وجبة إبداع وابتكار (19) | أسلوب دلفي (1) | د. أنيس رزوق

وجبة إبداع وابتكار (19) | أسلوب دلفي (1) | د. أنيس رزوق

2019-12-27 3:00 ص
الكاتب :

وجبة إبداع وابتكار (19) | أسلوب دلفي (1)

 

تتمة لمقالات استشراف المستقبل، وكما تمت الإشارة إليه سابقاً في مقالاتنا السابقة، تناولنا في مقالات عدة سابقة اسلوب السيناريو بشكل تفصيلي، وسوف نورد في المقالات القادمة أسلوب دلفي، وسنتناوله بمقالات متتالية من خلال أربعة أقسام تم تصنيفها كمايلي:

 

القسم الأول: نبذة تاريخية وفكرة أسلوب دلفي.

 

1. نبذة تاريخية عن تقنية دلفي.

 

2. تعريف أسلوب دلفي.

 

3. فكرة أسلوب دلفي.

 

القسم الثاني: استخدام اسلوب دلفي وخصائصه ومزاياه

 

4. استخدام أسلوب دلفي

 

5. مبررات استخدام أسلوب دلفي في البحوث المستقبلية

 

6. خصائص أسلوب دلفي

 

7. مزايا أسلوب دلفي

 

القسم الثالث: خطوات استخدام اسلوب دلفي ومراحل تطبيقه

 

8. عيوب أسلوب دلفي

 

9. ضمانات نجاح أسلوب دلفي

 

10. أنواع النماذج المستخدمة مع أسلوب دلفي

 

11. استبيانات أسلوب دلفي

 

12. خطوات استخدام أسلوب دلفي

 

13. مراحل تطبيق تقنية دلفي في عملية التخطيط

 

القسم الرابع: تطبيق اسلوب دلفي عملياً

 

14. مثال تطبيقي لمراحل تطبيق اسلوب دلفي

 

مقدمة:

 

يرتبط التخطيط بالمستقبل ارتباطاً وثيقاً، فهو معني أساساً باستشراف معالم هذا المستقبل، والتأثير فيها بالشكل الذي يحقق أهداف الإنسان وطموحاته، ويرتبط التخطيط بالتنبؤ ارتباطاً أساسياً كونه يعنى بدراسة وفحص الاحداث المستقبلية، ويعتمد التنبؤ عموماً على عملية الاستقرار والاستنتاج من سلسلة من الملاحظات أو تصورات محتملة الوقوع مستقبلاُ ولكنها غير منظورة في الوقت الحاضر.

 

والإنسان بطبيعته يتطلع إلى المستقبل، فكما نعلم أن المجتمعات في عصرنا الحاضر مجتمعات تتسم بالتغير السريع وقد تبدو الطرق المتاحة لجمع المعلومات غير ملائمة للمشكلات المطروحة، كان لابد من وجود وسائل أخرى يتم من خلالها مشاركة المعلومات وتبادل الآراء وطرح الخيارات والبدائل وترتيب الأولويات وتحديد الأهداف وكان من ضمن هذه الأساليب أسلوب دلفاي، حيث يعد هذا الأسلوب منهجا للوصول إلى رسم السياسات والبدائل لاستشراف المستقبل الاجتماعي والتكنولوجي وغيرها.

 

القسم الأول: نبذة تاريخية وفكرة أسلوب دلفي.

 

أولاً: نبذة تاريخية عن دلفي:

 

سميت تقنية دلفي نسبة إلى معبد في أحد مدن اليونان القديم (Delphi) به بعض الكهنة والحكماء يتنبؤون بالمستقبل ولقد كان اليونانيون يلجئون إلى ذلك المعبد للتنبؤ بمستقبلهم من خلال تفسير الكهنة بمختلف القضايا في الشؤون الشخصية والحربية وفي النهاية يتكون رأي عن الاحتمالات المتوقعة.

 

اسم “دلفي” مستمد من أوراكل من دلفي وهو شخصية من التراث الإغريقي، وكان واضعو طريقة دلفي غير راضين عن هذا الاسم، لأنه يعني “شيء نبوئي أو قليلا من السحر والتنجيم”، وتستند طريقة دلفي على افتراض أن الأحكام الجماعة سليمة أكثر من الأحكام الفردية(1).

 

الأوراكل (بالإنكليزية: Oracle) هو شخص أو مجموعة يعتبر “وسيط روحي” أو مصدرا للتكهنات أو الحكمة التنبئية واستبصار المستقبل المستوحاة من الآلهة وأيضاً كقارئ للبخت، عرف هذا النوع في مدينة دلفي الإغريقية وذكر الأوراكل في التراث والأساطير الإغريقية(2).

 

والأوراكل في اللاتينية تعني الفعل ōrāre أو “التحدّث”، ويمكن أن يشير بشكل صحيح إلى الكاهن أو الكاهنة الذي ينطق بالتنبؤ، وفي الاستخدام الموسّع، قد تشير أوراكل أيضا إلى موقع الأوراكل، أو إلى الكلام التنبئي نفسه الذي يدعى باليوناني “خرسموا” (khrēsmoi (χρησμοί. (3)

 

وكان يعتقد أن الأوراكل هم البوابات التي تتكلّم الآلهة من خلالها مباشرة إلى الناس، في هذا المعنى يكون الأوراكل مختلفاً عن العرافون (manteis، μάντεις) الذين يفسرون الإشارات التي تبعث بها الآلهة من خلال علامات الطيور، أحشاء الحيوانات، والطرق المختلفة الأخرى(4).

 

ديلفوي (Δελφοί) هي مدينة في فوكيس في مقاطعة كينتريكي إلادا في اليونان. يبلغ عدد سكانها حوالي 3,511 نسمة حسب تعداد 2001(5).

 

وقد تم تطوير طريقة دلفي في بداية الحرب الباردة لتوقع تأثير التكنولوجيا على الحرب في عام 1944، أمر الجنرال هنري ه. أرنولد بإنشاء تقرير لسلاح الجو الأميركي عن القدرات التكنولوجية في المستقبل التي قد تستخدم من قبل الجيش.
يعود توظيف أسلوب دلفي في التنبؤ، من قبل مشروع راند ( الذي تحول لاحقاً الى مؤسسة راند) خلال 1950 – 1960 وذلك من قبل مؤسسة تدعي (راند) بواسطة بواسطة أولاف هيلمر ونورمان دالكي ونيكولاس ريشر، وذلك بغية حل المشكلات التي واجهتها، فلجأت هذه المؤسسة إلى مجموعة من الخبراء ليسهموا في البحث وتقديم الحلول المناسبة لحل هذه المشكلات ولكن لم تكن هذه المؤسسة تستخدم هذا الأسلوب على اعتبار أنه أسلوب دلفي، ولكن قامت بذلك بشكل عشوائي، وقد استخدمت منذ ذلك الحين، جنبا إلى جنب مع مختلف التعديلات وإعادة الصياغة، مثل إجراء إيمن-دلفي (Imen-Delphi) (6).

 

في عام 1953 كان أول استخداماً علمياً منظماً وهادفاً للأسلوب على يد دالكي وهيلمر في سلاح البحرية الأمريكية عندما طلب من الخبراء إعطاء رأيهم في احتمالات، نسبة تردد، وكثافة هجمات محتملة من العدو. وكان بإمكان غيرهم من الخبراء إعطاء ردود فعل مغفلة على تلك الآراء، وتكررت هذه العملية عدة مرات حتى ظهر توافق في الآراء، ثم أخذ في الانتشار بصورته الحالية اليوم بين شتى المجالات غير العسكرية، كالمجالات التكنولوجية والصناعة، وتخطيط المجتمع وتقييم المشروعات والتربية.

 

ولقد استعملت هذه التقنية بكثرة من طرف المدرسة الامريكية للدراسات المستقبلية، وذلك لمجموعة من الاعتبارات منها قوة وتطور وسائل الاتصال الامريكية مما يسهل عملية الاعتماد على أكبر عدد من المختصين في مختلف مراكز البحث والجامعات الامريكية، ثم توفر العدد الكافي من الخبراء والامكانيات الكفيلة بتحقيق هذه التقنية، ويسعى الامريكيون خلال استعمال هذه التقنية الى استخراج وتحديد أقوى الاحتمالات والتوقعات من الآراء المتباينة حول موضوع معين في الشؤون الداخلية والخارجية(7).

 

ثانياً: تعريف أسلوب دلفي

 

أسلوب دلفي، هو وسيلة اتصال منظمة بين مجموعة مختارة من الخبراء وأصحاب الاختصاص في ميدان معين للتنبؤ بالمستقبل عبر العمل التعاوني المنظم لاقتراح الحلول المناسبة لمشكلة معينه دون الحاجة إلى الاجتماع أو المواجهة فيما بينهم.

 

طريقة دلفي (بالإنكليزية Delphi method) هي تقنية تواصل منظّمة، وضعت أصلا باعتبارها طريقة تنبؤ منهجية وتفاعلية تعتمد على لجنة من الخبراء(8)

 

وقد عرفه (أبو زينه، 2006) بأنه أسلوب يشير إلى عملية تفاعلية تستخدم الملاحظات المحددة المعزولة عن بعضها البعض لمشاركين مجهولين الاسم(9).

 

كما عرفه (الجهني، 2009) أسلوب يعتبر تقنية وحجر الزاوية لبحوث المستقبليات وهو يعتمد على مجموعة من الخبراء توجه لهم قائمة من الأولويات أو المواضيع بصيغة مسحية متكررة حتى يتم التوصل لتوافق في الآراء(10).

 

ويعرّف(سيف الإسلام مطر، 1995) أسلوب دلفاي على أنه ” برنامج أو منهج مصمم بطريقة علمية لاستطلاع رأي مجموعة من الخبراء حول موضوع ما للدراسة واستطلاع الرأي يتم من خلال عمل مناقشة للآخرين ويتم هذا في أكثر من دورة للوصول إلى نتائج تفيد في حل مشكلة الدراسة”

 

ثالثاً: فكرة أسلوب دلفي:

 

وتقوم الفكرة الأساسية في أسلوب دلفي على أن نتائج تفكير الجماعة أفضل بكثير من نتائج تفكير أي فرد فيها، وهو أسلوب يتم عبر خطوات متسلسلة لاستخراج وتنقيح وجهة نظر مجموعة من الخبراء في مجال البحث، اذ يتم اختيار المشاركين وتنظيم استفتاء مكتوب يوزع عليهم بشكل فردي ثم تسترجع منهم ليتم تنقيحها وتوزيعها عليهم مرة أخرى لتقريب وجهات النظر، وغالباً مع انتهاء الجولة الثالثة أو الرابعة تكون النتائج جيدة، وأن أسلوب دلفي صمم لزيادة فاعلية المشاركين من خلال منع تصادم الآراء التي تحدث عندما يكون النقاش وجهاً لوجه مما يمنح الفرد حرية التعبير دون التعرض لضغوط أو مجالات أو حرج، وهو أسلوب يختصر المسافات والوقت والتكلفة ويؤدي إلى نتائج جيدة تعكسها وجهات النظر حول موضوع ما(11).

 

ويقوم هذا الاسلوب على استراتيجية استقلالية آراء الخبراء واخفاء هوياتهم عن بعضهم حرصاً على رفع درجة الحيادية ويكون الخبراء غالباً لا يتعدى (30) خبيراً بحيث يتعامل معهم في جولات متعددة من مسوح للرأي، فيتم أولاً تحديد الموضوعات في قائمة توزع على الخبراء وبعد استرجاعها منهم يتم تحليلها ثم توزع عليهم مرة أخرى كتغذية راجعة، وتتكرر الجولات عدة مرات حتى يتم التوصل لحالة من الثبات في الآراء والحصول على نتيجة نهائية مرضية(12).

 

ويمكن أيضا أن تكييف هذه التقنية للاستخدام في الاجتماعات وجها لوجه، ويسمى ذلك طريقة دلفي المصغرة mini-Delphi أو خمّن-تحدث-خمّن (Estimate-Talk-Estimate ETE). وقد استخدمت طريقة دلفي بشكل واسع من أجل التنبؤ للأعمال ولها مزايا معينة بالمقارنة مع نهج تنبؤي منظم آخر ولأسواق التنبؤ(13).

 

سياسة دلفي (بالإنكليزية Policy Delphi) التي صممت لاستخدامات معيارية واستكشافية لا سيما في مجال السياسة الاجتماعية والصحة العامة في أوروبا، استخدمت تجارب أكثر حداثة على شبكة الإنترنت طريقة دلفي كتقنية تواصل لصنع القرار بطريقة تفاعلية ولأغراض الديمقراطية الإلكترونية، مثال على تطبيق الديمقراطية الإلكترونية هو DEMOS أو “نظام دلفي للوساطة على الانترنت” (Delphi Mediation Online System)، الذي قدم نموذجه في منتدى الديمقراطية الإلكترونية العالمي الثالث في عام 2002، وتستند طريقة دلفي على مبدأ أن التوقعات (أو المقررات) من مجموعة منظمة من الأفراد هي أكثر دقة من تلك التي من جماعات غير منظمة، وقد تم تبيان ذلك في مصطلح “الذكاء الجماعي”(14).

 

من هو الذي ينسق طريقة دلفي مع الخبراء وماذا يسمى: هو الشخص الذي يتولى تنسيق طريقة دلفي يمكن أن يدعى المسهّل Facilitator، وهو الذي ينسّق الردود من لجنة الخبراء الذين تم اختيارهم لسبب ما، وهو عادة أن لديهم معرفة أو رأي عن الموضوع الذي تجرى من أجله التوقعات على طريقة دلفي، يقوم المسهّل بإرسال الاستبيانات واستطلاعات الرأي وغيرها، وإذا وافق فريق الخبراء على العملية، يقومون بإتباع التعليمات وعرض وجهات نظرهم، ثم يتم جمع الردود وتحليلها، ثم يتم تحديد وجهات النظر المشتركة والمتضاربة، إذا لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء، تستمر العملية على شكل مناقشة الأطروحة ونقيضها حتى يتم الوصول تدريجا إلى توليف الآراء وبناء توافق(15).

 

استبصار، استشراف، تخطيط استراتيجي، تميز، جودة، إبداع، ابتكار، مسؤولية مجتمعية، تميز مؤسسي، معرفة، جودة التميز، منظمات متعلمة.

 

المراجع:

 

1. هارولد لنستون وموراي توروف (1975)، طريقة دلفي: تقنيات وتطبيقات، بوسطن، ماساشوتس: أديسون-ويلسي، ISBN 9780201042948

 

2. رو ورايت (1999): طريقة دلفي كأداة للتوقع: قضايا وتحليل. المجلة الدولية للتوقع، المجلد 15، العدد 4، أكتوبر 1999.

 

3. موراي توروف، “تصميم سياسة دلفي”، التوقع التكنولوجي والتغير الاجتماعي 2, 2, 1970.

 

4. ميشال ألدر، إيريو زيغليو (محررون) (1996)، التحديق في أوراكل: أسلوب دلفي وتطبيقه على السياسة الاجتماعية والصحة العامة، لندن: الناشرون كينغسلي، ISBN 9781853021046

 

5. موريزيو بولونيني (2001)، الديمقراطية الإلكترونية. طريقة دلفي وصنع السياسات العامة (باللغة الإيطالية)، روما: كاروتشي للنشر، ISBN 8843020358

 

6. http://www.ypes.gr/UserFiles/f0ff9297-f516-40ff-a70e-eca84e2ec9b9/D_diairesi.xls

 

7. مارتن هيلبرت، إيان ميلز وجوليا أوثمر: ” أدوات الاستبصار لصنع السياسات التشاركية في العمليات الحكومية الدولية في البلدان النامية: الدروس المستفادة من eLAC دلفي أولويات السياسة ” التوقع التكنولوجي والتغير الاجتماعي، المجلد 76، العدد 7، سبتمبر 2009، الصفحات 880-896, المجلد 15 العدد 2، على شبكة الإنترنت

 

8. أحمد بدر، اسلوب دلفي كمنهج حديث في بحوث المكتبات والمعلومات، الرياض، مكتبة الادارة، 2004

 

9. هارولد لنستون وموراي توروف ، مرجع سابق.

 

10. أبو زينه، تيسير، استخدام أسلوب دلفاي في تقدير الحاجات للتدريب المهني والتقني، المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 2006.

 

11. الجهني، محمد فالح، تطبيق افتراضي لأسلوب دلفاي في الدراسات المستقبلية، مجلة المعرفة، 2009.

 

12. أبو زينه، تيسير، مرجع سابق.

 

13. الجهني، محمد فالح، مرجع سابق.

 

14. أ ب غرين، ارمسترونغ، وغريف (2007): طرق لاستخراج التوقعات من المجموعات: مقارنة بين دلفي وأسواق التنبؤ. الأستبصار: المجلة الدولية للتوقعات التطبيقية (خريف 2007). شكل PDF

 

15. جين رو وجورج رايت (2001): آراء الخبراء في التوقع. دور تقنية دلفي. في: سكوت ارمسترونغ (محرر): مبادئ التوقع: كتيب من الباحثين والممارسين، بوسطن: كلوير للنشر الأكاديمي.

 

المصدر

 

قد يهمك أيضاً

4 6 votes
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments