبصر في تبني الرؤية المستقبلية وكيفية تكوينها.

 

وما زال بعض الأوساط من المسلمين يعتبرون أن الإيمان بالقضاء والقدر سببا عائقا لانطلاق الإنسان نحو مستقبل أحسن. وهناك من يظن أن ذم الشرع لطول الأمل يعني القعود والتقاعس عن التطلع إلى مستقبل مرجو مشرق. وآخر من يتوهم أن التوكل هو انطراح سلبي بين يدي الأسباب دون التفاعل الإيجابي معها. في حين أن الإيمان الصحيح بهذه القضايا كلها إنما هو دفع قوي وتوجه كامل نحو العمل من أجل المستقبل وتنظيم دقيق للفكر من أجل التركيز على ما ينفع الإنسان في مستقبله كما سيتبين في الباب الأول إن شاء الله.

 

ومنظومة العقائد في التكليف وحساب يوم القيامة والإيمان بالأجل المحتوم غير المسمى لم تكن تشكِّل عند الأمة اليوم–كما هو مطلوب بصفة عامة– النفسية المتوجهة توجها متزنا نحو العمل النافع الذي أراده الله من الإنسان في الدنيا والآخرة، وبالتالي لم تكوِّن حركة حضارية قوية كما كان السلف يندفعون نحو العمل بدافع هذه المنظومة العقدية الفريدة.

 

هذه من الإشكالات النظرية التي يهدف هذا البحث إلى علاجها بإذن الله.

 

المصدر

 

 

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments