ChatGPT: ملامح وتحديات الثورة القادمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي

ChatGPT: ملامح وتحديات الثورة القادمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي

2023-01-19 11:33 ص

ChatGPT: ملامح وتحديات الثورة القادمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي

 

على الرغم من وجود آلاف تطبيقات الذكاء الاصطناعي المنتشرة في شتى المجالات، إلا أن إطلاق شركة (OpenAI) الأمريكية تطبيق المحادثة الجديد “شات جي بي تي” (ChatGPT) جاء مصحوباً بضجة إعلامية واسعة تجمع ما بين الترقب والاحتفاء البالغ والخوف والتشكيك بحيث يمكن اعتبار التطبيق تتويجاً لعام 2022 المُتخم بالأحداث والتطورات الاستثنائية، حيث ينافس التطبيق الجديد البشر في الوظائف الإبداعية مثل كتابة المحتوى والتأليف والبرمجة وتقديم التوصيات والنصائح الطبية بل والإجابة على الأسئلة بشتى أنواعها وهو ما يثير مخاوف من مستقبل العلاقة بين الذكاء البشري وذكاء الآلات بصفة عامة .

 

وظائف استثنائية

أكد “سام ألتمان” الرئيس التنفيذي لشركة “OpenAI“، أن برنامج الشركة الجديد “ChatGPT“، استخدمه ما يقارب مليون شخص، خلال الأسبوع الأول فقط من الإطلاق التجريبي له. وعلى الرغم من تأكيد “ألتمان” أن الأداة ما زالت في مرحلتها المبدئية ولا يمكن الاعتماد عليها بصورة كلية في أداء العديد من المهمات الدقيقة، سارع الآلاف إلى مشاركة نماذج وعينات هائلة من المهمات التي نجح روبوت الدردشة في أدائها بكفاءة وسرعة أقرب إلى الخيال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بين هذه المهام ما يلي:

 

1- الكتابة المتعمقة الذكية وصناعة المحتوى: ظهرت العديد من التطبيقات الذكية التي تعيد إنتاج النصوص، عبر تقديم صياغات بديلة، أو تنقيح النص من الأخطاء الإملائية والنحوية وأخطاء الصياغة، وصولاً إلى حد استكمال الجمل والأفكار؛ وذلك على غرار أداة “Jenni AI”. وعلى الرغم من ذلك، فإن “ChatGPT” أحدث نقلة نوعية في هذا المضمار، فيكفي أن يكتب المستخدم سؤالاً بسيطاً أو عنواناً يُمهد للفكرة أو القضية محل الاهتمام، ليقوم روبوت الدردشة بكتابة نص كامل، يُشبه كثيراً الكتابات الأكاديمية والصحفية لأمهر الكتاب والباحثين.

 

ولم يقتصر إنتاج “ChatGPT” الفكري عند هذه النقطة، بل امتد ليصل إلى تأليف الروايات والقصص القصيرة، وصولاً إلى كتابة أبيات من الشعر والأغاني ذات الرتم المتناغم والمتناسق، والنكات المضحكة التي تحمل في طياتها رسائل خفية. وبطبيعة الحال، فإنه كان للبريد الإلكتروني نصيبه من هذه الطفرة التكنولوجية؛ حيث لجأ إليه بعض الموظفين للرد على رسائل استقبلها بريدهم الإلكتروني بطريقة احترافية ومختصرة.

 

2- محاكاة دقيقة للصور والتأثيرات البصرية: في سلسلة من التدوينات عبر منصة “تويتر”، نشر العديد من المتفاعلين الصور والتأثيرات البصرية التي أعاد التطبيق إنتاجها؛ وذلك في استجابة لما يهيم به خيال المتابعين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قدم أحد المتابعين طلباً برسم صورة تُظهر مجموعة من الأطفال يلعبون كرة القدم بجوار الأهرامات الثلاثة في مصر، وقد أخرج الروبوت الصورة بدقة عالية تُضاهي أمهر صانعي ومنتجي الخدع البصرية.

 

3- البرمجة بكفاءة عالية وتحليل البيانات: يقوم روبوت الدردشة بإعادة إنتاج الأساس المعرفي الذي قام عليه؛ فتقنية تدريب الآلة وتحليل الملايين من البيانات لم تكن لتعمل لولا وجود عدد من المبرمجين المهرة، الذين تمكنوا من استخدام أكواد المعلومات لتدريب هذه الأداة على التفكير والتحليل وصولاً إلى إنتاج مخرجات بطريقة تُحاكي بصورة أو بأخرى أمهر العقول البشرية.

 

4- المساعدة في حل المشكلات والتشخيص الطبينجح روبوت الدردشة في حل العديد من مشاكل البرمجة المستعصية التي واجهت صغار وكبار المبرمجين في غضون بضع ثوانٍ، كما قدم ملخصات وتحليلات وأقام علاقات ارتباطية بين عدد من المتغيرات. ولم يتوقف دوره عند الجانب البرمجي، وإنما امتد ليشمل تقديم تشخيصات ونصائح طبية، ساعدت بعض العاملين في القطاع الطبي، في أعقاب تقديمهم معلومات مختصرة عن الأعراض التي يعاني منها المريض.

 

5- الإجابة عن التساؤلات بمختلف أنواعهايعطي برنامج الدردشة إجابات عن جميع التساؤلات التي يتم طرحها عليه بمختلف أنواعها، ويقدم النصائح لمن في حاجة إليها، وهو أمر يمكن أن ييسر على مستخدميه الكثير من الأمور التي يحتاجونها في تعاملاتهم وحياتهم اليومية. ويتعين على من يستخدم هذا البرنامج باستمرار أن يطرح السؤال الصحيح للحصول على إجابة صحيحة بقدر الإمكان. ويتطلب هذا الأمر بطبيعة الحال إلمام المستخدمين بالطريقة المناسبة للتعامل مع هذا البرنامج.

 

مستقبل جديد

خصص عدد من الخبراء والمتخصصين في مجالات مختلفة جزءاً من تفاعلاتهم في الأيام الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للرد على الجماهير المهللة والمنبهرة بالقدرات الخارقة التي وصل إليها الذكاء الاصطناعي ممثلاً في روبوت الدردشة “ChatGPT”، وسلطوا الضوء على مواطن الضعف والخلل المتضمنة في بعض التكليفات والمنتجات الفكرية والبصرية النهائية التي قدمتها الأداة، لتأكيد أن الذكاء البشري ما زال يتفوق على قدرات الذكاء الاصطناعي، إلا أن وصوله إلى هذه النقطة يؤكد أن البشرية ستُتاح لديها العديد من الفرص، بجانب مواجهة تحديات هائلة بفعل الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب.

 

وفي هذا الإطار، يمكن استعراض أبرز التبعات المستقبلية المتوقعة لبرنامج الذكاء الاصطناعي الجديد “Chat GPT”؛ وذلك عبر ما يلي:

 

1- اقتراب مرحلة “اقتصاد المعرفة” البشري من الزوال: قدم خبير الإدارة “بيتر دراكر” في عام 1959 مفهوم “اقتصاد المعرفة”، وهو الاقتصاد الذي تعتمد فيه عمليات الإنتاج الاقتصادي على المعرفة والخبرة العلمية للعمال والموظفين المهرة، المتخصصين في مجالات عالية الدقة. وبتطور قدرات الذكاء الاصطناعي، يبدو أن مرحلة “اقتصاد المعرفة”، القائم على البشر، يقترب من الزوال، ليحل محله اقتصاد الذكاء الاصطناعي.

 

2- التعاطي مع الذكاء الاصطناعي كلاعب في المجتمعاتقدمت العديد من الأفلام الهوليودية نظرة مصغرة للواقع في ظل سيادة الذكاء الاصطناعي، خاصةً الفرص والتحديات التي ستواجه البشر في وجود رفقائهم من عالم الذكاء الاصطناعي. وسيتوجب على البشر التأقلم مع هذا الواقع عبر عدد من المستويات؛ فعلى الصعيد الاقتصادي على سبيل المثال، سيتم الاعتماد بصورة أكبر على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عمليات الإنتاج المختلفة.

 

3- حدوث تحولات جوهرية بالبحث العلمي وإنتاج المعرفةيواجه الأكاديميون العديد من التحديات التي تدفعهم للانصراف عن مجال البحث العلمي برمته. وقد تمثلت أبرز هذه التحديات في ضعف المردود المالي، وتصاعد المنافسة، وطول الفترة الزمنية اللازمة للخروج بمنتج أكاديمي يتم تقديره من قبل مجتمع المعرفة. ومن المتوقع إنهاء الإنتاج المعرفي للذكاء الاصطناعي اتجاه الأفراد إلى العمل في مجال البحث العلمي، ما داموا لا يمتلكون قدرات خارقة تؤهلهم لإضافة المزيد من القدرات والتحديثات للذكاء الاصطناعي. ويبدو أن المعضلة ذاتها ستواجه العاملين في مجال البرمجة مع دخول الآلة هذا المجال من أوسع أبوابه، وقيامها بالفعل بالعديد من واجبات البرمجة التقليدية.

 

4- خروج شركات تكنولوجية كبرى من معادلة التنافس: يبدو أن “جوجل” ستكون على رأس الخاسرين من هذا التطور التكنولوجي الهام الذي قدمه روبوت الدردشة “ChatGPT”؛ فقد نجحت الأداة في تقديم أغلب الوظائف التي يقوم بها عملاق البحث عبر الإنترنت، ولكن بصورة أكثر شمولية ودقة، وهو ما يفتح الباب أمام العديد من التكهنات حول مصير الشركة الأبرز في تاريخ الإنترنت حتى الآن؛ فإما أن تستمر في المنافسة بهذا المضمار عن طريق كشف النقاب عن المزيد من الخصائص التي تضاهي في قوتها “ChatGPT”، أو أن تكتفي الشركة بعطائها التكنولوجي الحالي، ويتم الاستحواذ عليها من “Open AI”.

 

إشكاليات معقدة

قام مجموعة من الباحثين والعاملين في المجال التكنولوجي بقيادة الفيلسوف البريطاني “وليام ماكاسكيل” في عام 2011 بتأسيس مؤسسة تحمل اسم “80000 ساعة”، لحث العاملين في المجالات المختلفة على العطاء والعمل المجتمعي. ويأتي على قمة أهداف هذه المؤسسة العمل على محاربة النتائج السلبية المترتبة على تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي. وتعتبر هذه المؤسسة واحدة من بين مجموعة من التكتلات والحركات الفكرية والعلمية على أرض الواقع التي تعارض التطوير غير المدروس لتقنيات الذكاء الاصطناعي، باعتبار أنها تهدف بصورة أساسية إلى تحقيق قدر كبير من الأرباح بدون وجود مرجعية أخلاقية حاكمة لسلوكها.

 

ومن التحديات الأخلاقية التي تواجهها البشرية بفعل التطور الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي على غرار برنامج“ChatGPT” ما يلي:

 

1- هيمنة الرأسمالية على خدمات الذكاء الاصطناعي: تتحدث الكثير من الأوساط الغربية عن حقوق الإنسان، وضرورة تمتع جميع الأفراد بالحقوق ذاتها على قدر من المساواة، إلا أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستُعمق الفروق الطبقية، خاصةً أن القائمين على تطوير هذه التكنولوجيا يهدفون بصورة أساسية إلى تكوين ثروات خيالية. وقد أشار “سام ألتمان” الرئيس التنفيذي لشركة “OpenAI” المطورة لأداة “ChatGPT”، إلى أن شركته في النهاية ستضطر إلى التربح المالي من هذه الخدمة.

 

وتعني تصريحات “ألتمان” في هذا الصدد بصورة أو بأخرى أن الوصول إلى هذه التكنولوجيا لن يكون متاحاً للجماهير العريضة، مع إمكانية فرض اشتراك دوري للاستفادة منه. وسيعزز هذا الأمر بدوره من الفروق الطبقية في المجتمعات؛ فأصحاب المال والسطوة كالعادة سيتمكنون من الوصول إلى أحدث الاكتشافات الإنسانية، بينما سيُحرم قطاع عريض من هذه التكنولوجيا التي ستكلف أغلبيتهم أيضاً وظائفهم التي يتربحون ويقتاتون منها.

 

2- تعميق الفجوة في جغرافيا الاتصال بالإنترنت في العالم: من المتوقع مساهمة التطور الكبير الذي تشهده تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعميق الفجوة في جغرافيا الاتصال بالإنترنت؛ حيث يرى البعض أن هذا التقدم رغم الإيجابيات الناتجة عنه، فإنه يستهدف إبقاء دول الجنوب بعيداً عن الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، ليكونوا أواخر المنتفعين من هذه التطبيقات الحديثة والمتطورة، وهو ما يضاعف الفجوة فيما بين الشمال والجنوب. وتستند هذه الفئة لدعم وجهة نظرها إلى حقيقة أن العالم به سرعتان للإنترنت: سرعة فائقة تتمتع بها الدول المتقدمة، وسرعة محدودة في دول العالم النامي.

 

3- صعوبة الوصول إلى الحقائق نتيجة “التزييف العميق”: في تجربة مثيرة للاهتمام، سارع عدد من الكتاب في المجلات والصحف العالمية على شاكلة “نيويورك تايمز” و”فايننشال تايمز” إلى الاستعانة بأداة “ChatGPT” لكتابة مقالاتهم التي تتناول الثورة التكنولوجية التي أحدثها التطبيق. وبينما لم يتم الكشف عن ذلك إلا في نهاية المقال، يبقى التساؤل حول طبيعة العالم الذي سيعيش فيه البشر في حالة وصول الذكاء الاصطناعي إلى مراحل أكثر تقدماً.

 

4- تقديم معلومات مغلوطة والانحياز للمنظورات الغربيةيعتبر هذا البرنامج في طور البداية ومرحلة التجربة. ومن الإشكاليات التي يتعين أخذها في الاعتبار عند التعامل مع أداة “ChatGPT” أن احتمالية تقديمها معلومات غير صحيحة واردة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، كشف بعض الأمريكيين عن تلقيهم إجابات مغلوطة من البرنامج عن الشأن الداخلي الأمريكي، كما أن من الوارد أن يقدم البرنامج نصائح ضارة أو محتوى منحازاً؛ حيث يقدم إجابات تعبر عن وجهة النظر الغربية، وهو ما يعني هيمنة منظومة القيم الغربية على البرنامج كما هو حال باقي تقنيات الذكاء الاصطناعي.

 

5- إدراك محدود بعد عام 2021 وتهديد أصالة البحث العلميلدى البرنامج إدراك محدود بعد عام 2021، بما يعني أن إلمامه بالتطورات والأحداث التي شهدها العالم بعد هذا التاريخ ضعيف للغاية؛ فكل ما ينتج عنه لم يتطور ولم يكتمل بعد. ومن الوارد على سبيل المثال أن يقدم هذا البرنامج نصائح طبية مدمرة؛ لأنه غير طبيب، ويفتقر للخبرة الطبية، خاصةً أن إجاباته عامة ومجردة ويمكن أن يبتعد عن المعرفة المتخصصة في الموضوعات التي لا يلم بها. ويُمكن أن يُستخدم بطرق قد تخلق تحديات وإشكاليات للبحث العلمي والتعليم، كأن يستخدمه الطلاب لإعداد الأبحاث التي تُطلب منهم.

 

تحول مفصلي

وختاماً، يمكن القول إن أداة “ChatGPT” تمثل نقطة تحول هامة ومفصلية في تاريخ العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي، ومن المفارقات المرتبطة بهذه الأداة علاقة مؤسسيها برجل الأعمال “إيلون ماسك” الذي يبدو كأنه في طريقه لإعادة رسم الخريطة الجيوتكنولوجية العالمية في المستقبل القريب.

 

المصدر

0 0 vote
Article Rating

اترك تعليقاً

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x